array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

الثروات الكامنة نقمة على أفغانستان وأفضى سوء إدارتها لاستشراء الفساد وشيوع العنف

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

يتناول هذا البحث قراءة المؤشرات الاقتصادية المستقبلية لأفغانستان كما يعرض أهم مقومات الاقتصاد الأفغاني، و يتطرق إلى، هل تستطيع أفغانستان أن تكون جاذبة للاستثمارات الأجنبية و في أي المجالات، و ما هي التوقعات لمعدلات النمو و البطالة و التضخم في هذا البلد الآسيوي المهم، إذ يتّصِف الاقتصادُ الأفغاني بالهشاشة والاعتماد على مساعدات المانحين الدوليين، كما يتسم بضعف القطاع الخاص فيه رغم امتلاك البلاد لثرواتٍ معدنية نادرة تُقدَّر بتريليونات الدولارات، لكن تطويرها مفقودٌ لغياب الأمن واستمرار الصراع السياسي، ومع سيطرة حركة طالبان على الحُكم، أصبح الوضعُ أكثرَ ضبابية و يكتنفه الغموض في كافة الجوانب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها ، و لاسيما التمييز ما بين أفغانستان كدولة و طالبان كحركة .

في البداية، يبلُغ إجمالي الناتج المحلِّي الأفغاني في عام 2020م، بحدود 19.3 مليار دولار ، كما هو موضح في جدول المساهمات الاقتصادية القطاعية في الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان (وفقًا لبيانات الحسابات القومية للبنك الدولي ، 2020م) مقارنة مع 15.9 مليار دولار في عام 2010م، وهو رقمٌ متواضع؛ بسبب الصراعات التي أنهكت الاقتصاد، مع نصيبٍ متدنٍّ للفرد منه يبلغ 592 دولارًا في العام، وعدد سُكَّان يبلغ قرابة 34 مليون نسمة. ويمثِّل الاقتصاد غير المشروع جزءًا كبيرًا من مقوِّمات الاقتصاد الأفغاني، كما تبلغ مساهمات كل من القطاع الزراعي 26 في المائة ،الصناعة 21 في المائة بضمنها الصناعات التحويلية و تسيطر مساهمة الخدمات و القيمة المضافة 55.5 في المائة، في 2020م. هذا يعكس خللاً هيكليًا في تركيبة الناتج المحلي الإجمالي بجانب المساهمة الضعيفة للقطاعات السلعية الزراعة و الصناعة مع زيادة مساهمة قطاع الخدمات و القيمة المضافة أي إنه اقتصاد خدمات .

 

تمثل المنحُ المرصودة إلى أفغانستان ما لا يقِلّ عن 75 في المائة من الإنفاق العام للدولة، وفي مؤتمر عُقِد بجنيف في نوفمبر 2020م، جدَّد المانحون الدوليون دعمهم ماليًا لأفغانستان حتّى 2024م، لكن مصير الدعم غير معلوم حتّى الآن بعد سيطرة حركة طالبان على معظم الأراضي الأفغانية، إذ كان من المُقرَّر أن تحصُل الحكومة الأفغانية المتنحِّية على تمويل من صندوق النقد الدولي مُقدَّرٌ بـ 370 مليون دولار، في الرابع والعشرين من أغسطس 2021م ، الذي تم إيقافه بعد سيطرة طالبان على حكم أفغانستان . كما تمتلك أفغانستان احتياطات تقارب 9.4 مليار دولار، أغلبها في بنوك أمريكية، تمَّ تجميدها مؤخَّرًا لمنع طالبان من الوصول إليها و التصرف بها وفقًا لأولويات حركة طالبان، بجانب ذلك انخفضت قيمة العُملة المحلِّية بـ 6 في المائة على أقلّ تقدير  أمام الدولار ليبلغ كل دولار أمريكي ما يساوي تقريبًا 86.7406 أفغاني أفغانستان وفقًا لإحصائيات البنك الدولي بعد سيطرة طالبان .

