array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

سيناريو استقرار أفغانستان هو الأكثر احتمالاً لدوافع اقتصادية وسياسية

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

رجعت طالبان إلى حكم أفغانستان بعد عقدين من الإطاحة بها في أكتوبر 2001م، تحت ذريعة دعم وحماية الإرهاب  بعد أحداث 11 سبتمبر ، علماً بأن الولايات المتحدة كانت مرحبة بظهور حركة طالبان عام 1994م، كان سقوط كابل 15 أغسطس والانسحاب الأمريكي السريع والفوضى في مطار كابل، هزيمة أمريكية  أسوأ من سقوط سايغون أبريل 1975م، عند نهاية الحرب الفيتنامية. اعتبر الانسحاب الأمريكي هزيمة كبرى للولايات المتحدة في أفغانستان باعتبارها الأمبراطورية الثالثة التي تهزم في أفغانستان سبقتها الامبراطورية البريطانية 1842م، والسوفيتية 1988 م، والآن الأمريكية 2021م.

 فشلت الولايات المتحدة في بناء دولة كما كانت تردد وخرجت والفقر والفساد ينخر في أفغانستان، وحسب تقرير ديفينس وان، أنفقت 2.3 تريليون دولار ومقتل 2455 جندي أمريكي منهم 13 جنديًا قتلوا في الساعات الأخيرة بالمطار في 26 أغسطس الماضي عدا عن كلفة الرعاية الصحية وتعويضات المعاقين الأمريكيين التي بلغت 465 مليار دولار ودفع تعويض لكل قتيل أمريكي 100 الف دولار، كما بلغ عدد المدنيين القتلى من الأفغان 46 ألف وآلاف الجرحى، كان فشلاً سياسيًا واستراتيجيًا أمريكياً، فرغم الإنفاق والتدريب لبناء جيش أفغاني حوالي 300 ألف إلا أن هذا الجيش انهار أمام مقاتلي طالبان الذين يحملون الأسلحة التقليدية ولكن لهم سلاح العقيدة والإرادة لتحرير أفغانستان من الاحتلال الأمريكي والحكومة الفاسدة التي نصبها الاحتلال في ديمقراطية مزيفة لا انتماء لديها وإنما جمع الأموال يؤكده هروب الرئيس أشرف غتي من البلاد محملاً بالأموال رغم حث واشنطن والرئيس بايدن شخصيًا على الرئيس الأفغاني بالثبات والمقاومة، وفي دراستين أجريتا عام 2010م، في أفغانستان، تبين ملبغ الرشوة في المؤسسات ما بين 2-5 مليارات دولار سنوياً ما يعدل 13% من الدخل القومي الإجمالي لأفغانستان ساهم الوجود الأمريكي بشكل كبير في هذا الفساد، فليس غريباً أن نشاهد الهروب للمطار،  كان مفاجأة للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة  بل فضيحة لدولة عظمى اعتبرها وزير الدفاع  البريطاني بن والاس " إنها بالتأكيد ليست قوة عالمية إنها مجرد قوة كبيرة" " ؟

واشنطن وأنابيب البترول وطالبان

كان ظهور طالبان عام 1994م،  بشكل عفوي لمقاومة التهريب وعصابات الابتزار والنهب في جنوب أفغانستان، وعندما حققت مجموعة من طلاب المدارس الدينية بقيادة الملا محمد عمر الأمن والاستقرار وترحيب المواطنين بدورهم تنبهت الاستخبارات الباكستانية ISI لهم ودعمتهم في ظل صراع أمراء الحرب وزعماء المجاهدين في الصراع على السلطة في  البلاد مما أدى للحرب  الأهلية بينهم،  فقدت واشنطن أمل الاستقرار في أفغانستان في ظل أمراء الحرب فرحبت بظهور حركة طالبان ودعمتها من خلال باكستان على أمل استقرار باكستان والأمن لمد خظ أنابيب البترول والغاز من بحر قزوين إلى سواحل باكستان مروراً بأفغانستان .

 بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى خمس عشرة دولة نشطت الشركات البترولية الأمريكية في آسيا الوسطى وخاصة منطقة بحر قزوين وكانت شركة يونكال UNOCAL مهتمة بمد خط الأنابيب، وعندما دخلت قوات طالبان إلى العاصمة كابل سبتمبر 1996م، وفي تقرير سري لوزارة الخارجية الأمريكية  كشف عنه فيما بعد ، كانت واشنطن قلقة من دور الهند وروسيا الاتحادية وإيران لمساعدة الجماعات المعادية لطالبان وهم جماعة الطاجيك أحمد مسعود الذي تمت تصفيته فيما بعد في 9 سبتمبر 2001م، قبل أحداث سبتمبر بيومين .

أخذت شركة يونكال تنشط في مشروع انبوب البترول لآسيا الوسطى (CAOPP)، وقدمت الشركة 900 الف دولار لمركز دراسات أفغانستان في جامعة Omaha في ولاية نبراسكا الأمريكية للاستفادة منه في دراساته عن أفغانستان، والخط يتمد على طول 1050 ميلاً من تركمانستان مروراً بأفغانستان إلى باكستان، وتجاهلت واشنطن الجانب العقدي كحركة سنية متشددة لاستخدامها ضد إيران لأن الحركة لها موقف من الشيعة وبالفعل تم إغلاق سفارة إيران في كابل يونيو 1997م، وقتل الدبلوماسيين الإيرانيين في قنصلية إيران في مزار شريف بتهمة أنهم مخابرات إيرانية  تدعم معارضي طالبان في  شمال أفغانستان ، ومن أجل خط الأنابيب أيدت واشنطن طالبان ويعرف في الدوائر الأمريكية علاقة شركة يونكال بالاستخبارات الأمريكية CIA ووزارة الخارجية الأمريكية.

تفاوضت شركة يونكال مع حكومة طالبان وزار وفد من طالبان واشنطن فبراير 1997م، وكانت الحركة تسعى لاعتراف واشنطن بها علماً بأن أصدقاء واشنطن كل من باكستان والإمارات العربية والسعودية هذه الدول الثلاث اعترفت بحكومة طالبان ، وكان استقبال وفد طالبان في هيوستن بتكساس حافلاً من قبل شركة يونكال على أمل إتمام صفقة خط الأنابيب ولكن حكومة طالبان تفاوضت مع شركة أرجنتينية للتنقيب عن البترول في أفغانستان مما أقلق شركة يونكال والحكومة الأمريكية ، وحسب وزير الخارجية الباكستاني نيازي نيك (1982-1986م) والذي توفي عام 2009م، في ظروف غامضة، أن الولايات المتحدة خططت لإسقاط حكومة طالبان في أكتوبر 2001 م، بسبب فشل الاتفاق بين شركة يونكال وطالبان على خط الأنابيب والتنقيب وجاءت أحداث 11 سبتمبر عرضاً لتكون مبرراُ لاسقاط الحركة وجاء وجود القاعدة وابن لادن  مبرراً للحشد الدولي وذريعة لواشنطن ولكن الهدف الأساسي فشل الاتفاق على صفقة مشروع خط أنابيب البترول؟

طالبان وصراع اللعبة الكبرى الجديدة

تأتي عودة طالبان في ظل متغيرات داخلية وخارجية، فطالبان نفسها تغيرت نسبيًا فأصبحت أكثر خبرة سياسية وانفتاحاً، وهذا يظهر من خلال سلوك طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان وإعلانها العفو العام وإخراج من كانوا في السجون وتعاونها في عملية خروج الأجانب والأفغان ممن أرادوا السفر للخارج ومن كانوا متعاونين مع الاحتلال من مترجمين وغيرهم وتفاوضها مع قادة سياسيين سابقين  في خلافات  معهم من أمثال الرئيس السابق حامد كرازاي وقلب الدين حكمتيار رئيس الحزب الإسلامي وعبد الله عبد الله نائب الرئيس السابق ورئيس لجنة المصالحة ودعوتها الموظفين الأفغان للالتحاق بأعمالهم وفتحت المدارس والجامعات للإناث والذكور سوى الفصل بينهما في الدراسة وهذا يختلف عن سلوكها في حكمها في الفترة السابقة.

