array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 167

"الثلاثي" مفيد للهند .. وأمريكا تسعى لضم سيئول لـ "العيون الخمس"

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

يأتي تشكيل التحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا "أوكوس Aukus" في وقت تتصاعد فيه التوترات، خاصة حول بحر الصين الجنوبي وتايوان. ويبدو أنه في أواخر 2020م، أصبحت الولايات المتحدة تشعر بالقلق من أن الصين لديها قناعة يزداد ترسخها بأنها ستكون هدفًا لهجوم استباقي. ومن هنا فإن كل طرف أخذ يستعد ويستدعي كل إمكانياته وقدراته العسكرية والتكنولوجية، ويراجع استراتيجياته وتحالفاته تحسُّبًا لمواجهة محتملة، والأخطر في الأمر هو التطور الخطير الذي أحدثته التكنولوجيا في مجالات حرجة تؤثر بعمق في طبيعة الحرب، وعلى أية حال فإن أي حرب بين الولايات المتحدة والصين سيكون المنتصر فيها هم الروس.

الصراع النووي والمواجهات العسكرية

تقيم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا شراكة أمنية ثلاثية تهدف إلى مواجهة الصين، والتي ستشمل مساعدة أستراليا في بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، تم الإعلان عن المبادرة المسماة "أوكوس" وتقديمها على أنها الخطوة الحاسمة التالية في تحالف قديم، وقيل عن خطة مشتركة لتجميع أسطول الغواصات الأسترالي الجديد الذي سوف يتم بناؤه في أديلايد ويعمل بالطاقة النووية.

لم يكن هناك شك في أن المبادرة كانت رداً على حملة الصين التوسعية في بحر الصين الجنوبي وزيادة العداء تجاه تايوان، وتُصِرُّ أستراليا على أنها لا تعتزم السعي لامتلاك أسلحة نووية وستلتزم بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، لكن منتقدين قالوا إن القرار لا يزال من الممكن أن يُحَفِّز بشكل غير مباشر على انتشار الأسلحة. سيستغرق تطوير أي غواصات جديدة تعمل بالطاقة النووية، وتعتمد على اليورانيوم المخصب، سنوات وربما أكثر من عقد، والهدف هو وضع البحرية الأسترالية التي تعمل بالديزل حاليًا على قدم المساواة تكنولوجيًّا مع البحرية الصينية، الأكبر في العالم. ستسمح الطاقة النووية للغواصات الهجومية الأسترالية بالبقاء في البحر لمدة خمسة أشهر وتعمل بهدوء أكثر من السفن الحالية التي تعمل بالديزل، مما يسمح لها بالتهرب بشكل أفضل من اكتشاف العدو. وبالإضافة إلى التعاون في مجال التكنولوجيا البحرية، ستشمل الشراكة مواءمة أوثق للسياسات والإجراءات الإقليمية،وتكاملاً أكبر للجيوش والصناعات الدفاعية للحلفاء الثلاثة. يعتزم الثلاثة أيضًا العمل معًا في الحرب الإلكترونية وقدرات الذكاء الاصطناعي.

أشار مسؤول أمريكي كبير إلى أن حكومة المملكة المتحدة قد ضغطت من أجل زيادة دورها في المنطقة. وقال المسؤول: "بريطانيا العظمى تركز بشدة على مفهوم بريطانيا العالمية، وتنوي المشاركة بشكل أعمق بكثير مع الدول المتاخمة للمحيطَيْنِ الهندي والهادئ". ويحذر بعض منتقدي الاتفاقية من أنها تشكل سابقة خطيرة للدول لاستغلال ثغرة في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. إذ تسمح المعاهدة للدول غير النووية ببناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، وإزالة المواد الانشطارية التي تحتاجها لمفاعلات الغواصات من المخزونات التي تراقبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يتيح إمكانية التحول إلى صناعة الأسلحة. ستكون أستراليا أول دولة تستفيد من هذه الثغرة. وفي تعليق أحد المسؤولين: "ما يقلقني ليس أن أستراليا سوف تسيء استخدام المواد النووية التي نمنحها إياها وتستخدم الثغرة لبناء أسلحة نووية. ما يقلقني هو أنه يشكل سابقة مروِّعة يمكن أن تنتهكها دول أخرى". إيران هي المثال الواضح هنا، وقد حدث هذا مرة واحدة فقط في التاريخ، عندما قامت الولايات المتحدة بمساعدة المملكة المتحدة في تطوير أول غواصات تعمل بالطاقة النووية.

