array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

قراءة في العلاقات الخليجية-الإيرانية (1980 – 2011)

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

ما يجب أن يُبدأ به في مسيرة العلاقات الخليجية-الإيرانية بعد الثورة الإسلامية هو حَدَث الثورة ذاته. فهذا التحول الدراماتيكي السريع الذي حصل في بنية السلطة الإيرانية في الحادي عشر من فبراير عام 1979م ألقى بظلاله ليس على منطقة الخليج العربي فقط، وإنما عُموم الإقليم وكذا العالَم الذي كانت علاقاته متشابكة عبر مِخرز التاج الشاهنشاهي، وخاصة في ما يتعلق بالعلاقة ما بين الشرق والغرب، وكذلك طرق معالجة ملفات المنطقة الساخنة كالقضية الفلسطينية وأحداث الحرب الأهلية اللبنانية والغزو السوفييتي لأفغانستان واصطفافات الحرب الباردة المستعرة بين واشنطن وموسكو.

كان نظام الشاه محمد رضا بهلوي يقيم علاقته مع دول الخليج العربية بترتيبات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى. وكانت تلك العلاقة تسير بحسابات دقيقة جعلت الغرب يربح علاقته بدول الخليج من دون أن يخسر النظام الإيراني الشاهنشاهي. فكلا الطرفين حليفان رئيسيان له. وكانت المعادلة الغربية تقوم وفق حساب الحلف المتماسك الذي كان خاضعاً لظروف الحرب الباردة، وجعل هذا الإقليم بضفتيه الشرقية والغربية سداً منيعاً أمام الرغبات السوفييتية في التمدد للوصول إلى المياه الدافئة في منطقة الخليج ومنها إلى بحر العرب، أو إكمال دائرة التطويق من الأسفل حيث جنوب شبه الجزيرة العربية ما بعد اليمن.

بعد انتصار الثورة الإيرانية ووصول الإسلاميين إلى الحكم، بدا أن القادة الجدد في طهران هم بصدد علاقة تضاد شبه تام مع المنتظم السياسي والتاريخي لإيران الشاهنشاهية وللمنطقة بشكل عام. فمع بداية التغيير السياسي في إيران أصبحت النظرة إلى الدين مغايرة عما كان سائداً في السبعينات وما قبلها. وبدت الشعارات الدينية كإعلانات مدفوعة الأجر تغذي الشعور العربي والإسلامي الشعبي المنتكس ذاتياً سواء بسبب إخفاقات التنمية السياسية والاقتصادية أو بسبب الفشل في تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي. وقد ساعد على ذلك أيضاً في شِقِّه الآخر وجود رغبة أمريكية قوية في مساندة المجاهدين في أفغانستان لقتال الجيش السوفييتي الغازي، باعتبارهم مخزوناً قوياً للأيديولوجيا قليلة الأجر، الأمر الذي قوَّى من نفوذ الإسلاميين في المنطقة وبالتحديد في منطقة الخليج والشمال الإفريقي.

وفي ما يخصّ القضية الفلسطينية فقد كان خروج مصر من حلبة الصراع العربي-الإسرائيلي بعد اتفاقية (كامب ديفيد) في سبتمبر عام 1978م قد دفع دمشق للبحث عن بديل داعم لها في المنطقة لمعاونتها مادياً ومعنوياً في ذلك الصراع. ولأنها كانت موجودة في لبنان، فقد دفعت المصالح السورية الرئيس الراحل حافظ الأسد حينها وبغرض كسب إيران الثورة لأن يُعطي طهران منفذاً للوصول إلى جنوب لبنان مُغذياً بذلك الأيديولوجية الشيعية الصاعدة، على اعتبار أن الجنوب اللبناني ذو أغلبية شيعية ويُمارَس عليها غبن وتقصير سياسي وخدماتي وأمني على مرّ التاريخ. وبذلك كانت سوريا قد نقلت المعركة العسكرية من مرتفعات الجولان المحتلة إلى جنوب لبنان بزخم إسلامي طاغ وفَّرته الثورة الإيرانية.

