array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 167

التبريرات الأمريكية / البريطانية لأزمة الغواصات كشفت معالم "معركة المستقبل"

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

أخذت "أزمة الغواصات" بين أستراليا وفرنسا، بعدًا دوليًا، بامتدادها لعلاقات فرنسا مع أمريكا ،وبريطانيا، والدول الأربعة تعد من أهم دول التحالف الغربي الذي اتضحت معالمه منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، وكانت كلمتهم موحدة سياسيًا وعسكريًا، وأصبح هذا التحالف تقريبًا هو الناطق باسم الشرعية الدولية، ويقرر باسمها كما حدث في عدة أزمات عالمية أهمها تلك التي تعيشها المنطقة العربية والإسلامية، كما هو الحال في ليبيا وفلسطين وسوريا وأفغانستان، وأصبح سهلاً للمتتبعين توقع موقف أي دولة من هذه الدول بمجرد إعلان أي دولة منها عن موقف معين، يبقى الاختلاف في المفردات فقط. لذلك لا يمكن القول إن أزمة الغواصات هي مجرد حدث عابر.

هذه الأزمة ليست اقتصادية فحسب، رغم أن قيمتها التجارية تقدر حسب تقارير إعلامية  غربية بين 40 و90 مليار دولار لبيع أسطول من 12 غواصة فرنسية لأستراليا، إنما أخذت بعد "أزمة استراتيجية"، فهي لا تهدد العلاقات بين فرنسا وأستراليا فقط، بل تهدد "التحالف الغربي" برمته، لذلك تحولت أزمة الصفقة بسرعة لأزمة دبلوماسية، حيث أتخذت باريس بتاريخ 17 سبتمبر 2021م، خطوة تعتبر سابقة من نوعها وهي استدعاء سفيريها لدى واشنطن وكانبيرا (أستراليا) في مرحلة أولى، ثم تم إلغاء اجتماع وزير الدفاع الفرنسي مع وزير الدفاع البريطاني احتجاجًا على ما وصفته باريس بـ "الخيانة والطعنة" من قبل تحالف ظلت لعقود "تنام قريرة العين" مطمئنة له، بسبب إلغاء صفقة سلاح أبرمت عام 2016م، أي بعد 6 سنوات من توقيعها.

زلزال في التحالف الغربي ومعركة المستقبل

مهما كانت المبررات التي نشرتها وسائل الإعلام الدولية، والتي دفعت أستراليا لإلغاء الصفقة خاصة ما تعلق بـ "الفوارق التكنولوجية" بين الصناعة الأمريكية للغواصات، والصناعة الفرنسية، فالغواصات الأمريكية، حسب تبرير أستراليا لا تحتاج إلى الشحن مقارنة بالغواصات الفرنسية التي لا تستطيع البقاء تحت الماء مدة أطول من الغواصات الأمريكية، ذلك أن الغواصات التي تعمل بقوة الطاقة النووية هي أكثر استقلالية من غواصات الدفع التقليدي التي تعمل بالديزل وتكون غير مزوّدة بالسلاح النووي.  وهذا التبرير في حد ذاته "ضربة قوية" للتكنولوجيا العسكرية الفرنسية.

أما التبريرات الأمريكية والبريطانية، فركزت على "معركة المستقبل" القادمة لا محالة مهما كانت أشكالها، حيث قالتا إن "إلغاء الصفقة مع فرنسا وتعويضها بصفقة أخرى مع أمريكا إنما يهدف إلى "تعزيز القدرات الأسترالية لمواجهة الصين وروسيا." وهذا التبرير أيضًا في حد ذاته، تقليل من قيمة التكنولوجيا العسكرية الفرنسية.

وبعدها قال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، معززًا التبرير الأمريكي والبريطاني، "إن قرار إلغاء الصفقة مع فرنسا يتعلق بوجود مخاوف جدية وعميقة راودتنا بأن الإمكانيات التي تملكها غواصات من فئة أتاك الفرنسية لن تتوافق مع مصالحنا الاستراتيجية، وأوضحنا بشكل تام أننا سنتخذ قرارًا مبنيًا على مصلحتنا الوطنية".

وللتدليل على عمق التأثر الفرنسي بالموقف، تأخر الرئيس إيمانويل ماكرون عدة أيام حتى يوافق على طلب مكالمته هاتفيًا من طرف الرئيس الأمريكي جو بايدن، كما لم تهضم وسائل الإعلام الفرنسية الموقف ونظمت عدة برامج تلفزيونية وكتبت عدة مقالات تحليلية حول الموضوع، وما شد الإنتباه أنه في أحد البرامج التلفزيونية دعا أحدهم الدولة الفرنسية إلى "النظر قليلاً نحو الشرق" بمعنى التوجه نحو روسيا والصين، وهما "القلب النابض" لمجموعة "البريكس" (تعني حسب الحروف الأولى باللغة اللاتينية: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا) وهي القوة الموازية للتحالف الغربي.

