أخطأ نتنياهو ومن خلفه اليمين المتطرف في إسرائيل عندما توهم بأنه نجح في تطويع الشعب الفلسطيني وتدجينه بفعل دفعه نحو الانشغال بهموم حياته اليومية بعيدًا عن قضاياه الوطنية نتيجة الانقسام الذي قام بتغذيته بينهم ، وأخطأ أيضًا عندما توهم بأنه دفع قيادات هذا الشعب على اختلاف أطيافهم إلى الانشغال في عملية الصراع على السلطة والنأي بأنفسهم عن القضايا الجوهرية، وهي قضايا التحرر والبناء، حيث اعتقد نتنياهو أن انشغال القيادات والشعب بتلك القضايا الهامشية قد عزلت القضية الفلسطينية عن محيطها العربي والإسلامي وبذلك يستطيع استكمال تهويد القدس كعاصمة لدولة إسرائيل الأبدية، ظنًا منه أنه بهذه الخطوة سيحقق إنجازاً يُحسِن من وجوده السياسي ويُبعد عنه أيضًا شبح محاكمته على ما ارتكبه من جرائم، إلا أن الشعب الفلسطيني وبكافة فئاته وطبقاته وشرائحه السياسية والاجتماعية، وعلى رغم ما بينهما من اختلافات في الرؤى والأهداف كان قد أكد وبشكل سريع أنه لا يمكن تطويعه أو تدجينه، وذلك من خلال مشهد العز والفخار الذي استطاع تجسيده بأبهى صوره على امتداد جغرافية الوطن منذ اللحظة الأولى التي حاول فيها نتنياهو البدء بإجراءات تهويد القدس والسيطرة على المسجد الأقصى.
لقد أسهم المقدسيون الذين حملوا لواء الصمود على أرض القدس ومقاومة تهويدها في بث روح الثورة والعزيمة مجددًا في الضفة الفلسطينية وفي غزة وداخل الخط الأخضر أيضًا، كما أسهموا في قلب المعادلة التي حاول نتنياهو صياغتها لمصلحة وجوده لتصبح معادلة جديدة يعمل الفلسطينيون أنفسهم على صياغتها لمصلحة وجودهم وكيانهم، وهي أنه لا أمن أو استقرار دون دولة فلسطينية، فما هي السيناريوهات المرتقبة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل هذه المتغيرات، وفي ظل المعادلات الجديدة التي يحاول الفلسطينيون صياغتها وفرضها على الاحتلال، وخاصة بعد الحرب على غزة وصمود المقاومة فيها رغم الاختلال بينهما في موازين القوى.
إن الإجابة على هذا التساؤل الرئيس تتطلب منا أولاً ضرورة الإجابة على العديد من التساؤلات الفرعية والتي أثارتها جميع ما على الأرض من معطيات ووقائع ،حيث أصبحت هذه الأسئلة أكثر إلحاحًا ولا يجب تجاوزها في ظل ما عاشه الشعب الفلسطيني من وحدة في الساحات والميادين رغم التباينات فيما بينهما في الفكر والفعل، ليس من أجل الوصول لمعرفة السيناريوهات المرتقبة لحل الصراع ما بعد الحرب على غزة فقط، ولا حتى معرفة ما هو السيناريو الأقرب للتحقيق، وإنما للمساهمة في دفع الشعب الفلسطيني بكافة فئاته وقواه وشرائحه إلى تحقيق أهدافه بالتحرر والاستقلال على قاعدة التوحد فيما بينهما بعيدًا عن تلك التباينات والاختلافات في الرؤى والأهداف.
