array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

الصين تسعى لتحقيق مكاسب وروسيا حذرة من صعود طالبان في أفغانستان

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

ترتب على قرار الإدارة الأمريكية الجديدة بالبدء في مايو الماضي في انسحاب كامل من أفغانستان واختتامه على عجل في أغسطس الماضي.. آثاراً سياسية وأمنية جد خطيرة ، ولم يقتصر الأمر علي هذه  التداعيات، ولكن اهتمت كافة مكونات المجتمع الدولي،دول ومنظمات دولية ، بأمر مهم أخر لا يقل في الأهمية وهو الاعتراف بالحكومة الجديدة، التي أمسكت بمقاليد السلطة و الأمور في ذلك البلد المكلوم بالحروب، بطريق غير دستوري وفق ما تقتضيه مبادئ الديمقراطية  والتي تأتي في صدارة قيمها التداول  السلمي للسلطة .

فقد أكملت حركة طالبان تقدمها الخاطف  المباغت ، بسرعة البرق و السهم والطرف ، عبر أقاليم أفغانستان بالسيطرة على "كابول" وسط تعهدات بعدم المساس بالأجانب ، ووعود بقبول المشاركة السياسية من جانب أطياف و شرائح أخرى في المجتمع الأفغاني ، وإعلان العفو عن المسؤولين السابقين في الحكومة الأفغانية السابقة ، وكل ما سبق يرسل رسائل التطمين للداخل الأفغاني، ولكن الأهم في هذا السياق لدى طالبان و المجتمع الدولي في آن، هو الاعتراف الدولي بالحكومة التي ستشكلها طالبان بعد إحكام سيطرتها على أقاليم  البلاد  المختلفة لحد كبير .

تأسيسًا على ما سبق، وبالنظر للمستجد الخطير في  البلد الكبير ، ستحاول هذه الدراسة سبر أغوار ما يكتنف مسألتين مهمتين : الأولي ، تتعلق بالاعتراف بحكومات أمر الواقع كما في حالة طالبان ، والثانية ، تتناول تداعيات ذلك الاعتراف الدولي على مجمل الساحة الإقليمية و الدولية .

أولاً : الإعلان عن الحكومة التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية:

إذا ما نجحت الثورة  أو الإنقلاب العسكري أو الوسيلة العنيفة  المسلحة التي تفلح في إجراء التغيير الحكومي، خارج الإطار  الديمقراطي  الذي يستلزم تداول  السلطة السلمي عن طريق الانتخابات البرلمانية، فإن قيادات الثورة أو الانقلاب أو تلك التي استولت على الحكم بالوسيلة غير السلمية، كما في حالة حركة طالبان في أفغانستان، فإنها تقوم بتشكيل هيئات حكومية مؤقتة، وبغض النظر عن تسميتها، من أجل تسيير شؤون الدولة وتعلن عن تمثيلها في علاقاتها الخارجية مع المجتمع الدولي .

وبما أن التغييرات الحكومية، وتأسيسًا على المبدأ الدستوري الراسخ "استمرارية الدولة "، لا تؤثر هذه التغييرات  في شخصية الدولة الكائنة ،  لكن اقتضت  الحاجة إلى ضرورة الإعلان عن مثل هذه الحكومات المشار إليها ، وبالرغم من ذلك فقد انقسم الفقه في هذا الشأن إلى اتجاهين:

يذهب اتجاه من الفقه، إلى أن التغييرات التي تطرأ على نظام الحكم وإن كانت لا تؤثر في شخصية الدولة ولا في مركزها الخارجي، استنادًا إلى مبدأ استمرارية الدولة، ولكن مع ذلك فإنه يتعين على الدولة إعلان هذه التغييرات إلى الدول الأخرى وذلك بإبلاغها بما حدث فيها من تغيير حتى تعترف بالحكومة الجديدة، وحتى يكون اتصالها بالدولة عن طريق هذه الحكومة؛ لذلك يذهب هذا الاتجاه من الفقه إلى أن الإعلان الذي تقوم به الدول في حالة التغيرات الحكومية عن طريق الثورة أو الانقلاب يعد التزاماَ دولياً.

 على النقيض من الاتجاه  الفقهي  المتقدم ، يرى اتجاه آخر أن الحكومة الجديدة تقوم بهذا الإعلان على سبيل المجاملة فقط ؛  مما يعني إنكار هذا الاتجاه الصفة الإلزامية للإعلان عن مثل هذه الحكومات، ونري في هذا الصدد أن الاتجاه الأخير يتبني النظرة الفقهية حول مكانة و الأثر القانوني للاعتراف  الدولي بالدول بوصفه اعترافًا كاشفًا و ليس مؤسساً لوجود الدولة ذاتها التي تشكلت من العناصر أو  المكونات الأساسية للدولة وهي  الشعب و الإقليم و  السلطة السياسية الحاكمة .

ونميل إلى صحة الاتجاه الأول، ذلك لأنه إذا كان العرف الدولي يقضي ، بضرورة الإعلان عن التغييرات الحكومية الدستورية وخاصة إذا كانت ماسة برئيس الدولة أو بشخص من يمثلها ، فيكون الإعلان عن التغييرات الحكومية غير الدستورية من باب أولى واجباً .

وتوصف الحكومات التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية أي عن طريق الثورة أو الانقلاب، بالحكومة غير الشرعية وذلك بالنظر لكونها لا تستند للشرعية الدستورية قبل نشأتها ، وتدمغ هذه الحكومات تمييزًا الشرعية أو القانونية بحكومات  الأمر  الواقع  أو الحكومات الفعلية .

