array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 165

مستقبل الخليج والتنافس الأمريكي ـ الصيني

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

العالم يمر الآن بمرحلة فارقة ، وكذلك حالة ترقب غير عادية انتظارًا لما يتمخض عنه التنافس المحموم على بسط القوة والنفوذ بين القوى التقليدية والقوى الصاعدة في ظل الحديث عن عالم جديد متعدد القطبية، بعد أن استقر النظام الدولي لعقود  إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف أربعينيات القرن العشرين، وظهور القوتين الأعظم آنذاك وهما الولايات الأمريكية المتحدة والاتحاد السوفيتي والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وقد استمر النظام الدولي على تلك الهيئة حتى تفكك الاتحاد السوفيتي، وانهيار حلف وارسو، وهدم سور برلين في مطلع تسعينيات القرن العشرين، وبعد ذلك انفردت الولايات المتحدة بالمركز الأول واحتلت منظومة الصدارة في النظام الدولي، لكن ما لبثت أن خطت الصين خطوات كبيرة على طريق التقدم والازدهار بمعدلات نمو مرتفعة وحجم اقتصاد كبير جدًا وتقدم صناعي وتكنولوجي واقتصادات معرفة واسعة النطاق، وواكب ذلك زيادة معدلات مبادلاتها التجارية مع دول العالم ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، ثم جاءت مبادرة الحزام والطريق لتضيف بعدًا جديدًا للعلاقات الاقتصادية مع العالم والمنطقة.

 علاقات دول مجلس التعاون الخليجي تزداد أهمية مع الصين في ظل اعتماد بكين على كميات كبيرة من نفط المنطقة ما جعلها من أكبر مستوردي النفط الخليجي في العالم ومن ثم تنامت العلاقات الخليجية ـ الصينية وزادت تنوعًا ما جعل الصين شريكًا تجاريًا أساسيًا لدول مجلس التعاون، وعلى ضوء ذلك تم إبرام اتفاقيات التعاون وإقامة مشاريع مشتركة بين الجانبين، إضافة إلى اهتمام متبادل بين الجانبين بارتياد آفاق رحبة للتعاون الثنائي في شتى المجالات، وفي خلفية هذا المشهد المتعاظم توجد علاقات تاريخية إيجابية وإرث حضاري وثقافي كبير يرفد هذه العلاقات بقنوات متعددة، مع تاريخ إيجابي يخلو من المنغصات السلبية الاستعمارية التي تعكر صفو العلاقات، وكل ذلك يدعم الرغبة المشتركة في تنامي العلاقات القائمة وتوسيع مجالاتها.

فدول الخليج في حاجة إلى الاستفادة من توطين التكنولوجيا الصينية في كثير من المجالات التنموية و الصناعية المدنية والعسكرية والعلمية وغيرها من المجالات التي قطعت فيها الصين شوطًا كبيرًا وشأوًا عظيمًا، مقابل زيادة اعتماد الصين على النفط الخليجي، وكذلك احتياجها للسوق الخليجية الاستهلاكية الواسعة لتصريف منتجاتها، لكن دول مجلس التعاون تريد أن تلعب الصين دورًا أكبر في دعم واستقرار المنطقة  انطلاقًا من حجم التعاون بين الجانبين في المجالات الاقتصادية، وتريد أن يكون للصين مشاركات سياسية وأمنية وعسكرية استراتيجية أكبر مما هو عليه الآن، وأن تتحرر العلاقات الصينية ــ الخليجية من مجرد علاقة البائع والمشتري أو المنتج والمستهلك، وأن تتجاوز علاقة تجارة النفط والمنتجات الاستهلاكية، وكذلك تأمل أن تستثمر علاقاتها مع مختلف الأطراف بصورة إيجابية وبراغماتيةكثر عملية  أكثر خاصة أن الصين ترتبط بعلاقات وثيقة واتفاقيات بعيدة المدى تصل إلى 25 عامًا مع إيران، وفي المقابل لها علاقات وثيقة واستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعليه فعلى الصين استثمار هذه العلاقات  في تكريس دور أكثر فاعلية وبما يعزز أمن الطاقة الذي ترتكز عليه النهضة الصينية ويعد أحد أركانها الرئيسية، وكذلك استقرار منطقة الخليج والشرق الأوسط.

 دول الخليج يعنيها الاستقرار والتنمية في المقام الأول، ولا ترغب في زيادة حدة الصراع في هذه المنطقة المهمة من العالم، ولا تريد الدخول في حالات استقطاب أو محاور ولا تريد أن تكون المنطقة ساحة  للمواجهة بين القوى الأكبر المتصارعة على  النفوذ والسيطرة، أو العودة إلى أجواء الحرب الباردة كالتي كانت بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي السابق، حيث ترتبط دول المنطقة بعلاقات  ثابتة وراسخة واستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومنظومة الدول الغربية، وعلاقات  متنامية وواعدة مع الصين، وفي الوقت نفسه  تعتمد دول مجلس التعاون منظومة خطط ورؤى تنموية بعيدة المدي (2030) ما يجعلها تعمل على توسيع القاعدة الاقتصادية وتنوع الشراكات مع جميع دول العالم من أجل الدخول في سباق التنمية وتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن الصراعات السياسية والأيدولوجية وغيرها.

وعليه تأمل دول مجلس التعاون الخليجي أن تمضي في طريق التنمية والتطور الذي اختطه لنفسها بعيدًا عن الجدل الدائر أو الصراع بين الولايات المتحدة والصين، وتريد من القوى الكبرى المساعدة  في تنفيذ الرؤى التنموية المنشودة وكذلك في تثبيت أمن واستقرار المنطقة والنأي بها عن الصراعات، كما أن المنطقة تنأى بنفسها عن هذه الصراعات ولا تريد أن تكون ملعبًا لها، وتريد في الوقت نفسه من الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على دورها التقليدي في تثبيت أمن واستقرار المنطقة كما كان الوضع منذ انسحاب بريطانيا من شرق السويس، وإقرار مبدأ نيكسون ثم مبدأ كارتر ، وأيضًا تأمل  من الصين أن تلعب الدور المأمول في دعم تنمية المنطقة والتعامل بإيجابية مع كافة الأطراف وأن تتعامل مع جميع الدول من منطلق الصداقة مع جميع الأطراف بعيدًا عن الأيدولوجيات وخلفيات الصراع بين الدول الإقليمية وأن تكون اتفاقياتها مع إيران لتحقيق منافع لها وللمنطقة دون الخوض في صراعات عسكرية حيث مازالت بنود اتفاقية الـ 25 سنة بين بكين و طهران  سرية وغامضة  وغير واضحة. وكذلك ألا تكون الصين جزءًا غير معلن في عسكرة البرنامج النووي الإيراني، أو مصدرة لتكنولوجيا برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية الذي يزعزع أمن واستقرار منطقة الخليج، وفي المقابل دول مجلس التعاون منفتحة بإيجابية على الجميع ولا تريد أن تستخدم علاقتها بالصين لتكون بديلة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما تعلنه الصين أيضًا التي تقدم نفسها على أنها شريك تنموي وليس بديلًا عن واشنطن في المنطقة أو في أي مكان بالعالم.

وأخيرًا دول مجلس التعاون الخليجي محبة للسلام والاستقرار وساعية للتنمية والنهوض، ولا تريد أن تزج بنفسها في أتون خلافات قادمة من خارج المنطقة حتى لا تتعطل مسيرتها التنموية وسعيها الدؤوب للحاق بركب التقدم العالمي وهذا ما يجب أن تتفهمه القوى الكبرى.   

مقالات لنفس الكاتب