غابت المرأة الأفغانية عن التشكيلة الحكومية الجديدة المعلنة مؤخرًا من قبل حركة طالبان، وذلك بعد نجاح الأخيرة في السيطرة على أفغانستان منتصف أغسطس الماضي، في حين ضمت الحكومة الأفغانية السابقة وزيرتين، كما تم إلغاء وزارة شؤون المرأة وهي أحد المكتسبات التي حققتها المرأة الأفغانية عقب الإطاحة بحكم طالبان عام 2001م، وهو ما يتناقض مع تصريحات الحركة فيما يخص وضع المرأة الأفغانية، ففي مؤتمر صحفي عُقد مؤخرًا، أعلن "ذبيح الله مجاهد" المتحدث باسم الحركة، بأنه "سوف نسمح للمرأة بالعمل والدراسة ضمن أطرنا"، مضيفًا "سيكون للنساء دور ناشط للغاية في مجتمعنا" دون توضيح المزيد من التفاصيل حول الإطار الذي تعنيه الحركة ومدى حرية الحركة للمرأة الأفغانية في هذا الإطار.
واستنادًا للخبرة السابقة وتصريحات الحركة الغامضة فيما يتعلق بوضع المرأة الأفغانية، يهدف هذا المقال إلى التعرف على وضع المرأة الأفغانية في ظل سيطرة طالبان عبر التعرف على ما حققته المرأة الأفغانية من مكتسبات خلال العشرين عامًا الماضية ومقارنتها بالوضع السابق عام 2001م، عندما تمت الإطاحة بالحركة، وكذلك الفجوات القائمة والتي تؤثر على وضع المرأة الأفغانية، ومستقبل المرأة الأفغانية في ظل سيطرة طالبان استنادًا لعدد من المؤشرات الأولية.
-المرأة الأفغانية عبر عقدين ...خطوات نحو التمكين:
على مدار العشرين عامًا الماضية تمكنت المرأة الأفغانية من تحقيق العديد من المكاسب التي انعكست على وضع المرأة في العديد من المؤشرات.
فخلال حكم طالبان للبلاد خلال الفترة (1996-2001م) حُرمت الفتيات الأفغانيات من الذهاب للمدارس، كما حُرمت المرأة الأفغانية من العمل، وبالتالي لم تتمكن من المشاركة في كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه منذ عام 2001م، بدأت المرأة بالمشاركة في الحياة السياسية في البلاد، فمن بين الثمانية أشخاص أعضاء لجنة صياغة الدستور كانت هناك سيدتان، كما شاركت سبع سيدات ضمن لجنة الفحص والمكونة من 35 عضوًا، ومثّل النساء 20% من أعضاء المجلس الأعلى الدستوري، كما ضم المجلس الأعلى للطوارئ (والذي تولى اختيار رئيس السلطة الانتقالية) في عضويته 12% من النساء.
أما الدستور الأفغاني لعام 2004م، فقد اشتمل على العديد من النصوص التي أعادت للمرأة الأفغانية حقوقها، إذ منح المرأة الأفغانية كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية. فوفقًا للمادة 22 من الدستور: "يحظر أي شكل من التمييز بين مواطني أفغانستان. ويتمتع مواطنو أفغانستان، رجالاً ونساء، بحقوق وواجبات متساوية أمام القانون".
وفيما يتعلق بحق المرأة في التعليم، فقد نصت المادة 43 من الدستور على: أن "التعليم حق لجميع مواطني أفغانستان، ويجب تقديمه حتى البكالوريوس مجانًا من قبل الدولة. ومن أجل تقديم التعليم المتوازن، وتوفير التعليم المتوسط الإلزامي في جميع أنحاء أفغانستان، يجب على الدولة تصميم وتنفيذ برامج فعالة وتمهيد الأرضية لتعليم اللغات الأم في المناطق التي يتم التحدث بها فيها"
وبالنسبة للمشاركة السياسية للمرأة الأفغانية، فقد تم النص على كوته محددة للنساء في السلطة التشريعية، ففي مجلس النواب WOLESI JIRGA ويتكون من 250 مقعدًا، فقد تم تخصيص كوته للمرأة بعدد 68 مقعدًا. وفي مجلس الشيوخ MESHRANO JIRGA ويتكون من 102 مقعدًا، يتم تعيين 34 منهم من قبل الرئيس ويجب أن يكون نصفهم من النساء. كما ضم كلا المجلسين لجان معنية بالمرأة ففي مجلس النواب كانت هناك لجنة شؤون المرأة ولجنة حقوق الإنسان والشؤون المدنية. أما في مجلس الشيوخ فقد تشكلت لجنة العلاقات بين الجنسين ولجنة الشؤون المدنية.