 وتتميز الحكومة الواقعية بثلاث سمات رئيسية، فتنصيبها غير قانوني، بمعنى أن قيامها يتم خارج الإطار القانوني المطبق في البلاد وفق الأصول  الدستورية السارية، وتتمتع سلطتها بالفاعلية، أي أنها قادرة بمؤسساتها وهياكلها وأجهزتها على فرض نفسها على المواطنين والموظفين الرسميين، فيذعنوا لها ويقوموا بتنفيذ  أوامرها و تعليماتها ، كما تتميز هذه الحكومات الفعلية باحتكار الصلاحيات والاستئثار بها، أي أنها تتمكن من ممارسة السلطة وحدها في الإقليم، ولا ينازعها سلطة أخري، وتدق هذه المسألة الأخيرة في الشأن الأفغاني، فحيثما تقوم حركة طالبان، لاحقًا، بتشكيل حكومتها الجديدة و تضم بعضًا من القادة الأفغان  السابقين في الحكومة المخلوعة ، فذلك لا ينتقص من استئثار حركة طالبان بالسلطة الحاكمة في البلاد .

 مما سبق يتضح لنا، أنه لا يمكن للحكومات الواقعية الادعاء بتمثيل الدولة تمثيلاً قانونيًا، ولا يمكن اكتساب الشرعية القانونية على الصعيدين الداخلي والخارجي ما لم تقم بالإجراءات الدستورية الضرورية وباكتساب رضا الشعب على الصعيد الداخلي، ورضا الدول الأخرى عن طريق الاعتراف على الصعيد الدولي .

فعلى الصعيد الداخلي فإن غالبية من يأتون إلى الحكم عن طريق الثورة أو الانقلاب، يحاولون إضفاء الشرعية على حكومتهم الواقعية، ومسلك الحكومات في هذا المجال يظهر أن هذه المحاولة عادة تمر بمرحلتين: المرحلة الأولى ، تبدأ عند الإعلان عن الحكومة الجديدة، وفيها تقوم هذه الحكومة بإلغاء السند أو الأساس الدستوري للحكومة السابقة، ويكون ذلك الإلغاء صريحًا في معظم  الأحوال، وفي المرحلة الثانية تقوم بتغطية عملية ( القبض على ذمام  السلطة عن طريق القوة ) بإجراءات (قانونية) ، کاستحصال تصويت برلماني أو استفتائي  يمنحهم الثقة وفقًا للقواعد الدستورية السارية  قبل وصولهم للحكم، أو إعدادهم  دساتير جديدة يحاولون عن طريقها  تصحيح وضعهم غير الشرعي .

يذخر التاريخ الحديث بأدلة ساطعة  للإجراءات المختلفة التي تقوم بها الحكومات الواقعية من أجل إسباغ الشرعية علي إمساكهم بذمام السلطة عن طريق القوة  المسلحة، وتدليلاً  فالحكومة التي جاءت في العراق بعد الإطاحة بالحكم الملكي  في 14 يونيو 1958م، أسرعت بعد أسبوعين فقط من توليها السلطة بإصدار  دستور مؤقت للعراق  في ۲۷ يونيو 1958 م، و وكذلك الحال بالنسبة لحكومات الانقلاب في عامي  1963م،  و1968م.

لا مِرية ، أن أفضل الوسائل  التي تلجأ إليها الحكومات الواقعية لإضفاء الشرعية هي القيام بإجراء الانتخابات النيابية في  البلاد، إذ كثيراً ما تحولت الحكومة الواقعية إلى حكومة قانونية بعد إجراء مثل هذه الانتخابات، فحكومة الدفاع الوطني التي نشأت بعد سقوط الإمبراطورية في فرنسا في 4 سبتمبر 1870م، كانت حكومة واقعية، ولكنها تحولت إلى حكومة قانونية بعد الانتخابات التي جرت في 8 فبراير 1871م،  وحكومة الجنرال ديغول التي تم الإعلان عنها في الجزائر تحت اسم اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني، كانت كذلك حكومة واقعية بالطبع ، ثم أصبحت في ۲ يونيو 1944م،  حكومة مؤقتة للجمهورية الفرنسية انتقلت في 31 أغسطس 1944م، إلى باريس ،وتحولت إلى حكومة قانونية بعد ۲۱ أكتوبر 1945 م، وهو تاريخ إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية .

أما على الصعيد الدولي ، فعلى الحكومة الجديدة أن تُثبت للعالم الخارجي، أنها قادرة على حفظ الأمن والنظام على إقليم الدولة التي تدعي تمثيلها، وأنها قادرة على القيام بالتزاماتها الدولية، لكي تكون مؤهلة للاعتراف من جانب الدول الأخرى، لأنها بحاجة إلى هذا الاعتراف لمواصلة علاقاتها بالدول الأخرى .

وقد عَرّف مَجمَع القانون الدولي الاعتراف بالحكومة بأنه: ( التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود سلطة أو حكومة معينة قادرة على حفظ الأمن وتمثيل الدولة القائمة في المجموعة الدولية والقيام بجميع التزاماتها تجاه الدول)  ويبدو أن مَجمَع القانون الدولي، في تعريفه هذا قد أقر بمعيار الفاعلية للاعتراف بالحكومة الجديدة؛ وعليه يشترط لهذا النوع من الاعتراف، أن تثبت الحكومة أنها تقوم فعلاً بالسيطرة على إدارة الدولة وحفظ الأمن فيها ، وأنها قادرة على تنفيذ التزاماتها الدولية.

