array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 163

استراتيجية من 6 نقط للحوار الخليجي ـ الأمريكي لمواجهة الرمال المتحركة

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

تمر العلاقات الأمريكية -الخليجية في مرحلة أقل ما يقال عنها أنها تمر بمرحلة حرجة تواجه فيها العديد من التحديات والمتغيرات التي تتجدد مثل تلال رمال الصحراء التي تحركها رياح الهبوب في لهيب صيف ساخن.  ومما يزيد في دقة الأمور عدد الأزمات الكبيرة التي تشهدها الساحات الإقليمية والدولية بالإضافة إلى الحالة الداخلية الأمريكية التي تواجه هي الأخرى العديد من التحديات. هذه الأحوال تستدعي مراجعة لتاريخ تلك العلاقات نتوقف فيها عند بعض المحطات المهمة في تطور الموقف الأمريكي تجاه المنطقة، ونعرج على أهم المستجدات في المواقف الدولية والإقليمية وأهم توجهات إدارة بايدن في التعامل مع المنطقة، ونختم بتقديم بعض المقترحات للمهتمين وصناع القرار لإعادة بناء العلاقات الأمريكية-الخليجية على أسس قوية تبدأ من تعريف واضح للتحديات والمصالح المشتركة.

 

الثابت والمتغير في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الخليج

 

السياسة الخارجية أساسها المصالح ولذلك تغيرت السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ومرت بمراحل ومنعطفات كثيرة تبعًا للتغيرات التي طرأت على المصالح الأمريكية وأولويات السياسة الداخلية. ولذلك فإن فهم السياسة الأمريكية ومحاولة استشراف توجهاتها المستقبلية إنما يبدأ من تحديد تلك المصالح وما يمكن أن يطرأ عليها من تغيير في المستقبل. ولأن تحديد المصالح والتفضيل بينها في سلم الأولويات مسألة تخضع للاجتهاد، يلاحظ المتابع بعض التغيير في السياسة الخارجية أو في طبيعة الوسائل المتبعة لتحقيق المصالح القومية حسب طبيعة الإدارة القائمة في واشنطن فعلى سبيل المثال فإن إدارة جورج بوش الابن التي هيمنت عليها توجهات المحافظين الجدد كانت تميل إلى استخدام القوة بوصفها الوسيلة الأولى لتحقيق أهداف السياسة الخارجي، في حين أن إدارتي نيكسون وأوباما كانتا تميلان إلى تسيير أمور المنطقة بالوكالة بسبب ضغط الحروب الخارجية والرغبة بالخروج منها بأقل الخسائر.

 

تعود بداية الدور الأمريكي الريادي في المنطقة إلى مرحلة الحرب الباردة، وهي الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وشهدت أفول النفوذ البريطاني تدريجيًا، حيث كان الصراع بين الولايات المتحدة والمعسكر الشيوعي يعتبر المحرك الأساس للسياسة العالمية ومنها منطقة الخليج، لذلك تأسست العلاقات لخدمة المصالح الأمريكية التالية:

  1. الرغبة الأمريكية بضمان إمدادات النفط من دول الخليج إلى الدول الغربية وعدم خروج أسعار تلك المادة الحيوية عن حدود السيطرة والإضرار باقتصاد الدول الغربية
  2. التصدي للمد الشيوعي والحيلولة بين الاتحاد السوفيتي والسيطرة على مقدرات المنطقة
  3. ضمان أمن إسرائيل.
  4. خدمة المصالح الاقتصادية والأمنية وفي مقدمتها مبيعات السلاح لدول المنطقة.

    

شهدت بداية العلاقات تعارضًا بين المصالح الأمريكية وذلك عندما فكرت الولايات المتحدة بتشكيل حلف بغداد لترتيب الأوضاع الأمنية في المنطقة وعلى شاكلة حلف الأطلسي، لكنها ما لبثت أن أعادت حساباتها تجاه المشروع بسبب موقف معظم دول الحلف من القضية الفلسطينية ورفضها التعامل مع إسرائيل.  لذلك أبدلت فكرة العمل الجماعي بالإدارة المباشرة لشؤون المنطقة من خلال إعلان مبدأ أيزنهاور لعام 1957م، الذي تعهد بموجبه الرئيس الأمريكي بالتواجد في المنطقة باعتبار ذلك السبيل الوحيد لحمايتها من الخطر الشيوعي.