أما على المستوى الدولي والإقليمي، فكانت الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991م، مهيمنة على النظام الدولي الذي وصف بنظام أحادي القطبية، ولكن حاليًا نجد نظامًا دوليًا مختلفاً ، نظام تعدد الأقطاب الدولية، وأصبح الخطر على الولايات المتحدة كما يقول زعماؤها التحدي الصيني وأخذت بالانسحاب من أقاليم مثل الشرق الأوسط واهتمامها بشرق آسيا والمحيط الهادئ، وأخذت تفكر في بناء تحالف في شرق آسيا مع  اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وحتى محاولة جر الهند تحت شعار التعاون الديمقراطي في مواجهة الصين. كانت أفغانستان استنزافاً للولايات المتحدة وأطول حرب واجهتها الولايات المتحدة في تاريخها، ولا أمل في الانتصار لدولة كبرى في مواجهة حرب عصابات يقاتل رجال طالبان على أرض بلادهم، بينما الجندي الأمريكي يتساءل ما هو الهدف الذي يدافع عنه على بعد آلاف الأميال عن بلاده وهل تهدد طالبان الأمن القومي الأمريكي فعلياً وخاصة بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة في باكستان على يد القوات الأمريكية.

أما على مستوى روسيا الاتحادية، فكانت قلقة من الأيديولوجية المتشددة لطالبان عندما حكمت طالبان عام 1996م، فيرى القادة الروس أن طالبان ليس بقدرتها التمدد في دول آسيا الوسطى ولكن الخطر أن ينتقل الفكر الإسلامي المتشدد لطالبان إلى  جماعات إسلامية في دول آسيا الوسطى وحتى المسلمين داخل روسيا نفسها حيث هناك 20 مليون مسلم تقريبًا فيها. ونتذكر أن الولايات المتحدة استغلت المجاهدين في استنزاف القوات السوفيتية في أفغانستان، وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في عهد كارتر، زبجنيو بريجنسكي صاحب نطرية الإسلام ضد الشيوعية لاستنزاف السوفيت وأسهم ذلك فيما بعد من جملة عوامل سقوط الاتحاد السوفيتي.

وبعد سقوط طالبان عام 2001م، والاحتلال الأمريكي لأفغانستان وانتشار القواعد العسكرية الأمريكية في بعض دول آسيا الوسطى، رأت روسيا أن هذا الوجود يمثل  تهديداً للأمن القومي الروسي  في منطقة نفوذها التاريخية التي اعتبرتها دول الجوار القريب وتبنت مبدأ مونرو الروسي للتدخل فيها لحماية مصالحها على غرار مبدأ مونرو الأمريكي 1823م، على اعتبار أن أمريكا الجنوبية والوسطى مناطق نفوذ أمريكية، وعندما أعادت طالبان تنظيم صفوفها والمواجهة مع القوات الأمريكية والناتو في أفغانستان، وجدتها روسيا فرصة لاستنزاف الولايات المتحدة وإخراجها من آسيا الوسطى ومن أفغانستان، ولذلك مدت خطوط الاتصال مع حركة طالبان، فليس هناك عداوة دائمة ولكن مصالح تفرض نفسها في علاقات الدول، واتهم قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون في مقابلة مع BBC  البريطانية23 مارس 2018م، أن روسيا تزود حركة طالبان بالسلاح عبر حدود طاجكستان مع أفغانستان ، ورغم نفي روسيا لهذا الاتهام إلا أن روسيا استقبلت بعض قادة طالبان وأصبحت وسيطاً بين الحكومة الأفغانية وطالبان حتى أنها استضافت الأطراف الأفغانية تقريباً ثلاث مرات مما أقلق واشنطن ، أن تكون روسيا وسيطًا بين الأفغان .

تهتم روسيا حاليًا باستقرار أفغانستان ومواجهة تطرف الدولة الإسلامية- خراسان ، وحيث أن الجيل الجديد من طالبان أقل تطرفًا فهي تبني علاقات مصالح معها وقد تكون من أول الدول للاعتراف بحكومة طالبان، فبعد الخروج الأمريكي وحاجة أفغانستان لبناء اقتصادها والاستثمار في بلادها التي هي غنية بالمعادن الثمينة، ويسعى الطرفان للتعاون، ونلاحظ أن روسيا التي كانت تدعم أحمد شاه مسعود الأب ضد طالبان، فإنها لم تظهر تعاطفًا مع أحمد مسعود الإبن ودخلت قوات طالبان بسهولة لواد بنجشير ، لأن أحمد مسعود الإبن الذي تخرج من كلية سانت هيرست البريطانية يعتبر الذخيرة الاستراتيجية لبريطانيا  في المستقبل حتى أن واشنطن نفسها لم تعط اهتماماً له في ظل التنافس في هذه اللعبة.