وبعد كلّ ذلك التعقيد في العلاقات الدولية الذي أحدثته الثورة الإسلامية سواء في تكريس الحالة الدينية الراديكالية وكذا القضية الفلسطينية جاءت الحرب العراقية-الإيرانية (22 سبتمبر 1980م – 20 أغسطس 1988م) لتضيف إلى ذلك التعقيد بُعداً آخر أكثر مباشرة وتماساً، على اعتبار أن تلك الحرب كانت تجري في شمال منطقة الخليج، ثم امتدت إلى وسطه وجنوبه بعد استعار حرب الناقلات والصراع على مضيق هرمز. كما أن توسّع الحرب بتصويرها على أنها صراع عربي-فارسي، أو صراع شيعي-سُنِّي أضاف إلى القضية أبعاداً مُركَّبة أثرت بشكل كبير في علاقات دول الخليج العربية بإيران وحلفائها بشكل كبير.

أمام هذا المشهد ووضوحه وبعد سرد ماورائياته يُمكن قراءة العلاقات الخليجية-الإيرانية بشكل أكثر شمولية وموضوعية وبإيجاز. لكن التأكيد الأكثر أهمية في هذا المجال هو أنه وإذا ما رامَ أحدٌ الوصول إلى نتائج أكثر دقة في ما يخص تلك العلاقة، فعليه تحقيبها وتجزئتها إلى مقاطع زمنية يحتوي كلّ واحد منها على مجموعة من الأحداث والعوامل الخاصة التي صاغت من تلك الحقبة. لذا فإننا وفي سبيل ذلك سنقوم بمرحلة تلك العلاقة بشكل موجز وفق التقسيم التالي والذي يحتوي على أربع حقب زمنية: الأولى: وتمتد من عام 1980 ولغاية 1989م. الثانية: وتمتد من عام 1990 ولغاية 1996. الثالثة: وتمتد من عام 1997 ولغاية 2003. الرابعة: وتمتد من عام 2004 ولغاية (2011) يومنا هذا:

الحقبة الأولى (1980-1989)م: في تلك الفترة كان الصراع المحتدم عسكرياً ما بين العراق وإيران قد جمَّد العلاقات الإيرانية-الخليجية إلى درجة الصفر تقريباً بسبب وقوف دول الخليج مع العراق وإن بدرجات متفاوتة، الأمر الذي جعل التقابل حاداً، فلم توفِّر تلك الحرب أي فرصة للتقارب بين الضفتين. أضِف إلى ذلك، فقد كانت الأحزاب والمنظمات الإسلامية الشيعية قد نشطت في منطقة الخليج وبالتحديد في السعودية والكويت والبحرين، وهو ما زاد من سوء العلاقة بين إيران ودول الخليج حين اتهمت الأخيرة إيران بدعم تلك الأحزاب ودفعها لممارسة أنشطة سياسية محظورة أثرت في أمنها القومي كما جرى في البحرين عام 1981م.

وكذلك، فقد أدَّى دخول الإيرانيين إلى جنوب لبنان في تلك الفترة الحساسة وتأسيس حزب الله على يد زعامات دينية شيعية كـ صبحي الطفيلي وعباس الموسوي ومحمد يزبك، وكذلك تشجيع حسين الموسوي (أبو هشام) على إحداث انشقاق داخل حركة أمل – أفواج المقاومة اللبنانية التي أسسها موسى الصدر في يوليو عام 1975م وتأسيس (أمل) الإسلامية القريبة من خط الثورة وليس سوريا إلى خلط الأوراق في المنطقة، حيث اعتبرت دول الخليج أن ذلك الوجود الإيراني أخلَّ بالتوازن السُّكاني الطائفي في لبنان عبر تقوية أطراف على أخرى وتأثير ذلك على المنظومة الأمنية لدول الخليج. أضف إلى ذلك أن هذا الوجود جعل الإيرانيين بالقرب من الحدود الشمالية الغربية للأردن الحليف القوي لدول الخليج، فضلاً عن قيام التحالف الاستراتيجي ما بين دمشق وطهران الذي تمَّ رسمياً خلال اتفاق مارس 1982م.

في تلك الأثناء، كانت إيران تتوسَّع سياسياً في المنطقة العربية ومن بينها دول الخليج من خلال العطب الذي أصاب إجراءات تسوية القضية الفلسطينية. فالرفض السوري لمبادرة فهد 1981م بشأن الصراع العربي-الإسرائيلي جعل من طهران تربح ورقة التصعيد في الملف عبر الإصرار على خيار المقاومة المسلحة. ومؤتمر فاس الثاني وخطة ريغان باتا في حكم المنتهيين بسبب الشروط الإسرائيلية التعجيزية، الأمر الذي زاد من ربح الإيرانيين كذلك. أما اتفاق (17 أيار) 1983م بين حكومة أمين الجميّل وتل أبيب فقد ولِد ميتاً بعد انقسام اللبنانيين عليه، وكذلك ترهل الاتفاق الفلسطيني-الأردني حول التفاوض الموحَّد. كلّ ذلك التراجع كان يصبّ في صالح الإيرانيين، لكنه أيضاً كان يُفاقم من العلاقات الإيرانية-الخليجية المتدهورة أصلاً.

