array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 168

دول الخليج العربية: قوة إقليمية ناعمة في حاجة لقوة ردع صلبة

الأحد، 28 تشرين2/نوفمبر 2021

مجلس التعاون لدول الخليج العربية (المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، سلطنة عمان، البحرين، الكويت، وقطر)، قوة إقليمية، لعبت دوراً إقليمياً محورياً في منطقة الشرق الأوسط، منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي. لقد ظهرت هذه الدول، بصورة جماعية، كقوة إقليمية فاعلة في المنطقة، بصورة تكاملية مؤسساتية، عندما أعلنت تشكيل منظمتها الإقليمية في: ٢٥ مايو ١٩٨٠م. إلا أن ما برر نشأتها، مازال نقطة ضعفها الأساسية. كان منطلق نشأتها ومبرر اللجوء لصيغة التكامل الإقليمي بين أعضائها هو أمني، بالدرجة الأولى. واليوم بعد أكثر من أربعين سنة من قيام هذه المنظمة الإقليمية، مازال المتطلب الأمني، الذي سبب اللجوء لخيارها التكاملي الإقليمي، موجوداً، بل متزايداً عما كان عليه الوضع، منذ انطلاقة مسيرتها.

 

تراكم مقومات القوة الناعمة

 

دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، طوال مسيرتها التكاملية التي امتدت لأكثر من أربعة عقود، تُعتبر الأطول والأكثر ثباتاً واستقراراً مما عداها من تجارب التكامل الإقليمي في المنطقة، عدا تجربة جامعة الدول العربية، إذا ما أخذنا في عين الاعتبار المتغير التاريخي في قياس عمر كلٍ من التجربتين المتكاملتين في النظام الرسمي العربي. إلا أن تجربة مجلس التعاون، بمقياس الفاعلية والكفاءة في تحقيق الأهداف التكاملية الإقليمية، نجدها تتجاوز تجربة الجامعة العربية، في كثيرٍ من المجالات.

 

من الإضافات، للقوة الناعمة للنظام العربي، التي ساهمت بها تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إنجازاتها التكاملية المؤسساتية. هناك قناعة راسخة لدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بأهمية التجربة، والإصرار على المضي فيها، رغم الصعاب التي تعترض مسيرتها، مهما كانت تكلفة المضي في هذا الطريق.

 

التمسك بثقافة التكامل الإقليمي، بالرغم من تواضع إنجازاته، من أهم ثمار هذه التجربة التكاملية العربية. لم يثني الدول الأعضاء من مواصلة المسيرة التكاملية بين دولهم، مهما عظمت تحديات هذا القرار الاستراتيجي، الذي يصل إلى كونه مصيرياً تتوقف عليه ليس فقط مستقبل التجربة، بل ومصير أعضائها أنفسهم.

 

الحرص على المتغير الأمني

 

كان الثبات على التمسك بالهدف الأمني من وراء إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، هو المتغير الرئيس، الذي يفسر سلوك الدول الأعضاء، تجاه التزامات العضوية في المجلس. كان اندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران سبتمبر ١٩٧٩م، هو الاختبار الاستراتيجي الأول لقياس مدى التزام الدول الأعضاء بوحدة وسلامة أراضي كل عضو في المجلس، ومدى ارتباط ذلك الشديد، بأمن كل دولة في المجلس على حدة.

 

لقد استشعرت دول المجلس مدى الخطر المحدق بها، جميعاً، من نشوب حرب إقليمية بين أكبر دولتين في المنطقة، ليستا عضوتان في المجلس، لكن متغير الجغرافيا السياسية يفرض تبعات أمنية خطيرة، ليس فقط احتمالات استمرار هذه الحرب، بل نتيجتها، أيضاً. منطق الجغرافية السياسية، هنا يتغلب على أي موقف تفرضه الأحداث، يأخذ في عين الاعتبار الاعتبارات القومية من أطراف تلك الحرب. أي طرف يخرج منتصراً من ذلك الصراع، سيكون عامل عدم استقرار لدول المجلس، ومنطقة الخليج العربي برمتها، بغض النظر إذا كان ذلك الطرف العراق (العربي) أم إيران (الفارسية).