بيد  أن المسلك الأمريكي في تعامله مع الاعتراف بالحكومات الجديدة أضاف شرطًا آخر يتعلق بتأييد الشعب لها. وقد بدأ هذا المسلك منذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، إذ صرح جيفرسون ( وهو أحد كبار رجال الاستقلال في الولايات المتحدة ) في عام ۱۷۹۳م، بأن الولايات المتحدة سوف تقوم بالاعتراف بقانونية أية حكومة تمثل إرادة شعبها ، وإقامة العلاقات الرسمية مع أية مجموعة سياسية استطاعت أن تفرض سيادتها على أراضيها. حيث أن المعيار الذي نعتمده هو السيطرة الفعلية التي تستند إلى إرادة الأمة ).

على الرغم من ظهور نظریات عديدة لتحديد المعيار المعتمد للاعتراف بالحكومات الجديدة، كنظرية الشرعية الدستورية ونظرية الشرعية الدولية، بيد أن هذه النظريات، لا تتفق مع طبيعة الاعتراف وصفته التقديرية، ذلك أن الاعتراف بالحكومة الجديدة، طبقٍا للقانون الدولي أمر يعود تقديره لكل دولة على حدة وله صفة إقرارية، لأنه عمل إرادي حر لا يخضع في إصداره من حيث المبدأ ولا في كيفية إصداره لرقابة دولية بل إنه عمل كاشف تقديري وذو صبغة سياسية، حيث تقدره في نهاية المطاف السلطة السياسية في الدولة تحقيقًا للمصالح العليا للدولة التي تقوم بالاعتراف بالحكومة الجديدة .

 وعلى ذلك فالدول حرة في الاعتراف بالحكومات الجديدة التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية ، وفقًا لمصالحها السياسية، ولها رفض الاعتراف بها حتى وإن توفرت المعايير السابقة إن اقتضت مصلحتها ذلك ، وهناك العديد من الأمثلة والسابقات الدولية التي تُضرب تمثيلاً في هذا الصدد، فقد رفضت الدول الأوروبية لفترة طويلة الاعتراف بحكومة الاتحاد السوفيتي السابق، ورفضت العديد من الدول الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية لما يناهز۲۰ عاماً، على الرغم من تحقيق الحكومتين المشار إليهما معيار الفاعلية، وفي العراق لم يعترف أحد من دول العالم بحكومة الدفاع الوطني برئاسة السيد رشيد عالي الكيلاني، التي تم الإعلان عنها في ۱۲ أبريل عام  1941م ، إثر الإطاحة السلمية من قبل الجيش بالحكومة السابقة، على الرغم من محاولة إسباغ الشرعية على تلك الحكومة، وكذلك الحال بالنسبة للحكومة التي أقامها المتمردون في هاييتي بعد الإطاحة بالحكومة عام ۱۹۹۱م، وطرد رئيسها ( براتراند ارستید ) خارج البلاد ، حيث رفضت الدول الاعتراف بالحكومة الجديدة على الرغم من تحقيقها لمعيار الشرعية الدستورية من خلال إجراء انتخابات برلمانية في كانون الثاني ۱۹۹۲م.

تجدر الإشارة ، إلى أن الاعتراف بالحكومة الجديدة لا علاقة له بعضوية الدولة في المجتمع الدولي، فهذه العضوية قائمة قانونًا بصرف النظر عن تغيير الحكومة، لأن هذا النوع من الاعتراف هو في الحقيقة انصراف إرادة الذين صدر عنهم من الدول والمنظمات الدولية إلى اعتبار الحكم الذي قام في الدولة، الممثل والمتحدث الشرعي باسمها في العلاقات الدولية، والذي ينبغي التعامل معه دوليا بهذا الاعتبار؛ مما يترتب عليه عدم جواز تفسير أو تأويل هذا الاعتراف على انه تعرض لشخصية الدولة في النطاق الدولي.