 كان من نتيجة مبدأ أيزنهاور اعتماد سياسة التوازن في المنطقة بين العراق والسعودية من جهة وإيران من جهة أخرى وكان ذلك حتى قيام ثورة 1958م، في العراق وخروجه من الحلف وانحيازه للمعسكر السوفيتي.  زيادة أعباء الحرب الأمريكية فرضت على الإدارة الأمريكية آنذاك تركيز الجهود العسكرية على تلك الحرب، لذلك برزت فكرة الاستعانة بالوكلاء المحليين للمحافظة على المصالح الأمريكية في المنطقة، وهي المهمة التي أوكلت إلى شاه إيران.

شهد عام 1979م، دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان الأمر الذي جعلها في موقع يشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية في الخليج والتي أثبت عدم جدوى إدارة المنطقة بالوكالة لذلك كان رد الرئيس جيمي كارتر سريعًا حيث أعاد المقاربة الأمريكية في الخليج إلى سابق عهدها معلنًا بأن الغزو يشكل تهديدًا لمنطقة الخليج التي تحوي ثلثي احتياطي النفط العالمي وكان من نتائجها نهاية حكم شاه إيران وإبداله بحكم آية الله الخميني بوصفه عاملًا مساعدًا في احتواء الخطر الشيوعي من خلال إحاطته بدول دينية حسب نظرية بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر.

ما لبثت العلاقات الخليجية ـ الأمريكية أن واجهت التحدي الأكبر الذي تمثل بغزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت وتهديده للسعودية الذي شمل إطلاق الصواريخ بعيدة المدى على المدن السعودية ومنها الرياض ودخول مدينة الخفجي الواقعة على الحدود السعودية ـ الكويتية. كان الغزو كارثة بكل معنى الكلمة ليس فقط بسبب الخسائر البشرية التي أصابت دول المنطقة وخصوصًا العراق والكويت، بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي أصاب البنية التحتية في تلك الدول وعموم منطقة الخليج، بل لأن تلك الحرب كشفت العديد من المشكلات ومن أهمها الانهيار الكامل لمنظومة الأمن الإقليمي واستبدال ذلك بمنظومات أمن محلية هشة لم تثبت أي فاعلية في مواجهة التحديات التي حدثت فيما بعد، كما أن منظومة الأمن الأمريكية التي جاءت إلى المنطقة بعد الغزو أثبتت أنها انتقائية ولم ترتق إلى مستوى الشراكة المطلوبة التي تستجيب لحاجات وتطلعات دول المنطقة. 

 

الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001م، كان بمثابة الزلزال الذي هز أرضية السياسات الداخلية والخارجية الأمريكية وترتب عليه تغييرات بنوية في هيكلة وأهداف المنظومة الأمنية الأمريكية ومنها تحويل بوصلة السياسة الخارجية باتجاه قضيتين مهمتين هما:

 

  • الحرب على الإرهاب والتطرف الديني، الأمر الذي تطلب استجابة من دول المنطقة بإحداث تغييرًا جذريًا في الاستراتيجيات الأمنية التي كانت مبنية على أساس مواجهة أخطار قادمة من خارج الحدود ومن دول ذات سيادة وتمتلك جيوشًا نظامية لتتحول إلى مواجهة مفتوحة مع قوى وجماعات لا تمتلك جيشًا نظاميًا أو أرضًا تدافع عنها.
  • الحيلولة بين دول المنطقة والحصول على أسلحة الدمار الشامل تحت ذريعة الخوف من وصول تلك الأسلحة إلى التنظيمات الإرهابية الخارجة عن سيطرة الدول، بالطبع كان الدافع الحقيقي هو تحقيق التفوق العسكري الإسرائيلي على دول المنطقة.