تأثر المحيط الجغرافي الصيني

 

يعتبر التحالف مفيدًا للغاية للهند، وهو تحالف عسكري مباشر يهدف في المقام الأول إلى أن يصبح المنصة الأساسية التي ستمتلك القوة النارية لمواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في القرن الحادي والعشرين. إن التحالف يمثل "أكثر من مجرد تجمع نموذجي للجيوش والأجهزة" إذ أن الدول الأعضاء الثلاث ستستثمر بكثافة في البحث والتطوير للمشاركة في تطوير التقنيات بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. كما أن واشنطن تسعى أيضًا إلى بيع أجهزتها العسكرية في منطقة المُحيطَيْن الهندي والهادئ لتعزيز اقتصادها المحلي وخلق وظائف جديدة في الداخل. ستصبح أستراليا عميلًا كبيرًا لشركات الدفاع الأمريكية، في حين أن التوترات المتزايدة في المنطقة ستدفع الدول الأخرى، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، إلى شراء المزيد من الولايات المتحدة.

وبموجب اتفاقية "أوكوس"، ستساعد كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أستراليا في بناء ما لا يقل عن ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية، وهي المرة الأولى التي تشارك فيها واشنطن ولندن تكنولوجيا الغواصات النووية الحساسة مع كانبيرا. لبدء الشراكة سيعمل المسؤولون البحريون والمتخصصون الفنيون من الدول الثلاث معًا على مدار الـ 18 شهرًا القادمة لتزويد أستراليا بالتكنولوجيا لنشر غواصات تعمل بالطاقة النووية. ولكن نظرًا لتعقيد التكنولوجيا، فقد لا يعمل أسطول الغواصات النووية الأسترالية حتى عام 2040م، تقريبًا. وتتميز الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بأنها قادرة على البقاء مغمورة لفترة أطول، مع وقود كافٍ لتشغيلها نظريًا لسنوات، وهي ميزة في هجمات التخفي. يتعين على الغواصات التقليدية التي تستخدم محركات كهربائية تعمل بالديزل أن تطفو على السطح بانتظام حتى يمكن إعادة شحن بطارياتها، مما يسمح برصدها بسهولة أكبر. الغواصات الأسترالية هي العنصر الأكثر تكلفة، وقد شمل الاتفاق أيضًا مشاركة القدرات السيبرانية وغيرها من التقنيات الموجودة تحت سطح البحر، وتبادل المعلومات والتكنولوجيا في عدد من المجالات بما في ذلك الاستخبارات وتكنولوجيا الكم وكذلك اقتناء صواريخ كروز.

وبالنسبة للغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، فهذا لا يعني أنها تحمل رؤوسًا نووية. ومع ذلك، فإن هذه التكنولوجيا حساسة لأن مفاعلات الغواصات الأمريكية والبريطانية تستخدم اليورانيوم المخصب بنسبة 93% إلى 97%، وأي قدر يزيد عن 90% يعتبر يورانيوم "بدرجة أسلحة" يحتمل أن يكون له تداعيات خطيرة. يوجد حاليًا ست دول فقط لديها غواصات تعمل بالطاقة النووية - الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا والهند - ومن المقرر أن تصبح أستراليا الدولة السابعة بموجب الاتفاقية الجديدة. الولايات المتحدة هي الرائدة عالميًا في هذا المجال، مع 68 غواصة تعمل بالطاقة النووية، في حين أن روسيا لديها 29، والصين لديها 12، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقره لندن.

