array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 163

"نيوم" أكبر مشروع تكنولوجي للتكامل والابتكارات تتخطى الحدود إلى العالمية

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

يسلط هذا المقال  الضوء على رؤية مستقبلية لنمو الاقتصادات الخليجية على ضوء خطط التنمية 2030، و يتناول هدف هذه الخطط في نهاية المطاف إما إلى التكامل الخليجي أو النمو لكل دولة ؟، كما يتناول كيف يتحقق التكامل الاقتصادي الخليجي على ضوء تماثل المنتج الأهم و هو النفط، في ضوء المنافسة العالمية ووجود تكتلات اقتصادية كبرى بين العديد من دول العالم بشقيه المتقدم والنامي، ويتطرق المقال أيضاً إلى كيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تحقق تكتلاً اقتصاديًا يستطيع المنافسة الإقليمية والدولية و الصمود أمام حركة التجارة واحتدام المنافسة العالمية.

التكامل الاقتصادي الخليجي، موضوع جدي في مرحلة الرؤى الوطنية 2030 إذ أن الدول الست المؤسسة لمجلس التعاون الخليجي، هي دول مهمة، حيث يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس الست 1.78 ترليون دولار، والإنجاز أو التقدم الذي يحصل في مجلس التعاون ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الدولي. إن الانسجام الواضح والتقارب في المستوى الاقتصادي بين دول المجلس له دور مهم وأساسي في تحقيق المجلس خطوات مهمة نحو التكامل الاقتصادي الخليجي. إن قضية التكامل الاقتصادي الخليجي تعتبر من أهم القضايا التي تواجه العمل الخليجي المشترك، والتي يجب أن تحظى بالاهتمام المتزايد في ظل التطورات الاقتصادية الدولية، والتكتلات الاقتصادية الدولية.            

 للتكامل الاقتصادي، بعدان أساسيان، الأول اقتصادي لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وإحياء فرص التكامل التنموي بجانب التعاون الاجتماعي والثقافي وغيرها، والثاني سياسي لتوفير الأمن والاستقرار، حيث تشكل الدول أحياناً تكتلات لأسباب غير اقتصادية مثل الأمن القومي والسلام، وهذه الأمور من غير المحتمل أن تكون متوفرة بدرجة كافية في ظل غياب شكل معين من التدخل مثل إقامة منطقة جوار أو اتفاقية تكامل إقليمي. إن الأهداف السياسية لاتفاقيات التكامل أو التعاون الإقليمي تكون هامة وأحياناً ملحة، ولكن ما زال هناك رغبة في أنها تتحقق بكفاءة وأن يراعي صانعو السياسة تكاليفها ومنافعها الاقتصادية، إذ أن التجارة والاستثمار يمكن أن يكونا قوة هامة لتكوين وتدعيم العلاقات السياسية بين الدول، لأن تكوين اتفاقية تكامل إقليمي أو إقامة منطقة جوار يزيد دائماً التجارة والاستثمار بين الشركاء، وفي الواقع يكون هذا حقيقي عندما تكون اتفاقية التكامل الإقليمي بين شركاء متوازنين نسبياً، والتي ترغب حكوماتهم أصلاً في تحسين الأمن وهذا العامل متوافر فيما يخص الدول العربية، وأيضاً عندما تكون المنافع والتكاليف من اتفاقية التكامل الإقليمي، موزعة بطريقة عادلة نسبياً.  

ويهدف التكامل الخليجي إلى جعل منطقة الخليج العربي "منطقة سلام واستقرار واكتفاء" من خلال دعم وتعزيز التعاون وإطلاق الحوار السياسي والتعاون الاجتماعي والثقافي وغيرها، حيث يتحقق التكامل الاقتصادي من خلال حوار اقتصادي منتظم بين جميع الأطراف يغطي كافة مجالات سياسة الاقتصاد الكلي، التجارة، والصناعة، والاستثمار، والسياحة، والنقل، والبيئة والتنمية المستدامة، والزراعة والمياه والطاقة وغيرها، وكذلك يتم من خلال تبادل منتظم للمعلومات والأفكار في كل قطاع للتعاون، بما في ذلك اجتماعات المسؤولين والخبراء، ومن خلال نقل المشورة والخبرة والتدريب، وتنفيذ الأنشطة المشتركة مثل الحلقات الدراسية وورش العمل، ومن خلال المساعدات الفنية والإدارية والتنظيمية.

