array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

3 دروس مستفادة من الانسحاب الأمريكي والفساد الذي بنته واشنطن في كابول سبب تهاوي النظام

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

تفاجأ العالم بالسقوط المدوي لحكومة أفغانستان أمام زحف قوات طالبان التي اجتاحت البلد بأكمله بعد أيام قليلة من بداية عملية انسحاب قوات التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة. تعود بداية الوجود الأمريكي إلى عام 2001م، الذي شهد بدء العمليات العسكرية التي قامت بها القوات الأمريكية مدعومة من الحلفاء لاستئصال الجماعات الإرهابية التي كانت وراء الهجوم الذي تعرضت له في الحادي عشر من سبتمبر من العام ذاته.  ولأن جماعة طالبان، حليفة تنظيم القاعدة، كانت هي التي تحكم أفغانستان آنذاك فقد أصبحت في مرمى تلك القوات التي أزاحتها من الحكم وحولتها إلى جماعة مقاتلة دخلت مع قوات التحالف في حرب كر وفر دامت عقدين كاملين وتسببت في مقتل 350 جنديًا من قوات التحالف الدولي معظمهم من الأمريكان وعشرين ألف جريح وحوالي 60 ألف قتيل من القوات الأفغانية و50 ألف قتيل من المدنيين بالإضافة إلى 5 ملايين لاجئ ومشرد، وكانت نتيجتها خروج أمريكا بخفي حنين كما يقال.

 

ومما زاد الطين بلة ذلك الإخفاق الاستخباراتي الكبير الذي تمثل بالفشل في التنبؤ بسقوط نظام الحكم بتلك السرعة المذهلة، وذوبان الجيش الأفغاني الذي كان قوامه 300 ألف جندي بسرعة فاقت ذوبان الثلج في صيف كابل، وفرار رئيس الجمهورية وأعضاء حكومته إلى عواصم العالم.  وكان من أوضح علامات ذلك الفشل خروج الرئيس الأمريكي بايدن قبل أيام من تلك الأحداث ليطمئن مواطنيه والعالم بأن الانسحاب لن يؤدي إلى سقوط النظام في كابل. هذه الحسابات الخاطئة كانت السبب في عدم اتخاذ خطة طوارئ لعملية الإجلاء وتسببت في تلك الفوضى التي ظهرت أمام العالم في مطار كابل ووضعت القوات الأمريكية في وضع أمني صعب جدًا. لكن النظام سقط بأسرع مما كان يتوقعه حتى معارضوه.  فما الذي حدث؟  هل هو هزيمة أم أنه إعادة انتشار تكتيكي للقوات الأمريكية على الساحة العالمية دعت إليه متطلبات الأوضاع الداخلية الأمريكية والمتغيرات على الساحة العالمية؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عليه.

 

الأسباب التي دفعت إلى الانسحاب

لم يشكل قرار الانسحاب مفاجأة لأحد في الولايات المتحدة أو خارجها بل كان الخلاف يتمحور حول طريقة الانسحاب وما سيحدث بعده. يدل على ذلك أن المفاوضات وقرار الانسحاب كان خلال رئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب وهو الذي أرسل مبعوثه الخاص السفير زلماي خليل زاد، المعروف بأنه من المحافظين الجدد وسبق له أن شغل مناصب عديدة منها ممثل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة وسفيرها في كابل وبغداد، للتباحث مع طالبان في الدوحة. وقد أسفرت تلك المفاوضات عن اتفاق شامل لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان حسب جدول زمني معين. ولما جاءت إدارة بايدن بداية العام الحالي قررت الالتزام بالاتفاق وتنفيذه على خلاف القرارات الأخرى التي اتخذتها إدارة ترامب والتي سارعت إلى تغييرها أو التنصل منها في الساعات الأولى. فما هي الأسباب التي دعت الولايات المتحدة إلى الانسحاب من أفغانستان:

 

أولاً- العوامل الداخلية: إدارة بايدن وضعت نصب عينها التركيز على المشكلات الداخلية المتمثلة بتنشيط الاقتصاد الأمريكي الذي أنهكته سياسات ترامب ومنها التخفيض الكبير في الضرائب الذي رفع معدلات العجز في الموازنة الحكومية إلى مستويات غير مسبوقة، والتي كان من المفروض أن تقوم بتحفيز الشركات على توسيع إنتاجها وضخ الأموال في السوق الأمريكية، لكن الشركات لم تقم بذلك بل استخدمت الأموال في شراء أسهمها من السوق، الأمر الذي أحدث ارتفاعات غير مسبوقة في سوق الأسهم الأمريكية، لكن الفوائد الاقتصادية لتخفيض الضرائب لم تؤت ثمارها الموعودة.