 

قد تفرض الاعتبارات القومية، ضمن النظام العربي الرسمي، الوقوف مع العراق، بغض النظر إذا كان البادئ بتلك الحرب أم لا، لكن هذا لا يعني أن نتائج الحرب، إن وضعت أوزارها، لا تؤثر سلبًا على أمن دول المجلس. نصر العراق لم يكن يعني لدول المجلس دعم الجبهة الشمالية لدول المجلس، كما أن هزيمة العراق في تلك الحرب لن يكون لها إلا معنىً واحداً: اقتراب منطقة الخليج العربية من مشروع تصدير الثورة الإيرانية، وبالتالي: تشكيل خطراً حقيقيًا وناجزاً، ليس فقط على تجربة المجلس، بل أكثر: أمن دوله، لدرجة تهديد وجودها، نفسه.

 

أول اختبار أمني لمجلس التعاون لدول الخليج العربية

 

صدقت قراءة دول مجلس التعاون الخليجي لمجريات ونتائج حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، التي استمرت لثمان سنوات. نجحت فيها دول المجلس بإبعاد لهيب تلك الحرب الضروس من أن تقترب من أراضي ومياه وأجواء دول المجلس، بل وأكثر: نجت دول المجلس في الحفاظ على تدفق النفط من أراضيها وتأمين سبل نقله من موانئها، إلى مستهلكيه حول العالم. بالتالي: الاحتفاظ بمعدلات نمو اقتصادي مضطردة، في سنوات تلك الحرب، بالإضافة إلى دعم صمود الجبهة العراقية، دون التعرض لردع الجبهة الإيرانية. توازن إقليمي حساس ودقيق نجحت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تطويره، كأول اختبار فعلي لمشروعها الأمني، الذي حفز قيام المجلس، حال نشوب الحرب العراقية الإيرانية.

 

الاختبار الأمني الثاني

 

نجحت تقديرات دول المجلس لسير عمليات حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، في تفادي اقتراب نيران تلك الحرب من إقليم دولها، دون المساومة على التزاماتها القومية تجاه دولة عضو في جامعة الدول العربية (العراق)، في مواجهة قوة إقليمية كبرى (إيران). لكن النجاح الأكبر كان التعامل مع تقديرات دول المجلس لنتيجة تلك الحرب.

 

لم تشفع لدول المجلس مساندتها للعراق، في حربه مع إيران، التي كانت من منطلقات قومية صِرفة، وإن كانت لها أبعاد جيوسياسية منطقية، أيضاً.  بالتالي: في نفس الوقت، كانت تقديرات دول المجلس لنتيجة تلك الحرب وخطرها الاستراتيجي على أمنهم، بل وحتى مصير وجودهم، بغض النظر عن الطرف المنتصر في تلك الحرب، صائبة إلى حدٍ كبير. وإن تغلب البعد القومي على سلوك دول المجلس ومواقفهم تجاه أطراف الصراع، إلا أنه لم يغب عنهم مدى الخلاف الأيدولوجي والسياسي بين دول النظام العربي الرسمي، حتى ليغيب إن لم يتلاشى هذا البعد القومي لموقف دول المجلس من طرفي الصراع أثناء احتدام المعارك بينهما، وقبل أن تضع الحرب أوزارها.

 

هناك فرق بين الموقف القومي، الذي أملى على دول المجلس مساندة العراق، في حربه مع إيران، وتاريخية الصراع داخل النظام العربي الرسمي بين أعضائه، الذي تحكمه قيم أيدلوجية حادة، صنفت أعضاء النظام الرسمي العربي، منذ خمسينيات القرن الماضي، بين دول تقدمية وأخرى رجعية. هذا الانقسام في داخل النظام الرسمي العربي عبر عن نفسه، بعنف أحياناً، كما هوا الحال في حرب اليمن.. وكذا في صراع سياسي مرير، كما حدث للعلاقات العربية ــ العربية، من منتصف خمسينيات القرن الماضي، وحتى منتصف السبعينيات منه.