موازين القوى للدول الثلاث

 

تكتسب منطقة المحيطين الهندي والهادئ أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة. وقال مسؤول كبير من إدارة بايدن : إن صفقة "أوكوس" التي تقودها واشنطن كانت جزءًا من خطوات أكبر لبناء التعاون مع الشركاء الأمنيين في آسيا "للحفاظ على السلام والاستقرار في جميع أنحاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ". على مدى عقود، أشارت واشنطن إلى الامتداد الشاسع للأراضي الممتدة من أستراليا إلى الهند بمُسَمَّى "آسيا والمحيط الهادئ"، ثم تحول إلى مصطلح شاع بين خبراء السياسة الخارجية وتبنته إدارة ترامب ثم إدارة بايدن بمُسَمَّى "المحيطين الهندي والهادئ": وهو يشمل مجموعة واسعة من الأماكن، من الهند إلى نيوزيلندا، حيث تنوي الولايات المتحدة تحدي الصين. يمثل بحر الصين الجنوبي بؤرة النزاع الذي يمكن أن يبدأ صراعًا عسكريًا، ففي ضوء المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وصفت واشنطن منطقة المُحيطَيْن الهندي والهادئ بأنها "المنطقة الوحيدة الأكثر أهمية لمستقبل أمريكا" وشددت على ضرورة احتواء نفوذ بكين في المنطقة من خلال تعزيز وجودها العسكري وتقوية التحالفات. تكتسب الاستراتيجية زخماً بدعم من دول آسيا والمحيط الهادئ، مثل فيتنام وماليزيا، اللتين تشعران بالقلق من عدوان بكين المتزايد بشأن قضايا مثل بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بأنها معركة القرن، ووصفها بأنها اختبار حاسم لمزايا الديمقراطية مقابل الاستبداد. انتقدت الصين "أوكوس" ووصفتها بأنها "غير مسؤولة للغاية" وقالت إنها قد تؤدي إلى سباق تسلح نووي، وهو قلق أعربت عنه كوريا الشمالية أيضًا.

وفقاً لموقع "جلوبال فاير باور" المختص برصد القدرات العسكرية للدول بحسب أحدث إحصائية لعام 2021م، يحتل الجيش الأمريكي المرتبة الأولى عالمياً بينما يحتل نظيره الروسي المرتبة الثانية بين أقوى جيوش العالم، في حين يحتل الجيش الصيني المرتبة الثالثة عالمياً وتمتلك هذه الدول ترسانات نووية فتاكة وقوات مشتركة ضاربة. وعلى صعيد القوة النووية وهي العامل الفاصل في ميزان القوى بين الدول يُعتقد أن روسيا تمتلك حاليًا 6370 سلاحًا نوويًّا وهو العدد الأكبر من الأسلحة النووية، لكن الولايات المتحدة ليست متخلفة عنها بكثير، حيث تمتلك 5800 سلاح نووي، في تقدم واضح وكبير للجيشين على نظيرهما الصيني الذي يمتلك قرابة 272 سلاحًا نوويًّا وفقًا لموقع  Atomic Scientists’ Nuclear Notebook. وفيما يلي مقارنة بين القوات:

الجيش الأمريكي: يتجاوز عدد سكان الولايات المتحدة 332 مليون نسمة، بينهم 146 مليون نسمة قوة بشرية متاحة في حين يصل عدد أفراد الجيش الأمريكي إلى 2.245 مليون جندي بينهم 845.500 في قوات الاحتياط. يمتلك الجيش الأمريكي 13233 طائرة حربية، بينها 1956 مقاتلة، و761 طائرة هجومية، وأكثر من 945 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 2765 طائرة تدريب، و5436 مروحية عسكرية منها 904 مروحيات هجومية. ولدى الجيش الأمريكي أكثر من 6100 دبابة و40 ألف مدرعة و1500 مدفع ذاتي الحركة وأكثر من 1340 مدفعًا ميدانيًا، إضافة إلى 1365 راجمة صواريخ. يضم الأسطول البحري الأمريكي 490 قطعة بحرية منها 11 حاملة طائرات و92 مدمرة و68 غواصة، إضافة إلى 8 كاسحات ألغام. وتبلغ ميزانية الدفاع ومعدل الإنفاق السنوي للجيش الأمريكي 740 مليار دولار أمريكي.