  

لذلك سارعت الولايات المتحدة إلى احتلال أفغانستان بحجة مواجهة تنظيم القاعدة الذي تبنى المسؤولية عن الهجمات الإرهابية وتبعت ذلك باحتلال العراق تحت ذريعة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل.

 

موقف الإدارة الحالية من المنطقة

ورثت إدارة الرئيس بايدن إرثًا كبيرًا من المشكلات الداخلية والخارجية التي تتطلب معالجات سريعة بسبب الأوضاع الداخلية الضاغطة تجعل من عملية إدارة تلك الأزمات كمثل من يحاول ربط شريط حذائه أثناء الجري. ولعل من أهم تلك الأولويات:

ــ تخفيف أعباء الحربين في العراق وأفغانستان التي قدرت كلفتها بعض التقارير الإعلامية بمبالغ تجاوزت ستة تريليون دولار، ناهيك عن الخسائر البشرية التي تشمل الأعداد الكبيرة من القتلى والجرحى في هذه الصراعات المستدامة التي لا يرى لها نهاية بالإضافة إلى أنها فشلت في تحقيق الأهداف المعلنة من وراءها. لهذه الأسباب تسعى إدارة بايدن إلى تهدئة الأوضاع في العراق وأفغانستان لكي تتمكن من تخفيض قواتها هناك بدرجة كبيرة وبأقل الخسائر الممكنة.

  • العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لضمان عدم خروج البرنامج النووي الإيراني عن الحدود المرسومة له بالوصول إلى تطوير السلاح النووي الذي من شأنه أن يطلق عنان سباق تسلح في المنطقة قد يشكل تهديدًا لأمن إسرائيل على المدى المنظور. كما أن الولايات المتحدة تشعر بأن برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية يجب أن يكون مشمولًا في المفاوضات لأنها تؤمن بأنه هو الآخر أصبح يشكل تهديدًا لمعادلة الأمن في المنطقة التي تضمن التفوق الإسرائيلي على دول المنطقة منفردة ومجتمعة.

 

لأجل ذلك تجري في فيينا هذه الأيام المفاوضات الخاصة حول عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ومرة أخرى نعود إلى إعادة التفاوض والتفاوض حول التفاوض التي صارت تشبه سلسلة أفلام الرعب التي لا تنتهي. بدأ المسلسل بإعلان الرئيس السابق ترامب الانسحاب الاحادي من الاتفاق وإعادة فرض بعض العقوبات الاقتصادية على إيران. الدول الأوروبية من جانبها أعلنت معارضتها للموقف الأمريكي وبذلت جهودًا لمحاولة تجاوز العقوبات بإقامة منظومة اقتصادية تسمح لها بالتعامل التجاري مع إيران خارج منظومة العقوبات الأمريكية، لكن تلك الجهود لم تفلح. جاءت الفرصة مع مجيء إدارة بايدن التي أعلنت مسبقًا بأنها سوف تعود إلى الاتفاق بشرط أن تقوم إيران باتخاذ الخطوة الأولى وهي عودة البرنامج النووي إلى الحالة التي كان عليها عند انسحاب الولايات المتحدة، لأن إيران قامت بتجاوز بعض النقاط المتفق عليها ومن ذلك مستوى التخصيب الذي تجاوز نسبة 20%.  لكن الحسابات الآن تغيرت وبدأ مسلسل تنازلات واشنطن مرة أخرى حيث أصبح الحديث الآن عن خطوات متزامنة من الطرفين تشمل أيضا رفع بعض العقوبات، ولذلك قامت الإدارة الأمريكية، على سبيل المثال قبل أيام برفع أسماء بعض الأفراد والمؤسسات الإيرانية من قائمة العقوبات الأمريكية.

النتيجة النهائية التي سوف تخلص إليها المفاوضات مثل سابقتها قبل ستة أعوام، هي أن واشنطن تريد الاتفاق ولا تري بأسًا في أن تدفع دول المنطقة فاتورة الاتفاق من خلال تقديمها بعض التنازلات الإقليمية مثل تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق وإحكام سيطرة المليشيات المسلحة المرتبطة بإيران على زمام السلطة في البلد وتأكيد ذلك من خلال الانتخابات النيابية القادمة، وفي المقابل فإن إيران هي الأخرى قد تقدم بعض التنازلات على حساب دول المنطقة أيضًا مثل دعم المبادرة الأمريكية لليمن وربما التخفيف من تواجدها في سوريا.