"أوكوس" تحالف أمني استراتيجي يثير مخاوف الخصم والحليف

بعد أيام قليلة من أزمة الغواصات، وبتاريخ 15 سبتمبر 2021م، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، عن تشكيل تحالف أمني استراتيجي جديد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تحت مسمى تحالف "أوكوس"، يضمّ كلاً من الولايات المتّحدة، وبريطانيا، وأستراليا، وجاء الإعلان بعد قمة افتراضية، استضاف فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن، رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والوزير الأول الأسترالي سكوت موريسون، هذه البلدان الثلاثة، هي أيضًا أعضاء في "تحالف العيون الخمس"، وهو تحالف استخباراتي يضم خمس دول هي: الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.  

غير أن "أوكوس" تعرضت للعديد من الانتقادات ليس من قبل الصين وروسيا فقط، بل من قبل فرنسا أيضًا، نتيجة مخاوف كل دولة من انعكاسات هذا التحالف. وإذاكان مفهومًا تخوف الصين وروسيا، فإن المخاوف الفرنسية تؤشر أيضًا على تصدع "التحالف الغربي" إذ لا يوجد مانع من ضم فرنسا لذلك التحالف من الناحية النظرية.

من الواضح أن التحالف الثلاثي "أوكوس" يسعى لتسليح أستراليا بغواصات أمريكية نووية، وهي ثاني دولة تزوّد بها واشنطن دولة أخرى بتلك التكنولوجيا بعد بريطانيا، ويضاف إليها تزويد أستراليا بصواريخ أمريكية بعيدة المدى من طراز "توماهوك"، فضلاً عن تعزيز التعاون في مجالي الدفاع السيبراني والحرب الإلكترونية.

لكن من الناحية الإستراتيجية، يأتي دعم أستراليا بالغواضات النووية الأمركية، لموقعها الاستراتيجي في المحيطين: الهاديء والهندي من جهة، ولكونها حديقة خلفية للصين.

ويحقق هذا التحالف لكل دولة جزءًا من أهدافها، ويراهن الجميع على تغيير توازن القوة البحرية وتوقيف النفوذ الصيني. فأمريكا وبريطانيا يضمنان موضع قدم قريب من الصين، في إطار مواجهة اقتصادية شرسة، قد تتحول لمواجهة عسكرية، وتعزز الاستراتيجية الأمريكية بالتوجه نحو آسيا، وهي السياسة التي رسمها الرئيس الأمريكي الأسبق بارك أوباما، عندما كان الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن نائباً له، وكان هدفها المعلن: تحجيم النفوذ الصيني.

ويضمن تحالف "أوكوس" لأستراليا تقوية جيشها وتصبح لاعبة محورية في المحيطين الهاديء والهندي، ذلك أن صفقة الغواصات ستجعل أستراليا سابع دولة في العالم التي تمتلك غواصات تعمل بالطاقة النووية بعد كل من الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا والهند.

كذلك يمكّن تحالف "أوكوس" أستراليا من تحصين نفسها بتحالف اقتصادي وعسكري قوي، بدل بقائها وحيدة في مواجهة الصين عسكرياً واقتصادياً، وهي تدرك أنها بمفردها ستكون لقمة صائغة للصين، تكفي الإشارة إلى أن عدد سكانها يقدر بنحو 26 مليون نسمة مقارنة بنحو 1.5 مليار صيني، ولا يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي 1.4 تريليون دولار، مقارنة بـ 15 تريليون دولار ناتج محلي إجمالي لجمهورية الصين.

كذلك، لم تعد العلاقات الصينية الأسترالية جيدة، بعد أن ظلت الصين لسنوات الشريك التجاري الأكبر لأستراليا، حيث توترت العلاقات على خلفية انتقاد أستراليا معاملة الصين لأقلية الإيجور، وحظرها أيضًا شركة هواوي من بناء شبكة الجيل الخامس، وساندت أستراليا الطرح الأمريكي حول أسباب جائحة كورونا بتحميلها بكين مسؤولية تفشيها على الصعيد العالمي. 

