array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 169

ًتجاوز تداعيات كورونا و "وثيقة الخمسين" تضع الامارات في المقدمة عالميا

الخميس، 30 كانون1/ديسمبر 2021

اقتصاد دولة الإمارات هو ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بعد السعودية، وكثفت الدولة الجهود لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، ما ساهم في نجاحها كمركز عالمي للتجارة والمالية والسفر والسياحة. حيث تمكنت من ترسيخ مكانتها الاقتصادية وأصبحت على قائمة الاقتصادات الناشئة وهو ما عكسه التسارع في نسب النمو الذي حققته الدولة، فقد أسهمت الطفرة الاقتصادية في بناء ركائز اقتصادية ساعدت في تعزيز جاذبية الدولة لاستقطاب الاستثمارات من شتى أنحاء العالم بفضل الانفتاح الاقتصادي، ومن خلال قوانين مرنة وتوفير بيئة استثمارية تعد الأفضل في المنطقة العربية. وبالرغم من التنوع الاقتصادي الذي تحقق وزاد من مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي، إلا أن القطاع النفطي ما زال المحرك الأساسي للنمو والمصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية، والتي ما زالت عرضة لتقلب أسعار النفط.

 ونظرًا لانتهاج دولة الإمارات لسياسة الانفتاح الاقتصادي فقد تأثرت بالتحولات التي تحصل في العالم ، فعلى سبيل المثال تأثر اقتصادها بالأزمة المالية العالمية عام 2008م، ما أدى إلى تراجع معدل النمو بنسبة وصلت إلى -5% عام 2009م. أما حديثاً فإن الاضطراب الناجم عن كورونا خلق أبعادًا اقتصادية كبيرة وتسبب في عدم استقرار الاقتصاد الكلي والجزئي. فقد أكدت التقارير حدوث ركود أعمق في الأنشطة الاقتصادية العالمية أكبر من الأزمة المالية التي أصابت العالم في 2008/2009م.  فقد انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة وصلت إلى 40٪ في 2020-2021م، مع انخفاض في التجارة الدولية وصل إلى 32٪ عام 2020م، وتراجع في حركة المسافرين الدولية وصل إلى 63٪.

إلا أن السياسات التي اتبعتها حكومة دولة الإمارات كان لها دور هام في الحد من الانعكاسات السلبية لهذه الأزمة، ونجحت في الحفاظ على مستوى المعيشة اللائق لأفراد المجتمع وحرصت على استقرار الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية وتحقيق التوازن للقطاعات ودعم أنشطة القطاع الخاص. كما يبدو أن الجائحة ساعدت على إعادة النظر في السياسات الاقتصادية السابقة وظهرت محاولات جدية للتطوير للتوافق مع المستجدات والأوضاع الاقتصادية الراهنة، وخلق مناخ أفضل للتنمية وتطوير الأطر القانونية وبناء أسس اقتصادات المعرفة، وتطوير الخدمات ورفع كفاءتها. فقد أصبح التغيير ضرورة خصوصًا بعد أن أصبحت الدولة في بؤرة الاهتمام العالمي، كل ذلك ساعد على تخفيف حدة الأزمة فعادت معدلات النمو لتكون بالموجب وبلغت 2.1 % في 2021م، ومن المتوقع أن تصل إلى 4.2% في 2022 (مصرف الإمارات المركزي).

في هذا المقال سنجمل معالم اقتصاد دولة الإمارات ومسار التنمية الاقتصادية بعد تداعيات جائحة كوفيد 19 التي أضرت بالاقتصاد العالمي وأحدثت خسائر في مختلف المجالات. وسنشير إلى خطط الإمارات الاستراتيجية والاقتصادية ورؤاها التنموية الطموحة.

التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد 19ومسار النمو الاقتصادي في دولة الإمارات

خلقت كوفيد ـ19 اضطرابات لدول العالم ترتب عليها تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي. ونظرًا للانفتاح الاقتصادي لدولة الإمارات وكونها مركزًا تجاريًا دوليًا فقد تأثر اقتصادها بصورة كبيرة من تداعيات الجائحة. وتزامن ذلك مع هبوط أسعار النفط وتخفيضات الإنتاج التي فرضتها منظمة أوبك+ فقد حصل انكماش حاد في صادرات النفط وتراجع الإيرادات الحكومية، وساهم ذلك في تقييد الأداء للقطاعات المعتمدة على النفط، خاصة العقارات والبناء وقطاعات الصناعات التجارية والسفر والسياحة والتجارة الخارجية والاستثمار والخدمات اللوجستية. وقد انكمش الاقتصاد الوطني بنسبة 4 % في النصف الأول من عام 2020م. و4.4% في الربع الثاني من عام 2020م، ما أدى إلى تقلص مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 6 % عام 2020م. هذه الانخفاضات في عائدات النفط أثرت على الميزانيات الحكومية، فتراجع الفائض المالي في النصف الأول من عام 2020م، وبلغ العجز 2.3 % للناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بالفائض بنسبة 3.4 % في العام السابق، إلا أن ارتفاع أسعار النفط وزيادة صادراته كان له انعكاسات إيجابية، فحسب تقرير صندوق النقد الدولي "من المتوقع لارتفاع أسعار النفط  أن ينقل رصيد الحسابات الجارية للدول النفطية من عجز قدره 1.9 % من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020 م، إلى فائض 3.6 % من الناتج لعام 2021م، و هو أعلى من مستوى ما قبل الوباء إلا أن هذا الفائض سينخفض تدريجيًا على المدى المتوسط تمشيًا مع الاستقرار المتوقع في أسعار النفط. كما أن تبني تدابير التخفيف الضريبي على المستوى الاتحادي والمحلي مع حظر السفر، وفرض الشروط الاحترازية على التنقل والخروج مع العراقيل التي أضرت بسلسلة التوريد وأنشطة السياحة والبناء والتجارة كلها عوامل أثرت كثيرًا على الأنشطة الاقتصادية. إلا أن الوضع المالي المريح للدولة وتوفر الخيارات المرنة للسياسة المالية حقق الاستجابة للتصدي للتحديات ومكن الحكومة من استخدام التدابير المالية للتخفيف من الآثار المدمرة للنشاط الاقتصادي. هذه الاستجابة والتدابير ساهمت في توفير الحماية المناسبة للشريحة الأكبر من السكان المقيمين في الدولة.

ورغم عدم اليقين المتصل بجائحة، كورونا إلا أن تطبيق السياسات الاحترازية مع التقدم في حملات التطعيم ساعد في تعزيز النشاط الاقتصادي بداية عام 2021م. كما أن تحسن أسعار النفط كان داعمًا للأنشطة الاقتصادية ومعززًا لآفاق النمو ومواجهة الانعكاسات السلبية للجائحة وتخفيف حدة المخاطر التي أثرت على القطاعات الاقتصادية والمصرفية والشركات الخاصة حيث بلغت سياسات الإنعاش وحزم التخفيف حوالي 26.5 مليار درهم (7.2 مليار دولار)، واشتملت على تعليق رسوم تصاريح العمل، وتقنين العمالة ورسوم أخرى لخفض تكلفة الأعمال التجارية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن المساعدة المالية للأنشطة المتأثرة. وقد تمت تلبية الاحتياجات التمويلية من خلال إصدارات الديون الدولية واستراتيجية الدين العام الاتحادية الجديدة التي تم إصدارها مؤخرًا للفترة 2021-2023.

وساهم استئناف السفر في استعادة الثقة في النشاط غير النفطي، وتظهر بيانات المصرف المركزي الإماراتي أن النشاط الاقتصادي واصل انتعاشه في الربع الثاني عام 2020، حيث بلغ النمو مستويات ما قبل COVID-19 تقريبًا. وتشير التوقعات إلى أن يصل إجمالي نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 2.1٪، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي بنسبة 3.8٪ في 2021م، نتيجة انتعاش السفر وزيادة الطلب المحلي والعالمي. ورغم عدم اليقين نتيجة تحولات كورونا فإن توقعات المصرف المركزي الإماراتي تشير إلى نمو كل من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي والناتج غير النفطي بوتيرة أقوى وبنسبة 4.2٪ و3.9٪ على التوالي في 2022م، نتيجة لزيادة الإنفاق العام، وتوقعات البنوك الائتمانية، وارتفاع معدلات التوظيف كما ارتفعت نسبة إشغال الفنادق إلى 62٪ في 2021 م، بعد أن كانت 54٪ في  2020 م. ويؤكد البنك الدولي أن ارتفاع أسعار النفط وانتعاش الطلب ساهم في تحويل أرصدة الحساب الجاري إلى الفائض وزيادة التضخم في العديد من الدول المصدرة للنفط. أما الناتج الحقيقي للقطاع النفطي فقد سجل تراجعًا نسبته 6.2 % نتيجة انخفاض إنتاج الإمارات من النفط بنسبة 9.6٪ وفقًا لاتفاق أوبك+. وقد تم تعديل توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للنفط الحقيقي إلى -2.0٪ في عام 2021م، بانخفاض عن -1.0٪ في السابق، وهو ما يقابل متوسط إنتاج النفط البالغ 2.72 مليون برميل يوميًا للعام.