ولعل السؤال الأهم والأكثر أولوية الآن هو كيف يمكن للشعب الفلسطيني الحفاظ على المشهد الوحدوي الذي قاموا بتجسيده على امتداد جغرافية الوطن والاتجاه به نحو التكامل من أجل نيل الاستقلال وفقًا لخارطة طريق يجب الاتفاق عليها بعيدًا عن المحاولات الإسرائيلية في تفكيك هذا المشهد الذي طالما نجحوا به، سواء بالاستناد على بعض الدول العربية والتي أصبحت ترتبط معها بمعاهدات سلام وتطبيع، وسواء أيضًا بالاستناد إلى بعض الجماعات والفصائل الفلسطينية التي تسعى إلى تحقيق أطماعها الحزبية والشخصية بعيدًا عن مصالح الوطن والشعب، والتي لم تتوقف إسرائيل وعلى امتداد مسيرة نضال الشعب الفلسطيني في الاستناد على أمثال هؤلاء في الوقوف أمام تحقيق وحدة الشعب بذرائع وشعارات في عناوينها مقاومة وانتصار وفي تفاصيلها ركوع واندثار، وهذا ما يدفعنا إلى مناقشة تلك الشعارات وضرورة القفز عن الكثير منها كمقدمة للاتجاه نحو التكامل فيما بين كافة قواه، ليس نحو التكامل في البرنامج السياسي فقط، وإنما في التكامل أيضًا بكافة أشكال النضال كمقدمة حقيقية لنيل الاستقلال، لأن التكامل ما بين المقاومة المسلحة والمقاومة الشعبية لتحقيق الاستراتيجيات والبرامج من خلال الاتجاه نحو حكومة وفاق وطني هي أقصر طرق النصر ، وهذا ما اكدته الحرب الأخيرة على غزة التي أثبتت أحداثها أن لا استقلال دون تكامل الكل الوطني، وأن لا تكامل نحو هذا الاستقلال دون خارطة طريق يجب الاتفاق على صياغة بنودها وصولاً إلى هذه الحكومة لتدارك مرحلة يجب تجاوزها بأمان وحكمة بعيدًا عن أية سيناريوهات أو خيارات لا تتوافق مع تطلعات الشعب الفلسطيني بالتحرر وبناء الدولة قد تتجه حركة حماس نحو الشروع بتنفيذها .
حكومة الوفاق الوطني لتنفيذ خارطة طريق نحو الاستقلال
كانت غزة وما زالت وستبقى الرقم الأصعب في صياغة خارطة طريق نحو الاستقلال ،ولذلك فإنها كانت وما زالت أيضًا وإلى الآن تتعرض لأبشع أنواع المؤامرات من أجل كسرها، ومنها مؤامرة الانقسام التي نجح الاحتلال في دفع من فيها نحو تنفيذها بوعي منهم أو دون وعي بذريعة صراع البرامج فيما بينهم واختلاف المفاهيم، حيث استطاع اليمين المتطرف في إسرائيل وعلى مدار خمسة عشر عامًا من الانقسام إفراغ مقاومة غزة من محتواها النضالي رغم ما تقوم به هذه المقاومة من إبداع، كما استطاع هذا اليمين في قلب الحقائق من خلال ادعاءاته بأن ما تعانيه غزة من مشكلات إنسانية وسياسية ليس بسبب إسرائيل، وانما بسبب حركة حماس نفسها التي لا تعترف في وجود إسرائيل ولا في حدودها، فما هو الحل إذًا لتعود غزة كما كانت باعتبارها العمود الفقري للثورات والمنظم لأهدافها، والمحقق لإنجازاتها، وبأنها الرقم الأصعب في صياغة خارطة طريق نحو الاستقلال.
لقد اثبتت الحرب على غزة بأن المقاومة فيها ومهما قامت به من إبداع في وسائلها الدفاعية والهجومية لا قيمة لها أو وزن دون وحدة أو اتفاق بين كافة أطياف الشعب في البرامج ووسائل النضال، كما اثبتت هذه الحرب أيضًا ومن خلال ما أحدثته أعمال المقاومة المسلحة من انعكاسات على إسرائيل بأن المقاومة الشعبية لوحدها لا أهمية لها أو تأثير دون الاستناد لهذه المقاومة المسلحة أيضًا، فلماذا لا تتجه كافة القوى والفصائل نحو الاتفاق على خارطة طريق تستطيع من خلالها وبعد توحيد البرامج والمفاهيم تشكيل حكومة وفاق وطني لتنفيذ كل ما يتم الاتفاق عليه بينهما استنادًا إلى وحدة القواسم المشتركة.