الجيش الروسي: يبلغ عدد سكان روسيا الاتحادية قرابة 142 مليون نسمة، بينهم 69 مليون نسمة قوة بشرية متاحة وتعداد جنود الجيش الروسي في الخدمة 3.569 مليون جندي، إضافة إلى 2 مليون جندي في قوات الاحتياط. يمتلك الجيش الروسي أكثر من 4144 طائرة حربية بينها 789 مقاتلة، و742 طائرة هجومية، وهنا يبرز الفارق الكبير بينه وبين نظيره الأمريكي الذي يتفوق في هذا الجانب، كما يمتلك الجيش الروسي 1540 مروحية عسكرية منها 538 مروحية هجومية. يمتلك الجيش الروسي 13,000 دبابة، حيث يتفوق هنا بشكل كبير على نظيره الأمريكي، كما يمتلك أكثر من 27 ألف مدرعة، وأكثر من 6540 مدفعًا ذاتي الحركة، وقرابة 4465 مدفعًا ميدانيًّا، و3860 راجمة صواريخ، في تفوق واضح على الولايات المتحدة أيضاً في هذا الجانب. يتكون الأسطول الروسي من 603 قطع بحرية منها حاملة طائرات وحيدة وهنا تتفوق الولايات المتحدة بقوة في هذا الجانب، ويمتلك الجيش الروسي 64 غواصة، و11 فرقاطة و48 كاسحة ألغام. وتبلغ ميزانية الدفاع ومعدل الإنفاق السنوي للجيش الروسي 42 مليار دولار أمريكي.

الجيش الصيني: يبلغ عدد سكان جمهورية الصين الشعبية 1.394 مليار نسمة، بينهم قرابة 753 مليون نسمة كقوة بشرية متاحة، وتعداد جنود الجيش الصيني في الخدمة 3.355 مليون جندي، إضافة إلى 510 آلاف جندي في قوات الاحتياط. يمتلك الجيش الصيني أكثر من 3260 طائرة حربية بينها 1200 مقاتلة، و371 طائرة هجومية، كما يمتلك 902 من المروحيات العسكرية منها 327 مروحية هجومية. ويمتلك 3205 دبابات، وأكثر من 35 ألف مدرعة، وأكثر من 1970 مدفعًا ذاتي الحركة، وقرابة 1234 مدفعًا ميدانيًّا، و2250 راجمة صواريخ. يتكون الأسطول الصيني من 777 قطعة بحرية منها حاملتا طائرات، و79 غواصة، و 50 مدمرة و46 فرقاطة و36 كاسحة ألغام. وتبلغ ميزانية الدفاع ومعدل الإنفاق السنوي للجيش الصيني 178 مليار دولار أمريكي.

طبيعة التحالف

وبموجب اتفاقية "أوكوس" ستساعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أستراليا في بناء ما لا يقل عن ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية، وهي المرة الأولى التي تشارك فيها واشنطن ولندن تكنولوجيا الغواصات النووية الحساسة مع كانبيرا. لبدء الشراكة سيعمل المسؤولون البحريون والمتخصصون الفنيون من الدول الثلاث معًا على مدار الـ 18 شهرًا القادمة لتزويد أستراليا بالتكنولوجيا لنشر غواصات تعمل بالطاقة النووية. ولكن نظرًا لتعقيد التكنولوجيا، فقد لا يعمل أسطول الغواصات النووية الأسترالية حتى عام 2040م، تقريبًا.

تتميز الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بأنها أسرع بكثير ويصعب اكتشافها من الأساطيل التي تعمل بالطاقة التقليدية، وتطلق الصواريخ لمسافات أطول، وقادرة على البقاء مغمورة لفترة أطول، مع وقود كافٍ لتشغيلها نظريًا لسنوات، وهي ميزة في هجمات التخفي. يتعين على الغواصات التقليدية التي تستخدم محركات كهربائية تعمل بالديزل أن تطفو على السطح بانتظام حتى يمكن إعادة شحن بطارياتها، مما يسمح برصدها بسهولة أكبر.

على الرغم من أن الأطراف لم تقل ذلك، إلا أن المحللين ينظرون إلى الاتفاقية إلى حد كبير على أنها محاولة بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ المتزايد للصين في المنطقة. بموجب معاهدة الأمم المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية، يحظر على أستراليا تصنيع أو حيازة أسلحة نووية. لكن المفاعلات البحرية معفاة من الضمانات النووية، ويشتبه في قيام دول أخرى باستغلال هذه الثغرة من خلال استخدام الوقود المستخدم لتشغيل المفاعلات الفرعية لتطوير أسلحة نووية أيضًا. قالت نيوزيلندا إنها ستمنع الغواصات الأسترالية من دخول مياهها، بما يتماشى مع السياسة الحالية بشأن وجود غواصات تعمل بالطاقة النووية، وبدت أكثر حذراً في التوافق مع الولايات المتحدة أو الصين في المحيط الهادئ.

