array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 163

دول الخليج أعضاء مبادرة إسطنبول شركاء للناتو في حفظ الأمن الإقليمي والعالمي

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

"إننا نقدر كثيراً الشراكة التي تجمعنا مع دول الخليج في إطار مبادرة اسطنبول للتعاون ضمن أنشطة مركز الحلف الإقليمي في الكويت" تصريح جاء ضمن كلمة للأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرج خلال مؤتمر عبر تقنية الاتصال المرئي في السادس عشر من مارس 2021م، لعرض مضامين التقرير السنوي للحلف عام 2020م، ذلك التصريح وغيره يؤكد مجدداً حرص الناتو والدول الخليجية الأربع التي انضمت لمبادرة اسطنبول للتعاون التي أطلقها الحلف عام 2004م، كنموذج للشراكة بين دول الخليج العربي والناتو على تعزيز وتطوير تلك الشراكة، وفي ظل تعدد التصريحات سواء من جانب مسؤولي الحلف أو دول الخليج تثار ثلاثة تساؤلات وهي:

 الأول: ما هي مضامين مبادرة اسطنبول وأهمية حلف الناتو بالنسبة لأمن دول الخليج العربي؟

والثاني: ما هي أبرز المستجدات الأمنية الإقليمية التي تحتم تطوير الشراكة الخليجية-الأطلسية مستقبلاً؟

والثالث: ما هي تحديات تلك الشراكة وآليات مواجهتها؟

 

أولاً: بداية وتطور مبادرة اسطنبول وأهمية حلف الناتو لأمن الخليج العربي

1-مبادرة اسطنبول: البداية والتطور

 خلال قمة حلف الناتو باسطنبول في يونيو عام 2004م، أطلق الحلف مبادرة للتعاون بين الحلف ودول الشرق الأوسط الموسع تبدأ بدول الخليج العربي، وانضمت إليها أربع دول خليجية خلال عامي 2004م و2005م، على التوالي بينما بقيت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارج إطار تلك المبادرة، ويلاحظ تعدد الكتابات التي استهدفت الربط بين توقيت إطلاق المبادرة وتطورات أخرى آنذاك على الصعيدين الإقليمي والعالمي وخاصة ما يرتبط منها بأهداف الحلف من إطلاقها، وبعيداً عن الخوض في مضامين تلك الرؤى-اتفاقاً أو اختلافاً-  فإن المبادرة  جاءت في إطار تطور سياسات الناتو ذاته من تنظيم إقليمي دفاعي لدول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية تم تأسيسه وفقاً للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة والتي تتيح لدولة أو مجموعة من الدول حق الدفاع عن النفس، فضلاً عن الفصل الثامن ميثاق الأمم المتحدة الذي نص على حق تأسيس التنظيمات الإقليمية، إلى سياسات خارج النطاق الجغرافي لأعضائه وذلك إثر احتدام الجدل حول جدوى وجود الحلف وخاصة في أعقاب انتهاء حقبة الحرب الباردة والتي ارتبط وجود الحلف في أذهان الكثيرين بها، إلا أن الناتو سرعان ما انتهج استراتيجيات للتأقلم مع البيئة اللاحقة لانتهاء تلك الحرب من خلال إطلاق سلسلة من الشراكات والمبادرات في مناطق ترتبط دوله معها بعلاقات ومصالح حيوية ومن بينها منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموماً من خلال الحوار المتوسطي 1994م، ومبادرة اسطنبول 2004م، وقد انعكست أهداف الحلف على مضمون مبادرة اسطنبول، فالحلف لا يسعى للتواجد عسكرياً خارج أراضيه كما يظن البعض ولكن ثمة أزمات ومنها أزمة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، قرعت أجراس الإنذار لدول الحلف من أن حماية الأمن القومي داخل حدودها ليس بكاف وإنما يتعين عليها إجهاض تلك التهديدات في مهدها من خلال دعم القدرات الأمنية للدول الشريكة ومن ثم فقد تنوعت مجالات التعاون التي قدمها الحلف للشركاء الخليجيين بإمكان الدول الشريكة الاستفادة منها ضمن تلك المبادرة وتضمها ستة مجالات أساسية وهي تقديم استشارات في المجالات الدفاعية، تشجيع التعاون العسكري-العسكري، مكافحة الإرهاب، مواجهة تهديدات أسلحة الدمار الشامل، التعاون في مجال أمن الحدود، التعاون في مجال التخطيط لحالات الطوارئ المدنية، وما بين عامي 2004م و2021م، تطورت المبادرة بشكل كبير ليس فقط على صعيد المضامين بل ضمن آليات التعاون وأبرزها افتتاح الحلف المركز الإقليمي لحلف الناتو ومبادرة اسطنبول في دولة الكويت عام 2017م، والذي يناط به تقديم دورات تدريبية لشركائه من دول الخليج في مجالات  الأمن الإلكتروني وأمن الطاقة وإدارة الأزمات والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية وهي مجالات تحتاج إليها تلك الدول، بما يعني رغبة الطرفين في مأسسة وديمومة ذلك التعاون.