لذلك لم تتأخر الصين في الضغط اقتصاديًا على أستراليا خلال عام 2020م، بفرض ضرائب على "الخمور الأسترالية" بنحو 200 بالمئة، مما جعل واشنطن تتدخل لدعم أستراليا اقتصاديًا وسياسياً وعسكرياً، وتأتي قضية الغواصات وتحالف أوكوس في هذا السياق.

وهكذا، أثار هذا تحالف "أوكوس" صدمة وغضبًا في خندق الخصوم والحلفاء على حد سواء، لكن إذا كان من الطبيعي أن يلقى معارضة وانتقاد وتحفظ كل من الصين وروسيا، فإن فرنسا والاتحاد الأوروبي، تنظر له من باب "ظلم ذوي القربى".

ذلك أن الصين تدرك جيدًا أن التحالف يستهدفها، سواء أتم الإعلان عن ذلك أم لا، لذلك تعتبر "بيكين هذا التحالف بمثابة حرب باردة في المحيطين" وربما تتحول لحرب ساخنة بالنظر للهجة الأمريكية تجاه الصين، لذلك يتوقع المحللون أن الصين لن تتأخر في العمل على تعزيز قواتها البحرية والجوية.

أما روسيا فتدرك أن "تحجيم الصين" هو في النهاية استهداف لها، باعتبارهما القلب النابض لمجموعة "البريكس"، كما تتخوف من توسيع هذا التحالف لدول أخرى، لا يستهدف الصين فقط وإنما روسيا أيضًا. 

أما القلق الفرنسي، من "الأوكوس" فيتعلق أساسًا باستبعادها من المشاركة فيه، بمعنى أنها ليست دولة هامة أو محورية في الاستراتيجية الأمريكية في المحيط الهندي والهادي، وهي التي تعتقد أنها "قوة أوروبية" اقتصاديًا وعسكريًا وعضو فعال في التحالف الغربي، الأمر الذي يثير مخاوفها بكل تأكيد خاصة أنه جاء مباشرة بعد ما وصفتها باريس "طعنة وغدر صفقة الغواصات". وهذا ما يفسر وصف الفرنسيين للأوكوس بعبارات قاسية مثل: "طعنة في الظهر" و"صفعة على الخد".

حتى المفوضية الأوروبية، شعرت بالحرج، لذلك لم تتخذ موقفًا صريحًا من التحالف، فبتاريخ 20 سبتمبر 2021، قالت "أنها تعمل على تحليل ودراسة تداعيات معاهدة الأوكوس على مختلف المستويات قبل أن تتخذ قرارات أو تدابير محددة بشأنها."

وبدون شك، مثلما حدث بعد انسحاب أمريكا من أفغانستان عندما عقد وزراء دفاع الإتحاد الأوروبي اجتماعًا لهم شهر أغسطس 2021م، لدراسة تشكيل قوة أوروبية، فإن تحالف أوكوس سيعزز هذا التوجه بهدف تحقيق ما أصبح يسمى "الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي" عن الولايات المتحدة.

لذلك يمكن القول إن التحالف الغربي يعيش أزمة، لكنها لم تنكشف بشكل واضح تمامًا.

مؤشرات إضافية عن تصدع "التحالف الغربي"

حتى نفهم جيدًا، أن إلغاء صفقة الغواصات بين أستراليا وفرنسا، ليست قضية علاقات تجارية ثنائية فقط، إنما هي أزمة استراتيجية تمس التحالف الغربي في العمق، وأن تحالف أوكوس هو امتداد لأزمة الغواصات، لابد من إلقاء إطلالة على العلاقات داخل هذا التحالف خلال الفترة الأخيرة.

1 – إلغاء سويسرا صفقة طائرات رافال

لم تمض سوى أيام قليلة من إلغاء صفقة الغواصات بين أستراليا وفرنسا وتعويضها بصفقة مماثلة مع أمريكا، حتى جاءت أزمة جديدة، بإلغاء سويسرا صفقة شراء 36 طائرة رافال الفرنسية بقيمة 6 مليارات دولار وعوضتها بطائرات أف 35 الأمريكية. مما جعل باريس تلغي اللقاء المقرر عقده شهر نوفمبر بين ماكرون ونظيره السويسري في بارمولان.

2 – تركيا، صواريخ أس 400 واليونان

يضاف إلى هذا، تصدع آخر في الحلف الغربي، نجم عن قيام تركيا بشراء منظومة صواريخ أس 400 الروسية واستلمتها وجربتها عام 2019م، مما جعل أمريكا تفرض عليها عقوبات، طبقا لقانون محاربة خصوم أمريكا، وردت أنقرة بصرامة بأنها مستعدة للمشاركة في صواريخ أس 500 الأكثر تطورًا، في ظل حديث عن شراكة محتملة مع روسيا لإنتاج طائرات سوخوي.