كما يمكن الإشارة إلى إنشاء وزارة شؤون المرأة والتي أصبحت تقوم بدور مهم في حماية حقوق المرأة. حيث تمثلت مهامها في تنمية قدرات وتوفير وزيادة فرصة حصولها على خدمات الرعاية الصحية وتحسين الوضع القانوني والاقتصادي للمرأة، مع تعزيز مشاركة المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية.
وفيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية، فقد قامت حكومة أفغانستان بالتوقيع على اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" في 14 أغسطس 1980م، إلا أن أوضاع الدولة حالت دون التصديق على الاتفاقية، حيث لم تتمكن البلد من التصديق عليها إلا في 5 مارس 2003م، وهو ما انعكس إيجابًا على أوضاع المرأة فبموجب الاتفاقية اتجهت الدولة لإنشاء كيانات خاصة بحماية حقوق المرأة، وفي مقدمتها وزارة شؤون المرأة، إضافة إلى التصديق على بعض القوانين ذات الصلة بالمرأة وحماية حقوقها وتمكينها اقتصاديًا وسياسيًا، إضافة إلى الاستراتيجية الإنمائية للدولة والتي خصصت في أجزاء منها مواد لتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا.
وبموجب اتفاق بون (الذي تم التوصل له في 5 ديسمبر 2001م) تم إنشاء "اللجنة الأفغانية المستقلة المعنية بحقوق الإنسان"، والتي تم النص على تشكيلها بموجب المادة 58 من الدستور، وفيما يتعلق بحقوق المرأة فقد حددت اللجنة عدة أهداف من بينها تدريب السكان وخاصة النساء على حقوق الإنسان، مع دعم حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، وتلقي شكاوى النساء وغيرها.
وفي عام 2008م، صدر قرار رئيس الجمهورية بإنشاء "اللجنة المعنية بالقضاء على الاعتداء الجنسي على الأطفال والنساء"، برئاسة نائب رئيس الجمهورية وتُعنى اللجنة بتقديم المشورة للهيئات المعنية بمواجهة الاعتداء الجنسي على الأطفال والنساء، كما تتولى اللجنة مسؤولية قضايا الاعتداء الجنسي وإحالتها للجهات المختصة.
كما تم وضع خطة عمل وطنية للمرأة في أفغانستان لمدة 10 سنوات (2008- 2018م) والتي تم التوصل إليها بعد مشاورات مكثفة داخليًا وخارجيًا مع المجتمع الدولي، لرصد المشكلات والتحديات الحقيقية التي واجهتها المرأة الأفغانية على مدار سنوات، وقد تم اعتماد الوثيقة في مؤتمر لندن عام 2010م، وتتحمل الحكومة الأفغانية مسؤولية تنفيذ الخطة، والتي بموجبها فإن على الحكومة الأفغانية، وبمساعدة المجتمع الدولي، اتخاذ تدابير واسعة النطاق لحماية حقوق وحريات المرأة. بحيث تُعد الخطة تجمعيًا للخطط قصيرة وطويلة الأمد في وثيقة واحدة وبما يُسهل على الحكومة متابعة التنفيذ
كما شاركت المرأة خلال السنوات الماضية في العديد من المشاورات ومن بينها مشاركة النساء في المشاورات المتعلقة بصياغة الاستراتيجية الإنمائية الوطنية الأفغانية (2009-2012م) والتي تنظم برامج التنمية الحكومية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وقد تم التشاور مع 1700 شخص عند إعدادها نصفهم تقريبًا من النساء. حيث أكدت الركيزة الثانية من الاستراتيجية على حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين باعتبارها قضية شاملة وتعزيز المساواة بين الجنسين بطريقة يتمتع فيها النساء والرجال بالأمن والفرص والحقوق في المجالات كافة. كما نصت الاستراتيجية على تنفيذ 13 مؤشراً للعلاقة بين الجنسين حددها الاتفاق الخاص بأفغانستان وأولويات السنوات الخمس لخطة العمل الوطنية للمرأة في أفغانستان.