أما معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي فقد كان سالبًا في 2020م، بنسبة -1.6%، بسبب الانخفاض في الإيجارات، إلا أن ارتفاع أسعار الطاقة رفع معدل التضخم إلى 1.2% في 2021 م، وقد يصل إلى 2% في 2022م. أما رصيد الحساب الجاري فقد سجل مؤشرًا إيجابيًا في 2021 بنسبة 2.9% في 2021م، ومن المتوقع أن يصل إلى 4.9% ، حسب توقعات البنك الدولي (أنظر الجدول 2). وقد تعافى الرصيد المالي بعد أن كان عجزًا نسبته 8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020م، فمن المتوقع أن يسجل فائضًا بنسبة 1.7% في 2021م، مع استمرار تنفيذ المشاريع الاقتصادية وتحفيز القطاع الخاص وزيادة معدلات الاستثمار.

لقد ساهم معرض إكسبو دبي، في تحسن الوضع الاقتصادي للإمارات وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن تستفيد الدولة، كونها مركزًا رئيسيًا للسياحة وعبور التجارة، من فتح قيود السفر والأحداث الإقليمية مثل كأس العالم لكرة القدم التي ستقام بقطر في عام 2022م.وتم تعديل توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للنفط الحقيقي إلى 5.0٪، من 3.5٪ في الربع السابق، مما يعكس الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط وفي نجاح حملات التطعيم.

وتشير بيانات الجدول (1) إلى مسار النمو الاقتصادي الإجمالي لكل من القطاع النفطي وغير النفطي لدولة الإمارات خلال السنوات الثلاث الماضية والنمو المتوقع خلال 2022م.

 

 

projections for 2021 and 2022.

UAE Central Bank (2021),Quarterly  Economic Review Second quarter 2021.

 

 

projections for 2021 and 2022

The World Bank (2021), Global Economics Prospects

 

وتشير الإحصاءات إلى أنه برغم وباء كورونا فإن دبي حافظت على ثقة للمستثمرين، حيث بلغ إجمالي تدفقات رأس المال المقدرة للاستثمار الأجنبي المباشر 24.7 مليار دولار في عام 2020م، وهو لا يفرق كثيرًا عن إجمالي 28.6 مليار دولار لعام 2015 (Creative Zone :2020). كما اتخذت خطوات تشريعية كبرى لتعزيز وجذب الاستثمار الأجنبي من خلال تعديل قوانين واستحداث أخرى جديدة داعمة مثل قانون الإفلاس والإعسار الذي أقر في 2016م، وقانون الاستثمار الجديد الذي يسمح بالملكية الأجنبية بنسبة 100٪ في بعض القطاعات الاستراتيجية والذي أقر في عام 2018م.