على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تعترف بأن المقاومة الشعبية التي اتخذتها كوسيلة وحيدة لتحقيق أهدافها في بناء الدولة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية لم تعد كافية لوحدها، كما على فصائل المقاومة الفلسطينية أن تعترف أيضًا بأن المقاومة المسلحة لوحدها بعيدًا عن الاتفاق والتوافق في السياسة والمقاومة مع السلطة لم تعد كافية أيضًا لاستمرار هذه المقاومة ، وبأن الانفراد فيها دون انسجام مع السلطة لا تؤدي إلا للقتل والتدمير وضياع الفرص في تحقيق الإنجازات رغم ما يقدمه الشعب الفلسطيني من إبداع في التضحية والفداء، ولذلك يجب على هؤلاء جميعًا ضرورة الاتفاق على خارطة طريق فيما بينهم وصولاً إلى الجمع ما بين المقاومة الشعبية والمسلحة لتنفيذ الاستراتيجيات وما يتم الاتفاق عليه أيضًا من برامج بعيدًا عن الديمقراطية التي لم تسهم إلا بتعزيز الانقسام من خلال الإصرار على الاتجاه نحو صناديق الاقتراع للمفاضلة ما بين برنامجي المقاومة والسلام، وليس الاتجاه نحو خارطة طريق من المواءمة والتكامل فيما بينهما، فما هو المطلوب إذًا من أجل الوصول إلي هذا التكامل باعتباره أقصر الطرق نحو النصر وتحقيق الأهداف.
باعتقادي أن الاتجاه نحو تشكيل حكومة الوفاق الوطني على قاعدة التكامل في إطار خارطة طريق هي الطريق الحتمي والوحيد نحو الانتصار، وأن الاتجاه نحو المفاضلة ما بين البرامج والمفاهيم، وما بين المقاومة الشعبية والمسلحة عن طريق الانتخابات هو الطريق الذي سيدفع حتمًا نحو الانكسار، ولذلك فإن على قيادات الشعب الفلسطيني الاتجاه نحو إعلان هذه الحكومة على قاعدة التكامل وليس المفاضلة فهي الأفضل لتدارك مرحلة يجب على الشعب الفلسطيني أن يتجاوزها بأمان وحكمة وصولاً للدولة الفلسطينية.
صحيح أن الشعب الفلسطيني التف بكافة أطيافه حول المقاومة أثناء الحرب على غزة ، حتى وإن كان يختلف مع هذه المقاومة في الأساليب والأهداف ،إلا أن على حركة حماس أن تدرك بأن هذا الالتفاف حول مقاومتها لا يعني موافقة الشعب على ما قامت به من ظلم واعتداءات وقمع لحرية الرأي على مدار خمسة عشر عامًا ، كما عليها أن تدرك بأن هذا الالتفاف لا يعني التفويض لها باستمرار سيطرتها على غزة بذريعة البناء لهذه المقاومة والإعداد لها مجددًا، بل أن الالتفاف حول هذه المقاومة كان بمثابة الاتفاق على أهمية الفعل وضرورة تعاظمه، وليس حول قيادة هذا الفعل ومهما بلغ هذا الفعل من تعاظم ،ومهما بلغت شدته أيضًا في إيلام العدو ،فلماذا إذًا لا تعلن حركة حماس موافقتها على الاقتراح الذي طرحه الرئيس الفلسطيني بضرورة تشكيل حكومة وفاق وطني من أجل تحقيق التكامل ما بين الفعل والسياسة، وبما يحقق هذا التكامل من فعل لخدمة حل الدولتين المتفق عليه فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، ولماذا لا تتوقف قيادة حركة حماس أيضًا عن استخدام هذه المقاومة في إطلاق رسائلها للإقليم والعالم والتي تمحورت جميعها حول ضرورة الاتصال والتنسيق معها باعتبارها الأكثر قوة، والأجدر في التمثيل والحكم بعيدًا عن السلطة ومنظمة التحرير، كتلك الرسائل التي زادت وتيرة العمل بإطلاقها أثناء الحرب دون مراعاة لمشهد الوحدة الذي جسده الشعب، ودون احترام لمشاعر الشعب نفسه في ظل ما يتعرض له من قتل وتدمير وتطهير. المطلوب من حركة