        

  • التصدي لطموحات الصين وروسيا في المنطقة حيث أن الإدارة الأمريكية باتت تشعر بقوة المنافسة على مناطق تواجد الموارد الأولية وفي مقدمتها الطاقة والمعادن وكذلك الأسواق. هذه المنافسة باتت أيضًا بارزة في مجال السيطرة على مفاصل طرق التجارة العالمية.
  • إنهاء الصراع في اليمن من خلال تسوية سلمية برعاية أمريكية تضمن الولايات المتحدة من خلالها دورًا أمنيًا لمواصلة العمليات ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالإضافة إلى التواجد في منطقة جنوب غرب الجزيرة وباب المندب.

 

الرمال المتحركة في المنطقة

الأوضاع في المنطقة عامة على درجة عالية من التعقيد لكنها في هذه الأوقات تمتاز بالضبابية أيضًا التي زادت من حدتها العديد من الاستحقاقات المهمة التي من شأنها أن تحدث تغيرات كبيرة في المعادلة السياسية لعل من أهمها:

  • عملية المخاض الصعب التي واجهت تشكيل الحكومة الإسرائيلية والتي سبق وأن تنبأنا بها في مقالة سابقة بأن التغيير في الولايات المتحدة سوف يؤدي إلى إزاحة نتنياهو من رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وبالفعل فقد صوت الكنسيت الإسرائيلي في الرابع عشر من شهر يونيو لصالح حكومة جديدة برئاسة الشخصية اليمينية نفتالي بينيت بأغلبية صوت واحد (60-59 صوت). هذه الحكومة تمثل تحالفًا هشًا من أحزاب اليمين المتشدد وأحزاب اليسار.  لذلك فليس من المتوقع أن تنجز الكثير لأنها تمثل حكومة المرحلة الانتقالية لما بعد نتنياهو الذي حكم إسرائيل بقبضة من حديد لمدة 12 سنة على الرغم مما تعرض له من تهم باستغلال السلطة والفساد. ليس من المعلوم المواقف التي سوف تتخذها الحكومة الجديدة من القضايا التي تهم المنطقة وفي مقدمتها الموقف من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول المشروع النووي لكن الدلائل تشير إلى أنها ربما تكون أقرب إلى الموقف الأمريكي من حكومة نتنياهو.
  • انتخابات الرئاسة الإيرانية التي جرت بالأمس القريب وفاز فيها رئيس السلطة القضائية في إيران إبراهيم رئيسي، وهو المرشح الذي اختاره المرشد الأعلى وكانت عملية الانتخاب بمثابة التتويج لمرشح المرشد. هذه النتيجة تشير إلى احتمالين، أولهما أنها بمثابة هزة ارتدادية للزلزال الذي أحدثه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي ولذلك فإن مهمة الرئيس القادم هي التعامل مع الواقع الجديد الذي أفرزته تلك العملية ومن ذلك سير عملية المفاوضات الجارية حول الوصول إلى اتفاق جديد يضمن عودة الولايات المتحدة، لأن المفاوضات مثلها مثل الانتخابات تخضع لصوت واحد وهو المرشد الأعلى الذي يقرر ما هو المقبول والمرفوض. الأمر الثاني هو كون الرئيس القادم من أصحاب التوجهات المحافظة قد يشير إلى الرغبة في الانفتاح على دول الجوار، أو قد يكون إشارة إلى العكس من ذلك وهو المزيد من التأزيم في القضايا الإقليمية بسبب الاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية الجديدة سوف تركز على القضايا الداخلية وتخفف من وجودها واهتمامها بالمنطقة ومشكلاتها الكثيرة.
  • الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وإعادة انتشار القوات الأمريكية في العراق وسوريا. هذه العملية تقلق المسؤولين في الولايات المتحدة وخصوصًا إذا ما ترتب على ذلك تدني الأوضاع الأمنية في المنطقة لأنها سوف تظهر الإدارة بمظهر الضعف أمام الخصوم في الخارج والمنافسين في الداخل وهي على وشك الدخول في استحقاق انتخابي نيابي على غاية الأهمية في العام المقبل قد يشهد تحقيق الديمقراطيين أغلبية في مجلس الشيوخ والاحتفاظ بأغلبية مقاعد مجلس النواب والتي سوف تمكن الرئيس من تمرير العديد من مبادراته ومشاريعه الطموحة، أو ربما يحصل العكس ويعود الجمهوريون إلى مقاعد الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب الأمر الذي يعني نهاية أي أمل لإدارة بايدن بتحقيق أي إنجازات في النصف الثاني من عهدتها الانتخابية وبالتالي وضع بايدن في وضع صعب عندما يواجه الناخبين بعد ثلاث سنوات. عملية الانسحاب تشكل فرصة لدول الخليج للتعاون مع الولايات المتحدة لإيجاد بدائل من خلال المساعدة في تدريب القوات الأفغانية، والتواصل مع الأطراف المختلفة في سبيل إدامة السلام الذي يشكل مصلحة أساسية لدول المنطقة.
  • الانتخابات العراقية في العاشر من أكتوبر القادم والتي قد تشهد إحكام سيطرة المليشيات المسلحة المرتبطة بإيران على زمام السلطة في البلد، وهو الأمر الذي قد يضع العراق على شفا حرب أهلية بين المليشيات وعامة الشعب الذي بات يعاني الويلات من جور المليشيات وسوء الأحوال المعيشية نتيجة الفساد المستشري في مرافق الدولة وبرعاية السلاح غير المنضبط. هذه الأوضاع تعيد إلى الذاكرة المقاربة التي اتخذتها إدارة أوباما-بايدن تجاه المفاوضات السابقة وكيف أن العراق كان من أكبر الخاسرين لأن الإدارة الأمريكية قدمت العملية الديمقراطية قربانًا على طاولة المفاوضات حين أفرزت نتائج الانتخابات فوز القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي، المرشح المدعوم من قبل دول الخليج وخصوصًا المملكة العربية السعودية، لكن الولايات المتحدة وافقت على إسناد رئاسة الوزراء إلى نوري المالكي الذي جاءت قائمته بالمرتبة الثانية استجابة للضغوط الإيرانية ورغبة الإدارة في التضحية بكل شيء في سبيل الوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي. فهل يعيد التأريخ نفسه؟