تأسيساً على ما تقدم ، فإن أثر الإعلان عن الحكومة التي تأتي إلى السلطة بطريقة دستورية، يختلف عن أثر الإعلان عن الحكومة التي تأتي إلى السلطة بطريقة غير دستورية الذي سبق شرحه، إذ من الناحية الداخلية، وإن كانت الحكومة الجديدة تبدأ بممارسة السلطة من الناحية الواقعية ، إلا أن مجرد الإعلان عن الحكومة لا يضفي على هذه الممارسة الصفة الشرعية ولا تتحول هذه الحكومة إلى حكومة قانونية إلا بعد قيامها بالإجراءات الدستورية الضرورية التي سبق بيانها،  كما أنه من الناحية الدولية فإن الإعلان عن الحكومة الجديدة لا تتحقق آثاره القانونية ، وخصوصًا فيما يتعلق بممارسة الحقوق، إلا بعد اعتراف الدول الأخرى بهذه الحكومة ؛ ذلك لأن الحكومة الجديدة وإن كانت ، طبقا لمبدأ استمرارية الدولة، ترث الحكومة القديمة من حيث الحقوق والالتزامات منذ الإعلان عن نفسها بوصفها الممثل الجديد للدولة، غير أن ممارسة أغلب هذه الحقوق، كحق إبرام المعاهدات، وحق تبادل التمثيل الدبلوماسي، وتمتع ممثلي الدولة الجدد بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية، تتوقف على اعتراف الدول الأخرى بها،  فالراسخ  في مسلك العلاقات الدبلوماسية أن مهمة المبعوثين الدبلوماسيين للحكومة الجديدة لدى الدول الأجنبية ومهمة مبعوثي هذه الدول لديها تعد من الناحية القانونية منتهية بقيام نظام الحكم الجديد لحين صدور الاعتراف به وتقديم أوراق اعتماد جديدة من جانب هؤلاء المبعوثين وفقًا للأوضاع الجديدة ؛ ذلك لأن رئيس الدولة الذي قدموا إليه أوراق اعتمادهم قد فقد  سلطته ومركزه ، ولا شك أن هذا الحكم لا ينطبق على القناصل الذين تنحصر مهمتهم بالأعمال الإدارية، بل يحتفظون بمراكزهم ويصبحون صلة الوصل بين حكوماتهم والحكومات الأخرى، ويجب التنويه أيضأ إلى أن عدم الاعتراف بالحكومة الجديدة لا يؤثر في تحملها المسؤولية الدولية عن تصرفاتها، فالحكومة الجديدة ومنذ الإعلان عن نفسها بوصفها ممثل الدولة، تتحمل المسؤولية الدولية عن جميع تصرفاتها الضارة بالدول الأخرى، وباستطاعة هذه  الدول التي لم تعترف بالحكومة الجديدة، أن ترفع شكواها إلى المحاكم الدولية.

 

ثانيًا :تداعيات الاعتراف بحكومة طالبان على الصعيدين  الإقليمي و الدولي

تدحرجت كرة اللهيب المُروعة، التي قذفتها طالبان في وجه الكافة ودون استثناء ، وسادت الجلبة ، وصار الاضطراب سيد الموقف وبلا ريبة  ولِمَ لا ؟ وقد خُبِرَت الجماعة الدولية بطالبان غير مرة ؛ لذلك فالعواقب القصيرة المدى لن تحمل في طياتها أي بشرى، ليس فقط على أفغانستان وجيرانها، ولكن أيضًا على السياسة الخارجية الأمريكية والعالم بأسره، فصار هم طالبان وبدون غلو أو مبالغة جاثم على الفكر و الصدر .

إن الدلالة  الساطعة على مدى الخشية التي انتابت كافة الدول المجاورة لأفغانستان فور سقوط العاصمة الأفغانية في يد حركة طالبان، هو استنفار الجيوش الجرارة لهذه الدول على حدود أفغانستان، فمن نظر في العواقب سلم من النوائب .

من المهم بمكان دراسة  وسبر أغوار التداعيات المختلفة لصعود حركة طالبان و الاعتراف بها علي  الدول العظمى وغيرها من دول  الإقليم ، فضلاً عن  المنظمات الدولية مثل الإتحاد  الأوروبي ، ومآل صعود حركة طالبان في أفغانستان ، و الأفول المؤقت للنجم الأمريكي في وسط آسيا .

أثر التغير النمطي لطالبان في المعادلات الإقليمية والدولية

في خطوة تظهر تحولا في العقيدة و الفكر  الإستراتيجيين لحركة طالبان، أعلنت  الحركة عن استعدادها لإجراء انتقال سلمي للسلطة في أفغانستان،  وقد استقبل المجتمع الدولي ذلك بتنهيدة ارتياح،  لكن ليس من  المؤكد بعد ما إذا كانت الوعود الطالبانية عهوداً، أم ستصير تكتيكاً مرحلياً لكسب الوقت  تستدعيه المتطلبات الدولية و الداخلية الآنية ، وتتغيب من وراءه طالبان أيضاً تجنب الإدانة الدولية، فضلاً عن تجنب  أي قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة  يدين الحركة و لا يعترف بها دولياً، وضمان استمرار توزيع المساعدات الدولية  حتى لا يتم إلقاء اللوم على المجموعة في حدوث أزمة إنسانية.

طالبان لاتزال تشكل تهديدًا خطيرًا

جَليٌ أن النظرة المستقبلية لواقع ما بعد طالبان  تستدعي ضرورة قيام الولايات المتحدة وشركائها بتعديل سياساتهم وموقفهم لحماية مصالح الأمن القومي في ظل أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان،  والتي يمكن أن تكون أكثر خطورة مما كانت عليه في تسعينيات  القرن المنصرم، فلا يجب تناسي أن  طالبان هي التي وفرت ملاذًا آمنًا للإرهابيين العالميين البارعين في مجال التكنولوجيا لتجنيد أتباع جدد عن بُعد، وذلك مثّل أكبر اختراق لأركان  الأمن القومي للولايات المتحدة و الغرب بشكل عام .

نافلة القول ، نستطيع أن نجزم أن الولايات المتحدة  ستجري مراجعة شاملة لكيفية استخدامها للأدوات الوطنية ، العسكرية والمدنية على حد سواء ، للمساعدة في استقرار الدول الهشة والممزقة بأُتون الصراعات  المسلحة المستعرة ، و الحالة الأفغانية خير شاهد في هذا السياق .