حماس ومن باقي فصائل وقوى العمل الوطني والإسلامي ومعهم السلطة الوطنية الفلسطينية أيضًا ضرورة الاتجاه نحو التكامل في المقاومة والدبلوماسية والابتعاد عن العنتريات الخطابية التي لا يرتبط مضمونها بفلسطين ،ولا حتى بحركة الشعب، وذلك من أجل الابتعاد عن كافة السيناريوهات التي يدفعنا الاحتلال نحو القبول بها لحل الصراع معها، والابتعاد أيضًا عن تلك السيناريوهات التي تعتقد حماس أنها الأصلح في استمرار وجودها وسيطرتها، فما هي السيناريوهات التي تعمل حماس على الاتجاه نحوها إذا ما أصرت على عدم الاتجاه نحو التكامل في الفعل والسياسة بذرائع واهية ورفضت بإصرار التجاوب مع تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وما هو مدى خطورة هذه السيناريوهات على الشعب والقضية اذا ما أصرت حركة حماس على الاتجاه نحوها بعيدًا عن حكومة الوفاق بذريعة تأمين الحاجات الإنسانية. غزة ما بعد الحرب... إدارة منفصلة في غزة
كثيرة هي تلك السيناريوهات التي تعمل إسرائيل على دفع حركة حماس نحو تنفيذها وبمساعدة من بعض دول الإقليم والعالم، وكثيرة هي تلك الخيارات التي تلوح حركة حماس باللجوء إليها أيضًا من أجل تثبيت أركان حكمها بذرائع واهية، وأي كانت تلك السيناريوهات ومهما تعددت الخيارات أيضًا، فإنها لا تخرج عن إطار الأمن الذي تتطلع إسرائيل إلى تحقيقه لتنفيذ ما تبقى من رتوش أخيرة في صفقة القرن في ظل هدنة طويلة مع حماس تقوم بموجبها في حماية إسرائيل ومنع الاعتداء عليها ،مع تسليم حركة حماس كافة ما لديها من جنود أسرى وجثامين مقابل استمرار سيطرتها على غزة في ظل إدارة منفصلة بعيدًا عن السلطة والمشروع الوطني. إن تركيز جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه الأخيرة على غزة في إنهاء القدرات العسكرية لحركة حماس دون المساس بقيادتها السياسية قد يكون بمثابة دفع حركة حماس نحو هذا الخيار، كما أن تدمير إسرائيل لمعظم البنى التحتية لقطاع غزة قد تكون، وهذا هو الأرجح ،بمثابة رسالة لحركة حماس بأنه إذا ما أرادت الإعمار في ظل الإدارة المنفصلة التي تسعى لتحقيقها فما عليها إذًا إلا تسليم ما لديها من جنود وجثامين لإسرائيل، ولعل إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد دون هدنة أو اتفاق تهدئة في الوقت الذي أعلنت فيه حركة حماس بانها الأقوى في المقاومة، والأجدر بالحكم ،والأقدر على إعادة الإعمار، مع تجنب بحث حكومة الوفاق التي يدعو الرئيس لها ما يعزز هذا الاعتقاد . .
إن اتجاه حركة حماس نحو الانفصال لن يدفع الشعب الفلسطيني في غزة إلى الثورة عليها ،لأن تحقيق هذا الانفصال سيتحقق بالتدرج ومن خلال اتخاد مجموعة من الإجراءات والتدابير والتي في ظاهرها ضرورة وطنية وفي باطنها مقتضيات حزبية، ولعل أولى تلك الإجراءات التي ستشرع حركة حماس باتخاذها هي تشكيل لجنة وطنية بذريعة إعادة الإعمار وتامين ما يحتاجه الشعب من مقومات بناء وصمود ومعيشة، وهي نفس الإجراءات التي كانت تنوي حركة حماس الشروع بها قبل الحرب على غزة من خلال الاتفاق مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان في إطار لجنة التكافل نفسها مع التوسع في صلاحيات هذه اللجنة من حيث الاتصال بإسرائيل والعالم الخارجي لتحقيق هذا الانفصال، وبما يؤدي وبالتدرج أيضًا إلى إنهاء السلطة بعد تحقيق مجموعة من العوامل لإضعافها.