 

الرؤى والخطط الاستراتيجية

 

أدركت دولة الإمارات أن الاعتماد على مصدر وحيد للدخل القومي ليس خيارًا استراتيجيًا خصوصًا إذا كان هذا المصدر قابلا للنضوب لذلك كان لا بد من وضع الخطط الجادة لتنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية باقتصاد متنوع وتنافسي منفتح على العالم يعتمد الحرية الاقتصادية لإيجاد ركائز لاقتصاد له صفة الاستمرارية و يقوم على قاعدة إنتاجية ومالية وخدمية و يساهم في تنويع مصادر الدخل القومي و إيجاد مصادر أخرى تشكل مع قطاع النفط قاعدة أساسية لاقتصاد قوي، متنوع و متوازن لضمان  استمرار وتيرة النمو ، وتعزيز قدرة الاعتماد على الذات، مع تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع والخدمات ضمن ما تسمح به الموارد المتاحة وبما يساهم في زيادة الصادرات والحد من الواردات ويوفر فرص العمل. وحددت الرؤية مجموعة من القطاعات الاستراتيجية التي ستساهم في توجيه الطاقات نحو الصناعات والخدمات التي تساهم في بناء ميزات تنافسية بعيدة المدى وتحقق النمو المتوازن عبر حزمة من مصادر الطاقة المستدامة.

كما أكدت الرؤية الاقتصادية على أهمية إعداد القيادات والكفاءات الوطنية التي تتميز بالمعرفة، والقادرة على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية التي اعتمدت الابتكار والاقتصاد المعرفي كركن أساسي في التطور المستقبلي. وحددت الاستراتيجية من خلال رؤية الإمارات 2021م، الأهداف والتوجهات التي ستجعل الإماراتيين يخطون "بثقة وطموح متسلحين بالمعرفة لبناء اقتصاد تنافسي منيع ينعم بأفضل مستويات العيش في بيئة معطاءة مستدامة". وتم التأكيد على تهيئة البيئة المشجعة من بنية تحتية متطورة وتشريعات وقوانين شفافة وحديثة بما يساهم في تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، والأبعاد الاستراتيجية لهذه الرؤية التي يعد التنوع الاقتصادي فيها الحل الأمثل لتحقيق تنمية مستدامة تعتمد على المعرفة والابتكار وترتقي بوتيرة الإنتاجية والتنافسية لتضاهي أفضل الاقتصادات العالمية.

وفي يناير 2019م، أطلقت دولة الإمارات "وثيقة الخمسين" وحددت عشرة مبادئ تمثل مرجعًا لمؤسسات الدولة وترسم مسار الدولة الاقتصادي والسياسي، وصولاً لتحقيق هدفها في "مئوية الإمارات 2071" بأن تكون الإمارات أفضل دولة في العالم، وأكثرها تقدماً. وما يميز الوثيقة أنها تتسم بالتكامل والشمولية والترابط والتداخل متضمنة المجالات من سياسية واقتصادية وتنموية وإنسانية وإغاثية. وأكدت على أهمية التفوق الرقمي والتقني في مختلف المجالات وصولاً إلى دولة ذكية بالكامل ترسم الحدود التنموية والاقتصادية وترسخ مكانة البلاد كقبلة رئيسة للاستثمار والسياحة.

وبهدف تحقيق قفزات نوعية للاقتصاد فقد قدمت حزمة من المشاريع الاستراتيجية الوطنية، تهدف إلى التأسيس لمرحلة جديدة من النمو الداخلي والخارجي للدولة، وترسيخ مكانتها الإقليمية والعالمية في جميع القطاعات والعمل على الارتقاء بتنافسية الإنسان وصولاً إلى أفضل المراتب عالمياً. فشملت هذه المشاريع العديد من القطاعات الحيوية: الصحة، والتعليم، والتنمية الاجتماعية، والاقتصاد، والبيئة، والإسكان، والسياحة، وريادة الأعمال، والاستثمار، والمهارات، والقيم المجتمعية، والثقافة، والمجتمع، والرياضة، والشباب، والأمن الغذائي والعلوم والتكنولوجيا المتقدمة، وغيرها.

وبهدف زيادة مساهمة القطاع الثقافي في الناتج المحلي الإجمالي، سعت الدولة إلى الاستثمار في الفن والتعليم، ومن المتوقع أن تشهد الصناعات الإبداعية، بما في ذلك الألعاب والأزياء والهندسة المعمارية والمتاحف والمكتبات، نموًا سريعًا. وتخطط مختلف الإمارات لزيادة عدد مؤسساتها الإبداعية والثقافية، وتوفير فرص العمل في مختلف قطاعات الاقتصاد الإبداعي.

