array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

ازدواجية المواقف الإيرانية من الثورات العربية: دجل سياسي بصبغة طائفية

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

لا يفتأ النظام الإيراني يمارس سياسة الخداع المتطرفة في سياسته الخارجية وبخاصة تجاه الدول العربية، وفي القلب منها دول الخليج العربية. فما أكثر المواقف المتناقضة والمتضاربة من جانب النظام الإيراني تجاه الأحداث والتفاعلات سواء التي تحدث في الداخل الخليجي أو في العلاقات البينية بين دول الخليج وإيران، والتي تكشف بجلاءٍ عن أمورٍ عدة مهمة من بينها عدم وجود رؤية أو استراتيجية إيرانية واضحة للتعامل مع دول الخليج.

يتضح للمراقب والمتابع للسياسة الإيرانية أنها – أي السياسة الإيرانية – لا هي مبنيّة على رؤية واضحة قائمة على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة في إطار التوازن وحق كل دولة في ممارسة سياستها وإدارة علاقاتها مع الدول الأخرى انطلاقاً من رؤيتها وتقديرها لمصلحتها القومية بحرية واستقلال ومن دون تدخلٍ من أحد. ولا هي- من جهةٍ أخرى – سياسة مبنيّة على مبادئ ثابتة وواضحة تكون أساساً للتعامل بين الدول كتلك التي تضمّنها ميثاق الأمم المتحدة وحدّدها كأسس ومبادئ للتعامل بين الأمم والشعوب المُتمدّنة، وفي مقدمتها احترام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وتكشف متابعة المواقف الإيرانية الأخيرة من تطورات الأحداث في المنطقة العربية العديد من التساؤلات والشكوك حول النوايا الإيرانية في التعامل مع الدول العربية في ظل المواقف الإيرانية المزدوجة والمتضاربة. وذلك إذا ما قُورن الموقف الإيراني من الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين بموقفه من الأحداث التي شهدتها دول عربية أخرى وعلى رأسها سوريا والعراق. فالنظام الإيراني الذي انتفَضَ مُدّعياً تأييد حق المعارضة في البحرين في الاحتجاجات، ودعم مطالبهم المشروعة، هو النظام ذاته الذي يجلسُ الآن في مقاعد المتفرجين إزاء مجازر النظام السوري الحليف تجاه المئات والآلاف من أبناء الشعب السوري المطالبين بحقوقهم المشروعة ومطالبهم الأكثر عدالة من غيرهم، وكذلك الحال بالنسبة للموقف الإيراني المُخزي من عمليات سحق وقمع الحكومة العراقية للمتظاهرين من أبناء الشعب العراقي.

ودونما الخروج عن سياق المقال، أو الدخول في تفاصيل قد تبدو غير مهمة في هذا الصدد، فإن هذه المقارنة ضرورية لإبراز هذا الوجه المُخزي الذي يكشف عن تعاملٍ طائفي للسياسة الإيرانية تجاه القضايا العربية يستترُ تحت ستار تأييد الحقوق هنا أو هناك. فالنظام الإيراني لم يكتفِ بدعم حكومة حليفه المالكي في العراق أو النظام السوري، بل إنه لم يتوانَ في إقحام اللون الطائفي الذي صَبَغَ الموقف الإيراني من الأحداث في البلدان الثلاثة على وجه التحديد، ففي حين وصف المعارضة في البحرين بـ (المستضعفين) الذين تجب نصرتهم، فقد سكتَ سكوتاً مُريباً على استخدام العنف المفرط من جانب حكومة المالكي أو النظام السوري ضد أبناء الشعبين العربيين العراقي والسوري، وكأن نظام الآيات العظمى في طهران يرى العراقيين والسوريين (جبارين في الأرض) لا تجب نصرتهم أو تأييد مطالبهم، وليسوا مواطنين عُزّلاً يواجهون آلة البطش الأمنية لحلفاء طهران. هذا فضلاً عن موقف النظام الإيراني من الاحتجاجات الشعبية في الداخل الإيراني والمطالب المشروعة لقطاعات عريضة من أبناء شعبه.

