array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

صعود طالبان وانسحاب أمريكا: ما يهم دول الخليج

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

عودة طالبان للحكم في أفغانستان مجددًا، أو للمرة الثانية منذ أن ظهرت هذه الحركة في تسعينيات القرن الميلادي الماضي، هو حديث الساعة في أوساط الساسة والمحللين والإعلاميين، نظرًا للصورة الذهنية والخبرات السابقة عن الحركة وما يتعلق بفكرها، وتوجهاتها، وارتباطاتها الإقليمية والدولية، وعلاقاتها بالجماعات الجهادية والإرهابية، كل ذلك جعل العالم في حالة من الصدمة المصحوبة بالقلق وعلى وجه الخصوص دول منطقة الشرق الأوسط ، ووسط وشرق آسيا، وتوالت التحليلات والقراءات حول الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وترك الساحة لهيمنة حركة طالبان بسهولة ، ودون مقاومة أو معارضة تذكر من الشعب الأفغاني باستثناء مقاومة شكلية كما حدث في إقليم بنجشير، ولكن سرعان ما بسطت الحركة نفوذها على كامل الأقاليم الأفغانية، وواكب ذلك حالة من الهلع في أفغانستان خوفًا من تصفية الحسابات بين الحركة الصاعدة بقوة والمحسوبين على النظام السابق الذي تهاوى بطريقة غير متوقعة، أو ممن كانوا على علاقة بأمريكا.

والأسئلة التي تطرح نفسها: هل هذا المشهد كان مفاجئًا لأمريكا، وهل عملية انسحاب القوات الأمريكية كانت دون خطة أو بشكل مفاجئ، أو هو فعلًا هزيمة للولايات المتحدة التي ظلت في حالة تواجد عسكري وأمني وسياسي على الأراضي الأفغانية لمدة 20 عامًا، والتي شكلت جيشًا من الأفغان عالي التسليح والجاهزية؟ والإجابة على هذه الأسئلة وغيرها لا يمكن اختزالها في إجابة سريعة أو وجهة نظر أحادية دون النظر لمعطيات كثيرة مرتبطة بالقرار الأمريكي سواء ما يتعلق بالداخل الأمريكي وأسلوب الإدارة الأمريكية الحالية تجاه السياسة الخارجية، أو بالمتغيرات الدولية ومنها الصراع الأمريكي ـ الصيني، وتضارب المصالح الأمريكية ـ الروسية ، والخلافات الأمريكية ـ الإيرانية، وكذلك تشكيل التحالفات الجديدة ، والأوضاع الاقتصادية، وغير ذلك من معطيات تؤثر على القرار الأمريكي.

لكن في كل الأحوال تؤكد الشواهد والحسابات أن قرار الانسحاب الأمريكي غير مفاجئ كما يراه البعض وليس فرارًا من قوة طالبان ، أو هزيمة للولايات المتحدة الأمريكية، وأن قوة طالبان ليست مفاجئة أو وليدة لحظة اجتياحها للأقاليم الأفغانية ثم السيطرة على العاصمة كابول، وإلا لماذا كانت المفاوضات السابقة بين الولايات المتحدة وطالبان ، والجزء المعلن منها استضافته دولة قطر الشقيقة، ولماذا كانت المفاوضات الأمريكية مع طالبان وهي خارج الحكم، ولم تكن مع الحكومة الأفغانية الشرعية التي كانت تمتلك الجيش والأمن وحكم البلاد بطريقة شرعية وعبر الصناديق الانتخابية، كل ذلك يؤكد أن الأمور كانت واضحة للجانبين ولغة المصالح والبرجماتية كانت خلف ما حدث، فبعد 20 عامًا من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان لم تستطع واشنطن تحقيق ما كانت تصبو إليه ، وتضخمت فاتورة التواجد الأمريكي على أراضي دولة هزمت العديد من القوى الدولية الكبرى التي حاولت السيطرة عليها من قبل مثل الامبراطورية البريطانية، والاتحاد السوفيتي ، نظرًا للطبيعة الجغرافية والتركيبة الديموغرافية وثقافة وإرث الشعب الأفغاني وصلابته وتمسكه بمعتقداته وثوابته.