لا جرم أن الولايات  المتحدة  غزت في عام 2001م، أفغانستان لغرض واحد: هو تحييد تنظيم  القاعدة، ومنع استخدام البلاد كقاعدة إرهابية ، و بالرغم من إنجاز المهمة الصعبة، فقد تمدد النفوذ الأمريكي ، وتعددت المهام الأخرى، فتشتيت القادة العسكريون الأمريكيون و شركائهم في الميدان الأفغاني تنفيذا للخيارات و التكليفات الجديدة  للبيت  الأبيض في واشنطن ، ومن  المهم في ذات السياق التذكير بأن بناء أفغانستان ليبرالية جديدة علي النموذج الأمريكي لم تكن أبدًا مطمحاً أمريكياً على غرار كوريا الجنوبية واليابان، وهو ما صرح به  الرئيس  الأمريكي جوبايدن غير مرة .

انسحاب الولايات المتحدة  من أفغانستان هو أفضل حدث  للقاعدة منذ عقود

مع عودة طالبان إلى السلطة في البلاد ، فليس من المستبعد  أن تنظيم القاعدة سيعيد إنشاء ملاذًا آمنًا في أفغانستان وتستخدمه القاعدة  للتخطيط  لشن هجمات على الولايات المتحدة ،و سوف تجد الجماعة الإرهابية المسؤولة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر نفسها قريباً ممتلئة بالنقود المنهوبة من البنك المركزي الأفغاني، والأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من الجيش الأفغاني المهزوم ، والمقاتلين المحررين من السجن.

كل هذا سيتجلى في الوقت الذي تتدهور فيه القدرات الاستخباراتية للولايات المتحدة في أفغانستان بشدة  مع عدم تواجد عسكري أو دبلوماسي على الأرض؛  فسيكون من الأصعب بكثير مراقبة تنظيم القاعدة لأنها تعيد تشكيل نفسها، وتدرب، وتخطط للهجمات،  وبالرغم من وجود الطائرات الأمريكية بدون طيار والمقاتلين الآن على بعد مئات الأميال في الخليج، سيكون من الأصعب بكثير إخراج الإرهابيين من ساحة المعركة حتى عندما يمكن تحديد مواقعهم.

هل تضررت مصداقية الولايات المتحدة إلى الأبد؟

انطوت طبيعة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ، فضلاً عن انسحاب الجيش الأفغاني المفاجئ أمام اكتساح حركة طالبان لكل معاقل وحصون الجيش  الأفغاني، على مخاطر كبيرة على الأمن القومي للولايات المتحدة وعلى مكانة الولايات المتحدة  في العالم ، وعلي أسوأ التقديرات في المرحلة الزمنية الآنية ، وما فَاقم  الأمر سوءاً التصريحات المتضاربة لحلفاء الأمس في أفغانستان، ولم تسلم المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان  من الإتهامات الصارخة للإدارة  الأمريكية بالعبثية و الارتجالية، و فشل المفاوضين الأمريكيين ، في إدراك حقيقة أحد أبرز الأعداء اللدودين للإدارة الأمريكية منذ سبتمبر عام 2001م، ونعني هنا بالطبع حركة طالبان.

لا جَرَم أن ما  حدث على الأرض هو الانهيار الكامل للمفاوضات التي قادتها الولايات المتحدة مع حركة طالبان، والتي تركت الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي للرد على الأحداث التي تكشفت بسرعة على الأرض ، ولم تفلح  رسالة الرئيس  الأمريكي بايدن السياسية الواقعية جنبًا إلى جنب مع المشاهد الفوضوية في كابول، في مجابهة أو على  الأقل التقليل من تنامي  الحنق العالمي لدي الرأي العام ، والكُثر من المتابعين  حول عدم موثوقية أمريكا القوة العظمى  وتضاؤل تأثيرها في المحيط الإقليمي لأفغانستان في المدي  القريب.

لا مرية أن أي اعتراف من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بالحكومة الواقعية لطالبان من شأنه الحد من محاولات الرئيس بايدن الحثيثة لطمأنة الأمريكيين والعالم أن واشنطن ستستمر في محاربة الإرهاب العالمي ، وهنا ستواجه الإدارة الأمريكية  معركة شاقة إذا أرادت مرة أخرى إقناع المجتمع الدولي بالتزاماتها وقدراتها في التدخلات الخارجية، ولا نبالغ حين نزعم أن التحدي الأكبر سيتمحور حول مدى شرعية التدخلات العسكرية في المستقبل في حالات مشابهة للحالة  الأفغانية.

يذهب البعض إلى أن الولايات المتحدة انتصرت في الحرب ضد القاعدة في أفغانستان عام 2001م، لكنها تجاوزت مدة ونطاق الحرب وخسرت في أفغانستان على مدى عقدين في نهاية  المطاف، وبعد نكوص الإدارات  الأمريكية المتتابعة عن قرار الرئيس أوباما في عام 2009م،  بمغادرة أفغانستان  في عام 2014م

وفي المقابل ما انفك القادة الأمريكيون يخبرون الشعب الأمريكي و العالم  أنهم "يقلبون  الزاوية"، وسيظل المشهد الفارق في دلالته و الذي نقلته كافة وسائط الإعلام جهارًا نهارًا : المقاتلون المنتصرون لحركة طابان يحيطون بمطار كابول من الخارج، و القوات الأمريكية في داخل  المطار تخفق في تنظيم رحلات الإجلاء من المطار ، فصارت الفوضى مُتفشية و الصفوف مُشتتة، يعكس بصورة صارخة الانحدار الأمريكي الصادم في أفغانستان، رغمًا من تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن المغايرة لما يراه النَظّارة في كافة أرجاء المعمورة.