 

           2-أهمية حلف الناتو لأمن الخليج العربي

 تعد التهديدات الأمنية التي تواجه دول الخليج العربي عوارض لجذور ممتدة مضمونها الخلل في توازن القوى الإقليمي، وهي حالة ليست لصيقة بمنطقة الخليج العربي فحسب بل في العديد من الأقاليم المماثلة في مناطق مختلفة من العالم توجد دول تتفاوت في المساحة وعدد السكان كما تختلف أنظمة الحكم فيها، إلا أن معضلة دول الخليج العربي -والتي تصنف بعضها ضمن الدول الصغرى- في أنها تتمتع بثروات، فضلاً عن كونها دولاً بحرية تقع في إقليم يشهد خللاً في توازن القوى، ومن ثم تتمثل خياراتها كغيرها من الدول الصغرى كما حددها د محمد عبد السلام في  أربعة خيارات وهي تجييش الدولة، التحالفات الإقليمية، الحياد العسكري، التحالفات الدولية، وقد يقول البعض أن دول الخليج العربي لديها بالفعل شراكات أمنية ودفاعية مع الدول الكبرى الأعضاء في حلف الناتو، كما أن مبادرة اسطنبول لا تعني "التحالف العسكري" بمعناه الدقيق، فلماذا هذه المبادرة؟ والإجابة تكمن في إمعان النظر في تطور استراتيجيات حلف الناتو من ناحية ثم مضامين وطبيعة المبادرة من ناحية ثانية، فالحلف شهد تحولات هيكلية في استراتيجياته وآليات ومناطق عمله إلى الحد الذي يمكن معه القول إنه أضحى الأداة العسكرية العالمية الفاعلة للتدخل في الأزمات في مناطق مختلفة من العالم "البوسنة، أفغانستان، ليبيا"، من ناحية ثانية فإن الحلف بما يقدمه من برامج للتدريب والاستشارات من خلال مؤسساته التعليمية الدفاعية سواء في إيطاليا أو ألمانيا يعني أن الحلف يقدم ما يطلق عليه "القيمة المضافة للأمن" أي أنه ليس منظمة دفاعية فحسب بل أنه بمثابة مؤسسة تقدم العلوم العسكرية الحديثة ليس بشكل نظري بحت وإنما انطلاقاً من خبرات هائلة في التدخل في بعض الصراعات وإدارتها أو حسمها ،فضلاً عن أنه في ظل نجاح الحلف في تأسيس شراكات تشمل حوالي 55 دولة من دول العالم فإن هناك أهمية لتأسيس إطار للشراكة بين حلف الناتو ودول الخليج العربي التي تكتسب أهمية بالغة لدى الحلف وكافة القوى الكبرى في العالم والتي لديها عضوية في الحلف في الوقت ذاته.