 

وإذا لم يكن ذلك كافيا فقد جاءت أزمة الكوفيد-19 التي تسببت في أكبر هزة اقتصادية منذ الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي. لذلك سارعت الحكومة إلى تقديم حزمات إنعاشية للاقتصاد الأمريكي لمساعدته على النهوض من كبوته وتجاوز تلك الأزمة.  الآن انتهت فترة المنشطات ولابد أن يعود الاقتصاد إلى ممارسة دورته الطبيعية وتحقيق النمو المطلوب، ولذلك تقدمت إدارة بايدن بمبادرات لإعادة هيكلة الاقتصاد وتحديد وجهات جديدة الغاية منها توسيع النشاط الاقتصادي ومن ذلك الاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية مثل الطرق والجسور المتهالكة، بالإضافة إلى الاستثمار في اقتصاد المستقبل مثل الطاقة النظيفة والصناعات التي لا تساهم في زيادة الاحتباس الحراري.  لذلك فإن الحرب في أفغانستان أصبحت عبئًا يصرف الجهود عن الأولويات الداخلية.

 

ثانيًا- تغير الأولويات على الساحة العالمية: أصبحت أولوية السياسة الأمريكية الخارجية منذ بداية إدارة بايدن هي التصدي لتنامي الدور العالمي للمحور الصيني-الروسي. هذه الأولوية أصبحت واضحة وتتطلب إعادة بوصلة السياسة الخارجية باتجاه الوجهة الجديدة.  ولأن الحرب في أفغانستان كانت من إرث السياسات السابقة فقد صار لازمًا التخلص من تلك التبعات والتركيز على الأولوية الجديدة من خلال إعادة ترتيب خارطة المنطقة لكي تتماشى مع التحديات الجديدة. ولعل من أوضح الأدلة على ذلك التحالف الجديد للمحيطين الهادي والهندي بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا الذي سمي (AUKUS). هذا التحالف الذي أسعد البعض وأزعج العديد من الحلفاء القدماء يشير بوضوح إلى التغيير الجديد في الأولويات.

 

الاتفاق الأمريكي-الأفغاني

تم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والإمارة الإسلامية في أفغانستان (طالبان) في العاصمة القطرية الدوحة في العشرين من مارس 2020م.  وقد نص الاتفاق الذي يقع في أربع صفحات ويتضمن مقدمة وثلاثة أقسام على أربع فقرات رئيسية وهي:

 

  1. أن طالبان تتعهد بأن الأراضي الأفغانية لن تستخدم في أي عمل عدائي ضد الولايات المتحدة أو حلفائها.
  2. تتعهد الولايات المتحدة بالقيام بانسحاب شامل لجميع قواتها وقوات التحالف الدولي من أفغانستان.
  3. تتعهد طالبان بإجراء حوار داخلي أفغاني.
  4. تتعهد طالبان بأن طبيعة السلام الدائم في أفغانستان سوف تكون من أولويات الحوار الأفغاني.

 