وتجدر الإشارة إلى مشاركة عناصر نسائية في الفريق التفاوضي المشكل من قبل الحكومة الأفغانية والذي بدأ التفاوض مع طالبان في سبتمبر 2020م، حيث تُشكل الفريق الحكومي من 21 عضوا من بينهم 5 سيدات أفغانيات، كما أنشاء الرئيس الأفغاني "أشرف غني" المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية كهيئة إشرافيه لمراقبة وتوجيه فريق التفاوض ومن بين 46 عضوًا هم أعضاء المجلس كانت هناك تسع سيدات.
وإضافة إلى الأطر القانونية والدستورية والإدارية وكذلك اللجان المشكلة المعنية بحقوق المرأة، فقد برز خلال السنوات الأخيرة دور مهم لمنظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة في أفغانستان، إذ عملت منظمات المجتمع المدني خلال السنوات الماضية على مساعدة النساء في أفغانستان بشكل كبير حيث تم توفير المهارات والتدريب اللازم وتوفير فرص عمل لهن. كما لعبت تلك المنظمات دورًا مهمًا في توفير التوعية الكافية للنساء الأفغانيات وخاصة في المجال الصحي وهو ما انعكس على خفض معدلات الوفيات بين النساء وخاصة خلال فترة الحمل والولادة.
وفي عام 2001م، تأسست منظمة "المرأة من أجل المرأة الأفغانية" (WAW) عل يد الناشطة "سونيتا فيسواناث" والتي تحولت لتصبح في الوقت الراهن واحدة من أكبر المنظمات النسوية المعنية بالمرأة الأفغانية. وللمنظمة نشاطات مهمة على الأرض كتوفير ملاذات آمنة للنساء من ضحايا العنف، وكذلك توفير مراكز تعليم للنساء ومراكز تدريب.
كما يمكن الإشارة إلى "شبكة المرأة الأفغانية" التي أصبحت تضم أكثر من 150 منظمة عضو و3500 ناشطة في كافة مجالات الحياة.
مع التأكيد على أن دور منظمات المجتمع المدني الأفغاني لم يقتصر على الداخل الأفغاني فحسب، بل قام بدور مهم خارج البلاد لحماية حقوق المرأة الأفغانية، فنجد شبكة المرأة الأفغانية كانت شريكًا في "شراكة كورديد الاستراتيجية" لمدة خمس سنوات (2016-2020م) مع الحكومة الهولندية، هذه الشراكة هدفت إلى تعزيز الحوار بين المواطنين والحكومات بشأن العديد من القضايا من بينها الأمن وحقوق المرأة والوصول إلى العدالة.
وبذلك فقد أسهمت تلك الجهود في تحسين أوضاع المرأة الأفغانية إلى حد كبير خاصة عند مقارنتها بفترات سابقة حيث انتشر العنف ضد المرأة بشكل كبير. إضافة إلى حرمانها من كافة حقوقها. وفرض عليها زي محدد من قبل حركة طالبان.
-المرأة الأفغانية بعد عقدين من حكم طالبان:
انعكست الخطوات المبذولة خلال السنوات الأخيرة على تحسن وضع المرأة الأفغانية في العديد من المجالات خاصة إذا ما تمت مقارنتها بالوضع عام 2001م، لتشهد البلاد تبدلًا في أدوار المرأة الأفغانية من دورها التقليدي كربة منزل فقط إلى الانتقال لأفق أوسع لممارسة حقوق وحريات سياسية واقتصادية واجتماعية.