وتركيا هي ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية، والناتو هو القوة الضاربة للتحالف الغربي، والخصم العسكري والسياسي لروسيا والصين، وبعبارة أخرى لمجموعة "البريكس".

وإلى ذلك، يجب الإشارة إلى ما يحدث من صراع سياسي واقتصادي في شرق المتوسط وقد يتحول في أي لحظة إلى صراع عسكري، بين تركيا واليونان، وكلاهما ضمن "التحالف الغربي" لكن أوروبا بشكل عام اصطفت لجانب أثينا.

3 – خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي

ولابد من التذكير أيضًا، أنه قبل هذه المستجدات، وفي عام 2016م، أقدمت بريطانيا على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهو ليس قرارا هينا، بل هو شرخ كبير يضرب الاتحاد الأوروبي، المنتمي أيديولوجيًا إلى "التحالف الغربي"، واستمرت المفاوضات حتى ديسمبر 2020م، ليتم التوصل لاتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لمرحلة ما بعد البريكسيت.

 

4 -انسحاب أمريكا من أفغانستان

في ذات السياق لا ينبغي أن نغفل انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان بعد 20 سنة من "الإحتلال" أو "التدخل العسكري" بحجة محاربة الإرهاب (2001-2021)، وتم ذلك خارج "الشرعية الدولية"، وقد حدث سجال بين وزير الخارجية الأمريكي حينها كولن باول ووزير الخارجية الفرنسي دوفيليبان، الذي عارضت بلاده في عهد الرئيس جاك شيراك التدخل الأمريكي خارج الشرعية الدولية، حيث خاطب الوزير الأمريكي الوزير الفرنسي: "لا تنس أن أمريكا تمثل عضلات البشرية"، ورد عليه الوزير الفرنسي بالقول :" لا تنسى أن أوروبا تمثل عبقرية البشرية".

ولم يفسّر كثير من المحللين الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بـ "حجة التفرغ للخطر الزاحف من الصين"، حيث أصبحت الصين تعتبر "تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة، ومن بعدها الغرب"، بل فسّروه على أنه "تراجع في قوة التحالف الغربي".

5 – الانحسار الفرنسي في مالي والساحل

ويضاف إلى ذلك أيضًا، انسحاب فرنسا من منطقة الساحل وتجميد عملية برخان في مالي بعد 8 سنوات من انطلاقها، وتقليص عدد قواتها من 5100 جندي إلى نحو 1500 جندي، حيث بدأتها عام 2013 باسم "قوة سيرفال" وأخذت إسم "برخان" عام 2015، ثم أصبحت "قوة الساحل5" عام 2017، تضم عدة دول من المنطقة هي موريتانيا، والنيجر، ومالي وتشاد وبوركينافاسو، ورفضت الجزائر المشاركة فيها، وفي 2020 استعانت باريس بأوروبا فيما يعرف باسم "قوة تاكوبا الأوروبية". وتبقى في حلق فرنسا غصة عدم تلقيها الدعم المادي اللازم من التحالف الغربي.

وبعد انسحاب فرنسا، بدأت روسيا عن طريق شركات خاصة، تملأ الفراغ، وتتمثل أساسًا في مرتزقة فاغنر. وخلال الجمعية العامة للأمم المتحدة شهر سبتمبر 2021 قال الوزير الأول المالي: "أن باريس تركت بلاده في منتصف الطريق"، واتهمها "بتقسم بلاده بين شمال وجنوب، بتكوين جيش في الشمال"، يمنع سيطرة جيش الحكومة على البلاد، قبل أن يقول إنه من حق بلاده عقد تحالفات جديدة.

إن الموقف المالي، لم يزعج فرنسا التي ردت عليه بقوة فقط، لكنه أزعج عددًا من الدول الأوروبية أيضًا، وعلى رأسها ألمانيا، لأن تمدد روسيا عسكريًا في إفريقيا، يهدد "التحالف الغربي" بشكل أخطر من التهديد الإقتصادي الصيني الذي بات موجودًا بقوة في القارة السمراء.

6 -إيطاليا وأزمة كورونا

خلال أزمة كورونا عام 2020م، تأثرت إيطاليا تأثرًا كبيرًا، لكنها لم تلق الدعم السريع من قبل أوروبا والغرب، بقدر ما لقته من دول خارج التحالف الغربي، لذلك عبرت الحكومة الإيطالية بشكل صريح أن أوروبا والغرب بصفة عامة تخلى عنها، وتساءلت عن جدوى التحالف الغربي أو جدوى الاتحاد الأوروبي.