أما بالنسبة للأقسام الثلاثة فقد احتوى القسم الأول على جدولة انسحاب القوات الأمريكية والتحالف الدولي من أفغانستان، ووضع جدول زمني لإطلاق سراح المعتقلين، والتزام الولايات المتحدة بإعادة النظر في منظومة العقوبات الاقتصادية المفروضة على أفغانستان.  شمل القسم الثاني تفاصيل التزام طالبان بعدم استخدام الأراضي الأفغانية في أي عمل عدائي ضد الولايات المتحدة أو حلفائها مثل تنظيم القاعدة، وكذلك الالتزام بعدم إيواء أو توفير وثائق سفر لكل من يريد القيام بعمل عدائي ضد الولايات المتحدة.  أما القسم الثالث فقد اشتمل على التزام الولايات المتحدة بعرض بنود الاتفاق على مجلس الأمن لاعتماده, وكذلك أبدت الولايات المتحدة تعهدها بالسعي للمساهمة في إعادة إعمار أفغانستان وتطوير علاقات دبلوماسية مع الحكومة الجديدة وربطت هاتين الخطوتين بنتائج الحوار الداخلي الأفغاني، من المعلوم أن جميع الفقرات التي ورد فيها ذكر طالبان في الاتفاق كانت مصحوبة بالتذكير بأن ذلك لا يعني اعتراف الولايات المتحدة بالحكم الجديد، لذلك قامت الولايات المتحدة بنقل طاقمها الدبلوماسي من كابل إلى الدوحة لكي لا يشكل وجود السفارة في كابل اعترافًا ضمنيًا بالنظام الجديد.

 

 أهم التحديات في القضية الأفغانية:

لا شك بأن إدارة القضية الافغانية تشبه وإلى حد كبير المسير في أرض مليئة بالألغام، وذلك بسبب العديد من المشكلات الكبيرة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة والتي من أهمها:

 

  1. قضية الشمال: الشعب الأفغاني، مثله مثل العديد من شعوب العالم، يمثل التعددية العرقية على أوضح صورها، وهي في نفس الوقت تمثل المشكلة الأعقد في القضية الأفغانية، وخصوصًا الصراع الدائم بين البشتون والطاجيك. إن التركيبة العرقية للشعب الأفغاني لا تمنح أغلبية واضحة لأي من التركيبات العرقية حيث يشكل البشتون أكبر الأقليات بحوالي 42% من السكان مقابل 28% للطاجيك و9% للأوزبك و9% للهزارة والباقي بين عرقيات تشمل التركمان والأيماك والبلوش والعرب وغيرهم.  ليست المشكلة بالطبع في أصل التعدد العرقي لكن في غياب الرؤية التي تجمع هذه العرقيات تحت مظلة وطنية واحدة ووجود الرغبة عند القوى الدولية لاستغلال تلك الفروق في إشعال صراعات مع منافسيها بالوكالة.

 

كما لاحظنا من خلال مراجعة الاتفاق الأمريكي-الأفغاني فإن العديد من استحقاقات الاتفاق مرتبطة بمخرجات الحوار الداخلي الأفغاني والتي سوف يكون المطلب الأول فيها هو قيام شراكة حقيقية بين حركة طالبان التي تنتمي إلى البشتون حصريًا والطاجيك في منطقة الشمال.  لابد من الإشارة هنا أن طالبان قامت بالاستفادة من الزخم الكبير الذي اكتسبته من عملية اجتياح البلاد في فترة قصيرة لم تزد عن 11 يومًا بالتوجه نحو معقل قيادة الطاجيك في وادي بنجشير الحصين واستطاعت اجتياحه في فترة وجيزة جدًا ودعمت من موقفها.  لكن هذا لا يعني بأي حال نهاية الموضوع الذي يزيد من تعقيده التداخلات العرقية والصراعات القبلية والتنافس بين القيادات الميدانية التي امتزجت بالكثير من الدماء ومنها مقتل أحمد شاه مسعود من قبل تنظيم القاعدة حليف جماعة طالبان قبل يومين من هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001م. 

          