ولم تبرز بوادر انفراج حقيقية في العلاقات الخليجية-الإيرانية إلاّ بعد زيارة وزير الخارجية العُماني إلى طهران في عام 1987م وتوقيع أوّل مسودة تفاهم للتعاون في المجالين السياسي والاقتصادي بين البلدين. ثم زاد كسر حاجز الصمت عملية التنسيق الإيرانية-السعودية عندما كان الإعداد قائماً لإتمام اتفاق الطائف في 30 سبتمبر عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، حيث كان لدى إيران نفوذ قوي على الأحزاب الشيعية التي كانت داخلة في تلك الحرب وبالتحديد حزب الله والجماعات القريبة منه، ثم لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (عندما كان ولياً للعهد) مع هاشمي رفسنجاني (الذي كان رئيساً للجمهورية) في السنغال في ديسمبر عام 1990م، تكلّل ذلك النشاط المتبادل بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في مارس عام 1991م ثم زيارة رفسنجاني إلى الرياض بعد ذلك بشهر فقط.

الحقبة الثانية (1990 - 1996)م: لقد كان الغزو العراقي لدولة الكويت في 2 أغسطس عام 1990م حدثاً مفصلياً في علاقة إيران بدول الخليج. فتحوّل العراق من حليف لدول الخليج إلى خصم لها جعل من طبيعة المصالح القائمة أن يتقارب خَصْمَا العراق إلى بعضهما، ليقيما دبلوماسية صلبة جديدة. كما أن موقف إيران المندِّد بالغزو العراقي للكويت دفع الأخيرة لأن تتلقى ذلك الموقف بشكل إيجابي، ثم سماحها للشركات الإيرانية بالمساعدة على إطفاء حرائق آبار النفط الكويتية التي فجرها الجيش العراقي قبيل تقهقره من الأراضي الكويتية خلال عملية (عاصفة الصحراء) التي نفذها التحالف الدولي الثلاثيني لتحرير الكويت.

في تلك الأثناء، لم يمض وقت طويل على تغيُّر تركيبة الحكم في إيران بعد وفاة الإمام الخميني في 4 يونيو عام 1989م. فقد تولَّى مرشدية الثورة آية الله خامنئي، في حين صعد رجل الثورة البراغماتي هاشمي رفسنجاني إلى سدّة رئاسة الجمهورية. وكان الخط الجديد في الحكم قد غيَّر الكثير من توجهات إيران على مستوى السياسة الخارجية وحسَّن من علاقاتها مع دول الجوار. بعد ذلك بأقل من عامين بات في شبه المؤكَّد أن القادة الجدد بصدد تحجيم التيارات المتشددة داخل الدولة الإيرانية والتي كان يقودها مُجمَّع علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز) بزعامة مهدي كروبي وموسوي خوئينيها وصادق خلخالي عندما كانوا على يسار الثورة الراديكالي، تكلَّل ذلك بمنع معظم قياداتها من الترشّح في الانتخابات التشريعية في عام 1993م عبر غربلتهم بمجلس صيانة الدستور، وهو ما ساعد على إبعادهم عن المشهد السياسي الإيراني، وبالتالي تأثير ذلك على ضبط سلوك الدولة وخطابها السياسي.