 يمتد التعاون الاقتصادي من أجل التكامل ليشمل التعليم والتدريب والتعاون العلمي والتكنولوجي، عن طريق تحفيز الابتكار التكنولوجي، ونقل التكنولوجيا الحديثة ونشر المعرفة الفنية، ويمتد التعاون الاقتصادي ليشمل مجال البيئية والتنمية المستدامة، من خلال منع تدهور البيئة، والسيطرة على التلوث وتأكيد الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بهدف ضمان التنمية المتواصلة، لاسيما في مرحلة الرؤى الوطنية 2030م.                                 

يمثل المجال الاقتصادي أحد أبرز مجالات التعاون والتفاعل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. فعلى خلاف المسار السياسي، يرتبط التفاعل الاقتصادي بين الدول بدوافع وأهداف أكثر واقعية وكذلك أكثر استقراراً، لذا يمكن اعتبار التفاعل الاقتصادي الخليجي مؤشراً ذا دلالة إلى عمق ومضمون العلاقات الخليجية-العربية.شأنها شأن أي منظومة علاقات بين دولتين أو مجموعة من الدول، تخضع العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي لمجموعة من المحددات والعوامل الحاكمة. ومن أهم تلك المحددات الروابط الجغرافية والتاريخية والسياسية التي تجمع الجانبين، وهي ما يمكن وصفها بالمحدد الإقليمي أي الاعتبارات الناجمة عن وقوع الجانبين في نطاق إقليمي واحد، حيث التواصل الجغرافي يلعب دوراً محورياً في إيجاد مسارات تفاعل اقتصادي بدءاً بالتبادل التجاري وانتهاءً بالاستثمارات. وفي النطاق الإقليمي كان للبعد التاريخي أثره البالغ في توثيق عُرى العلاقات الاقتصادية، ففي ظل تاريخ مشترك سياسياً واقتصادياً واجتماعياً مرت دول المنطقة بمراحل متشابهة من التطور في مختلف المجالات، الأمر الذي جعل التعاون والتفاعل البيني أيسر وأكثر قابلية للنجاح.

والعامل المهم الآخر في العلاقات الاقتصادية الخليجية، هو الأوضاع الاقتصادية، حيث تركت طبيعة وخصائص الاقتصادات الخليجية بصمات واضحة على التوجهات المتبادلة في المجال الاقتصادي. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى التركيبة السكانية الخليجية وانعكاسها الواضح في استقبال العمالة الوافدة ومن بينها العمالة العربية. وكذلك انعكست طبيعة الموارد المتاحة خليجياً وتركزها بشكل أساسي في النفط في اتجاه الفوائض المالية والاستثمارات الخليجية إلى الدول العربية في المقابل لعبت الأوضاع الاقتصادية العربية دوراً مهماً في توجيه دفة العلاقات الخليجية حسب طبيعة وخصوصية اقتصاد كل دولة.