 

لم يلبث، بعد أن وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها بعد ثمان سنوات من القتال الشرس، راح ضحيته مئات الآلاف من الجانبين، أن أطل هذا الخلاف الأيدولوجي بين أطراف النظام العربي الرسمي برأسه من جديد. صحيح أن العراق خرج من تلك الحرب منتصراً، إلا أن كان انتصارٌ مفعمٌ بمرارةِ الهزيمة. وكان انتصاراً مكلفاً، لا يقوى نظام صدام حسين تحمل تكلفته، دعك من تحمل تبعاته، بعد الحرب.

 

وإن كانت نبرة الخلاف الأيدولوجي بين العراق ودول المجلس عاليةً في التمهيد لصراع عنيف قادمٌ معها، إلا أن الأمر كان أكثر من كونه ترديد شعارات أيدلوجية تتخللها تهديدات جدية، تصل لحافة الحرب. الوضع الاقتصادي المتردي في العراق ما بعد الحرب، تزامن مع ادعاءات توسعية ظن النظام الرسمي العربي أنه تجاوزها، في عهد الدولة القومية الحديثة في المجتمعات العربية.

 

ما كان من العراق، بعد مرور أكثر من عامين، على حرب الخليج الأولى، أن فاجأ دول المجلس والعالم بغزوه الكويت في الثاني من أغسطس ١٩٩٠م، عندها أدرك قادة المجلس أنه ليس فقط كيانهم الإقليمي في خطر، بل أيضاً وجودهم كدول، أمام خطرٍ ناجزٍ وحقيقيٍ.

 

للمرة الثانية، منذ إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يواجه أعضاء المجلس بخطرٍ استراتيجي وناجزٍ وحقيقي، يستهدف أكثر وجودهم، وليس فقط تجربتهم التكاملية الوليدة. لا إمكانات دول المجلس الدفاعية، ولا إمكانات النظام الرسمي العربي الأمنية، هذا في حالة تطور توافق سياسي بين أعضاء جامعة الدول العربية، بقادرٍ على مواجهة هذا الغزو العراقي للكويت، الذي وصفته المصادر الغربية، أنه قد يتطور، ليأتي على كامل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، بأكملها، ولا يستثني عضواً واحداً منها.

 

الاستغاثة بالنظام الدولي

 

لم يكن من سبيل لمواجهة الزحف العراقي نحو حقول النفط في الساحل الغربي من الخليج سوى التدخل السريع لردع هذا التطور الخطير في منطقة الخليج العربي. هنا تبرز من جديد الحاسة الأمنية لدول المجلس، لتتعامل مع هذا الحدث الجلل بمستوى خطورته الاستراتيجية على أمنها، بل على وجود كلٍ منها.

 

لقد استجاب العالم، لهذا الخطر المحدق باستقرار المنطقة وأمن العالم، المهدد بانقطاع شريان الحياة الاقتصادية، بانقطاع واردات النفط من منطقة الخليج العربي. وكان أمام العالم خياران، لا ثالث لهما: إما انقطاع واردات النفط من أكثر مناطق العالم إنتاجاً وأغزرها احتياطاتٍ للثروة النفطية، أو – على الأقل -الاستسلام بوضع نظام ديكتاتوري مستبد يده عليها، مثل نظام صدام حسين.. أو المغامرة بحربٍ ليس من ضمان أن تبقى محدودة في إطار مسرح عملياتها الإقليمي، من أن تتحول إلى حربٍ عالمية ثالثة، يمكن أن تعيد الحضارة الإنسانية إلى العصر الحجري.

 

ما كان للمجلس وقادته إلا استدعاء قوات أجنبية، لوقف غزو العراق، ودحره عن دولة عضوٍ فيه، والطلب من النظام الدولي القيام بواجباته في حفظ سلام العالم وأمنه، ولكن بعد الحصول على مباركة النظام الرسمي لجامعة الدول العربية، الذي اجتمع في قمة القاهرة الطارئة (١٠ أغسطس ١٩٩٠م) وأعطى موافقته ومساندته لما تتخذه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من إجراءات تكفل وقف الزحف العراقي في منطقة الخليج العربي، وضمان استعادة عضو فيه (الكويت) لسيادتها واستقلالها، وبالتبعية: لهويتها الدولية.  