 

بعض المقترحات لتطوير العلاقات الخليجية-الأمريكية

تميزت العلاقات الأمريكية-الخليجية في المرحلة الماضية بأن الولايات المتحدة كانت تديرها من خلال التعامل مع دول الخليج كلًا على حدة وليس كونها مجموعة متجانسة، كما وأنها تعاملت مع الدول عن طريق التعامل الآني والعمل على إيجاد علاجات سريعة للقضايا المشتركة ومن دون تطوير علاقات استراتيجية.  لذلك نقترح على صناع القرار في الطرفين النظر إلى هذه المرحلة على أنها فرصة لإعادة تشكيل العلاقات بناءً على مستلزمات الأوضاع الحالية وما تمثله من تحديات وفرص. هذه القضية مثل غيرها من العديد من المشكلات التي تواجه المنطقة تستوجب الأخذ بأساليب جديدة وكما قال آينشتاين " لا يمكن أن نحل المشكلات القائمة باستخدام نفس الطريقة في التفكير التي تسببت في حدوثها". ولذلك نقترح مقاربة جديدة تشمل القضايا التالية:

 

إدراك الجانب الأمريكي بأن المقاربة التي اتبعت في العقود السابقة لم تعد تجد نفعًا في ظل السونامي الكبير من المستجدات التي تعصف بالعالم والمنطقة والتي من أهمها أن المنطقة التي كان ينظر لها من زاوية محدودية المصالح وأن المخاطر التي تواجهها هي إقليمية الطابع قد تغيرت وبشكل كبير فأصبحت أكثر أهمية بسبب الزيادة في حجم التجارة العالمية التي تمر من خلال منافذها الحيوية مثل مضيق باب المندب الذي يعتبر ببوابة البحر الأحمر وقناة السويس والطريق الذي يربط آسيا بأوروبا وشمال إفريقيا بالإضافة إلى مضيق هرمز الذي تمر منه أكثر من 17 مليون برميل نفط يوميًا.