 

 

تُصنَّف أفغانستان كواحدة من أفقر دول العالم، ويعيش 47.3 في المائة من السُكَّان الأفغان تحت خطّ الفقر، وهناك 34.3 في المائة من العاملين يقِلّ دخلهم عن 1.90 دولار يوميًا، كما أنَّ متوسِّط نصيب الفرد من الناتج المحلِّي متدنٍّ للغاية، ويبلغ 592 دولارًا في العام. يُعَدُّ قطاع الزراعة من أهمَّ القطاعات في البلاد، والمشغِّل الأوَّل للعمالة. وتتركَّز العمالة الأفغانية في القطاع الزراعي، لكنَّها عمالةٌ منخفضةُ الإنتاجية، ويعمل 44 في المائة من إجمالي القُوى العاملة في الزراعة، ويحصل 60 في المائة من الأُسر الأفغانية على دخلهم من الزراعة، وفق صندوق النقد الدولي.

وسيكون التضخُّم من ضمن أبرز التحدِّيات التي ستواجه طالبان على المدى القصير، وقد قدِّر معدَّل التضخُّم السنوي 2021 بـ 5 في المائة  قبل سيطرة طالبان، و ذلك  استنادًا إلى  توقُّعات صندوق النقد الدولي. لكنَّه سيرتفع بالتأكيد بعد المستجدَّات الحالية؛ نظرًا لتراجع قيمة العُملة، وتوقُّف خطوط التبادل التجاري داخليًا وخارجيًا، وهروب كثير من الأموال. كما تمَّ تجميد الاحتياطي الأجنبي، وتوقَّفت التدفقات المالية من المانحين والمؤسَّسات الدولية؛ ما يعني صدمات اقتصادية واحتمالية تعرِّض أفغانستان إلى أزمة اقتصادية كبيرة ، إذا ما استمرَّ انقطاع الموارد في ظِلَ غياب الاعتراف الدولي بـطالبان، وعدم إيجاد بديل، في وقت قُدِّرت فيه ميزانية أفغانستان لعام 2021م، بحدود 6 مليارات دولار، و هي أقل ميزانية في العالم لبلد كبير في إمكانياته و ثرواته الاقتصادية الكامنة في باطن الأرض و في العقول الأفغانية في داخل أفغانستان و خارجها .

لا تتوافر معلومات مُحدَّثة عن معدَّلات البطالة؛ لغياب البيانات المحلِّية المُوثَّقة، لكنَّها قُدِّرت من قِبل منظَّمة العمل الدولية في عام 2018 م، بـ30  في المائة، كواحدة من أعلى معدَّلات البطالة في العالم.وتتّصِف بيئة الأعمال في أفغانستان بالصعوبة البالغة، ونقص البنية التحتية؛ ما جعلها تحتلّ المركز 173 من 190 دولة من حيث مرونة الأعمال، كما يعاني ميزان التجارة من عجز كبير يصل إلى 30 في المائة من الناتج المحلِّي الإجمالي، ومُرشَّحٌ للتزايُد مستقبلًا، وبلغت نسبة التجارة الخارجية السلعية إلى الناتج المحلي الإجمالي بحدود 36.6 في المائة وفقًا لبيانات الحسابات القومية للبنك الدولي 2020 م.

 وأبرز صادرات البلاد هي الذهب بقيمة حوالي مليار دولار، بخلاف صادرات غير رسمية من الأفيون. وأهمّ الوجهات المستقبلية للصادرات الأفغانية، هي الإمارات ثمَّ باكستان والهند. كما تستورد القمح ومشتقَّات النفط والتبغ وقطع غيار الطائرات. وأبرز الدول المُورِّدة، هي الإمارات، مصر، السعودية ثمَّ باكستان والهند والصين والولايات المتحدة الأمريكية. ولا شكَّ أنَّ تلك الوجهات ستتأثَّر، على حسب اعتراف الدول بشرعية طالبان والتعامُل معها تجاريًا من عدمه.