7 – قضية الهجرة غير الشرعية بين إيطاليا وأوروبا

كذلك حدثت في مناسبات مختلفة "أزمات صامتة" داخل المجموعة الغربية، وأحيانًا تتمظهر في تصريحات لمسؤولين أوروبيين بخصوص الهجرة غير الشرعية، لكن في إحدى المرات انتقدت روما باريس بقوة، لأن إيطاليا تقع على خط التماس مع الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية بخلاف باريس. وسبق لوزير أول إيطالي أن صرح بالقول: " إن أزمة الهجرة غير الشرعية ستضع إيطاليا على ركبتيها".

8 -اليونان والأزمة المالية لعام 2008

لقد حدث ذات الشيء تقريبًا خلال الأزمة الاقتصادية لعام 2008م، عندما احتاجت اليونان لقروض من دول الاتحاد الأوروبي، ولم تصلها حتى هددت بشكل أو آخر باللجوء للصين وروسيا.

لذلك باتت التساؤلات مشروعة، هل أزمة الغواصات هي حدث عابر أم هو حلقة جديدة ضمن حلقات التصدع داخل التحالف الغربي وتأثير المصلحة الوطنية على مصلحة المجموعة، وما هو مستقبل التحالف الغربي، وما هي انعكاسات هذه المستجدات على المنطقة العربية؟

المنطقة العربية وسياسة وضع البيض في سلة واحدة

 

في العدد السابق من مجلة "آراء حول الخليج" كتبت مقالاً شرحت فيه كيف يمكن أن يؤثر انسحاب أمريكا من أفغانستان على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وبعبارة أوسع "حلفاء الغرب"، وأشرت إلى احتمال تراجع الثقة في المجموعة الغربية وغيرها مما تم شرحه، ونفس الشيء حدث في منطقة الساحل الإفريقي بفقدان دول المنطقة الثقة في فرنسا، وتوجههم نحو تحقيق التعاون الإقتصادي والعسكري مع الصين وروسيا وتركيا، باستثناء الجزائر التي لها علاقات اقتصادية قوية مع بيكين وأنقرة وعلاقات عسكرية ممتازة مع موسكو.

كذلك فإن أزمة الغواصات بين أستراليا وفرنسا، وامتدادها للعلاقات بين بريطانيا وأمريكا، ستزيد في تحفظ حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ثم إن انشغال الولايات المتحدة وبريطانيا بالاستعداد لمواجهة الصين، قد يقلل من اهتمامها بالحلفاء التقليديين في منطقة الشرق الأوسط، مما يحثهم عن البحث عن شركاء أو حلفاء جدد، من باب "عدم وضع البيض كله في سلة واحدة" كما فعلت قطر بتوجهها نحو تركيا وفتح منافذ مع موسكو.

أمريكا "قوة المهام 59" لطمأنة حلفائها في الخليج

وتكون الولايات المتحدة مدركة تمامًا لتخوف حلفائها في البلدان العربية بصفة عامة ومنطقة الخليج العربي بصفة خاصة، لذلك بادرت بإرسال رسالة طمأنة، بإعلان القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية، في 9 سبتمبر 2021م، أن الأسطول الخامس التابع لها قام بإنشاء "قوة المهام 59" في الخليج بقيادة خبير الروبوتات "مايكل براسور"، لزيادة قدرته على الردع في نطاق عمليات الأسطول الخامس (الخليج العربي، ومضيق هرمز، وخليج عُمان، ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر، وقناة السويس، وأجزاء من المحيط الهندي).

هذه القوة، حسب التحليلات تعتبر الأولى من نوعها التابعة للبحرية الأمريكية، التي تستخدم الطائرات المُسيّرة والوسائل التكنولوجية التي لا تحتاج إلى تدخل العنصر البشري، لتحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة، وقد أشار المحللون إلى "ردع تنامي القوة الإيرانية"، خاصة أن إيران تجد نفسها ضمن مجموعة البريكس، أي حليفة موسكو وبكين.

        في النهاية، يمكن القول إن العالم بصفة عامة، والمنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل خاص، سيتأثر بشكل أو بآخر بما يحدث في القطب الغربي بمفهومه الكلاسيكي، وبتنامي مجموعة البريكس التي تسعى لمواجهة التحالف الغربي سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا. لذلك لا يمكن اعتبار إلغاء صفقة الغواصات حدثًا عاديًا إنما حدثًا استراتيجيًا لا يمس الغرب فقط بل سينعكس على المنطقة العربية والعالم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب جزائــــري

مقالات لنفس الكاتب