 

 

احتمالات مستقبل التحالف

 

في أول اجتماع لبايدن كرئيس للولايات المتحدة مع قادة من اليابان والهند وأستراليا - الدول الثلاث الأخرى في تحالف يعرف باسم "الرباعي" – ناقش ما دعاه بـ "العدوان" و"الإكراه" من قِبَل الصين ضد أعضاء المجموعة. تعهد القادة الأربعة بالعمل على أن تصبح منطقة المحيطَيْن الهندي والهادئ منطقة حرة ومنفتحة، بعيدة عن تأثير الأنشطة العسكرية المتصاعدة لبكين. وربما كان الإعلان عن شراكة البنية التحتية الرباعية الجديدة هو بمثابة الرد الذي طال انتظاره على مبادرة الحزام والطريق الصينية، واتفق الجميع على نهج مشترك تجاه أفغانستان وكوريا الشمالية، مما يدل على تعاون أكثر شمولاً في القضايا ذات الاهتمام العالمي. وتدرس الولايات المتحدة أيضًا ضم كوريا الجنوبية إلى تحالفها الاستخباراتي "العيون الخمس Five Eyes" - والذي يضم أيضًا أستراليا والمملكة المتحدة وكندا ونيوزيلندا - وجدَّدت هذا العام اتفاقًا عسكريًّا مع الفلبين يسمح للقوات الأمريكية بالتمركز في البلاد.

في مواجهة المخاوف بشأن القوة المتنامية للصين سوف ينشأ تحول جيوسياسي يواكب المشاركة المتزايدة لدول المنطقة مع أكبر الديمقراطيات في العالم لردع الصين عن استخدام قوتها. يُعيد هذا التحالف ترتيب هيكل القوة في منطقة المحيط الهادئ، بافتراض أن الصين لم تعد منافساً مسالماً، بل في سبيلها لتكون عدواً خطيراً. وباعتبار خطورة نُذُر المواجهة لعدو بحجم الصين فإن الأمر يستدعي أن تحتشد القوى الإقليمية التي ترى في الصعود الصيني تهديدًا لمصالحها العليا، كالهند وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام، وأن تشارك جميعها في تحمل الأعباء.

خيارات الصين وروسيا لمواجهة التحالف

مع تحالف "أوكوس" تبتعد الولايات المتحدة عن أوروبا وتُقرِّب الصين من روسيا وإيران، أعطت واشنطن الأولوية للإنجليز وتجاهلت جهود حلفائها الأوروبيين، مما أدى إلى حدوث انقسامات في شبكة تحالفها. وكان رد الصين وروسيا تكثيف تعاونهما وضم إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون. وتشعر الصين بالقلق من هذه المبادرات الأمريكية، وتتهم "أوكوس" بتقويض السلام الإقليمي، وصعَّدت بكين من التوقعات في مضيق تايوان، حيث نفذت عددًا قياسيًّا من الطلعات العسكرية بالقرب من تايوان. يشير اتفاق "أوكوس" إلى تحول استراتيجي للولايات المتحدة من شمال الأطلسي إلى المحيط الهندي والمحيط الهادئ سيكون له تداعيات عسكرية وأمنية لعقود قادمة. كما إن التحرك لتزويد أستراليا غير النووية بغواصات تعمل باليورانيوم عالي التخصيب يعزز من دور كانبيرا كمصدر لإسقاط القوة الأمريكية في المنطقة.

وقد رحبت اليابان بـ"أوكوس" كضامن للسلام الإقليمي، بينما لم تعارض الهند الاتفاقية. من المتوقع أن تعزز المملكة المتحدة دورها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال زيادة الإنفاق العسكري وتوسيع قاعدتها في عمان. في المقابل، أعرب بعض أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا عن مخاوفهم بشأن خطر قيام "أوكوس" بتحفيز سباق التسلح.