يتطلَّب الإنفاق العسكري لحركة طالبان توفير مواردٍ مالية متزايدة، وعلى مدار عشرين عامًا طوَّر قادة طالبان أساليبهم لاستغلال الموارد المُتاحة في أماكن سيطرتهم، بدءًا من زراعة وتجارة وتصدير الأفيون، واستخراج المعادن الأرضية، مرورًا بفرض الإتاوات والضرائب الإجبارية على المزروعات (زكاة العُشر) في مناطق سيطرتهم، وحتَّى تجارة السِلَع والعقارات، علاوةً على التبرُّعات التي تصلهم من الخارج والداخل، يُضاف إلى ذلك سيطرةٌ كاملة على كافَّة شؤون البلاد المالية وثرواتها التعدينية بعد الوصول للحُكم، إذ تمتلك أفغانستان موادَ خام ومعادنَ نفيسة كالذهب واليورانيوم، وفق هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، علاوةً على معدن الليثيوم الثمين، والذي تُقدَّر قيمة احتياطاته بترليون دولار. تلك الخامات مطلوبة دوليًا لتصنيع الهواتف المحمولة وأجهزة التلفزيون والمحرِّكات الهجينة وأجهزة الكمبيوتر والليزر والبطاريات، لاسيما الخاصَّة بالسيارات الكهربائية، علاوةً على الصناعات العسكرية؛ ما يعني تهافُتًا دوليًا وعربيًا على استغلال تلك الموارد. وكانت أهمَّ الدول المستوردة للمواد الخام الأفغانية، هي الولايات المتحدة الأمريكية وتركمانستان وإيران وباكستان وكازاخستان والصين .

 

تؤكد دراسات جيولوجية أمريكية أجريت عام 2007م، أن  Hفغانستان البلد الكامن بقلب القارة الآسيوية، ويعيش الفشل منذ عقود، يطفو على مخزون هائل من الثروات في باطن الأرض ، ففي عام 2013م ، قدَر تقرير مشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي القيمة الاقتصادية لاحتياطياتها من المعادن النفيسة، والعناصر المشعة، بما يربو على ثلاثة تريليونات دولار، إذ تشير التقديرات أن جبال أفغانستان، تحتضن معادن ثمينة، مثل الذهب والفضة والنحاس والألومنيوم، والزنك، والكوبالت، والزئبق، والبوكسيت، علاوة على طيف مذهل من العناصر الكيميائية المشعة، وأبرزها الليثيوم، الذى يستخدم في صناعات دقيقة وحساسة، مثل الإلكترونيات ذات التكنولوجيا الفائقة، وبطاريات الهواتف الذكية، وبطاريات السيارات الكهربائية، والأقمار الاصطناعية، والمعدات العسكرية المتطورة، كالرادارات والطائرات.

 


و نظرًا لاكتساب التنافس الأمريكي ــ الصيني و غيرهم على الليثيوم أهمية جيوسياسية، فقد تنامى الطلب عليه، مع اتجاه مصانع السيارات للتوسع في إنتاج المركبات الكهربائية، ثم تشديد البنك الدولي على ضرورة مضاعفة إنتاج الليثيوم خمس مرات، من أجل تصفير الانبعاثات الغازية الضارة بحلول العام 2050م، وبتفاقم الاهتمام العالمي بالاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، تتوقع وكالة الطاقة الدولية، ازدياد الطلب العالمي على الليثيوم بمعدل 40 ضعفًا بحلول عام 2040م. الأمر الذى من شأنه تعظيم العائدات الأفغانية المحتملة مستقبلاً. لم تستطع ثروات أفغانستان الهائلة تحرير اقتصادها من الهشاشة والاعتماد المفرط على المساعدات الدولية، أو حتى تذليل العقبات التي أعاقت طموحاتها التنموية، و يكابد التداعيات المؤلمة والمزمنة للاحتلال الأجنبي المتكرر، والحروب الأهلية المتجددة، كانعدام الأمن، وغياب الاستقرار السياسي، والضعف المؤسساتي، وتدهور البنية التحتية، وتفشى الفساد، ونزيف العقول، وهروب المستثمرين الأجانب، وافتقاد البلاد لثقة المانحين الدوليين، علاوة على غياب الإطار السياسي والقانوني الذى يحمي وينظم عملية إدارة الموارد .  تمثل الثروات في باطن الأرض لعنة أو نقمة على أفغانستان ، حيث أفضى سوء إدارتها، إلى استشراء الفساد، وشيوع العنف، وتعميق الخلل البيروقراطي، بما يحول دون تحقيق الاستغلال الأمثل لها، غالبيتها العظمى دفينة الرمال أو حبيسة الجبال، فيما لم يتم التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية، كالفحم والنفط والغاز، في قرابة أكثر من 90 في المائة من أفغانستان.