ربما تحاول الإدارة الأمريكية وبعد اعترافها الرسمي بحكومة طالبان، الوقوف إلى جانب الشعب الأفغاني  المكروب، وتساهم إسهامات كبيرة  في إعادة بناء وطنهم الممزق، وبالتعاون مع أصدقاء وحلفاء الولايات  المتحدة الأمريكية.

هزيمة الغرب في أفغانستان سترضي الصين

من  الضروري الإشارة إلى أن جمهورية  الصين الشعبية تعد أصغر جارات  أفغانستان التي تشترك معها في حدود برية ، وبالرغم من ذلك فالصين ترغب  في تدشين "علاقات ودية" مع طالبان، حيث صرحت  المتحدثة باسم الدبلوماسية الصينية هوا تشون ينغ إن بكين "تحترم حق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره ومستقبله"، كما أشار المتحدث باسم طالبان إلى أن "طالبان أشارت مرارًا وتكرارًا إلى أملها في تطوير علاقات جيدة مع الصين"، مشيرًا إلى أن السفارة الصينية في كابول تواصل عملها بشكل طبيعي ، ووصمت الصين  الانسحاب الأمريكي  من أفغانستان ب"غير المسؤول"، خوفًا قبل كل شيء من نشوب حرب أهلية في جارتها،  تفضي لفوضى في أفغانستان تحيق خطرًا بالأمن الصيني في مقاطعات الصين  الحدودية مع أفغانستان.

ربما تحقق الصين  أكبر المكاسب  من وصول طالبان لسدة الحكم في أفغانستان،  إذا تمكنت من إقناع طالبان بكبح قوة قوات الإيغور شبه العسكرية ،و من المرجح أن يشكل ممر واخان على الحدود الأفغانية مع الصين ميزة جيوسياسية مهمة في السنوات القادمة، ويُمكن أن يوفر للصين روابط جديدة عبر أفغانستان إلى غرب آسيا والشرق الأوسط، وقد تعمل الصين على استغلال  وتطوير الثروات المعدنية الهائلة في  أفغانستان فتقطف بذلك أهم الثمار  .

يمثل الموقف الصيني غير المتشدد من طالبان تحولاً جذريًا مقارنة بالعقود السابقة، عندما كانت بكين تعبر عن مخاوفها من قيام طالبان بإيواء مقاتلين من الإيغور،  ودافع المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان عن طالبان باعتبارها حركة سياسية مختلفة عن المتطرفين الإسلاميين الناشطين في باكستان، وتحدثت وسائل الإعلام الحكومية الصينية عن "انهيار المشروع الأمريكي الذي استمر عقدين في أفغانستان"، وطمأنت الشعب الصيني بأن التهديدات المرتبطة بمقاطعة (شينجيانغ) ليست كما كانت سابقا، كما عَلّقت وكالة أنباء شينخوا الرسمية  الصينية على سقوط العاصمة الأفغانية في يد حركة طالبان  معتبرة أنها "نقطة تحول تُظهر تراجع الهيمنة الأميركية " ، ووفقا لوسائل الإعلام  الصينية  الأخرى فإن الصين كانت مستعدة لاحتواء أي تداعيات على الساحة الأفغانية عبر الضغط على طالبان للنأي بنفسها علنًا عن "القوات المرتبطة بسنجان"، حيث يشغل الهاجس الأمني بالنسبة لجمهورية  الصين الشعبية الشاغل الأول و أحد أهم محددات بل أولويات الاستراتيجية الأمنية الصينية .

ما يثير الاهتمام في صدد تأثير صعود حركة طالبان  المدوي، اعتراف إدارتي  ترامب وبايدن بأن جهود الولايات المتحدة  الممتدة  في أفغانستان على مدار عشرين عاما شَتت انتباه الولايات المتحدة عن التصورات و السناريوهات المتعلقة بمجابهة أو احتواء الصين.

هل يعد  الدب  الروسي  الرابح الأكبر من وصول طالبان لسدة الحكم ؟

لا يختلف  الأمر كثيرًا بالنسبة لروسيا الاتحادية عن المتغير الصيني، وبالرغم من الانتقادات الروسية للتعاطي الأمريكي الأخير في أفغانستان، وبالرغم  أيضًا من أن الانسحاب  الأمريكي من أفغانستان لربما يشكل ليلة الزينة للرئيس بوتين ، لكن الحذر الروسي تجاه صعود طالبان سيشكل الطابع المميز للتفاعل الروسي مع الحركة الموصومة بالإرهاب من جانب روسيا الاتحادية .

تعكس التصريحات  الرسمية  لجوزيف بوريل الممثل  الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية و السياسة الأمنية  التي صرح فيها بأن  "من الواضح أن ما حدث في أفغانستان سيكون له تداعيات على التوازن الجيوسياسي العالمي  لأن  روسيا والصين لن تكونا في نفس الوضع كما كانتا في الماضي فيما يتعلق بحكومة طالبان الجديدة " المتغير الاستراتيجي الحاصل لكل من القوتين الكبرتين، روسيا و الصين ".

يمكننا أن نتوقع وبدون ريبة أن يتم استخدام الحزام الجيوسياسي الجديد الذي نتج عن صعود طالبان الثاني لسدة  الحكم في كابول، مُعول تقليص لمكانة الولايات المتحدة في وسط آسيا وشرقها بدرجة نسبية، كما ستؤثر سلباً على قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للنظام العالمي للسوق الحر، إذا تماهت السياسيات الصينية –الروسية في مواجهة  الولايات المتحدة الأمريكية ، وهنا ستستغل كل من الصين وروسيا  التطورات الأخيرة الحاصلة، للترويج وإقناع الشركاء الجدد المحتملين للدولتين بأنهما الأفضل شراكة وتحالفًا بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية .

ربما يقبل الغرب وعلى مضض أن تلعب روسيا الاتحادية دوراً كبيراً في محاولات تصحيح المعادلة الإستراتيجية  في وسط وشرق  آسيا التي قلبتها طالبان رأساً علي عقب، وهنا سيحتاج الغرب  للمساعدة الروسية في أفغانستان، وستقبل الإدارة الأمريكية النفوذ المتعاظم الروسي في أفغانستان؛ ولذلك  لن تتحمل الإدارة الأمريكية  مراقبة  ذلك بعدم اكتراث، وهنا يستلزم  الأمر التذكير بتحذير الرئيس الأمريكي  السابق ترامب من أن الإخفاق الأمريكي في أفغانستان سيصب مباشرة في مصلحة الخصم اللدود للولايات المتحدة الأمريكية.

 

هل تربح أم تخسر باكستان من انتصار حركة طالبان ؟

سيختبر سقوط كابول النظام الباكستاني مرة ثانية، فبسقوط الحكومة الأفغانية الموالية للولايات المتحد ة ، يمكن الآن لحركة طالبان  أكثر من أي وقت مضى  إصدار جوازات سفر وتسليم الهواتف المحمولة لأي شخص تختاره، وسيمثل ذلك هاجسًا أمنيًا ولوجستيًا على باكستان لتتبع كل من يدخل ويخرج من الحدود المتماسة مع أفغانستان،  و مراقبة المعابر الحدودية البرية بشكل أفضل ، ومن شأن ذلك أيضًا أن يضع المسافرين  عبر المطارات الباكستانية تحت رقابة مشددة ضرورية لضمان عدم سفر الإرهابيين عبر باكستان لشن هجمات ضد الولايات المتحدة ودول أخرى ، وهذا الخيار بل  الموجب على باكستان سيفضي إلى عواقب هذا الاختيار له عواقب إقليمية تترقبها الهند تحديدًا ، حيث  ستستفيد الهند من أية إخفاقات في هذا الصدد، وتحاول أن تتكسب من ذلك لتحقيق مآربها الذاتية الاستراتيجية .

على الرغم مما سبق، فإن الادعاء بأن الإرهابيين يحتاجون إلى ملاذ مادي آمن من أجل التخطيط لهجمات، وأن أفغانستان مؤهلة بشكل فريد لتكون ذلك الملاذ  كما حدث في سبتمبر عام 2001م،  تدحضه الحقائق، فالمخاوف  من الإرهاب، في السنوات الأخيرة ، تجاوزت بشكل كبير الخطر الفعلي الداهم، ولم تتعرض الولايات المتحدة منذ عقدين من الزمان لحادث إرهابي  يناهز في ضخامته وتداعياته ما حدث في سبتمبر عام 2001 م.

هل صعود طالبان يعيد المياه لمجاريها بين الحليفين الولايات المتحدة و المملكة المتحدة ؟

تُعتبر أفغانستان "لحظة أساسية" للعلاقات بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وتأثير القوى الغربية ، وتعد الحالة في أفغانستان أحد أبرز الخلافات الملموسة بين المملكة  المتحدة و الولايات المتحدة الأمريكية .

فقد أصبحت الأصوات المنتقدة في بريطانيا أكثر علنية مع تزايد الإحباط من التداعيات الفوضوية من الخروج الذي تقوده الولايات المتحدة من أفغانستان، حيث تزمرت  المملكة المتحدة بشكل خاص بعد أن اختارت واشنطن عدم استشارة لندن في وقت سابق من هذا العام قبل أن يتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن قراره بسحب غالبية قواته من البلاد، مما أجبر بريطانيا على فعل الشيء نفسه وبدء عملية استيلاء طالبان على السلطة.

بالرغم من ذلك الخلاف بين الحليفين التاريخيين: الولايات المتحدة و المملكة المتحدة، فإننا نستبعد  تصدع  الشراكة الاستراتيجية  بين البلدين  في مجال الدفاع والمجالات الأخرى، حيث لا  تقتصر الشراكة عبر الأطلسي  من خلال العلاقات الثنائية ولكن أيضًا تحت مظلة الناتو .

الاتحاد الأوروبي: "يجب إعادة التفكير في كيفية تطوير التدخلات الخارجية"

صرح  جوزيب بوريل ، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بضرورة  " إعادة التفكير " في طريقة تطوير التدخلات الدولية بعد استعادة طالبان لأفغانستان، و الأهم أنه أردف:" لقد  أظهر الحدث بجلاء عدم وجود إرادة للتعامل مع الصراع ، وشدّد بوريل على أنه بعد 20 عامًا من الحرب والموارد البشرية والمادية الكبيرة التي استثمرها العالم الغربي  في أفغانستان ، " لم ننجح في إنشاء هياكل دولة في أفغانستان يمكنها الدفاع عن حقوق الإنسان ، وخاصة حقوق المرأة ".

كان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد  الأوروبي أكثر موضوعية حين قال  " يجب أن نتعلم الدروس لنعرف كيف ندافع عن قيمنا في العالم ونلعب الدور الذي يقول الأوروبيون إننا نريد أن نلعبه "، واستطرد السياسي الإسباني أنه " في هذه اللحظة، ما يهمنا ليس تحميل  المسؤوليات، بل إيجاد حلول للحظات الخطيرة التي نعيشها والأشخاص المعرضين للخطر ".