وقد تكون واشنطن أدركت أن حكومة الرئيس الأفغاني السابق قد فشلت في إدارة الدولة بسبب تفشي الفساد بشكل صارخ، وانحسار التأييد الشعبي لها، وانفضاض التأييد من حولها، وكذلك رأت أن طالبان قادرة على قيادة أفغانستان في المرحلة القادمة مع فرض حزمة من الضوابط التي تمت مناقشتها والاتفاق عليها العام الماضي سواء في الدوحة أو في أماكن أخرى، وربما يكون لدى واشنطن حسابات أخرى في الدور الإقليمي الذي تقوم به طالبان مع دول جوار أفغانستان مثل الصين وروسيا وإيران ، وهذا وارد مع أنه لا يمكن نفيه أو الإقرار به فهي مجرد تحليلات لكنها تبدو منطقية حتى وإن لم تكن واردة في اتفاقيات مكتوبة.

موقف المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من هذه التطورات، يأتي متوافقًا مع مواقف المجتمع الدولي وليس خارجًا عليها، فمن حيث المبدأ الوضع في أفغانستان هو شأن داخلي وخاص بالشعب الأفغاني وحده ، والذي من حقوقه أن يختار من يحكمه بطريقة شرعية ، وعبر طرق متعارف عليها في الوصول إلى الحكم برضًا شعبي وفي إطار قانوني، أما فيما يتعلق بحكومة طالبان فإن دول الخليج  تطالب الحركة بالاعتدال ومشاركة كافة أطياف الشعب الأفغاني في إدارة بلاده ، وعدم استئثار فصيل معين بالسلطة وحرمان أو إقصاء الآخرين، وأن تكون الحركة قد استفادت من دروس الفترة الأولى في الحكم واستوعبت المتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية، وأن تحكم بمنطق الدولة لا منطق الجماعة ، أو الفصيل الواحد ، وعليها في هذا الصدد الاستفادة من تجربة الإخوان المسلمين وجماعة الحوثي عندما وصلت للسلطة بالقوة في دول الربيع العربي وما ترتب على ذلك من رفض شعبي داخلي وإقليمي ودولي ، ووصلت إلى العزلة ثم الفشل.

ومنطق الدولة يفرض على طالبان أن تنأى بنفسها عن الجماعات الإرهابية وألا توفر الملاذ الآمن لهذه الجماعات، وأيضًا منطق الدولة يفرض على كابول الانفتاح على المجتمع الدولي حتى يتحقق التعاون معها وجذب الاستثمارات لبلد يحتوي على موارد طبيعية مهمة جدًا ، ومواد خام لها دور مهم في مكونات الصناعات الحديثة، وألا تكون أداة في أيدي الآخرين كما تفعل الميليشيات المسلحة والأحزاب الخارجة عن إرادة أوطانها ودولها كما هو حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي في اليمن.

وعندما تعمل حركة طالبان وفق منطق الدولة لا الجماعة ستجد المجتمع الدولي يقف معها، ويمد لها يد العون، ويساعد في  إعادة إعمار أفغانستان وتأهيلها لتكون دولة فعالة في محيطها وضمن المجموعة الدولية وليس دولة رخوة وفاشلة كما كانت في المرحلة الأولى من حكم طالبان، وإذا تحقق ذلك سوف ينعم الشعب الأفغاني فغاني  بالازدهار والأمن والاستقرار، وهذا ما تتمناه المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي التي تتمنى الاستقرار والازدهار لدولة أفغانستان ذات التاريخ والتي لها روابط وثيقة مع الدول العربية والإسلامية.  

مقالات لنفس الكاتب