في تلك الأثناء، برز الدور الجديد لإيران عبر تسويتها لملف الرهائن الغربيين في لبنان والذي بدأ منذ عام 1982م وحتى عام 1989م، حيث نفّذت بعض الجماعات اللبنانية الشيعية والفلسطينية القريبة من إيران أكثر من 92 عملية خطف، بينهم 17 أمريكياً و14 فرنسياً وثمانية بريطانيين وسويسري واحد. وكان هذا الملف مرتبطاً إلى حد كبير بمنطقة الخليج وبالتحديد الكويت التي كانت قد اعتقلت عدداً من اللبنانيين واتهمتهم بتدبير التفجيرات الإرهابية التي وقعت في عدد من مرافقها النفطية. وقد ساعدت الجهود الإيرانية التي قادها هاشمي رفسنجاني (الذي كان رئيساً للجمهورية آنذاك) والجنرال محسن رضائي الذي كان قائداً للحرس الثوري حينها على تسوية هذا الملف مع حلول عام 1992م. لقد كانت المبادرة الإيرانية لإغلاق ملف الرهائن في لبنان رسالة حسن نية تجاه الغرب والمنطقة، لكنها أيضاً لم تخل من رائحة الصفقات الشاملة التي حصلت بموجبها طهران على بعض الامتيازات، لكنها في العموم أسهمت في إظهار إيران الثورة على أنها مختلفة عن السابق.

الحقبة الثالثة (1997-2003)م: بعد وصول محمد خاتمي إلى رئاسة الجمهورية في أغسطس عام 1997 وانتهاجه سياسة إزالة بؤر التوتر، باتت العلاقات الخليجية-الإيرانية أكثر قرباً من أيّ وقت مضى. فغدت دولة الإمارات رئة مالية واقتصادية مهمة للتجارة الخارجية الإيرانية، رغم الخلاف بين الجانبين على الجزر الثلاث. أما الكويت فقد وقعت مع إيران في أكتوبر عام 1999 اتفاقية للتعاون التجاري للمناطق الحرة لتسهيل نقل البضائع عن طريق البحر، واتفاقية أخرى في يناير عام 2000 للغرض التجاري أيضاً، وبعد عام اتفاقية تعاون ثنائي في مجال انتقال الأيدي العاملة والشؤون الاجتماعية والتدريب الحرفي والمهني. وفي سبتمبر عام 2002 وقعت الكويت مذكرة للتفاهم الدفاعي مع طهران هي الأولى بين دولة خليجية وإيران، وكانت تقضي هذه المذكرة بأن يحضر مراقبون من الجانبين المناورات العسكرية التي يجريها كل بلد (الكويت/ إيران) وتبادل الخبرات والمعلومات وكذلك الدورات التعليمية في المجال الدفاعي.

أما المملكة العربية السعودية فقد وقعت اتفاقاً أمنياً مع إيران، وشكَّل الجانبان أول لجنة تجارية مشتركة في عام 1998م، ثم تمّ الاتفاق بين الجانبين على رفع أسعار النفط الخام بعد تراجعه إلى ما دون 6 دولارات للبرميل، إلى أن كُلّل ذلك التعاون باتفاق 9 مارس عام 1999 حول سقف ثابت للإنتاج النفطي وإيقاف كل سياسات الخلط في احتساب التخفيضات المقررة، الأمر الذي أدى إلى دخول كل من السعودية وإيران كطرفين في مباحثات رباعية ضمت أيضاً فنزويلا والمكسيك بشأن إجراء تخفيضات جديدة في الإنتاج. كذلك الحال بالنسبة لسلطنة عُمان وقطر اللتين كانت علاقاتهما بالأساس متقدمة على غيرهما من دول الخليج.

الحقبة الرابعة (2004-2011)م: بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 إبريل من عام 2003م بدا أن العلاقات الخليجية-الإيرانية دخلت مرحلة جديدة. فالمشكلة الخليجية لم تكن في تغيير بنية السلطة في العراق وإسقاط نظام البعث الذي كان يُعاديها بقدر ما كانت في التحالف الموضوعي بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. فالقادة الجدد الذين أتوا على ظهر الدبابة الأمريكية كانوا في معظمهم حلفاء أساسيين لإيران وطارئين للولايات المتحدة. وبسبب تعاظم الحالة العقدية والأيديولوجية لدى أولئك الحاكمين فقد انحازوا فترة الأزمات والاستقطاب إلى الجانب الإيراني، بل حتى إن جزءاً من القيادات العلمانية فيهم كرئيس المؤتمر الوطني العراقي ورجل البنتاغون الأول أحمد الجلبي أصبح حليفاً قوياً لإيران.