الآفاق المستقبلية واستشراف معالم النمو والتنمية في العام 2022

الإمارات كمركز عالمي للاستثمار

ما تتمتع به دولة الإمارات من بيئة الأعمال الصديقة والمستقرة وبنية تحتية حديثة وتقنية متطورة ورؤى استراتيجية داعمة ومعززة للابتكار سيكون له دور فاعل في التوسع الهام في آفاق الاستثمار واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر مع زيادة في ريادة الأعمال الأجنبية والمحلية مما يقود للتأثير الإيجابي في معدلات النمو وفي فرص العمل. ومن المتوقع أيضاً أن يرافق الصناعة المحلية تغييرات جذرية من خلال تبنيها للتقنيات الحديثة التي ستقودها إلى النمو والتطور والوصول إلى الأسواق العالمية لمنتجاتها وخدماتها.

كما أن التغييرات التنظيمية عام 2019م، والمتمثلة في التأشيرة الذهبية للمغتربين، وتعديلات قانون الشركات التجارية، والمواطنة للمقيمين الموهوبين من أطباء وعلماء ومخترعين، ومبدعين، وغيرهم بهدف تمكين الأجانب من العيش والعمل والدراسة في الإمارات دون الحاجة إلى كفيل وطني ما سيكون له انعكاسات إيجابية. كما أن اعتماد مجلس الوزراء قرارًا بتحديد القائمة الإيجابية للأنشطة الاقتصادية والقطاعات التي يسمح فيها بالملكية الأجنبية الكاملة، وقد دخلت حيز النفاذ في يونيو 2021م، وهذا يعتبر تغييرًا للأنظمة السابقة، التي اقتصرت على الملكية الكاملة في المناطق الحرة المحددة وفي قطاعات معينة، مع الحد من الملكية الأجنبية إلى 49٪ كحد أقصى، مع امتلاك حصة الأغلبية من قبل شريك إماراتي. هذا التغيير يشمل كلاً من قطاع النقل والتخزين؛ الزراعة؛ الفضاء؛ الصناعة التحويلية؛ الطاقة المتجددة؛ والضيافة والخدمات الغذائية؛ المعلومات والاتصالات؛ الأنشطة المهنية والعلمية والتقنية؛ الخدمات الإدارية وخدمات الدعم؛ الأنشطة التعليمية؛ الرعاية الصحية; الفن والترفيه؛ والبناء. وتم استثناء القطاعات الاستراتيجية، مثل النفط والغاز والدفاع. ومن المتوقع أن تعزز الإصلاحات الأخيرة والمبادرات ذات الصلة ثقة المستثمرين وتزيد من فرص الاستثمار.

 

إكسبو 2020 نافذة لجذب الاستثمار

 

وبالرغم من أن الضرر الاقتصادي الذي تسبب به الوباء أثر بشكل كبير على قطاع النقل والقطاعات السياحية إلا أن التعافي تحقق مع انطلاقة إكسبو 2020 م، في أكتوبر 2021م. إذ أن استقرار الإمارات رغم الاضطراب الذي يسود الشرق الأوسط، ولكونها وجهة مواتية للاستثمار الأجنبي كان داعمًا لاستقرار الاقتصاد على المستوى الإقليمي والعالمي. وقد شكل إكسبو 2020م، منصة مثالية وتعزيز الثقة في العلاقات الدولية لتحقيق الأهداف المشتركة. كما أن إكسبو 2020م منح الإمارات مساحة واسعة على الساحة الدولية كونها تتوفر فيها بيئة صديقة وجاذبة للمستثمرين.

المعرض الذي يستمر لمدة 6 أشهر ويستقبل عشرات الآلاف من المشاركين يمنح فرصًا هائلة لرجال الأعمال للتواصل وبناء الشراكات. وتتوقع البلاد تأثيرًا طويل الأجل للاستثمارات، وزيادة في إقامة الوافدين مما سيساهم في تعزيز وتطوير جودة الحياة. ومن المتوقع تدفق الاستثمار الأجنبي على الإمارات سيعطي زخمًا للنمو الاقتصادي في الشرق الأوسط. فمنذ الإعلان عن استضافة الحدث في 2013 م، بدأت تظهر مؤشرات إيجابية على الاقتصاد الوطني تمثلت في زيادة مؤشر سوق الإمارات للأوراق المالية بنسبة 4٪ "وهي المرة الأولى منذ عام 2008م، التي يتجاوز فيها المؤشر 3000 نقطة" وبالمثل فإن أعداد السياح والزوار ارتفع ومن المتوقع أن يصل حوالي 25 مليون سائح خلال الستة أشهر وهذا من شأنه أن يساهم في رفع معدلات الإشغال في الفنادق وزيادة عدد مستخدمي وسائل النقل وزوار مراكز التسوق. كما أن هذا الحدث يتطلب ما يقدر 200 ألف وظيفة، ومرحلة ما قبل الحدث ساهمت في دعم ما يصل إلى 12600 سنة عمل.