 

لم تتوقف جهود دول المجلس في تجنيب إقليمهم تقلبات الصراع الدولي والإقليمي، لكنها كانت عند ما هو متوقع منها، فيما يخص أمن دولها الداخلي، وتجنيبها تقلبات الوضع الإقليمي غير المستقر، في بعض دول النظام الرسمي العربي. كانت مواجهة دول المجلس لتداعيات ما سمي بالربيع العربي، بداية العقد الثاني من الألفية الثانية، بمثابة جهدٍ خالص من قبل دول المجلس لالتزاماتهم الأمنية تجاه بعضهم البعض، بإمكاناتهم المتاحة، دون الاستعانة، هذه المرة بأطراف دولية، أو حتى عربية.

 

عندما عصفت، ما سمي بثورات الربيع ببعض فعاليات النظام العربي، حتى الكبرى منها مثل مصر، كان لابد أن يطال "تسونامي" هذا التطور العنيف، بتأثير فعل حركة "الدومينو" بعض دول المجلس، حيث خاصرته الرخوة. لقد تعاملت دول المجلس مع هذا التأثير الجامح الآتي من غرب النظام العربي، ماراً بدول رئيسية ومؤسسة للنظام العربي، مثل مصر وسوريا واليمن، ليصل لمنطقة الخليج العربي، ويصيب بعض أعضائه، من بينهم البحرين وعمان. سرعان ما استخدم المجلس أدواته، بما يملكه من قوىً ناعمة وصلبة، للحفاظ على لحمة أعضائه. فكانت مواجهة تداعيات "تسوماني" الربيع العربي على عمان بضخ مليارات الدولارات لدعم أفقر دولة عضو في المجلس، من حيث الموارد (عُمان)، لتجاوز الأزمة. بينما تطلب الأمر التدخل السريع، بالقوة العسكرية الصلبة لدرع الجزيرة، للحفاظ على أمن واستقرار مملكة البحرين.

 

تحدي التكامل الإقليمي

 

في مسيرة تحقيق هدف أمن دول المجلس، يبقى هاجس الأمن ماثلاً، يستنزف الكثير من الموارد، على حساب تحقيق تقدم ملموس في مجالات التنمية والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين دول المجلس.

 

لقد قطعت تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، شوطاً كبيراً في مظاهر التقدم الاقتصادي والتنمية المجتمعية، في مجتمعاتها، في كل ما له علاقة بمظاهر القوة الناعمة، إلا أن ذلك يظل أبعد من الزعم بتحقيق تكامل اقتصادي، فيما بينها، تنتج عنه منظمة إقليمية عملاقة فوق أممية (   Supranational Organization ) تتجاوز صلاحياتها في قضايا الاقتصاد والأمن والتنمية والسياسة الخارجية وحقوق الإنسان والبيئة، صلاحيات الدول الأعضاء، رغم ما بين هذه الدول من تفاوت في الإمكانات الاقتصادية والقوة البشرية والقدرات الدفاعية  والتجربة التاريخية والمكانة الإقليمية والدولية، لكي يصل الجميع إلى قناعة راسخة بأن مصالح كل عضو في المجلس، ليس من مجال من خدمتها والتعامل مع تحدياتها، بكفاءة وفاعلية،  إلا من خلال التكامل والتعاون الإقليمي في ما بينها، مهما بلغت إمكانات كل عضوٍ الاقتصادية والعسكرية والثقافية والحضارية من غنىً ووفرةٍ وخبرة.

 

هذا هو التحدي الحقيقي أمام تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وهذا يتطلب، في الأساس، التمسك بخصوصية مجتمعات المجلس الثقافية والدينية، التي تستمد منها أنظمة الحكم فيها شرعيتها الأساسية. فالحفاظ على العقد الاجتماعي، غير المكتوب، بين هذه الأنظمة وقاعدتها الشعبية، يتطلب تسخير كل إمكانات القوة الناعمة لهذه الدول فرادى ومجتمعة، لتحقيق أقصى معدلات التنمية بين مجتمعات هذه الدول، مع الأخذ التدريجي بتوسيع نطاق المشاركة السياسية، حتى يساهم المواطن بحماس في مؤسسات التكامل الإقليمي بين دول المجلس، بشعوره بأنه هو المستهدف الأول من العائد المتوقع من تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التكاملية.