إن إعلان إدارة منفصلة في غزة بحجج وذرائع واهية قد لا تكون تحت المسؤولية المباشرة لحركة حماس، وإنما قد تكتفي حركة حماس بمسؤولية المراقبة والإشراف والتوجيه في ظل استمرار سيطرتها الأمنية على جميع مفاصل الحياة في غزة، وهذا ما سيدفع المجتمع الدولي إلى التحلل من كافة الالتزامات نحو السلطة الفلسطينية وصولاً إلى إضعافها بالتدرج ثم إنهائها ما لم تقبل بالحلول السياسية المطروحة والتي لن تتجاوز رغبة وقبول إسرائيل فيها، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل من أجل التخلص مما مورس عليها من ضغوط لبحث حل الدولتين والتي ازدادت عليها أثناء الحرب على غزة، فما هو الحل إذًا لدفع حركة حماس بعدم الاتجاه نحو تلك الخيارات، وما هو المطلوب من السلطة من أجل الضغط على حركة حماس للمشاركة في حكومة الوفاق الوطني وصولاً إلى تحقيق آمال الشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وليس وفقًا لإملاءات إسرائيل واشتراطاتها .
على السلطة الوطنية الفلسطينية ضرورة الاتجاه فورًا نحو التشاور لإعلان حكومة الوفاق الوطني على أسس وقواعد يتم الاتفاق حولها كخارطة طريق نحو الاستقلال ،وعلى حركة حماس أن تعلن مشاركتها بتلك الحكومة بعيدًا عن أية سيناريوهات وخيارات ستؤدي حتمًا، ليس لتقزيم تضحيات الشعب الفلسطيني فقط ،وإنما لاندثار هويته أيضًا ،كما على حركة حماس أن تدرك بأن قبولها وقف إطلاق النار بعيدًا عن إطار رؤية سياسية شاملة، وبعيدًا عن محاولات ربط هذا الوقف بشرط إعلان الدول الفاعلة في المنطقة والعالم بعقد مؤتمر دولي لبحث القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية جريمة ما كان يجب ارتكابها ،حيث كان يمكن تحقيق تلك المطالب وبأقل كلفة للمقاومة و أكثر حفاظًا على سلاحها في ظل ما كان يجري من تحولات وتحركات سياسية عالمية بتأثير تضحيات الشعب الفلسطيني أثناء الحرب على غزة .
على حركة حماس التخلص من عقلية الاستئصال التي استطاع الاحتلال البريطاني ومن بعده الاحتلال الإسرائيلي تمكينها في أوساط الشعب الفلسطيني بعناوين وشعارات واهية والتي لم تجلب إلا التراجع بالتحرير وضياع للإنجازات ،حيث إن ما يمر به الشعب الفلسطيني الآن من مناكفات ومن دعوات الاستئصال على قاعدة المفاضلة بين برنامجين قد مر به الشعب الفلسطيني سنوات الانتداب البريطاني وبدايات إعلان دولة إسرائيل، وهذا ما أنجح الاحتلال بتعزيز وجوده وبناء قوته في الوقت الذي تاه فيه الشعب الفلسطيني نتيجة تلك المفاضلة وعدم الاتجاه نحو التكامل في الفعل والسياسة من أجل الدفاع عن أرضه وإعلان كيان سياسي له .
إن الدعوة إلى إنهاء السلطة الوطنية الفلسطينية وعدم الاهتمام بتطويرها ونموها بذريعة أولوية تقديم خيار المقاومة عنها، ودون محاولة الوصول إلى تكامل هذه المقاومة معها من أجل إيصالها لمرحلة الدولة هو نفس الخطأ الذي وقع به الشعب الفلسطيني عندما أسقط حكومة عموم فلسطين وبنفس الذرائع التي يستند اليها البعض الآن في دعوات إسقاط السلطة، ولذلك فإن على السلطة الوطنية الفلسطينية دعوة الدول العربية وبكل جدية إلى دفع حركة حماس نحو ضرورة قبول المشاركة بحكومة الوفاق الوطني على قاعدة التكامل ما بين المقاومة والسلطة وليست على قاعدة المفاضلة فيما بينهما من أجل تحقيق الأهداف بالتحرر والاستقلال وإلا فإن التاريخ سيعيد نفسه ،فاذا ما ضاعت حكومة عموم فلسطين بمساعدة من بعض الدول العربية، وهذا ما سبب للشعب الفلسطيني التخلف والانقسام واندثار الهوية لعقود، فإن إنهاء السلطة الوطنية الفلسطينية وبمساعدة من بعض الدول العربية بذرائع واهية سيعيد الشعب الفلسطيني أيضًا إلى الخلف لعقود أخرى في ظل ما تطرحه إسرائيل من حلول وما يستجد من سيناريوهات لحل الصراع بعد الحرب التي ما زالت مفتوحة على غزة وأن توقف إطلاق النار فيها.