الاستدامة والتنمية الخضراء

دولة الإمارات هي الأولى في المنطقة تنضم إلى اتفاقية باريس، والتزمت بالحفاظ على الاحترار العالمي عند أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، والحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية.  وتعهدت بخفض انبعاثات الكربون بمقدار الربع بحلول عام 2030م، وأطلقت في 2017م، استراتيجية الإمارات للطاقة 2050م، التي تهدف إلى زيادة استخدام الطاقة النظيفة لتشكل 50٪ من إجمالي استخدام الطاقة في البلاد مع رفع كفاءة الاستهلاك 40%. وتستمد الطاقة النظيفة من مصادر الطاقة المتجددة أو المستدامة التي لا تضر بالبيئة.

وتمثل مدينة مصدر في أبو ظبي التي تضم مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أول محاولة في الشرق الأوسط لبناء مدينة مستدامة تعمل بالطاقة الشمسية مع تقليل استخدام الطاقة والمياه والحد الأدنى من النفايات. وتستخدم التقنيات المتقدمة والتصميم المعماري المتطور للحفاظ على البيئة.

وتعتبر هيدروجين أبو ظبي للطاقة (HPAD) أول محطة على نطاق تجاري تعمل بالهيدروجين وباستخدام المواد الخام والوقود الأحفوري. كما برزت الطاقة النووية كمصدر مثالي للطاقة المتجددة. ويستخدم تكنولوجيا آمنة وصديقة للبيئة وموثوقة لإنتاج الكهرباء. وتم افتتاح محطة براكة للطاقة النووية في الظفرة، بأبوظبي كأول محطة للطاقة النووية في العالم العربي مما ساعد على تنويع إمدادات الطاقة في الإمارات. ومن المتوقع أن يجتذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في الطاقة الشمسية والنووية. 

ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة

تسعى دولة الإمارات إلى تحفيز رواد الأعمال والشركات الصغيرة. وتتبنى أنظمة تحفيز للشركات الصغيرة والمتوسطة تساعدها على التطور. فمن خلال مسرع دبي للمستقبل يستطيع رواد الأعمال استخدام المدينة كمختبر لخلق حلول للتحديات العالمية في المستقبل. ويقدمStartAd   أبو ظبي وصندوق خليفة الدعم لرواد الأعمال للبدء في مشاريعهم. وقد ترجمت مبادرات كهذه على مدى سنوات قليلة إلى فوائد ملموسة لأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، واحتلت الإمارات المرتبة 21 من أصل 190 في تقرير البنك الدولي عن ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2018م، ثم قفزت إلى المرتبة 16 في تصنيفها لعام 2020 م، في مؤشر "سهولة ممارسة أنشطة الأعمال". ومن المتوقع أن يساهم التدفق الهائل للاستثمارات من خلال إكسبو 2020م، في دعم وتعزيز هذه الفرص بصورة أكبر.