إن موقف الصين من طالبان أكثر صراحة كما هو حال موقف طالبان فكلاهما يعلن الرغبة في بناء علاقة بينهما حتى أن الصين أبقت على سفارتها في كابول، وأعلنت الحكومة الصينية أنها ستعترف بحكومة طالبان، كان أول إعلان صريح لزيارة وفد طالبان للصين في مارس 2018م، واستمرت  اللقاءات تتكرر فيما بعد كان آخرها زيارة وفد طالبان برئاسة رئبس المكتب السياسي لحركة طالبان عبدالغني برادر إلى الصين في 28 يوليو الماضي قبل أسبوعين من سقوط كابل وظهر مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي، ويظهر أن المصالح الاقتصادية تتغلب على الأيديولوجيا بين البلدين، وما يربط بين طالبان والصين علاقتهما بباكستان، ولعبت الأخيرة دوراً لتشجبع طالبان على إقامة علاقة مع الصين في فترة حكمها السابقة وتشترك الصين في حدود 80 كيلومترًا مع ممر واخان الأفغاني.

وزير خارجية الصين وانغ يي مع الملا عبد الغني برادر في 28 يوليو 2021م.

 

وانفتحت الصين على حركة طالبان بعد  فوز شركة صينية مملوكة للدولة عام 2007 م، بعقد قيمته 2.83 مليار دولار لاستغلال منجم نحاس في "إيناك " على بعد 40 كيلو مترًا جنوب شرق كابل، وهو أكبر منجم للنحاس في أفغانستان والثاني في العالم، وبالتالي واصلت الصين التعامل مع الطرفين حركة طالبان والحكومة الأفغانية في انتظار من يفوز بالسيطرة على البلاد، وفي ظل حكومة تحت مظلة أمريكية والتنافس الصيني ـ الأمريكي وسط آسيا، أخذت تميل الصين إلى طالبان من خلال عدو عدوي صديقي، وما يتردد في تصريحات المسؤولين الصينيين أن الصين تريد الاستقرار في أفغانستان وعدم استعمال أو دعم  مسلمي  الإيغور للأراضي الأفغانية ضد الصين بما في ذلك حركة تركستان الشرقية التي رفع ترامب اسمها من قائمة المنظمات الإرهابية، وتبحث الصين عن الاستثمارات في الثروة المعدنية في أفغانستان الحيوية لمبادرة الحزام والطريق.

وحيث أن الاستثمارات تحتاج للأمن وهو ما عبر عنه رئيس المكتب السياسي لطالبان عبدالغني برادر، ويظهر أن طالبان أدركت أهمية علاقاتها مع الصين وأهمية الاستثمارات الصينية، كما صرح محمد نعيم الناطق الرسمي للمكتب السياسي لحركة طالبان " أراضي أفغانستان لن تستخدم للمساس بأمن أي دولة" وهي رسالة موجهة لدول الجوار الأفغاني .

إن الاضطراب السياسي في أفغانستان يهدد مباشرة مشروعات الحزام والطريق التي تبني عليها الصين خطة التمدد الاقتصادي في الأسواق العالمية ونمو صادراتها، وإن أفغانستان بموقعها الجغرافي وطبيعتها الجبلية القاسية يمكن أن تسبب صداعاً حقيقياً للصين في آسيا الوسطى، وتربك خطط نموها الاقتصادي في المستقبل. ولذلك تحرص الصين على الاستقرار في أفغانستان وتعتقد أن سيطرة طالبان على البلاد قد تحقق هذا الاستقرار ، ليس في أفغانستان بل في دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وقيرغيزستان وأوزباكستان وطاجكستان التي استثمرت فيها حوالي 50 مليار دولار ما بين 2013-2030م. إن أفغانستان ودول آسيا الوسطى دول غنية بثرواتها المعدنية والطاقة وهي مهمة للصين ولذلك تنسق الصين وباكستان معاً وكذلك روسيا لاستقرار أفغانستان وفتح قنوات مع حركة طالبان وتعطي مؤشرات قوية للاعتراف بحكومة طالبان، لأن خروج القوات الأمريكية في مصلحة الأمن القومي الصيني والروسي وكذلك إيران، علماً أن حركة طالبان أكدت لهذه الدولة أنها تتعاون معها وستواجه معها تنظيم الدولة خراسان وحاجة طالبان للاستثمارات.