 ثانيًا: المستجدات الأمنية وضرورة تطوير الشراكة الخليجية-الأطلسية 

قبيل الحديث عن المستجدات الأمنية الراهنة وضرورات التعاون الخليجي-الأطلسي لمواجهتها ينبغي التأكيد على أن هناك حصاد متنوع للشراكة يمكن لطرفيها البناء عليه سواء من خلال برامج الشراكة والتعاون الفردي بين حلف الناتو وكل دولة خليجية على حدة ومدتها ثلاث سنوات ويتم تجديدها، أو من خلال الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين تلك الدول وحلف الناتو، وصولاً إلى النتائج التي حققها المركز الإقليمي للحلف ومبادرة اسطنبول في الكويت، فوفقاً للتقرير السنوي للحلف لعام 2020م، فقد استضاف المركز منذ تأسيسه عام 2017م، حوالي 1000 مشارك من دول الخليج العربي وأكثر من 200 خبير من دول حلف الناتو تضمنت دورات تدريبية متنوعة، الجدير بالذكر أنه لدى حلف الناتو 33 مركز تدريب تقع في 26 من دول الحلف والدول الشريكة وخلال تلك المراكز نفذ الناتو 700 برنامج تدريبي في عام 2020م، استفاد منها 50000 شخص عسكريين ومدنيين على حد سواء.

ومع أهمية ما سبق يبقى التساؤل المهم هل هناك حاجة لتطوير مضامين وآليات تلك الشراكة أم أن صيغتها الحالية تعد مرضية لطرفيها؟ وتقدم التصريحات المتبادلة بين الطرفين إجابة عن ذلك التساؤل، والتي تعكس حرصهما على تطويرها، فخلال مشاركته في الاحتفال الذي نظمته دولة الكويت في ديسمبر 2019م، بمناسبة مرور خمسة عشر عاماً على إطلاق الحلف مبادرة اسطنبول قال ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف "إن مجلس حلف الأطلسي حريص على تعزيز التعاون مع الشركاء الخليجيين من خلال إبرام الاتفاقيات وتنظيم الفعاليات كالندوات وورش العمل" مؤكداً على "الدور المهم الذي تقوم به دول مجلس التعاون التي أثبتت أنها دول محبة للسلام وتعمل من أجل الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها"، وخلال الاحتفال ذاته الذي شارك فيه ممثلو الدول الأربع أعضاء المبادرة بالإضافة إلى  د. عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية آنذاك، أكد الشيخ ثامر العلي الصباح رئيس جهاز الأمن الوطني بدولة الكويت آنذاك أن" العلاقات الناجحة والإنجازات العديدة التي تحققت بين الجانبين، والدور البارز الذي يقوم به حلف شمال الأطلسي في حماية الأمن والاستقرار في المنطقة ومكافحة الإرهاب"، ومع أهمية تلك التصريحات فإن المستجدات الأمنية الإقليمية الراهنة تجعل من تطوير آفاق التعاون الخليجي-الأطلسي ضرورة استراتيجية ويمكن إجمالها في ثلاثة تهديدات وهي:

  • تجاوز إيران ما يسمى "بالخطوط الحمراء"