تتجاوز العلاقات الثنائية بين الصين وروسيا التعاون العسكري والتدريبات المشتركة وصفقات الأسلحة. لديهم أيضًا شراكة استراتيجية متنامية، كما يتضح من إعلان موسكو الأخير عن زيادة بنسبة 90 % في مبيعات الطاقة إلى الصين، التي تعاني من نقص في الكهرباء. وبشكل عام، فإن منطقة المُحيطَيْنِ الهندي والهادئ تزخر بتنافس شديد بين الولايات المتحدة والصين. تشعر بكين بأنها محاصرة في منطقتها الأم بينما تقترب واشنطن من تايوان، ضمن جهودها الأمنية والدبلوماسية الأخرى.

ستعمل المناورات الأمنية المُنسَّقة، والمواءمة بين المواقف الرسمية لمنظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا على توسيع صورة المجموعتين وتكاملهما في أوراسيا تحت قيادة روسيا والصين. وفي الوقت نفسه، تعمل منظمة شنغهاي للتعاون على إقامة روابط أوثق من خلال استكشاف مجالات جديدة، كما يتضح من الظهور الأول لحرب الطائرات المُسَيَّرة خلال التدريبات المشتركة الأخيرة.

خاتمة- الردع الصيني

 

لم تعد الصين قوة صاعدة، إذ أنها صعدت بالفعل، وأصبحت تتحدى الولايات المتحدة في مجالات عسكرية عديدة. ووفق تقرير أصدره مركز الدراسات الأمريكية في جامعة سيدني الأسترالية: لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بالتفوق العسكري في منطقة المحيط الهادي والهندي، وأن قدرتها على الاحتفاظ بتوازن القُوَى لصالحها أصبحت محل شكوك متزايدة، وأن ترسانة الأسلحة الهائلة التي تمتلكها بكين تهدد القواعد الأساسية التي تمتلكها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وأن مثل هذه القواعد يمكن اعتبارها بلا فائدة مع بداية الضربات الجوية في الساعات الأولى لأي صراع. وتشير الكثير من الشواهد إلى أن القوة العسكرية الأمريكية ما زالت أكبر من نظيرتها في بكين. فالترسانة النووية الأمريكية (وكذلك الروسية) أكبر بكثير من الصين. كما تحتفظ الولايات المتحدة بتفوقها التكنولوجي في مجالات هامة مثل جمع المعلومات المخابراتية، وأنظمة دفاع الصواريخ الباليستية، وأحدث الطائرات الحربية، وتستند على شبكة قوية من العلاقات في آسيا وأوروبا. وفي المقابل لا تمتلك الصين مثل هذا النوع من نظام التحالفات، ولكنها تعمل بجد على سد الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة. وما يُهِمَّ الصين في كل الأحوال هو امتدادها الاستراتيجي في آسيا. وبنظرة إلى عاملين أساسيين، هما القرب الجغرافي والتركيز، فإن ذلك يعني أن الصين بالفعل قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة في محيط آسيا. وتركز الصين على تطوير مجموعة من المجسات وأنظمة التسليح التي من شأنها إزاحة القوات الأمريكية عن العمل قرب أراضيها لأبعد مسافة ممكنة، ويرى المحللون أن قدرات الصين في تزايد مستمر، مما يمكنها من الثقة في قدرتها على ردع أي ردَ فعل أمريكي والتعايش معه. إن لدى الولايات المتحدة قوة هائلة لكنها ليست على ما يكفي من الجاهزية، أو التسلح، أو الاستعداد لسباق قوة كبير، وأن أي تراكم في أولويات التسليح المستمر من المحتمل أنه سيفوق قدرة ميزانيتها. سيعتمد نجاح "أوكوس" على سرعة قيام الحلفاء الثلاثة باتباع مسار لا رجعة فيه لغواصة نووية أسترالية. وإذا وقع المشروع في فخ التكلفة والتأخير، فسوف يواجه الفشل ويخاطر بمزيد من تآكل قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على ردع الصين.

 

 

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أكاديمي ــ جمهورية مصر العربية

مقالات لنفس الكاتب