تطرق أيضا بوريل إلى الأخطار  المهددة للأمن  الأوروبي و التي يتصدرها مغادرة الألاف من اللاجئين وطنهم إلي أوروبا ، قائلا : " سيتعين علينا البحث عن أشكال للتعاون الإقليمي مع جميع دول آسيا الوسطى وكذلك مع تركيا ، والتي ستكون منطقيًا نقطة عبور لللاجئين الأفغان"  

 

طالبان في مستجد  الخطاب  الإيراني الرسمي

بالرغم من تاريخ علاقات الجمهورية الإسلامية الذي يمكن دمغه بغير المشجع أو المطمئن، ورغمًا من هواجس  التشكك الرسمي و الشعبي  الإيرانيين  تجاه حركة طالبان، لكن يُوضِح موقف إيران المتفائل نسبيًا من استيلاء طالبان على أفغانستان، قبل كل شيء، الخطوات التي اتخذتها طهران في تحسين علاقاتها مع شبكة المتمردين المسلحة التي كانت تُعتبر ذات يوم عدوًا لدودًا للجمهورية الإسلامية .

لقد استضافت مؤخرًا الحكومة  الإيرانية وفداً من حركة  طالبان في طهران لعقد اجتماع مع مبعوثين من حكومة كابول المدعومة من الولايات المتحدة، في حين أن الرئيس الجديد للبلاد إبراهيم رئيسي يسمي الانسحاب الأميركي "فرصة لاستعادة الحياة والأمن، ودائم السلام في ذلك البلد ".

أدركت الأجهزة الأمنية الإيرانية أن هناك قوة صاعدة جبارة على الأرض، فسعت إيران الشيعية  إلى توطيد علاقتها بطالبان،  ونحت  جانباً أي اعتبار أيديولوجي أو ديني أو عرقي، وروجت إيران لدعم قادة السنة  الإيرانيين صعود إيران من جديد ، وتهنئتهم للشعب الأفغاني بهزيمة ورحيل القوات الأمريكية من أفغانستان، وكأن إيران تدرك من أين تؤكل  الكتف ..

في العام الماضي، قدمت طالبان عرضًا كبيرًا لإيران بتعيين رجل دين شيعي من مجتمع الهزارة حاكمًا لمنطقة في شمال أفغانستان، كما  دانت حركة طالبان بانتظام الهجمات على المساجد والأحياء الشيعية في أفغانستان، والتي يُفترض أن منفذها الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، المُعادي لكل من إيران وطالبان، و تعد الكراهية المشتركة لكل من إيران وحركة طالبان للولايات المتحدة الأمريكية أحد المشتركات المهمة التي يمكن  البناء عليها مستقبلاً لتوطيد، أو لنقل تحسين علاقات  الجمهورية الإسلامية بحركة طالبان .

يمكن لطهران أن ترى بصيص أمل في نظام ثيوقراطي استبدادي يحكم  على أفغانستان بدلاً من ديمقراطية فوضوية حرة قريبة من واشنطن،  وتدرك إيران أن مكانتها الناشئة كمحاور مع طالبان  يمكن أن يكسبها بعض النفوذ الدبلوماسي و السياسي، وتستغل ذلك الأمر في حلحلة بعض ملفاتها و أزماتها  العالقة مع الغرب .

يرى المتخصصون في الشأن الإيراني، أن سيطرة طالبان على أفغانستان تعد تطوراً إيجابياً للغاية بالنسبة لطهران خاصة فيما يتعلق بالانسحاب الأمريكي، طالما أن الحكومة في كابول ليست معادية لإيران، ولا تسبب مخاوف أمنية وتسيطر على تدفق اللاجئين إلى إيران، بالإضافة إلى معالجة القضايا الثنائية مثل توزيع المياه.

خاتمة

يُعقد المشهد الأفغاني بعد صعود حركة طالبان والانسحاب الكبير للولايات  المتحدة الأمريكية  من أفغانستان ، السيولة التي تُلبد الحالة  الأفغانية  المستجدة بظلال كثيفة  من الشك و عدم  اليقين ، ومن غير المتصور توقع تشكيلات و أنساق ومعادلات التفاعلات الإقليمية و الدولية في ظل عدم الإعلان عن حكومة جديدة في أفغانستان، وطبيعة هذه الحكومة ونظامها  السياسي اللذين يعول عليهما المجتمع  الدولي في  الاعتراف بها.

طَليٌ أن أي حكومة تعلنها حركة طالبان ستحاول أن تنفض تاريخها سيء الذكر من خلال الآليات و الإجراءات و ليس من خلال التصريحات و التطمينات، فالحركة تعقد آمالا كبيرة على معونات المجتمع الدولي في هذا الظرف الجلل ، لينتشل أفغانستان من فقرها المدقع .

بالرغم من الضبابية التي تكتنف السياق الأفغاني برمته، لكن من المهم أن نذكر في سياق الانتقادات الموضوعية للنهج الأمريكي في أفغانستان، أن نذكر بأن  الولايات المتحدة الأمريكية – وحتى  اللحظة الآنية – حققت الهدف الذي يسمق و يعلو على كل  الأهداف الأخرى، وهو قطع الحبل السري بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة وسائر التنظيمات و  الجماعات الإرهابية، وهذا ما نص عليه الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة و حركة طالبان في عام 2020م.

مقالات لنفس الكاتب