لقد أدى النفوذ الإيراني في العراق وانعدام الأمن السياسي والشخصي فيه، وعدم تكافئ الحالة الديموغرافية إلى تعاظم ذلك النفوذ وانحسار الدور العربي، الأمر الذي انسحب على علاقة طهران بدول الخليج أيضاً. فهذه الدول رأت أن إيران تستغل انهيار الوازن العراقي في المنطقة لصالحها عبر إقامة خط اتصال جغرافي وسياسي وأمني يبدأ من إيران ويمر بالعراق وتركيا نزولاً صوب سوريا وحتى لبنان إلى تماس مع الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكان ذلك بمثابة لعب سياسي على أرض الغير ومن دون أي ترتيبات أو تنسيق مع دول الجوار، وهو ما أدى أيضاً إلى خلاف خليجي-أمريكي، حين حمَّلت دول الخليج واشنطن مسؤولية ذلك الخلل في التوازن الاستراتيجي في المنطقة.

ومع حلول شهر يونيو عام 2005م فاز المحافظون الإيرانيون في انتخابات الرئاسة، حيث وصل إلى الحكم محمود أحمدي نجاد. وبهذا الفوز سيطر المحافظون على كلّ مفاصل السلطة التي بدأوها بفوزهم في الانتخابات البلدية في مارس عام 2003م والتشريعية في فبراير 2004م، ثم إعادة ترسيخ وجودهم في انتخابات عام 2008 في البرلمان. وقد أدَّى ذلك الفوز المتوالي للمحافظين إلى إعادة طرح شعارات الثورة الأولى رافقتها حركة تصنيع عسكرية إيرانية في مجال الصواريخ بعيدة المدى والتركيز على البرامج النووية، الأمر الذي أدى إلى أن تبدي دول الخليج مخاوفها من ذلك التغيير في الخطاب والجنوح نحو العسكرة والاعتماد على هامش القوة المادية.

في أتون ذلك التحوّل، انفجر لبنان على وقع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري الذي كان الخليج يعتبره رمزاً لنفوذه في لبنان فضلاً عن اتصاله بالعمق العربي الطبيعي. ورغم أن دول الخليج حمَّلت السوريين مسؤولية ما جرى إلاّ أن إيران كانت لاعباً أساسياً في تداعيات ذلك الحدث عبر حلفائها السياسيين والعقائديين كحزب الله وحركة التوحيد السُّنيَّة وبقية الحلفاء. ثم جاءت حرب تموز 2006م وأحداث (7 أيار) عام 2008 بعد أن حسم حزب الله معركته السياسية مع قوى (14 آذار) القريبة من السعودية بالانتشار العسكري في بيروت وصولاً إلى جبل الدروز لإجهاض قراري حكومة فؤاد السنيورة بشأن عزل قائد جهاز أمن مطار بيروت العميد وفيق شقير وتفكيك شبكة حزب الله الهاتفية.

لقد استمرت العلاقات الخليجية-الإيرانية لا تحكمها الثقة بشكل مستمر. ورغم أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد زار الدول الخليجية الست في فترة قياسية (2 أغسطس 2005 – 17 نوفمبر 2007) إلاَّ أن تلك الزيارات لم تكسر حالة التذبذب في تلك العلاقة. ففي كلّ مرة تترتق فيها يظهر ما يعيدها إلى حالة الفتق سواء بسبب التصريحات التي يُطلقها بعض المسؤولين الإيرانيين المثيرة للجدل (حسين شريعتمداري/ ناطق نوري مثالاً) أو بسبب المواقف السياسية من قضايا المنطقة كما جرى مؤخراً في البحرين واتهام الأخيرة لطهران بدعم الاحتجاجات فيها، فضلاً عن شبكة التجسس الإيرانية التي أعلنت الكويت أنها فككتها على أراضيها وقدمت المتورطين فيها إلى القضاء في نهاية شهر مارس المنصرف.

وفي كل الأحوال، فإن العلاقات الإيرانية-الخليجية أصبحت تحكمها عوامل عدة بعضها محلي والآخر إقليمي ودولي. كما أن أماكن نفوذ الجانبين وتسوية قضايا الخلاف وخصوصاً موضوع الجزر الثلاث والملف النووي الإيراني تلعب هي الأخرى دوراً في تخفيف أو زيادة التوتر فيها. وربما تحتاج قضية تعزيز الثقة إلى ما هو أبعد من صور علاقات عامة أو تصريحات تلقَى هكذا، بل إن العلاقات المستقرة هي التي تحكمها المصالح المتوافق عليها وكذا الابتعاد عن هَوَس التأزيم وتأجيل المؤجل وتعليق المعلّق.

 

مقالات لنفس الكاتب