فمن الناحية الصحية، انعكست الخدمات الصحية المقدمة للنساء من قبل الدولة أو منظمات المجتمع المدني على مؤشرات عدة من بينها متوسط العمر المتوقع عند الميلاد للمرأة والذي ارتفع من 56 عامًا إلى 66 عامًا بين عامي 2001 و2017م، كما انخفض معدل الوفيات أثناء الولادة من 1100 لكل 100 ألف مولود في عام 2000 إلى 396 لكل 100 ألف عام 2015م.
وفيما يتعلق بالتعليم، ففي عام 2003م، بلغت نسبة الفتيات المسجلات في المدارس الابتدائية 10% من الفتيات في سن الدراسة الابتدائية، وزادت النسبة لتصل بحلول عام 2017 إلى 33%. وفيما يتعلق بالتعليم الثانوي فقد زادت النسبة من 6% إلى 39% خلال ذات الفترة الزمنية. لتصبح هناك 3.5 مليون فتاة أفغانية في ذلك التاريخ تدرس بالمدارس إضافة إلى نحو 100 ألف فتاة تدرس بالجامعات. مع التأكيد على أنه في عام 2001م، لم يتم تسجيل أي من الفتيات في أي من المدارس الرسمية في أفغانستان في حين كان هناك مليون طالب مسجل. كما سمح للفتيات الأفغانيات للحصول على منح لاستكمال دراستهن خارج البلاد، وأن كانت النسبة أقل بكثير من الرجال حيث حصلت الفتيات على 13% فقط من إجمالي المنح المقدمة.
وفيما يخص مشاركة المرأة الأفغانية في الحياة العامة، فمع بداية عام 2020م، مثلت النساء 21% من موظفي الخدمة العامة بالبلاد، و 16% منهن كان في مستويات الإدارة العليا. ومنذ عام 2010بدأت وزارة الدفاع الأفغانية في اجتذاب النساء للعمل في وظائف متنوعة إدارية وعسكرية. وتُشير المصادر إلى أنه في بداية عام 2018م، كان نحو 4500 أمرأه أفغانية تخدم في قوات الدفاع والأمن الأفغانية,
وهناك عدد من الملاحظات فيما يخص المكاسب التي حققتها المرأة الأفغانية خلال العشرين عامًا الماضية، يمكن توضيحها على النحو التالي:
-غياب عدالة التوزيع جغرافيا: كانت هناك فجوة مناطقية واضحة في تمتع الفتيات والنساء الأفغانيات بحقوقهن في التعليم والصحة والعمل، ففي المناطق التي كانت تحت سيطرة طالبان خلال تلك الفترة حُرمت الفتيات من الذهاب للمدارس، كما حرمت المرأة من الخروج للعمل. والأكثر من ذلك فقد أجبرن على الالتزام بزي محدد من قبل الحركة. وكان يتم استهداف النساء من الناشطات الحقوقيات والسيدات العاملات في القطاعات ذات الصلة كالمحاماة وغيرها.
-التمييز وفقًا للنوع الاجتماعي: مع ما تحقق من مكاسب للمرأة الأفغانية، فما زالت هناك فجوة وفقًا للنوع الاجتماعي، ومن ذلك فيما يتعلق بمعدل البطالة بين الإناث الأفغانيات، فوفقًا لإحصاءات عام 2017م، بلغ معدل البطالة بين الشابات الأفغانيات (15-24 سنة) 21.4% مقارنة بـ 16.3% للذكور في نفس الفئة العمرية، كما بلغ عدد السنوات المتوقع للدراسة (من التعليم الابتدائي للتعليم العالي) فقد بلغ 8 سنوات للفتيات، و13سنة للفتيان. وفيما يتعلق بنسبة التعليم (15 سنة فأكثر ويمكنه أن يقرأ ويكتب) فقد بلغت النسبة بين الفتيات 29.8% وذلك عام 2018م، بينما بلغت النسبة 55.5% بين الرجال.
وفيما يخص "مؤشر التنمية بين الجنسين" Gender Development Indexلعام 2019م، فقد بلغت قيمة المؤشر للإناث 0.391 مقارنة بـ 0.593 للذكور، لتبلغ قيمة المؤشر إجمالًا 0.659 نقطة.