تشكل أفغانستان أهمية جيوستراتيجية للصين على أكثر من مستوى. فأمنيًا، يعتبرها الصينيون فناءهم الخلفي، الذى يتعين مجابهته من الوجود العسكري الأمريكي، مع ضمان عدم تحوله إلى ملاذ آمن للتنظيمات المعادية لها ، واقتصاديا، تتطلع بكين إلى اتخاذ أفغانستان قاعدة للهيمنة الاقتصادية  على قلب القارة الآسيوية، من خلال إدماجها في منظمة شنغهاي، ومبادرة الحزام والطريق، عبر باكستان، التي تعد حليفًا لبكين وطالبان في آن واحد ، مما يخول بكين ربط طرق التجارة التي تمر عبر آسيا الوسطى بتلك التي تشق أراضي باكستان، ومحاصرة مشروع ميناء تشابهار، الذى دشنته الهند وأفغانستان ، بسواحل إيران، في مايو 2016م. بناء على ذلك اشتدت المنافسة الاقتصادية بين الصين وأمريكا عقب تعيين الصين مبعوثًا خاصًا لأفغانستان، بدأت بكين، الطامحة في تحقيق الاستفادة القصوى من الانسحاب الأمريكي، في تعميق انخراطها بالشأن الأفغاني، لتصبح شريان الحياة الاقتصادي لطالبان، سواء بشكل عاجل عبر تزويدها بالمساعدات والقروض، أو من خلال الاستثمار في برامج إعادة الإعمار وتطوير البنى التحتية الأفغانية ضمن سياق مبادرة الحزام والطريق، فضلاً عن تسخير الخبرات الصينية الفريدة للاستثمار في ثرواتها الواعدة، بالمقابل تطمح الولايات المتحدة إلى تحرير سلاسل إمدادات مستلزمات الطاقة النظيفة من احتكار الصين، التي تعتبر أكبر منتج لمعدن الليثيوم عالميًا، بينما تعاود شركاتها توسيع أنشطتها في قطاع التعدين بكبريات المناجم الأفغانية. يمثل التقارب المتسارع بين بكين، التي تعد أكبر مُصَنِّع للمركبات الكهربائية عالميًا، وطالبان، التي باتت تستحوذ على 60 في المائة  من الاحتياطي العالمي لليثيوم، منافسة اقتصادية للمصالح الأمريكية، الرامية إلى إعاقة تغلغل الصين آسيويا، وإجهاض صعودها العالمي.

تحتاج طالبان ، من أجل ترميم علاقاتها بالعالم أجمع واستعادة ثقة المانحين الدوليين أملاً في تحقيق تقدم اقتصادي ، إلى ترسيخ دعائم حكمها الجديد، فسياسيًا هناك شكوك في  شرعية الحركة على وقع مسيرات احتجاجية اجتاحت بعض ضواحي العاصمة كابل ومدن ولايات شرق البلاد، بمناسبة إحياء الذكرى الثانية بعد المائة لاستقلالها، إذ رفع المتظاهرون خلالها العلم الأفغاني ووضعوه بميادين عدة بدلاً من علم الحركة، فيما بدا وكأنه تحدٍّ شعبي لسلطتها الجديدة، يبقى المشهد الأفغاني مفتوحًا على عديد من السيناريوهات، في بلد يتآكل اقتصاده، ويمزقه الصراع العرقي والقبلي، وتتهدده الحرب الأهلية، وستكون أي عقوبات تُفرض على أفغانستان أكثر إيلاماً من تلك التي فرضتها أميركا على إيران، التي تتمتع باقتصاد أكثر تطوراً من أفغانستان، وتمكّنت من التهرب من القيود ومواصلة تصدير مئات الآلاف من براميل النفط . وفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على طالبان، ما زاد من تعقيد إلغائها حتى لو أرادت دول مثل الصين وروسيا التعامل مع أفغانستان . وستواجه جماعات الإغاثة والمنظمات غير الحكومية صعوبة في العمل في أفغانستان أثناء سريان العقوبات. إن العقوبات المفروضة على الحركة ربما ستُرفع إذا غيّرت سلوكها لكن التطورات المحلية والدولية تجعل ذلك غير ممكن إذ أن الوضع سيزداد سوءاً ولن يتحسن، وربما ستكون هناك دعوات في الولايات المتحدة لفرض مزيد من العقوبات ولن يكون هناك كثير من التعاطف مع طالبان التي تسعى إلى تأسيس هياكل حكمها في أفغانستان، بعد سيطرتها على معظم المدن بما في ذلك العاصمة كابل، فإن مراقبين مختصين من بينهم قريبون من الحركة ذاتها، يتساءلون حول الموارد التي ستتمكن بها الحركة من إدارة ملف الاقتصاد المتداعي ، إذ تحتل أفغانستان المركز 173 في سلم اقتصادات العالم الذي يضم 190 دولة وتعتمد بشكل واسع على المساعدات الخارجية وتعاني اقتصاديا في ظل انتشار وباء كورونا في مختلف مناطقها.