اعتمد التعاون الاقتصادي الخليجي إلى حد كبير على فكرة التكامل النوعي، بمعنى التعاون القائم على التبادل بين الجانبين فيما يحتاجه كل جانب ويتميز فيه الجانب الآخر نسبياً. فمن ناحية، سادت العالم موجة من الانفتاح المتبادل والاشتراك في القضايا والاهتمامات والروابط الاقتصادية، فتحولت العلاقات ومسارات التفاعل الاقتصادي على مستوى العالم من الاستناد إلى الأطر الإقليمية ومعيار التقارب الجغرافي وهو ما تجسد في صيغ تكاملية ثنائية أو إقليمية، لتتجه بشكل كلي تقريباً إلى التعاون القائم على المصالح الاقتصادية بغض النظر عن الاعتبارات الجغرافية أو السياسية ودون التقيد بصيغ تنظيمية دائمة خاصة الثنائي والإقليمي منها. لكن يلاحظ أن العالم شهد بالتوازي مع هذا المسار صعوداً في التوجه نحو (عولمة التكتلات الاقتصادية)، بمعنى أن الاستغناء عن الصيغ التنظيمية محدودة النطاق جاء لمصلحة صيغ تنظيمية واسعة النطاق وغير محكومة بالأطر الإقليمية أو عامل التجاور الجغرافي التقليدي، والمثال الأبرز في ذلك هو منظمة التجارة العالمية.

ومما ساعد على تأثر الدول الخليجية إجمالاً بالعولمة وتداعياتها التشابه بين الاقتصادات الخليجية بشكل عام، وفي نطاق كل مجموعة بصورة واضحة، فالدول العربية كافة تشترك في الاعتماد على مصدر دخل واحد رئيسي، النفط في بعضها، الزراعة في بعض آخر، والسياحة في البعض الثالث، وكذلك في انخفاض مساهمة القطاع الصناعي في توليد الناتج المحلي الإجمالي، هذا القطاع الذي يمثل القوام الأساسي لأي اقتصاد قوي. وبالنظر إلى مجموعة الدول الخليجية، نجد أنها تتشابه كثيراً في أوضاعها وخصائصها الاقتصادية، الأمر الذي جعل الظروف والمعطيات الاقتصادية على الجانبين مهيأة للانفتاح على العالم الخارجي وفي نفس الوقت قابليتها للتكامل البيني فيما بينهما معاً.

لابد هنا في هذا المقال، مناقشة كيفية بناء قاعدة تكاملية بعيداً عن الاقتصاد الريعي ومخاطره وتقلباته، حيث اتجهت الدول بشكل عام نحو تطبيق آليات اقتصاد السوق والحد من دور الدولة المركزي في إدارة وتسيير العمليات الاقتصادية، في محاولة لاستنهاض تلك الاقتصادات وملاحقة الاقتصادات المتقدمة. والجدير بالذكر هنا ما قامت به الدول الخليجية من جهود حثيثة ومتواصلة للخروج من دائرة المورد الواحد، والانحسار في نطاق الاقتصاد الريعي، وهو ما نجحت فيه بالفعل إلى حد كبير خاصة في اتجاه تخصيص الاستثمارات والعوائد النفطية لبناء هياكل اقتصادية جديدة، وهو ما تمثل في التوجه بقوة نحو تسريع عملية التحول الهيكلي من اقتصاد أولي تسيطر عليه القطاعات الأولية (الزراعة والمناجم)، إلى اقتصاد صناعي حديث (الصناعات التحويلية والخدمات الإنتاجية) الذي سيفضي في نهاية المطاف إلى تنويع الاقتصاد. وتعمل السياسات القطاعية (الزراعية والصناعية والخدمية) بالتنسيق والتعاون وحسب الميزة التنافسية للسلع والخدمات المتوافرة على توجيه الاستثمار الخاص والعام نحو مجموعة من الأنشطة المستهدفة ذات القيم المضافة المرتفعة، من خلال السيطرة على أكبر قدر من سلسة القيم المضافة عبر تصنيفها وتحويلها إلى منتجات وسيطة ونهائية، والانتقال من نظام قائم على استغلال الموارد الطبيعية إلى إنتاج السلع ذات التقانة المتقدمة. إن سرعة هذه العملية سوف تحددها هذه الموارد الطبيعية والمزايا النسبية وكذلك حجم الاقتصاد والذي يحدد مستوى الطلب ونوعيته، بالإضافة إلى درجة الانفتاح وطبيعة السياسات التنموية وعلاقتها بالتحول الهيكلي وتنويع الاقتصاد.