قلق إيراني وطموح تركي

رغم أن إيران قد رحبت بخروج القوات الأمريكية من أفغانستان لأنها كانت تهددها في جوارها على حدودها الشرقية إلا أن إيران تبقى قلقة بسبب تاريخ علاقاتها مع حكومة طالبان الأولى وموقفها من الشيعة والتنسيق الإيراني ــ الأمريكي عام 2001م، لإسقاط حكومة طالبان، ولكن يظهر أن الظروف تغيرت فحركة طالبان عدلت سلوكها وأكتسبت خبرة سياسية وهي أكثر مرونة سياسية من حكومتها السابقة، وخلال العقدين الماضيين كانت إيران تدعم حركة طالبان نكاية في الولايات المتحدة كما استقبلت بعض القيادات الإيرانية وكان هناك بعض التنسيق بين الحكومة الإيرانية وطالبان، ولكن حاجة طالبان للاستثمارات وأهتمامها ببناء الاقتصاد الأفغاني والبنية التحتية تبقى بحاجة للتعاون مع إيران ، كما أن العقوبات الاقتصادية على إيران قد تكون أفغانستان منفذاً لإيران والعالم الخارجي، كما أن دول آسيا الوسطى وإيران والدول الأوروبية بحاجة للقضاء على تجارة الأفيون وموقف طالبان قوي في محاربة الأفيون والمخدرات بشكل عام وزراعتها ولذلك تحتاج هذه الدول للتعاون لمساعدة طالبان، ولذلك فإن الاستقرار السياسي بأفغانستان مطلباً للأمن القومي الإيراني كما هو لأفغانستان ، ولذلك ستكون العلاقات أيجابية ولكن بحذر من الطرفين خاصة حول مشاركة الهزارة في الحكومة الأفغانية علماً أن موقف إسماعيل خان، أسد هيرات كان إيجابيًا عند دخول طالبان لهيرات وقد يكون لإيران دور في التقريب بين طالبان والهزارة وتأييد حكومة طالبان. وعلق وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان على تشكيلة حكومة طالبان بقوله " إن إيران تريد حكومة تقوم على الحوار بين جميع الفئات وحكومة شاملة في أفغانستان تعكس التركيبة العرقية والمجتع للبلد ، ونريد افغانستان خالية من الحرب والإرهاب، وستبقي حدود إيران ومعابرها مفتوحة لتخفيف الوضع الحالي في أفغانستان ومواصلة التجارة".

أما عن الموقف التركي، فهي عضو في حلف الناتو وكانت لها قوات تشارك مع الحلف قي أفغانستان، ولذلك أصرت طالبان على خروج القوات التركية من أفغانستان كما هو حال القوات الأجنبية الأخرى، وكانت الحكومة التركية قد اتفقت مع إدارة بايدن على أن تبقى القوات التركية لحماية أمن المطار وإدارة مطار كابول، ولكن رغم أن طالبان تعلن حاجتها إلى التعاون مع تركيا والاستفادة من خبرتها الفنية في تسيير المطار إلا أنها تصر على أن يكون أمن خارج المطار وداخله تحت سيطرة طالبان لأنه جزء من سيادتها ، ولكن تبقى العلاقات إيجابية وحاجة تركيا للأسواق والاستثمار في أفغانستان، وقد يكون لتركيا دور مهم في الاستثمار من خلال الشركات التركية في التنقب عن المعادن والطاقة  وقد تكون جسراً بين واشنطن وطالبان لتطبيع العلاقات بينهما مستقبلاً وتتعاون قطر معها؟