 

التقرير الأخير الذي أصدره البنك الدولي أكد إن الاقتصاد الأفغاني في منتهى الهشاشة ،يعتمد على المساعدات لا سيما من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أما القطاع الخاص فهو ضعيف للغاية . وكان صندوق النقد الدولي قد حذر من تأثيرات عدم الاستقرار وسيطرة حركة طالبان على البلاد ومؤسساتها السيادية، مشيرًا إلى أن ذلك "قد يطيح كل الإمكانات الاقتصادية الكامنة .  وتوقع الصندوق أن تنهار قدرات أجهزة الدولة على تقديم خدمات تعليمية وصحية ولوجستية للسكان، خلال أقل من عام على سيطرة الحركة، إذ أن الظروف الراهنة للاقتصاد الأفغاني رغم مرور 20 عامًا  من الدعم الدولي، فإن مستوى العجز في ميزانية الدولة لم يقل أبدًا عن الثُلث كل عام. كما أن الموازنات التي كانت بين يدي الحكومة كان يتأتى نصفها من المساعدات الخارجية، وربعها على الأقل من تدفقات المهاجرين وما يرسلونه لذويهم. كل ذلك مهدد بالانهيار بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان ، كما أن هناك تخوف من تأثيرات إخراج قرابة مليون عامل وموظف من مؤسسات الدولة كما تتوعد طالبان ،خصوصًا أن نحو نصفهم أعضاء في الجيش والأجهزة الأمنية والشرطة. هؤلاء سينضمون إلى ملايين العاطلين الآخرين عن العمل، كما أن القطاع الزراعي لم يعد قادرًا على استيعاب المزيد من العاملين بسبب التراجع الهائل في كميات المياه الضرورية للقطاع الزراعي.

 

يتخوف العالم وبشكل خاص الدول المعنية بالوضع الأفغاني من إجراءين قد تتخذهما حركة طالبان في القطاع الاقتصادي لتحسين وضعها ، الأول قد تخفض مستوى الخدمات التي تقدمها للمجتمع إلى نسب متدنية للغاية، بالذات في مجالات التعليم والصحة والثقافة والبنية التحتية، وهو ما قد يخلق عجزًا وتراجعًا هائلاً في التنمية المستقبلية في البلاد. أما الثاني فهو زيادة متوقعة في مستويات زراعة الحشيش بالمناطق الشمالية من البلاد ،حيث تعتبرها طالبان مصدرًا مضمونًا للأموال لتغطية حاجاتها الذاتية، بالذات رواتب ومعيشة عناصر الحركة، وهو أمر قد يؤثر على تجارة المواد المخدرة حول العالم. وكانت الولايات المتحدة، ومعها باقي دول الناتو، تدفع معونات اقتصادية للحكومة الأفغانية بمعدلات تقدر بحوالي 15 مليار دولار سنويًا، تشكل المصدر الرئيسي للاقتصاد الأفغاني. لكن تلك الدول تطلب مجموعة من الالتزامات السياسية والسلوكية من حركة طالبان ،حتى تتمكن من الحصول على جزء من هذه المعونات، وهو أمر تشكك به مختلف الجهات المراقبة للمشهد الأفغاني ، الأمر نفسه ينطبق على الوكالات الدولية للتنمية في مختلف القطاعات ،حيث ترهن بقاءها واستمرار دعمها لحركة طالبان بحزم من المطالب السياسية والأمنية والسلوكية من الحركة، وهو ما سوف ينكشف مستقبلاً.