  1. تضارب المصالح الدولية والإقليمية: الأراضي الأفغانية من الساحات التي يتصارع فيها الكبار منذ القديم وذلك بسبب أهميتها الاستراتيجية التي زادت في العصر الحديث مع الزيادة غير المسبوقة في التبادل التجاري العالمي وظهور قوى اقتصادية عالمية جديدة مثل الصين التي تعتبر اليوم القوة الاقتصادية الثانية في العالم، وليس بعيدًا عنها الهند التي هي الأخرى تقترب من المراتب الأولى. بادرت الصين إلى طرح استراتيجية جديدة للتعبير عن تنامي قوتها الاقتصادية والسياسية عالميًا وهي استراتيجية "الحزام الواحد والطريق الواحد" والتي ترمي إلى إعادة بناء طريق الحرير من خلال تنمية طريق التجارة البحري الذي يربطها بآسيا وأوروبا وإفريقيا والذي توسع ليشمل الأمريكيتين وكذلك طريق البر الذي يمتد من الصين عبر الباكستان وأفغانستان مرورًا بإيران والعراق. هذه السياسات تشكل خلفية التطورات الجديدة في المنطقة ومن أهمها دخول إيران ضمن المحور الصيني-الروسي وذلك بالتوقيع على اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الطرفين واندفاع إيران لتكون معبرًا محوريًا لطريق الحرير حيث استقبلت طهران قبل أعوام أول رحلة قطار من الصين.  كذلك قامت إيران بمحاولة لضم العراق من خلال تفاوضها على اتفاقية شراكة استراتيجية بين الصين والعراق وفرضت على حكومة عادل عبد المهدي التوقيع عليها، الأمر الذي عجل بنهاية تلك الحكومة. وأخيرًا وافقت منظمة شنغهاي للتعاون، بقيادة موسكو وبكين في 17 سبتمبر أثناء قمة دوشنبيه على بدء إجراءات عضوية إيران في هذا التحالف، الذي يسعى لأن يكون نظيرًا للنفوذ الأمريكي.  وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال خطاب عبر الفيديو من الصين "اليوم سنطلق الإجراءات لإدخال إيران في عضوية منظمة شنغهاي للتعاون".

الجهود الصينية بدأت تكتشف أن "طريق الحرير" ليس معبدا بالورود، بل إنه طريق صعب تكتنفه العديد من العقبات، والتي من أكبرها الولايات المتحدة والهند التي هي الأخرى بدأت تشعر بأن ذلك الطريق الذي يمر من شمالها والحزام الذي يمر من جنوبها سوف يؤدي إلى خنقها ولذلك بدأت تتململ من التوسع الصيني وكان ذلك عنوان التقارب الهندي-الأمريكي الذي تجلى في لقاء ترامب-مودي.

 

الاستراتيجية الصينية قريبة من موضوع أفغانستان ليس جغرافيا فقط، ذلك أن الباكستان التي كانت الراعية لجماعة طالبان منذ نشأتها وهي التي لعبت الدور الأساسي في إقناعها بالتفاوض مع الولايات المتحدة وكانت بمثابة القناة الخلفية لتلك المفاوضات، هي جزء أساس من المبادرة الصينية حيث يعتبر تطوير ميناء جوادر الباكستاني الواقع على بحر العرب من أهم إنجازاتها لحد الآن. ولسنا هنا بحاجة إلى التذكير بالصراع الدائم بين الهند والباكستان الذي يشكل بعدًا آخر يضاعف من الحساسيات التي بين الهند والصين.  ولعل هذا يفسر قيام الحكومة الصينية بالإعلان عن استعدادها للمساعدة في إعمار أفغانستان وملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة. هذا الأمر سلاح ذو حدين فهو من جهة عامل إيجابي بسبب الإمكانات الاقتصادية الكبيرة للصين والتي يحتاجها بلد فقير أنهكته الحروب مثل أفغانستان، لكنه أيضًا نذير تصاعد في حدة الصراع العالمي على النفوذ من قبل القوى المنافسة للصين والتي قد تستغل بعض الفجوات الموجودة في البلد من أجل تعكير الجو على باكستان وحليفتها الصين.

       

  1. العلاقة بين طالبان والإرهاب: يعود تأريخ القاعدة إلى فترة الثمانيات من القرن عندما احتلت قوات الاتحاد السوفيتي أفغانستان عام 1979م، التي واجهها الشعب الأفغاني بحمل السلاح، فكان دور المجموعة أولا هو العمل على مد المقاومة الأفغانية بالمعونات والرجال وبتشجيع من الولايات المتحدة التي كانت تريد إغراق الغريم الشيوعي في مستنقع يصعب الخروج منه. وبعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان وسيطرة طالبان على الحكم في 1996م، تحالف تنظيم القاعدة مع طالبان واتخذ من أفغانستان منطلقًا لعملياته التي تهدف إلى إخراج الغزاة من أراضي المسلمين وإلى أن جاءت عملية الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، والتي تسببت في إنهاء حكم طالبان على يد القوات الأمريكية في نفس العام.