اقتصاد المعرفة والرقمنة والتكنلوجيا المتطورة

أكد المبدأ الرابع من وثيقة مبادئ الخمسين على أن "رأس المال البشري هو المحرك الرئيسي المستقبلي للنمو" وتم تحديد اقتصاد المعرفة كركن أساسي في قيادة مسيرة النمو المستدام للارتقاء بمزايا الدولة التنافسية كبيئة محفزة للاستثمار. إن الإطار الأساسي لاقتصاد المعرفة يتمثل في استدامة الاستثمار في التعليم والابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتهيئة بيئة مواتية للنمو الاقتصادي والمؤسسي التي ستؤدي إلى زيادة في استخدام وخلق المعرفة في الإنتاج الاقتصادي والتي تقود إلى النمو الاقتصادي المستدام. كما تعتبر دولة الإمارات أكبر مركز للتكنولوجيا وخصوصًا التكنلوجيا المالية للشركات الناشئة في الشرق الأوسط، حيث تضم ما يقرب من 50٪ من شركات التكنولوجيا المالية في المنطقة. وتعتبر خلية التكنولوجيا المالية في مركز دبي المالي العالمي ومعمل رج التكنولوجيا المالية وبرنامج مسرع التوصيل والتشغيل في سوق أبو ظبي العالمي من أهم مبادرات التكنولوجيا المالية الأكثر تميزا في المنطقة. كما شهدت الإمارات نموًا هائلاً في الرعاية الصحية الرقمية والتجارة الإلكترونية وتطبيقات التوصيل عبر الإنترنت ومنصات العمل عن بعد وصناعات الطائرات بدون طيار. بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت الدولة الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031م، والبرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي، وكلاهما سيشكل النظم الإيكولوجية الرقمية والتكنولوجية ويؤثر على الإبداع الرقمي. كما أن الإمارات أنشأت عام 2019م، جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وهي أول مستوى دراسات عليا في هذا الحقل في العالم.

الخلاصة والتوصيات

 

تمكنت دولة الإمارات في سنوات قليلة من ترسيخ مكانتها الاقتصادية في العالم وتصدرت قائمة الاقتصادات الناشئة وهو ما عكسه التسارع في نسب النمو الذي حققته الدولة على كافة الأصعدة، حيث أسهمت الطفرة الاقتصادية في بناء ركائز اقتصادية ساعدت في تعزيز جاذبية استقطاب الاستثمارات من العالم، بفضل سياسة الانفتاح الاقتصادي التي اتبعتها، ومن خلال قوانينها المرنة. وبالرغم من أن جائحة كورونا أظهرت العديد من التحديات الهيكلية طويلة الأمد، إلا سياسات الإنعاش أبرزت الجوانب المشرقة والتي ساهمت في تجاوز الأزمة بنجاح والتخفيف من آثارها. إن التحديات التي أبرزتها الجائحة من المكن الاستفادة منها بصورة جدية وإيجاد الحلول المناسبة لمعالجتها على المدى الطويل من أجل إحداث التحولات المطلوبة الرامية إلى خلق نموذج إنمائي جديد يسهم في تعزيز النمو ويضع الدولة على مسار اقتصادي أكثر استدامة وشمولاً.

ومن المهم إعادة النظر في دور الدولة وإعادة تقييم الأهداف النهائية للمؤسسات المملوكة لها وحوكمتها، وتعزيز الابتكار والنمو في القطاع الخاص. وبالتوازي يفضل تقوية الحماية الاجتماعية وتوسيع نوعية وتغطية شبكات الأمان وتوجيه الدعم المناسب نحو الصحة والتعليم.

 

وحيث أن هناك قدرًا كبيرًا من عدم اليقين للجائحة فإن الهدف الرئيسي للمواجهة ربما يكون في خطة إنعاش مستدام تستهدف السياسات الرامية إلى الحفاظ على قوة العمل ودخل الأفراد مع دعم الطلب الكلي والذي يعتبر الطريقة الأكثر فعالية لضمان أن الصدمة من الوباء وحتى إن كانت مؤقتة لن تؤدي إلى انعكاسات طويلة الأمد على الاقتصاد الوطني نتيجة الآثار السلبية المدمرة التي استهدفت رأس المال البشري والمادي والمالي.

 

ويتطلب الوضع استخدام تدابير لدعم خلق فرص العمل عبر رفع مستوى التعليم والتدريب وتقديم حوافز التوظيف وإعانات التوظيف المصممة بعناية، مع الحد من الحماية المفرطة لوظائف القطاع العام ودعم خلق وظائف ذات نوعية مميزة في القطاع الخاص.