ومن ناحية أخرى، من الضروري أن يكون لدى دول الخليج تصورًا واضحًا عن الصيغة المُثلى للتفاعل مع العالم اقتصادياً، سواء من خلال تكتلات اقتصادية إقليمية أو بالتعاون متعدد الأطراف، أو بشكل فردي متحرر من الالتزام بالأطر الجماعية. إن اختيار إحدى هذه الصيغ من شأنه التأثير بقوة على توجهات كل من الدول العربية سواء مجموعة دول مجلس التعاون أو بقية الدول العربية، ليس كل مجموعة تجاه الأخرى بشكل إجمالي فقط، لكن أيضاً داخل كل مجموعة على حدة.

إن من شأن تحديد هذه الأسس والمنطلقات أن يساعد على تفعيل العلاقات الاقتصادية واغتنام الفرص والمداخل المتاحة أمامها لمزيد من الترابط والمنفعة المتبادلة. ومن أبرز تلك المداخل والفرص التطور الإيجابي الذي طرأ على مناخ الاستثمار في الدول العربية غير الخليجية مصر، الأردن، تونس، المغرب، بما يشجع على جذب الاستثمارات الخليجية.

وفي المقابل فإن التنويع المستمر في الأنشطة الاقتصادية الخليجية الداخلية يفتح الباب مجدداً أمام هذه الدول لتستعيد مكانتها في السوق الخليجي، والمثال الأوضح على ذلك تزايد الاهتمام الخليجي مؤخراً بمجالات مثل الاقتصاد الرقمي، التكنولوجيا والمعلوماتية، والبحث العلمي، وكذلك السعي الخليجي المستمر نحو تطوير نظم وهياكل التعليم واستحداث الجديد منها في العالم بشكل مستمر. بيد أن تفعيل تلك الفرص والاستفادة يظل مرهوناً بشروط عدة من بينها ضرورة إدراك دول الخليج أن الاندماج في آليات الاقتصاد العالمي والانفتاح الشامل على العالم الخارجي بمستوياته ونطاقاته فوق الإقليمية، لا بد أن يستند إلى روابط بينية وإقليمية قوية بصيغة تكامل اقتصادي يكفل التماسك والاستمرار في التواجد على الساحة العالمية في مرحلة الرؤي الوطنية 2030، ويؤدي إلى بناء تكتل إقتصادي خليجي يستطيع المنافسة الإقليمية والدولية والصمود أمام حركة التجارة واحتدام المنافسة العالمية.

أما المعوقات والتحديات التي تواجه السوق الخليجية المشتركة وكيف يمكن تجاوزها لتحقيق الأهداف الكبرى والمصلحة هنا لابد من القول أنه ربما لا تتاح لمجموعة من دول العالم مقومات التكامل قدر ما يتوافر للدول الخليجية، وفى الوقت الذي تسعى دول العالم جميعاً للانتماء لكيانات كبرى في عصر العولمة، فما زالت الدول الخليجية تواجه العالم الخارجي وتحديات المنطقة فرادى، مع بعض الاستثناءات، الأمر الذي يفوت على الدول الخليجية ثمار التعاون الوثيق في مضماري التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمن القومي.

لقد حظي التعاون الخليجي باهتمام واسع على مختلف المستويات، وذلك نتيجة لما يجمع دوله من مقومات وروابط مشتركة تتمازج فيها اللغة والحضارة والتاريخ المشترك والدين المشترك والتواصل الجغرافي. وقد تمكنت مؤسسات مجلس التعاون الخليجي من خلال مسيرتها من إقامة بنى أساسية للعمل العربي المشترك، تتمثل بكم كبير من الأطر والمؤسسات والمواثيق والاتفاقيات والقرارات، ولكنه رغم شموليتها واتساعها لم يتم الالتزام بها في التنفيذ العملي، وبقيت محصلتها ضئيلة وفى أضيق الحدود ، مقارنة بما حققته تجربة الاتحاد الأوروبي، إذ لا ينقصها المؤسسات المشتركة التي تعمل في إطار التعاون والتكامل وتهدف إلى تنميته والارتقاء به حيث تم إنشاء قطاع واسع من الأجهزة المتنوعة ذات الوظائف المختلفة على المستوى الحكومي وغير الحكومي، وعلى المستويين الشمولي والقطاعي، من منظمات العمل العربي والاتحادات العربية النوعية والمجالس الوزارية المتخصصة، تشكل في مجملها إطاراً تنظيمياً بإمكانه أن ينسق بين الدول العربية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية.