أمَّا فيما يتعلق بمستقبل الوضع الاقتصادي لأفغانستان، فلا شكَّ أنَّ طول فترة توقُّف المساعدات الدولية وتجميد الاحتياطات الأجنبية المُقدَّرة بأكثر من 9 مليارات دولار ، و عدم القدرة على دفع رواتب الموظَّفين وتعطُّل المرافق العامَّة، مع ازدياد البطالة واتساع دائرة الفقر ، وارتفاع كبير في الأسعار، مع تدهوُرٍ أكبر في قيمة العُملة المحلِّية، وما يصاحب ذلك من عُنفٍ واضطرابات داخلية، ستقود إلى تدهوُر الوضع الاقتصادي في أفغانستان و في حال الاعتراف الدولي بـطالبان، والاستمرار في تقديم الدعم المالي والاقتصادي المشروط، فإنَّ الوضع الاقتصادي يمكن أن يستقِرَّ نسبيًا، ويتطلَّب ذلك أن توفِّر الأمن والاستقرار والبيئة المناسبة للأعمال في الداخل، واستقطاب وطمأنة المستثمرين الدوليين والأفغانيين قبلهم.

إضافة إلى ما تقدم  سيظلّ الوضع الاقتصادي والمعيشي لعامَّة الأفغان غير مستقِر، ويميل إلى جانب التدهوُر بدرجة أكبر من ميلها إلى الاستقرار على المدى القصير؛ نظرًا لحالة عدم اليقين حول فكر و توجهات طالبان السياسية، والاقتصادية و الاجتماعية  وموقف القُوى الدولية ، أمريكا، الصين ، روسيا ، إيران ، تركيا، الاتحاد الأوروبي و الدول العربية المهتمة في الوضع الأفغاني ( السعودية ، مصر ، الإمارات ، قطر)  من الاعتراف بها أو غير ذلك  من عدمه، واحتمالية فرض عقوبات اقتصادية مستقبلًا إذا لم تنخرط أفغانستان و من ضمنها طالبان في المجتمع الدولي وفق التوجهات التي يقبلها العالم من أجل تحقيق الأمن و الاستقرار و الرفاهية في هذه المنطقة من آسيا . و في هذا السياق ، ستُبادر الكثير من الدول لاستغلال الثروات المعدنية، واقتناص الفُرص التجارية، مع الحكومة الجديدة؛ و الاستفادةَ من تِلك الفُرص اقتصاديًا، كحافزٍ لتمتين العلاقة مع أفغانستان وشعبها.

ستواجه أفغانستان ومعها حركة طالبان معضلة الاضطلاع بالمهام الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الثقال المنوطة بالسلطة الحاكمة. فبعيد دخولها العاصمة كابول ، تعهدت قياداتها بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، والنهوض بالاقتصاد، لكن من دون تأمين الدعم الدولي اللازم، أو استعادة حرية التصرف في الاحتياطيات الموجودة بالخارج، ربما تغدو تلك الوعود محض مسكنات أو ضربًا من الوهم، لاسيما بعد إعلان المانحين الدوليين تعليق مساندتهم لأفغانستان عقب سيطرة طالبان، إذ أعلنت أمريكا  تجميدها عشرة مليارات دولار من الأصول الخارجية للبنك المركزي الأفغاني، ووقف مختلف التدفقات النقدية، ومناشدة المقرضين مثل الصندوق والبنك الدوليين تعليق التعامل النقدي مع أفغانستان، إذ أعلن كل منهما حرمان الحركة من الوصول إلى حسابات أفغانستان، أو تسلم مخصصات، حان موعدها، من صندوق النقد الدولي بقيمة 455 مليون دولار، أو الحصول على أي قروض أو مساعدات مالية. وبعدما سبق وتعهد بمنحها 1.2 مليار يورو كمساعدات طارئة وتنموية بين عامي 2021 و 2025م، قطع الاتحاد الأوروبي التمويل التنموي والمساعدات الحكومية عن أفغانستان، بسبب تأخر الاعتراف الدولي الصريح بسلطة طالبان الجديدة.