 

أما الجانب الخليجي فتقع عليه هو الآخر مهام كبيرة في إعادة بناء العلاقات مع الولايات المتحدة ولعل من أهم تلك الأولويات ما يلي:

 

أولاً-الارتقاء بالعمل الخليجي: لابد من الإشادة هنا بالتقدم الكبير الذي حققته دول مجلس التعاون الخليجي في بعض المناحي مثل التطور الكبير في التجارة البينية والتعاون الاقتصادي وزيادة حرية التنقل بين الدول.  لكن لابد من الإقرار بأن جوانب أخرى أساسية لم يرتق فيها العمل المشترك إلى المستوى المطلوب لعل من أهمها:

 

  • غياب استراتيجية الأمن الخليجي المشترك. لأن التنسيق الأمني بين دول الخليج لم يصل إلى المستوى المطلوب ليصبح الأساس لإيجاد منظومة أمن خليجية مشتركة وبدلا من ذلك فقد آثرت دول المنطقة العمل بردود الفعل تجاه الأخطار المحدقة مع أنها تهدد جميع الكيانات وبنفس الدرجة. هذا بالإضافة إلى أن دول الخليج لا تمتلك التصور الموحد لطبيعة الأخطار التي تواجهها.
  • عدم وجود سياسة خارجية خليجية موحدة حيث أن الجهد المشترك من خلال مجلس التعاون الخليجي لم يرتق إلى المستوى المطلوب حيث بقي على مستوى التنسيق لأن الدول المعنية لم تدرك إلى الآن الفوائد الكبيرة التي يمكن أن تجنيها من وجود سياسية خارجية موحدة كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي.
  • وضع استراتيجية مشتركة لمواجهة التطورات العالمية وفي مقدمتها الاستعداد للدور الجديد الذي سوف يلعبه النفط والغاز في مستقبل الاقتصاد العالمي على ضوء السياسات البيئية للدول المتقدمة لأن صناعة النفط والغاز تشكل العصب الأساس لاقتصاد المنطقة الآن وعلى المدى المنظور. ولعل من أهم تلك الخطوات تطوير السوق الخليجية المشتركة بوصفها قضية استراتيجية عليا تتعلق بأمن الدول منفردة ومجتمعة.

ثانيًا-العمل على توسيع منظومة العمل الخليجي والعودة بها إلى الفكرة الأساسية من خلال تطوير العلاقات مع العراق واليمن ووضع خطة متكاملة لضم البلدين إلى المجلس في المدى المنظور وتكون البداية من خلال إقامة السوق الاقتصادية الخليجية المشتركة.

ثالثًا-إقامة علاقات خاصة بين دول مجلس التعاون والدول المحورية في المنطقة وخصوصًا مصر والأردن.

رابعًا-تطوير علاقة استراتيجية مع تركيا أساسها التعاون الاقتصادي والاستفادة من موقع تركيا كبوابة للأسواق الأوروبية من خلال تطوير الطرق وسكك الحديد ومد أنابيب النفط والغاز عن طريق العراق وتركيا.

خامسًا-إقامة حوار استراتيجي بين دول مجلس التعاون وإيران يهدف إلى تخفيف حدة الصراعات وإيجاد قنوات فاعلة لتطوير الحوار حول القضايا الإقليمية وتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري

سادسًا-الاستفادة من النقاط أعلاه في إقامة حوار استراتيجي مع الولايات المتحدة والشركاء الغربيين حول رؤية دول المنطقة لدورها العالمي في مجالات السياسة والاقتصاد وكذلك احتياجاتها الأمنية وموقفها من قضايا الأمن والسلام والاقتصاد في المنطقة والعالم.

مقالات لنفس الكاتب