لقد أصبحت المعرفة الفنية والابداع والابتكار والمعلوماتية والتكنولوجيا عناصر أكثر أهمية في دفع عجلة الإنتاج وتحفيز النمو الاقتصادي. وحيث أن مفهوم "اقتصاد المعرفة" أصبح في الإمارات هو أساس الرؤى الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية في الوقت الحاضر. فينبغي التفكير خارج الأطر التقليدية لسياسات التعليم من أجل إعداد جيل يلعب دوراً فاعلاً في التنمية الشاملة لمواجهة التغيير في الأنشطة الاقتصادية، إن نجاح اقتصاد المعرفة لا يتطلب فقط البنية التحتية التكنولوجية الجيدة والتعليم المميز للسكان بل ينطوي أيضًا على إنشاء نظام اقتصادي معرفي مبني على قواعد وأنظمة شفافة. نظام لا تشوبه التشوهات في ظل مراقبة حكومية فعالة، خالية من الفساد تخضع للمساءلة مع نظام قانوني متماسك، وحماية لحقوق الملكية، يترافق ذلك مع تشجيع نظام الابتكار القادر على تعزيز الإنتاجية واستخدام واعتماد المعرفة في الصناعة والإنتاج لسلع جديدة وأنظمة إنتاج جديدة ومعارف جديدة

إن تعزيز أطر المالية وتجنب السياسات العامة المسايرة للتقلبات الدورية في الاقتصاد العالمي وتقلبات أسعار النفط تستوجب توفير احتياطيات وقائية لتخفيف حدة التراجع في الإيرادات المالية ولا يضر بخطط التنمية وتنفيذ المشاريع الحيوية. وفي ظل التراجع الكبير في أسعار النفط والتباطؤ في معدلات الإنفاق، فإنه يتوجب تغيير دور الحكومة من لاعب رئيسي في النشاط الاقتصادي إلى حكم في إدارة الأنشطة الاقتصادية من خلال توفير البيئة المؤسساتية المتطورة والقوانين التشريعية الواضحة والصريحة.

مع تراجع دور القطاع العام كمصدر للتوظيف ومع تنامي عدد من هم في سن العمل من الشباب، تبدو الحاجة ملحة إلى إجراء إصلاحات جذرية في سوق العمل لتحريره والتخلص من ازدواجية الأجور بين القطاع العام والخاص وأن يكون الأجر مرتبطًا بالإنتاجية وليس بالجنسية. وفي ظل التحولات الهيكلية في الاقتصاد الوطني تظهر حاجة إلى مهارات جديدة مما يستوجب الاهتمام بعملية تدريب وتطوير العناصر البشرية من أجل تلبية التطورات الحديثة في سوق العمل وخاصة في القطاع الخاص.

من أجل الاستفادة من التحول العالمي في مجال الطاقة وارتفاع أسعار النفط يستحسن أن يكون الإنفاق الحكومي في المجالات التي يمكن أن يكون لها تأثير طويل الأجل على نمو الإنتاجية وزيادة مشاركة القوى العاملة بين المواطنين في القطاع الخاص. ويمكن تسريع الإنتاجية، في استخدام العمالة الأجنبية ذات المهارات العالية والاستفادة من أنظمة الإقامة طويلة الأجل.

ومن أجل دعم متخذي القرار لابد من توفير قواعد للبيانات الدقيقة حول كافة المؤشرات الاقتصادية للمساعدة في التحليل الاقتصادي الرصين. فندرة البيانات تشكل عائقًا أمام الباحثين والمحللين الاقتصاديين.

وأخيرًا إن التحدي الذي يواجه اقتصاد الإمارات يكمن في كيفية التخلص من العادات غير المرغوبة المرافقة للاقتصاديات الريعية، ودعم تفكير صناع القرار بما هو أبعد من مجرد متطلبات ومخصصات العوائد النفطية القصيرة الأجل.  والتركيز على اقتصاد متكامل قابل للاستمرار والديمومة، وعلى القدرة التنافسية وتحقيق معدلات نمو اقتصادية ثابتة من خلال قطاعات إنتاجية ذاتية النمو منفتحة على العالم الخارجي ومتناسقة على الصعيد الإقليمي ومن خلال رؤية تكاملية إيجابية من شأنها أن تساعد في إعادة بناء المنطقة اقتصاديًا وتأهيل قطاعاتها الإنتاجية والخدمية من أجل تنمية طويلة الأمد تعالج الأبعاد المختلفة للنمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

 

مقالات لنفس الكاتب