 

التطور المهم في عالم المجاميع الإرهابية حصل بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق والتي جعلت منه الساحة الأهم لتنظيم القاعدة الذي ما لبث أن بدأ يعمل تحت اسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وباستقلالية عن قيادة التنظيم في أفغانستان المتمثلة بأسامة بن لادن.  سرعان ما انحازت بعض القيادات المحلية في الباكستان وأفغانستان وأعلنت ولاءها لقيادة داعش وانشقت عن قيادة القاعدة التاريخية، وأعلنت قيام تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان.  وهو التنظيم الذي تبنى مسؤولية الهجوم الدموي على مطار كابل في شهر أغسطس الماضي وأثناء عملية الانسحاب الأمريكي من كابل.

 

 تتبادر هنا مجموعة من الأسئلة من أهمها، كيف ستكون العلاقة بين تنظيم القاعدة وطالبان خصوصًا وأن الأخيرة التزمت بموجب اتفاقها مع الولايات المتحدة بعدم السماح لأولئك الذين يعادون الولايات المتحدة بالتواجد على الأراضي الأفغانية؟ وأنها لن تمنح الوثائق الرسمية لأولئك، فهل ستقوم بإخراج قيادات التنظيم التاريخية من الأراضي الأفغانية؟ أم أنها سوف تمسك بالعصا من الوسط؟ والسؤال الآخر عن طبيعة العلاقة بين تنظيم خراسان وطالبان، وهل سوف نشهد اندلاع صراع مسلح بين الحكومة التي تقودها طالبان وتنظيم خراسان؟  وهل سيقوم تنظيم خراسان بجذب المقاتلين الأجانب الذين ضاق عليهم الخناق في سوريا والعراق؟

    

  1. الفساد الإداري والمالي: لفترة طويلة دأب المسؤولون في الولايات المتحدة سواء من كان منهم في واشنطن أو في أفغانستان ليس فقط عن تجاهل النظر إلى الفساد المستشري في البلاد بل الدفع به والمساهمة فيه بصورة فاعلة، وقد نشرت محطة NBC على موقعها الإليكتروني مقالاً حول تفاصيل مساهمة المؤسسات الأمريكية في عملية الفساد في أفغانستان[1]. ومما ذكره المقال، "لا يمكن الافتراض بأن الولايات المتحدة لم تكن على علم بطبيعة الفساد الذي وصل إلى حالة انفجارية خلال الاحتلال الأمريكي أو الدور الذي لعبته واشنطن في الفساد الحكومي، فقبل بضع سنوات أصدر المفتش العام لإعمار أفغانستان تقريرًا عن الكيفية التي ساعدت فيها الولايات المتحدة على نشر الفساد بين الطبقة العليا في المجتمع بعد الغزو في عام 2001م.  التفاصيل التي نشرها التقرير الذي يقع في 164 صفحة تحير العقل، ليس أقلها أنه يوضح شمولية عملية الفساد في الحكومة المدعومة من قبل الولايات المتحدة. التقرير أورد تفاصيل تحقيقات أثبتت ضلوع أحد مساعدي الرئيس الأسبق حامد كارزاي وهو يطلب رشوة في سبيل إيقاف التحقيق في قضية فساد.  تم فصل مساعد الرئيس وإغلاق القضية، لكن صحيفة نيويورك تايمز كشفت فيما بعد بأن ذلك المسؤول كان يتقاضى راتبًا من المخابرات الأمريكية.  ليس بعد ذلك بكثير بدأت التقارير تتابع عن أن المخابرات الأمريكية كانت توصل "أكياس نقود" للمسؤولين في أفغانستان يسميها رئيس موظفي الرئيس الأفغاني "أموال الأشباح "والتي كان معظمها يصل إلى تجار الحرب والموظفين الفاسدين.  تحليل آخر توصل إلى أن 40% من آلاف العقود التي أبرمتها وزارة الدفاع والتي قدرت قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات أنتهى بها المطاف إلى أيدي زعماء الجريمة المنظمة والفاسدين. وكما قال أحد المسؤولين، "بأن أكبر مصادر الفساد في أفغانستان هي الولايات المتحدة" انتهى كلام المقال.  إن الفساد الذي كان ينخر في جسم النظام الذي بنته الولايات المتحدة في أفغانستان هو السبب في تهاوي ذلك النظام بتلك السرعة المذهلة وأمام أنظار العالم.  بالطبع الفساد الذي رعته ونشرته الولايات المتحدة ليس حكرًا على أفغانستان، بل رأيناه في بغداد منذ أن حطت الطائرة التي تحمل بول بريمر إلى بغداد وتوالت بعدها الطائرات المحملة بالمليارات من أموال العراق والتي لا يعرف كيف صرفت وإلى أين ذهبت، وكانت النتيجة ذاتها في العراق عندما فرت قوات الحكومة التي كان قوامها خمس فرق عسكرية أمام ألف من مقاتلي داعش في نينوى. الفساد المستشري في جسم الدولة والمجتمع يشكل واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه أفغانستان في مرحلة ما بعد الاحتلال لأن الفساد هو عصب الحياة لتجار الحرب. 