وعلى الرغم من أهمية هذه الأجهزة، إلا أن من محددات جهودها، هي الحالة السياسية السائدة والعلاقات العربية البينية وتفاعلاتها التي جعلت انجازاتها متواضعة، ولم ترق إلى مستوى التنسيق المطلوب للسياسات المختلفة، كما إنها لم تستطع في كثير من الأحيان التأثير واتخاذ المواقف المدروسة لتحقيق خطوات مهمة تجاه تعزيز التكامل الاقتصادي العربي وتحقيق السوق العربية المشتركة.

ونرى ضرورة قيام مؤسسات التكامل في مجلس التعاون الخليجي، بمهام أوسع ليس فقط دوراً لتحقيق التعاون بين الأعضاء بل تعهد لها، صلاحيات أوسع من الصلاحيات السيادية للأجهزة القطرية المتخصصة، بحيث تقوم باتخاذ القرارات الاتحادية في العديد من المجالات وتلزم الأجهزة الوطنية المختصة بتنفيذها، على غرار مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

في تقديري، أن مجلس التعاون الخليجي حقق خطوات متقدمة في تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي، ولكن لا يمكن أن يتحقق التكامل الخليجي إلا في بيئة عربية ملائمة تحت مظلة جامعة الدول العربية، ويكون لدول المجلس دوراً " مهماً " بارزاً في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي في إطار جامعة الدول العربية، وليس بدونها، علماً هناك انعكاسات إيجابية لما حققه المجلس، في دفع خطوات التكامل الاقتصادي في ظل المنافسة الإقليمية والدولية ومواكبة حركة التجارة الدولية في ظل المنافسة العالمية.

نجحت الدول ّ الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية في أن تتجاوز، وإلى حد بعيد، آثار إنهيار أسعار النفط وتبدو التوقعات الاقتصادية للمنطقة إيجابية نسبياً ُّ، ما يفسح المجال أمام متابعة الإصلاحات الهيكلية والمالية في اقتصادات دول مجلس التعاون. وتهدف حكومات دول مجلس التعاون، من خلال خططها ورؤاها التنموية الراهنة، ّ إلى تحويل اقتصاداتها إلى نموذج نمو ّ جديد يرسخ التنويع وتطوير القطاع الخاص والتركيز على عملية إعادة الهيكلة المنطوية على ذلك.

وقد واجهت بلدان مجلس التعاون الأزمة بمجموعة مختلفة من التدابير الموجهة والرامية إلى تقليص الميزانيات الحكومية، ومنذ عام 2016م، بعد أن أصبح من الواضح أن الأزمة ذات طبيعة أكثر ديمومة َ، عمدت هذه الدول إلى تصحيح الأوضاع َّ المالية عبر تنفيذ إصلاحات مالية، من قبيل خفض الدعم المقدم على الوقود والماء بعمل تخفيضات مباشرة في الميزانية في بنود التكاليف المتكررة والكهرباء، مقترناً َ والمشروعات التنموية. وأدخلت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية َ المتحدة ضريبة القيمة المضافة في يناير 2018م، َ ومن المتوقع أن تحذو حذوهما بقية دول مجلس التعاون وعلاوة على ذلك شرعت بعض بلدان مجلس التعاون في إدخال تغييرات على أنظمة المعاشات والتأمينات الاجتماعية، بما في ذلك مراجعة ّسن التقاعد والمستحقات.  