 

 اتصالا بما تقدم، ومن أجل أن تكون أفغانستان جاذبة للاستثمارات الأجنبية لابد أن تتوافر ثلاث مجموعات رئيسية محددة لقدرة جذب التدفقات الرأسمالية المباشرة، هي أولا مجموعة المتطلبات الأساسية وهي أداء الاقتصاد الكلي، القدرة التمويلية والبيئة المؤسسية والاجتماعية وبيئة أداء الأعمال ، ثانيًا مجموعة العوامل الكامنة وهي حجم السوق وفرص النفاذ إليه، الموارد البشرية والطبيعية، عناصر التكلفة والأداء اللوجستي والاتصالات والمعلومات، ثالثًا مجموعة العوامل الخارجية الإيجابية، وهي مؤشر اقتصاديات التكتل وعوامل التمييز والتقدم التكنولوجي : هذه مجتمعة تمثل المقومات الأساسية التي تحدد رغبات المستثمرين المحليين والأجانب وخصوصًا الشركات متعددة الجنسيات الراغبة في الاستثمار في أفغانستان .إن جذب التدفقات الاستثمارية يعتمد بشكل أساسي على الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي وغيرها والتي تمثل مناخ الاستثمار وهذه كلها مرهونة بالقوى الفاعلة في المجتمع الأفغاني إضافة إلى القوى الدولية التي يهمها الوضع الأفغاني أمريكا ، الصين، إيران، باكستان ،الهند، مصر ، السعودية ،قطر ، الإمارات وغيرها من دول آسيا المهتمة بالشأن الأفغاني .

 

كما أسلفنا، تتمتع أفغانستان بثروات مهمة من الليثيوم ، الذهب و اليورانيوم و التي تستخدم في تصنيع السلع ذات المحتوى التكنولوجي العالي المتوفرة بكميات اقتصادية في أفغانستان و تحظى بمنافسة كبيرة من الصين و أمريكا و روسيا بشكل خاص و بقية دول العالم عمومًا ، لذا ستكون المنافسة عليها استنادًا إلى الميزة المطلقة و النسبية و التنافسية للسلع ذات المحتوى التكنولوجي العالي . و نظرًا لتوفر الليثيوم في أفغانستان بكميات اقتصادية فبإمكان الدول العربية استيرادها  للاستفادة بما تمتلكه هذه السلعة من أهمية استراتيجية في التصنيع و بنفس الوقت عليه منافسة شديدة من الصين ، أمريكا و روسيا بشكل خاص ، و بإمكان الدول العربية ذات الاقتصادات المتنوعة (السعودية ، مصر ، الإمارات ) و بقية الدول العربية التصدير إلى أفغانستان ، التي تمثل سوقًا واسعًا تحتاج إلى مختلف السلع و الخدمات التي تتوفر في الدول العربية و بشكل خاص النفط و مشتقاته و القمح و السلع الصناعية و الزراعية الرخيصة بالمقارنة مع سلع الدول المتقدمة ، على اعتبار أن أفغانستان ستكون بحاجة ضرورية إلى كميات كبيرة من السلع و الخدمات بعد الأحداث التي مرت بها لأكثر من عشرين عامًا .

 

أخيرًا و ليس أخرًا ، إن معدلات النمو والبطالة والتضخم هي انعكاسات مباشرة لمناخ الاستثمار سلبًا وإيجابًا ، فإن زيادة معدلات النمو واستقرار مستوى الأسعار ورفع مستوى التشغيل وانخفاض مستويات البطالة وتوفير فرص عمل، كل هذه المؤشرات الاقتصادية مرتبطة بشكل وثيق بمناخ الاستثمار ودرجة جاذبيته للمستثمرين المحليين من الأفغان والأجانب.

مقالات لنفس الكاتب