ومؤشر التنمية بين الجنسين تم تقديمه للمرة الأولى في تقرير التنمية البشرية لعام 2014، كمقياس جديد يقيس الإنجاز المتحقق في المساواة بين الجنسين في أبعاد ثلاثة وهي: الصحة (وتُقاس بمتوسط العمر المتوقع للإناث والذكور عند الولادة)، والتعليم (ويُقاس بالسنوات المتوقعة للإناث والذكور من التعليم للأطفال ومتوسط السنوات للبالغين الذين تبلغ أعمارهم 25 عامًا وكبار السن)، والبعد الثالث متعلق بالسيطرة على الموارد الاقتصادية (ويُقاس بنصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي للإناث والذكور).
ويوضح جدول رقم (1) الفجوة بين الجنسين وفقًا للمؤشر المجمع والمؤشرات الفرعية المكونة له. فباستثناء متوسط العمر المتوقع عند الميلاد، فإن وضع الذكور أفضل من النساء في المؤشر المجمع وباقي المؤشرات الفرعية.
جدول (1)
وضع أفغانستان في تقرير التنمية البشرية لعام 2019 فيما يخص مؤشر التنمية بين الجنسين
مؤشر التنمية بين الجنسين | العمر المتوقع عند الميلاد | عدد السنوات المتوقع في المدرسة | وسيط سنوات الدراسة | نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي | ||||||
إجمالًا | الإناث | الذكور | الإناث | الذكور | الإناث | الذكور | الإناث | الذكور | الإناث | الذكور |
0.659 | 0.391 | 0.593 | 66.4 | 63.4 | 7.7 | 12.5 | 1.9 | 6 | 819 | 3.566 |
-الفجوة بين المرأة الأفغانية ونظيراتها بالخارج: مع ما تحقق فإن وضع المرأة الأفغانية في المؤشرات الدولية كان من بين الأسوأ مقارنة بنظيراتها عالميًا.
وفقًا لمؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2021م، والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يقيس تطور الفجوات النوعية في أربعة جوانب هي: التمكين السياسي، والفرص الاقتصادية، والتحصيل العلمي، والصحة والبقاء على قيد الحياة. من خلال التركيز على أسباب الفجوات وتحديد السياسات والممارسات اللازمة للتعافي الشامل. فوفقًا للمؤشر فقد جاءت أفغانستان في الترتيب الأخير عالميًا حيث جاءت في الترتيب 156 عالميًا من بين 156 دولة شملها التقرير، حيث بلغت قيمة المؤشر (والذي يتراوح بين صفر وواحد) 0.444 نقطة.
كما يمكن الإشارة أيضًا إلى مؤشر عدم المساواة بين الجنسين Gender Inequality Index والذي طرحه تقرير التنمية البشرية لأول مرة عام 2010م، ويعكس عدم المساواة بين الجنسين في أبعاد ثلاثة هي: الصحة الإنجابية والتمكين والنشاط الاقتصادي. حيث تقاس الصحة الإنجابية بمعدل وفيات الأمهات ومعدلات مواليد المراهقات. أما التمكين فقد تم قياسه بعدد المقاعد البرلمانية التي تشغلها المرأة وحصة كل من الذكور والنساء في التحصيل في التعليم الثانوي والعالي. وأخيرًا يُقاس النشاط الاقتصادي بمعدل مشاركة المرأة والرجل في سوق العمل. ووفقًا لمؤشر عام 2019م، فقد بلغت قيمة المؤشر في أفغانستان 0.655 حيث جاءت في الترتيب عالميًا 157 من بين 162 دولة شملها المؤشر. حيث حصلت 13.2% من النساء البالغات على مستوى ثانوي على الأقل من التعليم مقارنة بـ 36.9% من نظرائهن من الذكور، ومن بين كل 100 ألف ولادة حية تموت 638 سيدة لأسباب ذات صلة بالحمل، كما بلغ معدل المواليد في سن المراهقة 69 ولادة لكل 1000 امرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و 19 عامًا. وتبلغ مشاركة الإناث في سوق العمل للإناث 21.6% مقابل 74.7% للذكور.