 

لقد طور المجلس، مع الوقت، بالرغم ما مر به من صعاب وتحديات، هددت في بعض المنعطفات الخطرة، مصير التجربة، بل حتى مصير أعضائها أنفسهم، سلوكيات منضبطة وملتزمة بالنظام الأساسي للمجلس وأهداف إقامته وسير عمل مؤسساته. ومما يحسب من إنجازات المجلس، تحري قادة دول المجلس، انعقاد المجلس الأعلى بدوراته السنوية العادية ودوراته الاستشارية النصف سنوية في موعدها المحدد، حتى في أصعب مراحل التوتر التي عادةً ما تصيب علاقات دول المجلس ببعضها ببعض. إنجاز سبق به مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ما قبله من تجارب إقليمية في المنطقة، في مقدمتها جامعة الدول العربية.

 

ثم أن المجلس، خلال مسيرته، أثبت قدرته على الاستمرار ومواصلة تحقيق الغرض من إقامته، بمنهج التعاون الجماعي بين أعضائه، متجاوزاً كل العقبات التي تعترض مسيرته، حتى تلك التي تصل إلى مستوى القطيعة بين بعض أعضائه ببعض. كان آخر تلك المنعطفات الخطرة التي مرت بها تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية واستمرت لما يقرب من أربع سنوات تلك التي وقعت بين قطرو بعض دول المجلس. مع ذلك لم تتعطل مؤسسات المجلس عن العمل، بما فيها اجتماعات المجلس الأعلى الدورية والاستشارية.

 

الحاجة لقوة ردع إقليمي

 

صحيح أن دول المجلس حققت الكثير من أهداف المجلس الأمنية، ومرت بتجارب عنيفة تصل لمواجهة الحرب على حدود دول المجلس والتعامل مع تداعيات نشوبها ونتائجها، بل أن الحرب طرقت البوابة الشمالية لإقليم المجلس، حتى أنها اقتحمتها، كما حدث عند الغزو العراقي للكويت (٢ أغسطس ١٩٩٠م). إلا أن جبهة دول المجلس تظل غير قادرة بإمكاناتها مواجهة عوامل عدم الاستقرار التي تعصف بمنطقة الخليج العربي، من وقت لآخر، التي وصلت إلى حدود بعض دول المجلس، بفعل تدخلات إقليمية، لدولٍ إقليمية جارة، هي من الناحية التاريخية والجغرافية خصمٌ لدودٌ للعرب تدفعه ثارات تاريخية.. وتغذيه أطماع إقليمية موغلة في التاريخ. إيران اليوم تمثل خطراً ناجزاً وحقيقياً وواضحاً لأمن دول المجلس، بل للعرب أجمعين. إيران اليوم تحارب النظامين الرسمي الخليجي والعربي، في اليمن وفي العراق وفي سوريا وفي لبنان، بل إنه أصبح لإيران أذرع طالت إفريقيا وآسيا الصغرى وحتى شبه القارة الهندية.

 

إيران، أيضاً، في صدد تطوير رادع نووي، يهدد استقرار المنطقة، ويعمل على تقويض أمنها، بل وسلام العالم وأمنه. إذًا ما أضفنا إلى ما تمتلكه إسرائيل من رادع نووي ماثل، فإن منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية شرق السويس تكون بين فكي كماشة نووية أحد فكيها في الغرب (إسرائيل) والآخر في الشرق (إيران)، أحدهما عدو لدول والآخر خصمٌ إقليميٌ حقود، وكلاهما مدفوعٌ بثارات تاريخية بالغة المرارة والتعقيد، وبأطماع للهيمنة الإقليمية للمنطقة وما حولها.