إن إمعان النظر في مضامين مبادرة اسطنبول نجد من بين بنودها التصدي لانتشار أسلحة الدمار الشامل دون الإشارة إلى دولة بعينها، وربما يسود الظن لدى البعض أن الناتو كان بعيداً عن الملف النووي الإيراني، إلا أن ذلك ليس صحيحاً على إطلاقه لأسباب عديدة منها أن إيران تقع ضمن نقاط تماس استراتيجي مع دول الحلف وبالتالي فإن أي تهديدات إيرانية تعد تهديداً مباشراً لمصالح الحلف، فضلاً عن مساعي إيران لتطوير شراكات مع دول وضعها الحلف على قائمة مهدداته ومنها روسيا والصين، ولكن للحلف استراتيجية لمواجهة التهديدات الإيرانية من خلال الردع المؤسس على الفجوة في القوة بين الحلف وإيران، من خلال وضع ما يسمى "بالخطوط الحمراء" التي لا يجوز تجاوزها وهو ما تجلى في موقف الحلف تجاه أمرين الأول: في أعقاب الهجوم الذي تعرضت له منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية في سبتمبر 2019م، قال ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف " إن إيران تزعزع استقرار المنطقة بالكامل" مضيفاً" ندعو جميع الأطراف إلى التوقف عن تكرار مثل هذه الهجمات لأنها قد تخلف آثارًا سلبية على المنطقة بأكملها"، مشيرًا إلى أن "الحلف يشعر بقلق كبير من التصعيد"، والثاني: خلال مقابلة له في محطة سي ،إن، إن العربية في 22 فبراير 2021م، قال ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف "أكثر ما يقلق الناتو هو ذلك المزيج بين قرب إيران من تطوير سلاح نووي وقدرتها على توصيله عبر برنامجها الصاروخي" وأضاف" إنه مزيج بين الاقتراب من امتلاك قنبلة نووية ورأس نووي وأسلحة نووية إلى جانب صواريخ بعيدة المدى"، وتؤكد تلك التصريحات بما لا يدع مجالاً للشك إدراك الناتو لمخاطر إيران النووية والصاروخية معاً وهي ذاتها مخاوف يشاطرها شركائه من دول الخليج العربي.

  • تنامي التحديات التي تواجه قوات الأمن العراقية

على الرغم من أن العراق ليس عضواً في مبادرة اسطنبول فإن حلف الناتو يدرك أهمية دعم القدرات الأمنية العراقية وهو الأمر الذي وجد سبيله نحو التنفيذ من خلال بعثة الناتو إلى العراق عام 2004م، لغرض تدريب قوات الأمن العراقية والتي استطاعت تدريب حوالي 15000 من تلك القوات حتى عام 2011م، فضلاً عن منح الحلف العراق صفة شريك استراتيجي عام 2011م، ثم الإعلان عن برامج جديدة للتدريب عام 2015م، وتمديدها عام 2016م، وصولاً إلى الإعلان عن بعثة أخرى عام 2018م، وأخيراً قرار حلف الناتو في فبراير 2021م، زيادة بعثته لتدريب قوات الأمن العراقية من 500 إلى 4000 فرد بشكل تدريجي، بهدف منع ظهور تنظيم داعش، وأن ذلك الأمر قد جاء بناءً على طلب من الحكومة العراقية، دون تحديد مدى زمني من جانب الحلف لتنفيذ ذلك القرار، وقد يكون معروفاً لدى البعض تلك الجهود الأطلسية وغيرها تجاه دعم القدرات الأمنية للقوات العراقية إلا أنه إذا ما أخذنا بالاعتبار أن ثمة تطورات موازية حول السياسات الخليجية تجاه العراق عموماً وخاصة إبان السنوات القليلة الماضية والتي اتخذت أبعاداً مؤسسية منها تأسيس مجلس التنسيق السعودي العراقي، بالإضافة إلى تبادل الزيارات الرسمية ومنها الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للمملكة العربية السعودية في مارس 2021م، وكان من نتائجها التوقيع على خمس اتفاقيات في مجالات مختلفة وإعلان المملكة تأسيس صندوق عراقي-سعودي برأسمال 3 مليارات دولار، وزيارة الكاظمي لدولة الإمارات العربية المتحدة  في الشهر ذاته وإعلان الإمارات عن استثمار 3 مليارات دولار في العراق فإن ذلك يعني اتساق الرؤيتين الخليجية والأطلسية بشأن ضرورة دعم العراق لكونه جزءًا لا يتجزأ من منظومة الأمن الإقليمي الخليجي الأمر الذي سوف ينعكس على دعم التعاون من خلال مبادرة اسطنبول بما يعنيه ذلك من اتساع آفاقها لتشمل تهديدات الأمن الإقليمي.