ووفقًا لمؤشر Women’s Power Index الصادر عن Council on Foreign Relations والصادر في مارس 2021م، والذي يرتب الـ 193 دولة الأعضاء في الأمم المتحدة فيما يتعلق بمستوى التقدم المحرز نحو التكافؤ بين الجنسين في المشاركة السياسية، فيما يخص المشاركة السياسية عبر تحليل نسبة النساء اللواتي يشغلن مناصب رؤساء دول أو حكومات أو وزارات وكذلك نسبة الإناث في السلطات التشريعية. بحيث يعكس بذلك الفجوة بين الجنسين فيما يخص التمثيل السياسي. ووفقًا للمؤشر جاءت أفغانستان في الترتيب 135 عالميًا، وبلغت نسبة مشاركة النسبة في الحكومة 6% لتأتي في الترتيب 169 عالميًا، وفي البرلمان 27% لتأتي في الترتيب 69 عالميًا، وفي برلمانات المحليات 17% لتأتي في الترتيب 94 عالميًا. ويلاحظ أن التحسن في المؤشر الخاص بالمشاركة في البرلمان الأفغاني يأتي انعكاسا لما نص عليه الدستور الأفغاني من كوته للمرأة الأفغانية ولا يعكسن تحسن حقيقي في دورها السياسي.
وبذلك فرغم النجاح الذي حققته المرأة الأفغانية على العديد من المستويات فمازال هناك من الجهود التي يجب العمل على تحقيق والعديد من الفجوات داخل المجتمع الأفغاني سواء كانت استنادًا للنوع الاجتماعي أو فجوات مناطقية، وخارج المجتمع الأفغاني بين المرأة الأفغانية ونظيراتها عالميًا، ومن ثم فإن التركيز كان من المفترض أن ينصب خلال السنوات القادمة على المزيد من التمكين للمرأة الأفغانية في كافة المجالات وبما يُسهم في تقليل تلك الفجوات.
-المرأة الأفغانية في ظل عودة طالبان للحكم
تجددت المخاوف من حدوث انتكاسة في الحقوق التي تمكنت المرأة الأفغانية من الحصول عليها مرة أخرى مع عودة طالبان للحكم، وهي المكاسب والتي أن لم تجعل المرأة الأفغانية في وضع أفضل عالميًا مقارنة بنظيراتها في الخارج، إلا أنها شكلت خطوة مهمة للبناء عليها.
ورغم ما أشارت إليه الحركة على لسان المتحدث الرسمي باسمه، أو ما يتم إعلانه من أن "طالبان تحمي وستحمي حقوق المرأة بموجب الشريعة"، وأنه يمكن حماية واحترام حقوق المرأة ضمن "إطار إسلامي" وهو الخطاب الذي ازدادت وتيره منذ سقوط كابول في يد طالبان. وأيضًا في ظل دعوة المنظمات الدولية وخاصة المعني منه بحقوق الإنسان من أهمية احترام طالبان لحقوق المرأة، خاصة أن الحركة تواجه جيلًا جديدًا من الشباب والفتيات مختلف كليًا عن الجيل السابق الذي تفاعلت معه الحركة في تسعينيات القرن الماضي، فإن هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد صعوبة الحفاظ على المكتسبات التي حققتها المرأة الأفغانية في ظل سيطرة طالبان.
في مقدمة تلك الاعتبارات طبيعة المجتمع الأفغاني ذاته بشقيه من الذكور والنساء، فأحد التحديات تتمثل في النظرة الذكورية في المجتمع الأفغاني، ووفقًا لدراسة حديثة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة وشركاؤها فإن 15% فقط من الرجال الأفغان يعتقدون أنه يجب السماح للمرأة بالعمل خارج المنزل بعد الزواج، ويشكو ثلثا الرجال من أن النساء الأفغانيات يتمتعن الآن بحقوق كثيرة للغاية. كما كشفت الدراسة أن 80٪ من الأفغانيات يتعرضن للعنف المنزلي. تم سجن حوالي 50 % من النساء في السجون الأفغانية و 95 % من هؤلاء الفتيات تعرضن للسجن بسبب "جرائم أخلاقية" مثل ممارسة الجنس خارج إطار الزواج. وقد حوكم أخريات لقتل أزواجهن الذين أساءوا معاملتهن. فمع وجود جيل جديد من الشباب الأفغاني والمختلف إلى حد كبير عن السابق وهو جيل أكثر ثقافة واطلاعًا، فإن تلك الطبيعة الذكورية للمجتمع الأفغاني ستقوض من الحقوق التي اكتسبتها المرأة الأفغانية.