تواجه بلدان مجلس التعاون تحديًا رئيسيًا يتمثل في استعداد مواطنيها و قدرتهم على شغل وظائف في القطاع الخاص المتسمة حاليًا بمهارات متدنية و من ثم رواتب منخفضة ، إلى وظائف أكثر إنتاجية في قطاعات ذات قيمة مضافة أعلى إذا ما أريد بالفعل اجتذاب المواطنين إليها و على هذا النحو يجب أن تتغير السياسة العامة المتبعة من سياسة الترويج لتوظيف أعداد أكبر إلى سياسة تهدف زيادة إنتاجية العامل الواحد و مثل هذه السياسة تفرض زيادة مستويات تأهيل المواطنين ، كأن يكون ذلك من خلال إدخال تحسينات في المنظومة التعليمية مع مواءمة المناهج التعليمية مع احتياجات سوق العمل الفعلية .

وبما أن اقتصاد العالم يركز أكثر فأكثر على السلع والخدمات عالية المحتوى التقني، فإنه بات حتميًا على إقتصادات مجلس التعاون بما تنعم به من موارد أن تجعل الإنتاج في الطرف الأعلى من سلسة القيمة هدفًا لها. ومن المتوقع أن يزيد هذا التحول مستويات المعرفة وريادة الأعمال بين المواطنين بما يمكنهم من الإستفادة من المعرفة الأجنبية واستهداف معارف جديدة تلائم الاحتياجات المحددة لوجدانهم.

في الختام، فإن دول مجلس التعاون الخليجي بطبيعة الحال مندمجة في اقتصاد العالم من حيث العرض والطلب على حد سواء، وعلى هذا النحو فإن المنطقة عرضة للتقلبات التي يشهدها اقتصاد العالم، ونظرًا لاعتماد الميزانيات الوطنية لدول الخليج إلى حد كبير على إيرادات النفط والغاز فإن أسعارهما يؤثران تأثيرًا مباشرًا في أداء اقتصادات الدول الخليجية، في ضوء المنافسة العالمية. يؤدي النفط دورًا مهمًا وأساسياً في هذه المرحلة حتى عام 2030م، على أقل تقدير، في تحديد الرؤية المستقبلية للاقتصادات الخليجية في ضوء خطط التنمية 2030، إذ أن هذه الخطط بكل تأكيد تلعب دوراً أساسياً في تحقيق التكامل الخليجي لأنه تم صياغتها بالتفاهم في داخل مجلس التعاون الخليجي على الرغم من استقلالها حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخاصة بكل دولة من دول المجلس، إلا أنها جرى إعدادها بشكل منسق نظراً لتشابه الإمكانيات والتحديات لجميع دول مجلس التعاون الخليجي. ولا شك ستواصل الدول الست مستويات النمو، وفي نفس الوقت، سيزداد إندماجها في التكامل الخليجي لأنه يمثل لها موقفاً مصيرياً لابد منه لمستقبل منطقة الخليج، على الرغم من تماثل المنتج الأهم وهو النفط علمًا إن إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي يشكل 17.07 مليون برميل/يوم من الإنتاج العالمي من النفط البالغة 87.3 مليون برميل/يوم عام 2020م، ونسبة كبيرة جدًا في موازين القوى الدولية والإقليمية، وهذا بحد ذاته لا يمنع أن تحقق دول مجلس التعاون مستويات عالية من التكامل و الاندماج. وفي الختام يشكل مشروع "نيوم" للمملكة العربية السعودية أكبر مشروع للتقدم والتكامل في المنطقة الخليجية والعالم لتحقيق الرؤية المستقبلية للسعودية والخليج والعالم في مجالات العلم والتكنولوجيا والابتكار لتخطي حدود الابتكار إلى أعلى مستويات الحضارة الإنسانية إذ تم تصميم هذه المنطقة الخاصة لتتفوق على المدن العالمية الكبرى من حيث القدرة التنافسية ونمط المعيشة وتشكل في الوقت نفسه محور التكامل العربي الخليجي. 

مقالات لنفس الكاتب