إلاَّ أن اللافت للنظر أن الموقف الرسمي للمسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الأعلى لا يمكن توصيفها إلاَّ على أنها نوعٌ من الدجل السياسي تُشتمُّ منه رائحة الطائفية من مسيرة كذا وكذا. ففي أحد تصريحات المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي في شهر مارس 2011 دان المرشد ما سماها (الازدواجية الأمريكية في التعامل مع الحركات الشعبية في المنطقة). ثم أردف أن إيران (تدعم كل الحركات الثورية والمطالب الشعبية التي تحمل شعار الإسلام والحرية). وبغض النظر – ولو مؤقتاً – عن ذلك التناقض الغريب والدجل المفضوح في ما يتعلق بموقف المرشد من المعارضة الإيرانية ذاتها في الداخل والخارج، فإن ما يهمنا – في هذا المقام –هو التأكيد على أمور عدة أهمها:

1- إن النظام الإيراني ومرشدَهُ قد أدمنا التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية في صورٍ فجّة تتناقض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، وأبرزها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول (مادة 2 فقرة 7 من الميثاق) ومبدأ حسن الجوار. وذلك باستمرار التصريحات المستفزّة، حيث لا يفتأ المرشد يؤكد أن الاحتجاجات والثورات في المنطقة العربية (تستلهم) أو (تتأثر) بالنموذج الإيراني. كما جاء في أكثر من لقاء خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، على الرغم من أن هذه الأحداث هي محض شؤون داخلية تخص دولها فقط دون غيرها.

2- إن الصِبغة الطائفية تظهر بوضوح في الموقف الإيراني الذي يُصرُّ على إقحام صفة (الإسلامية) على هذه الاحتجاجات والثورات الشعبية في البلدان العربية على الرغم من أنها قامت لأسبابٍ اجتماعية واقتصادية وسياسية بالأساس ولا علاقة لها بالبُعد الديني من قريب أو بعيد، هذا من ناحية.

3- ومن ناحيةٍ أخرى، إصرار المرشد ونظامه على موقف ازدواجي وطائفي (شيعي) من الأحداث الجارية، ويبدو ذلك جليّاً في الموقف المخزي من عمليات القمع والقهر في سوريا والعراق. ففي الوقت الذي صرّح فيه وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي تصريحاً طائفياً بخصوص الوضع في البحرين حين قال (إن بلاده لن تقفَ مكتوفة الأيدي فيما تقوم السعودية بإبادة الشيعة)، وفي الوقت الذي ترى فيه طهران المحتجين في البحرين (مستضعفين) تراهم طهران في سوريا والعراق (قوماً جبّارين) يجب السكوت على قتلهم وتأديبهم من أجل الحفاظ على النظم والحكومات الحليفة لطهران بأي ثمن.

4- إنّه على ما يبدو، فإن إيران ومرشدها عازمان على تنفيذ مخططهما الذي بدأ أثناء الاحتلال (الأنغلو – أمريكي) للعراق في مارس 2003 لتشارك فيه إيران ليتحول إلى احتلال ثلاثي (أمريكي – بريطاني – إيراني) من خلال تحالف استراتيجية أمريكية أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس تتمثّل في (الفوضى الخلاّقة) مع استراتيجية إيرانية تتمثّل في (الفوضى المنضبطة) التي تحقق لإيران مصالحها في المنطقة. وقد وجدت إيران أحد وكلائها في العراق (نوري المالكي) يدافع عن سياستها التدخلية في الشؤون العربية عندما صرّح المالكي ل (بي.بي.سي) في 26 مارس بأنه يحذّر من حدوث توتر طائفي في المنطقة إثر دخول قوة من درع الجزيرة إلى البحرين...) وبدأ المالكي الحديث عن سنة في مقابل شيعة.

وأخيراً، فإنه يجب على إيران، إذا ما أرادت إقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية أن تتخذَ من المواقف ما يلمسُ منه الجانب العربي حسن النية، وأن تتخذ إيران أيضاً من السلوك ما يؤكّد رغبة حقيقية وصادقة في التعاون مع الدول العربية على أسس موضوعية تقوم على مبادئ القانون الدولي واحترام استقلال كل دولة وشؤونها الداخلية، وأن العلاقات يجب أن تقوم على أساس من المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وأن تتخلّى عن سياسة الوصاية والاستعلاء التي تتعامل بها طهران في بعض القضايا العربية والقضايا المشتركة. بمعنى أنْ تتخذَ إيران من المواقف والسلوك الفعلي ما يطمئن الأطراف العربية خاصةً أن الخبرة التاريخية القريبة والبعيدة تشير إلى استمرار سياسة الخداع والغموض الإيرانية في التعامل مع القضايا العربية.

مجلة آراء حول الخليج