  • زيادة وتيرة تهديدات الأمن البحري

على الرغم من أن قضية أمن الطاقة لم تكن ضمن بنود مبادرة اسطنبول الستة فإن ذلك لا يعني أنها ظلت بعيدة عن اهتمامات الحلف ولكن ربما أراد واضعو المبادرة تجنب الربط المباشر بين المبادرة ومسألة الطاقة، إلا أن المتتبع لاهتمام الحلف بتلك القضية يجد أنها حظيت باهتمام بالغ سواء من خلال تضمينها في بعض البيانات الختامية لقمم الحلف اللاحقة لإطلاق المبادرة (ريجا 2006م، بوخارست 2008م)، أو ارتباطها في السنوات اللاحقة بموضوع أشمل وهو الأمن البحري الذي أملى على الحلف تطوير استراتيجية متكاملة للحفاظ على الأمن البحري عام 2012م، تلك الجهود التي وجدت سبيلها نحو المشاركة العملية للحلف وللمرة الأولى في التصدي لمخاطر القرصنة قبالة سواحل الصومال منذ عام 2008م، وحتى الآن من خلال إرسال قوات أطلق عليها "درع المحيط" وتتكون من سبع قطع  بحرية عالية التسليح ضمن قوات دولية تتواجد في تلك المنطقة للغرض ذاته وفقاً لقرارات أممية في هذا الشأن.

ويعني ما سبق أن التهديدات الحالية التي تواجه شركاء الحلف الخليجيين بالنسبة لأمن الطاقة تمثل تحدياً للحلف ذاته بما يعنيه ذلك من إمكانية أن يكون للحلف دور في مواجهتها بشكل أكبر وفي هذا السياق جاءت  دعوة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للحلف بأن يلعب دوراً أكبر في منطقة الشرق الأوسط وهي الدعوة التي وجدت صدى إيجابياً لدى المسؤول الأول في الحلف ينس ستولتنبرج الذي قال" إن الرئيس ترامب طلب تعزيز حضور الحلف في الشرق الأوسط وتم الاتفاق على أنه بإمكان الحلف المساهمة بشكل أكبر في الاستقرار الإقليمي ومواجهة الإرهاب الدولي"، وربما كان التوتر بين الإدارة الأمريكية السابقة وأعضاء الحلف ككل حول عدد من القضايا من بينها تواضع إسهام الدول الأوروبية في نفقات الحلف العسكرية عائقاً أمام التفكير في سبل عملية لدور الحلف تجاه التهديدات التي تواجه الشركاء في منطقة الشرق الأوسط ومن بينها أمن الطاقة، إلا أن حالة الوفاق الراهنة بين إدارة الرئيس بايدن وحلف الناتو والتي عبر عنها الرئيس بايدن في أول اتصال له مع الأمين العام للحلف بالقول" إن حلف الناتو هو المكان الذي يلتقي فيه الأوروبيون والأمريكيون كل يوم وبإمكانهم معاً مواجهة التحديات التي لا يمكن لأي دولة أن تواجهها بمفردها" يعني أنه ربما تكون هناك صيغ ما تضم الولايات المتحدة والحلف ودول الخليج العربي أعضاء مبادرة اسطنبول لمواجهة تهديدات أمن الطاقة باعتبارها قضية تمثل مصلحة مشتركة للجميع وخاصة في ظل بدء تحالفين عملهما لحماية أمن الطاقة الأول: التحالف العسكري البحري لأمن وحماية الملاحة البحرية في الخليج العربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2019م، والثاني: البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة البحرية في مضيق هرمز بقيادة فرنسا 2020م، ولعل قمة الحلف في بروكسيل قد عززت ليس فقط من  التقارب الأمريكي-الأطلسي بل بين أعضاء الحلف كافة إلى الحد الذي أطلق عليها قمة "رأب الصدع".