توقيع اتفاق السلام التاريخي بين طالبان وواشنطن في الدوحة

قطر بوابة لأفغانستان ورد فعل عربي حذر

تميزت علاقة قطر بعلاقات خاصة مع طالبان باعتبارها الوسيط بين الولايات المتحدة وطالبان، وكانت قد فتحت طالبان مكتباً لها في قطر يونيو 2013م، والموقف القطري جاء بناءً على الرغبة الأمريكية في التفاوض مع طالبان بعد 12 عامًا من حربها مع الحركة، وبالفعل بعد مفاوضات طويلة ومعقدة توصلت واشنطن مع قيادة طالبان لاتفاقية لخروج القوات الأمريكية وساعدت قطر في ترتيب خورج القوات من مطار كابل ثم المساهمة في إعادة تسيير الرحلات الجوية بالتنسيق مع الجانب الأمريكي ، ولذا يمكن القول أن قطر تعتبر البوابة للعلاقات  مع طالبان لوجود نوع من الثقة بينهما.

وعند خروج الرئيس الأفغاني أشرف غتي من كابل توجه إلى الإمارات العربية، ويظهر أن حكومة الإمارات قد حاولت احتواء لجوء الرئيس السابق  لها بإرسال وفد من المسؤولين الإماراتيين إلى أفغانستان لمقابلة قيادة طلبان وتقديم المساعدات ، وهذا يعني أن الإمارات تحاول بناء علاقات مع نظام طالبان.

ولكن بقية الدول العربية تلتزم الصمت حول التطورات في أفغانستان، ولكن عشرة دول علقت على الأحداث بالدعوة للانتقال السلمي للسلطة وعدم التدخل في خيارات الشعب الأفغاني وتوفير الحماية للمدنيين ونبذ العنف، ولكن الملفت موقف مفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي الذي هنأ الشعب الأفغاني وعد انتصار طالبان انتصاراً على الغزاة المحتلين، ولكن لم يمكن هناك موقفاً رسمياً واضحاً، ولكن العراق كان قلقاً من أن يلهم انتصار طالبان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش ) والجماعات المعارضة للوجود الأمريكي بإعادة تنظيم صفوفها لإخراج بقية القوات الأمريكية، أما الجانب الفلسطيني فقد اعتبر بأن ما حدث في أفغانستان يمكن أن يكون درساً لإسرائيل أن "الحماية الخارجية لا تجلب الأمن لأي دولة"، إشارة للحماية الأمريكية لإسرائيل. وانتصار حركة طالبان يعطي ثقة نفسية للمقاومة الفلسطينية خاصة بعد اعتبارها انتصار سيف القدس على إسرائيل في المواجهة الأخيرة.

ولكن على المستوى الشعبي العربي فقد كان مبتهجاً بهزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان ، وكان الشعور الشعبي مع طالبان وانتصارها، والمتوقع أن يؤثر ذلك على إعادة الثقة للجماعات الإسلامية والإسلام السياسي لتفعيل نشاطها، ولكن ظروف أفغانستان تختلف عن الأوضاع السياسية في الدول العربية، وقد يكون تأثيرها محدودًا، ولكن قياساً بسقوط الشاه 1979م، والثورة الإسلامية فيها فقد أثرت على الصحوة الإسلامية في الثمانينات من القرن الماضي، ولكن تأثير طلبان في استقبال جماعات خارجية يبقى ضعيفًا لأن الحركة تحتاج إلى بناء الداخل الأفغاني وتريد الحصول على الشرعية الدولية ولذا لن تتورط في دعم الجماعات وتيارات الإسلام السياسي على الأقل في المدى القريب والمتوسط.

إن سيناريو استقرار أفغانستان هو الأكثر احتمالاً في المستقبل لدوافع اقتصادية وسياسية لدول الجوار ثم أن حكومة طالبان أعلنت مراراً أنها لن تستقبل حركات إرهابية أو معارضة لدول الجوار ، ولكن على المدى البعيد ترى واشنطن أن الخلافات الأيديولوجية ستظهر  بين طالبان والصين  في حالة استمرار اضطهاد الصين لمسلمي الأيغور لأن ذلك يحرج طالبان في ظل إعلانها تطبيق مبادئ الشرعية الإسلامية، ويعتقد أن هناك تفاهم غير معلن بين طالبان وواشنطن ، وحكومة قوية لها شرعية شعبية ودينية في أفغانستان توحد أفغانستان وتقضي على الفساد تبقى في نظر واشنطن أفضل من حكومة فاسدة لم تصمد عدة أسابيع رغم إنفاق مليارات الدولار.

مقالات لنفس الكاتب