 

لقد أثبتت تجارب التحديات الأمنية، التي مرت بها منطقة الخليج العربي، في ظل تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تواضع إمكاناتها الأمنية المحدودة في مواجهة تحديات مرت بها التجربة خلال أربعة عقود، إن هذه الإمكانات الأمنية كم هي متواضعة في توفير ردع استراتيجي حقيقي وفعال. لا يمكن ضمان ربط مصالح دول المجلس بمصالح القوى الكبرى، طوال الوقت. كما أن الصراع على مكانة الهيمنة الكونية بين الدول العظمى، في حالة ميوعة وتحول من حالة قطبية إلى أخرى، إما بظهور قوى دولية جديدة وأفول قوى دولية تقليدية متوارية.. أو بإحداث تقلبات عنيفة في وضعية التحالفات الدولية، بانهيار بعضها وتشكل أخرى، أو باختلاف طبيعة المصالح نفسها، من حالتها التقليدية المعهودة، إلى حالة أكثر حساسية ودقة، قد تنال من أسس وقواعد النظام الدولي نفسه وقواعد التعامل بين أطرافه.

 

أمام هذا التحدي الأمني، الذي يأبى إلا أن يتفاقم بوتيرة تصاعدية في منتهى الخطورة، لا يبقي للعرب، ودول مجلس التعاون العربية، إلا التفكير الجدي في تطوير رادع استراتيجي فعال، لا تعوض الحاجة إليه الاستمرار في تراكم موارد القوة الناعمة، خاصة الاقتصادية منها، لتوفير الأمن المنشود لتحقيق أهداف التكامل الإقليمي بين دول المجلس، وضمان استمرارية التجربة وجني عائدها.

 

مشروع أمني، بهذه الخلفية الاستراتيجية المتقدمة، وإن كان الغرض من توفير درع جماعي لتكتل إقليمي معين، إلا أنه يحتاج إلى إمكانات وقدرات قوىً كبرى في هذا التكتل الإقليمي تتحمل تكلفة مثل هذا الرادع الاستراتيجي وتتمتع بإمكانات علمية وتكنولوجية متقدمة، تحمل على عاتقها مسؤولية الدفاع الجماعي، بتطوير استراتيجية ردع كفوءة وفعالة. قد تتضافر جهود دول المجلس في إخراج مثل هذا المشروع الاستراتيجي إلى النور، إلا انه لا ينبغي أن تتنافس فيما بينها للحصول منفردة على مثل هذا الرادع الاستراتيجي. كل تجارب تطوير الأسلحة الاستراتيجية غير التقليدية، قامت على أعتاق الدول الرئيسية في أي تحالف إقليمي أو دولي، إلا في حالات نادرة، لا تتخلى فيها الدول النشاز في هذه التجارب عن المظلة النووية، التي توفرها الدولة الأم العظمى في هذا التكتل الدولي أو ذاك. كما كان الأمر في عهد الحرب والباردة، وإلى الآن على حدٍ كبير.

 

الرادع النووي، عند تطويره، يظل حبيس اسمه وعنوانه (رادع نووي)، يبقى للردع مع القبول بحقيقة استحالة استخدامه، لكن لازمٌ لتحقيق استراتيجية ردع فعالة وكفوءة. لذلك لا غنى عن تطوير إمكانات قتال لأسلحة تقليدية متقدمة، تتضافر كل دول المجلس في إنتاجها وتطوير تكنولوجياتها والعمل على توحيد أنظمة استخدامها و"تكتيكات" تطبيقاتها على نماذج افتراضية متقدمة تحاكي حقيقة ما قد تواجهه من ميادين قتال متوقعة.

 

 

الخاتمة: خيطٌ رفيعٌ بين القوة الناعمة والصلبة

 

التكتلات الإقليمية القوية تحتاج لقوة صلبة لدعمها والدفاع عنها، كما تحتاج لقوة ناعمة لتبوء مراكز النفوذ الإقليمية والدولية، ولدفع تكلفة تطوير قوة صلبة رادعة تضمن استمرار التجربة التكاملية وترفع من عائد المتوقع منها وتدعم استقرار التجربة وأمن كل عضوٍ فيها من خلال منظومة إقليمية كفء وفعالة.