ثالثًا: تحديات تطوير الشراكة الخليجية-الأطلسية وآليات مواجهتها

من أبرز مميزات عمل الحلف مسألة مراجعة سياساته بهدف تطويرها، ومع أن تلك الآلية تعد جزءًا من عمل الحلف إلا أنه للشركاء نصيب منها، ومن ذلك المفهوم الاستراتيجي للحلف وهو ميثاق أمني رفيع المستوى يصدر كل عشر سنوات ومضمونه مراجعة لكافة المستجدات الأمنية على مدى عقد من الزمان وتحديد آليات محددة لمواجهتها، ويتكامل مع الميثاق المنشئ للحلف ولا يتناقض معه ويصدر بتوافق كافة الدول الأعضاء إلا أنه كان لافتاً إبان مناقشة المفهوم الأخير الصادر عام 2010م، تشكيل لجان لمناقشته قبيل إقراره وكان من بينها لجان معنية بمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والتي ناقشت ذلك المفهوم مع الشركاء من تلك المنطقة، ومع أهمية ما سبق فإن التطور الأبرز كان تكليف ينس ستولتنبرج فريق من خبراء الحلف في الأمن والدفاع والاستراتيجية بإعداد تقرير تصور مستقبلي لدور الناتو2030م، والتحديات التي تواجهه وقد صدر التقرير في ديسمبر 2020م، متضمناً 140 توصية، وقد كان أحد الموضوعات التي تضمنتها قمة الحلف التي عقدت في بروكسيل في 14 يونيو 2021م، ومن خلال قراءة مضمون ذلك التقرير نجد أنه يثير ثلاث ملاحظات ذات صلة بمستقبل الشراكة الخليجية-الأطلسية أولها: ما تضمنه التقرير من  أن روسيا سوف تظل التهديد الرئيسي للحلف وخاصة فيما تضمنه من توقع زيادة الدور الروسي في الشمال الإفريقي خلال السنوات العشر القادمة، ويطرح  ذلك تساؤل مفاده هل لدى الحلف استراتيجية شاملة تجاه أمن الخليج العربي أم أن الشراكة بين حلف الناتو ودول الخليج العربي هي جزء من استراتيجية الحلف لمواجهة الخصوم الحاليين والمحتملين؟، وثانيها: لوحظ أن ما تضمنه التقرير بشأن علاقة حلف الناتو بدول الخليج العربي قد جاء في سياق تناول التقرير لعلاقة حلف الناتو مع ما أسماه التقرير "الجنوب" من خلال التأكيد على أن هناك ارتباط وثيق بين أمن الحلف وأمن الجبهة الجنوبية وتضم حوض البحر المتوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط ككل، وإشارة التقرير إلى الارتباط الوثيق بين أمن الجبهتين الجنوبية والشرقية، بما يتعين على الحلف استمرار مواجهة التهديدات الأمنية ومنها الإرهاب وغيرها وذلك من خلال التعاون مع الاتحاد الأوروبي وكذلك منظمة الاتحاد الإفريقي وذلك من خلال بناء القدرات ومراقبة التهديدات الأمنية والعمل على مواجهتها من خلال تعزيز مركز الجنوب ،إلا أن ذلك الأمر ذاته لم يخل من انتقادات  فقد صدرت دراسات عن الحلف ذاته تنتقد عمل ذلك المركز سواء من حيث المفهوم الجغرافي الموسع للجنوب بأنه يضم كتلاً جغرافية قد تتباين مصالحها، بالإضافة إلى إمكانية التداخل بين عمل ذلك المركز وآليات أخرى للحلف يناط بها تعزيز شراكات الحلف في تلك المناطق، وثالثها: لم يشر التقرير إلى قضايا محددة بإمكان الشركاء الاستفادة منها سوى التأكيد على أنه يجب أن يظل الحلف هو الفاعل الرئيسي في ضمان حرية الملاحة في منطقة البحر المتوسط  وذلك من خلال التعاون مع المنظمات الأخرى ومن بينها مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى.