النظرة الذكورية في المجتمع الأفغاني لا تنبع من الذكور فحسب، فهناك فريق من الإناث المؤمن بتلك الأفكار فهناك قطاعات من السيدات الأفغانيات المؤيدة لحركة طالبان وأفكارها، ومؤخرًا نظمت مجموعات من النساء مظاهرات داعمة للحركة.
ومن ناحية أخرى، فما زالت المرأة الأفغانية ورغم ما تحقق من إنجازات تواجه العديد من التحديات وهي التحديات التي من المتوقع أن تزداد في ظل حجم طالبان. ومن بينها العنف الأسري والاتجار في البشر وغيرها. فوفقًا لمؤشر العبودية العالمي لعام 2018 GLOBAL SLAVERY INDEX 2018، جاءت أفغانستان من ضمن أسواء عشر دول وفقًا للمؤشر والدول العشر الأسوأ عالميا هي: كوريا الشمالية، إريتريا، بروندي، جمهورية إفريقيا الوسطى، أفغانستان، موريتانيا، جنوب السودان، باكستان، كمبوديا، وإيران.
ومن ناحية ثالثة، فرغم القلق الذي تبديه العديد من المنظمات الدولية بشأن وضع المرأة الأفغانية، فإن المجتمع الدولي لم يطلب ضمانات كفاية من طالبان تجاه المرأة الأفغانية، ومن ذلك لم يتضمن اتفاق الدوحة أي ضمانات أو إجراءات بناء الثقة فيما يتعلق بحقوق النساء في أفغانستان.
وكذلك فإن أحد التحديات قد تتمثل في اضطرار العديد من منظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة لإيقاف أنشطتها خوفًا من بطش حركة طالبان مما سينعكس سلبًا على النساء الأفغانيات اللواتي يحصلن على العديد من أشكال الدعم من تلك المنظمات. كما تعمل حاليًا تلك المنظمات على إخراج العاملين بها من أفغانستان.
كما أن العديد من المنظمات الدولية ستواجه تحديات في تقديم المساعدة الصحية والتعليمية للمرأة الأفغانية في ظل القيود المفروضة من قبل الحركة.
وختامًا، نجحت طالبان في فترة المفاوضات التي سبقت سيطرتها على السلطة بتقديم مؤشرات غامضة وإعطاء رسائل مرتبطة بشأن وضع المرأة الأفغانية المستقبلي. وبعد سيطرتها على السلطة فقد قدمت رسائل أخرى عن نهج الحركة الجديد تجاه المرأة الأفغانية وهي مؤشرات تهدف منها فقط إلى طمأنة المجتمع الدولي دون أن تعني حدوث تغيير حقيقي في فكر الحركة تجاه هذا الملف، فحتى وإن أبقت طالبان على المدارس مفتوحة أمام تعليم الفتيات فهي لن تسمح إلا بتعليم ما تريده الحركة فقط، وهو ما حدث عقب سيطرتها على بعض المدن في السنوات الماضية حيث كانت تترك المدارس الابتدائية مفتوحة لكنها كانت ترسل مندوبيها لتحديد المحتوى التعليمي الذي يتم تقديمه. وحتى إن سمح للمرأة الأفغانية بالعمل فستحرم من العمل في العديد من القطاعات. وهو ما يضع على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية مسؤولية الضغط على الحركة لدعم حقوق المرأة كأن يتم ربط المساعدات الاقتصادية بالحفاظ على مكتسبات المرأة. وغير ذلك من أدوات الضغط.