 

الدروس المستفادة من تجربة الانسحاب من أفغانستان

ليس هناك دليل عملي بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية أو أية دولة أخرى يلزمها بتعلم الدروس من التجارب التي تمر بها، وهذا يصدق بصورة أوضح على القوى العظمى التي تصاب بغرور القوة.  لكن الولايات المتحدة في نفس الوقت دولة مؤسسات تجري فيها عمليات مراجعة للأحداث صغيرها وكبيرها، وبالفعل فقد بدأت عملية المراجعة للانسحاب من خلال المؤسسات الحكومية وغير الحكومية مثل الإعلام ومراكز البحث التي سوف تخلص إلى الدروس المستفادة من تلك التجربة، والتي من أهمها:

 

الدرس الأول هو: استحالة الانتصار في الحروب غير التقليدية التي أعلنتها الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة والتي بدأت باستخدام القوات العسكرية التقليدية في الحرب على المخدرات، لكن تلك الحرب التي دامت سنوات ما لبثت أن تحولت إلى حرب مفتوحة على الإرهاب كان هدفها الأول أفغانستان ثم انتقلت إلى ساحات صراع في العديد من الأماكن كان العدو فيها هلاميًا وشروط تحقيق الانتصار غير واضحة.  وبعد عقدين من الزمن ها هي الولايات المتحدة تعود لتعقد اتفاقًا مع عدو الأمس حول مكافحة الإرهاب.  إن الغاية من الجيوش هي حماية الأوطان من التهديدات الخارجية، ولذلك فإن استخدام الجيوش في عمليات تغيير الأنظمة وإحداث الفوضى في مناطق ،هي الغاية التي أرسل بموجبها المحافظون الجدد الجيش الأمريكي إلى أفغانستان والعراق بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لن يكتب لها النجاح وكما رأينا فقد أثبتت عجز الجيوش عن القيام بتلك المهمات التي لم تؤسس لأجلها.  

 

الدرس الثاني هو أهمية الحوكمة في حياة الأنظمة:  إن الأسباب التي تدفع بالولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية لتفضيل التعامل مع المسؤولين الفاسدين في البلاد التي تحكمها معروفة ومنها سرعة التعامل معهم وسهولة انقيادهم، لكن التجارب في العديد من تلك الدول من أمريكا الوسطى والجنوبية وآخرها فشل النظام الذي بنته في  أفغانستان، أثبتت أن الأنظمة الهشة التي تقوم على الفساد هي قلاع من رمال وقصور من ورق لا تصمد أمام رياح التغيير، على الرغم من الأموال الطائلة التي صرفت والجهود الكبيرة التي بذلت.  فهل تعي المؤسسات الأمريكية ذلك الدرس؟ وما أصدق قول الإمام علي رضي الله عنه "ما أكثر العبر وقلة الاعتبار".

 

[1] https://www.nbcnews.com/think/opinion/america-enabled-afghanistan-s-corruption-years-taliban-knew-it-ncna1277327

مقالات لنفس الكاتب