ومع أهمية ما سبق ووجود مجالات عديدة للتعاون ضمن مبادرة استانبول بإمكان الدول الخليجية الاستفادة منها بيد أنه توجد مستجدات أمنية تواجه دول الخليج العربي بحاجة لدعم الحلف من بينها الأمن السيبراني وتهديدات الأمن البحري، من ناحية ثانية هناك نقاشات مستمرة داخل الدول الخليجية الشريكة للحلف بشأن أهداف الحلف من تلك الشراكة وبعض المفاهيم ومنها القيمة المضافة للأمن، بالإضافة إلى آلية التعاون الثنائي بين الحلف وكل دولة خليجية على حدة ومدى تكاملها أو تعارضها مع الشراكات الأخرى لدول الخليج العربي أعضاء مبادرة اسطنبول، ولا يعني عدم جدوى المبادرة وإنما الرغبة والحرص على تطويرها بما يحقق الفائدة المتبادلة لطرفيها.

الخلاصات الاستراتيجية لتلك الرؤية

  • بغض النظر عن الصيغة التي عملت بموجبها مبادرة اسطنبول منذ إطلاقها عام 2004م، وحتى العام 2021م، وهي 29+1 أي الحلف ككل مقابل كل دولة على حدة فإنها قد أتاحت لكل دولة خليجية تحديد احتياجاتها الأمنية من خلال التعاون مع حلف الناتو.
  • في ظل المرونة التي تتسم بها استراتيجيات حلف الناتو فإن هناك أهمية للمقارنة بين الظروف التي أطلقت فيها المبادرة والاحتياجات الأمنية الراهنة لدول الخليج العربي لتحديد أبرز المستجدات الأمنية وقدرة الحلف على تلبيتها بما قد يعني إمكانية تطوير المبادرة ذاتها.
  • مع أهمية المبادرة ليس فقط بالنسبة لدول الخليج العربي كونها أحد الخيارات المهمة لها على الصعيدين الأمني والدفاعي فإن مدى نجاح الحلف في التصدي لتهديدات الأمن الإقليمي يعني دعم نجاح وتفعيل المبادرة والدفع بها نحو آفاق رحبة مستقبلاً في ظل التحولات التي تشهدها منطقة الخليج من ناحية، وتغير مفهوم دول الجوار إلى جوار الجوار من ناحية ثانية.
  • في ظل حرص دول الخليج وحلف الناتو على تطوير الشراكة من خلال مبادرة اسطنبول فإنه مع استمرار وجود معايير مختلفة للتقييم من جانب الطرفين فإن النتائج ستكون متواضعة وهو ما ينعكس في الوقت ذاته على الكتابات التي تعالج مثل تلك القضايا الاستراتيجية والتي تقع في خطأ الانطلاق من المقدمات إلى النتائج دون الحديث عن العوامل الوسيطة وهي البيئة الإقليمية والعالمية التي عملت فيها المبادرة والتي بقدر ما كان بها من فرص فإنها قد أوجدت تحديات كان على الطرفين التعامل معها.

لعله من الخطأ النظر إلى دول الخليج العربي أعضاء مبادرة اسطنبول أنها فقط ملتقى للأمن من الحلف حيث أكدت الخبرة العملية أن تلك الدول كانت شريكاً استراتيجياً للحلف على أرض الواقع من خلال عمليات الحلف في كل من أفغانستان وليبيا وهو ما يؤكد مجدداً على أن دول الخليج العربي تعد شريكاً إقليمياً مهماً للقوى والمنظمات الدفاعية للحفاظ على الأمن الإقليمي والأمن العالمي.

مقالات لنفس الكاتب