 

مجلس التعاون لدول الخليج العربية شهدت دوله في الفترة الماضية منذ إنشائه بدايات ثمانينيات القرن العشرين طفرة تنموية كبرى، طالت معظم مجتمعات الدول الأعضاء فيه.. وطورت لهذا التكتل الإقليمي قوة ناعمة تعتمد أساساً على المتغير الاقتصادي، الذي استفاد من فوائض عائدات النفط، لغرس موطئ قدم راسخة في بعض المجتمعات العربية، وكثير من مجتمعات العالم الثالث، في آسيا وإفريقيا. لكن هذا النفوذ الإقليمي الذي يتمتع به بعض أعضاء المجلس لم يكن نتيجة لعمل إقليمي جماعي، بل كان نتيجة تنافس، غلبت عليه الخلفية القطرية، على الوضعية التكاملية للمجلس. بينما نجد في تكتلات إقليمية معاصرة، كثيراً ما تنافس هذه التكتلات الإقليمية جهود أعضائها المنفردة في الاقتراب من النفوذ الدولي، على مستوى العالم. مؤسسات الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، كثيرًا ما تكون سابقة لجهود الدول الأعضاء في قضايا دولية، مثل البيئة وحقوق الإنسان والتواجد في أماكن الصراعات والتسابق لدعم برامج التنمية في الدول الأخرى، من الأعضاء أنفسهم، رغم أن ميزانية تلك البرامج تدفعها الدول الأعضاء.

 

كما التكتلات الإقليمية تحتاج إلى استراتيجية أمنية موحدة، دونما حاجة لبناء منظومات دفاعية اتحادية مستقلة عن الاحتياجات الأمنية للدول الأعضاء. رغم أن تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تمكنت بنجاح منقطع النظير في مواجهة التحديات الأمنية الكبيرة التي واجهت مسيرة التجربة، طوال الأربعة عقود الماضية من عمرها، إلا أن مواجهة تلك التحديات الأمنية لم تكن نتاج لإمكانات دفاعية جماعية، بقدر ما كانت توظيفاً للإمكانات الجيوسياسية لدول المجلس، في خدمة أهداف دفاعية لها علاقة مباشرة بأمن أعضاء المجلس.

 

بما التحديات الأمنية التي تواجهها دول المجلس، لا يمكن ضمان استمرارها وعدم تكرارها، بل توقع المزيد منها في المستقبل.. وبما أن ضمان مساندة القوى الخارجية لقضايا دول الخليج الأمنية، غير مضمون على الأمد البعيد، فإن كل ذلك يتطلب تطوير قدرات أمنية ذاتية نابعة من إمكانات وإبداعات دول الخليج العربية، نفسها، حتى تضمن استقلال قرارها فيما يخص قضايا أمنها القومي.

 

من هنا تتضح الحاجة لتطوير رادع نووي غير تقليدي، يوفر إمكانات ردع استراتيجية، ليس بضرورة توقع إمكانات استخدامها، بقدر توفير رادع غير تقليدي، يكون ظهيراً لتطوير قوة دفاع جماعي تقليدية ضاربة، قادرة على مواجهة أي عدو إقليمي أو دولي بإمكانات خليجية ذاتية، من حيث التسليح والتخطيط والتكتيك الاستراتيجي لمواجهات حربية محتملة، مع أعداء أو خصوم إقليميين حقيقيين.

 

تضافر القوة الناعمة مع القوة أمرٌ ضروريٌ لإقامة تكتل إقليمي فاعل وكفء، إلا أنه في حاجة لإرادة سياسية فاعلة، من قادة دول المجلس، مدعومة بظهير شعبي قوي، ينطلق من قناعة راسخة باستراتيجية التكامل الإقليمي كخيار استراتيجي جماعي يتكفل بتطوير تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية فاعلة، تتفوق على ما يمكن أن تقوم به كل دولة عضو، اعتماداً على إمكاناتها الذاتية، مهما بلغ غناها ووفرتها وتقدمها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية ـ كلية الاقتصاد والإدارة ــ جامعة الملك عبد العزيز

 

مقالات لنفس الكاتب