جاء انعقاد قمة المجلس الأعلى لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الدورة (42) برئاسة المملكة العربية السعودية والتي احتضنتها الرياض يوم الثلاثاء 14 ديسمبر 2021 م، تحمل دلالات عدة منها:
أولاً: أنها عقدت بعد أقل من عام منذ قمة السلطان قابوس والشيخ صباح التاريخية والتي احتضنتها محافظة العلا يوم الثلاثاء 5 يناير 2021م، وما صدر عنها من اتفاق العلا والذي دشن مرحلة جديدة من مسيرة مجلس التعاون بعد تحقيق المصالحة الخليجية.
ثانيًا: عقدت القمة الخليجية (42) بعد أقل من أسبوع من الجولة الخليجية الميمونة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع في المملكة العربية السعودية والتي زار خلالها دول مجلس التعاون، والتقي خلالها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس وما صدر من بيانات في أعقاب كل محطة.
ثالثًا: عقدت القمة الخليجية (42) لتكون القمة الرابعة على التوالي التي تحتضنها المملكة العربية السعودية، وكذلك تولي المملكة رئاسة الدورة الحالية.
ولا شك أن الدلالات أعلاه جعلت أبناء مجلس التعاون يتطلعون لقمة الرياض والبيان الختامي الذي صدر عنها وكذلك إعلان الرياض بروح من التفاؤل والأمل لتحقيق تطلعاتهم نحو التنمية والازدهار والأمن والاستقرار في وسط عالم يموج بالتحديات والمتغيرات.
فما بين العلا والرياض، برزت بين التحديات والطموحات قيادة حكيمة، وعزيمة خليجية صلبة وإرادة تستشرف المستقبل، تدشن العقد الخامس من مسيرة مجلس التعاون المباركة بنظرة تكاملية وشاملة تحافظ على ما تحقق من مكتسبات خلال الأربعة عقود الماضية وتبني مزيدًا من المنجزات وتواكب عالم ما بعد الجائحة وما يشهده من تكتلات وتقاطعات تتطلب العمل الجماعي المنظم والجهد المتكامل لتعزيز مسيرة مجلس التعاون كحصن منيع وكيان راسخ وركيزة أساسية للأمن والاستقرار والتنمية.
لقد استقر في وجدان أبناء مجلس التعاون أن أمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ لاسيما في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من عدم استقرار، ولعل افتتاح مقر القيادة العسكرية الموحدة يوم الاثنين 22 نوفمبر 2021م، هو استجابة طبيعية لتطلعات أبناء مجلس التعاون وتنفيذًا لقرارات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس حفظهم الله ورعاهم وفي نفس الوقت هو رسالة عزم وسلام، رسالة عزم على حماية وصون أمن دول مجلس التعاون ورسالة سلام تحمي مكتسبات ومقدرات دوله ومواطنيه.
ولقد استقر في وجدان أبناء مجلس التعاون أن الأمن الداخلي الخليجي منظومة مترابطة ومتراصة فكان التنسيق في مواجهة استهداف أمن دول المجلس المتمثل في تحديات الجريمة المنظمة والمخدرات والهجمات السيبرانية وأمن الحدود مثالاً يؤكد تلك القناعة الراسخة ونتيجة لجهود مستمرة تهدف إلى حماية منظومة الأمن الداخلي الخليجي.
ولقد استقر في وجدان أبناء مجلس التعاون أن التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة هي عنوان العقد الخامس لا سيما وأنها ترتكز على رؤي حكيمة و طموحة، و تنفذ بكفاءات وطنية مؤهلة و قادرة، وتستثمر بالمستقبل في تكامل بين تحقيق الرؤى الوطنية لكل دولة من دول المجلس، و تنفيذ قرارات العمل الخليجي المشترك من خلال استكمال تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه، والتي أقرها المجلس الأعلى في عام 2015م، وتتطلب المتابعة لاستكمال ما تبقى من بنود وبالتحديد استكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والهيئة القضائية الاقتصادية وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية في عام 2025م.
إن تعزيز المشاريع الخليجية المشتركة وتوطين رأس المال الخليجي وتكامل خارطة الصناعات الخليجية، ومشاريع الأمن المائي و الغذائي وأمن الطاقة، وتفعيل دور القطاع الخاص الخليجي ودعم الشباب والمشروعات الصغيرة ، والدفع بمتطلبات التحول الرقمي و الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى استكمال اتفاقيات التجارة الحرة وتفعيل الشراكات والحوارات الاستراتيجية وفاعلية وحضور مجلس التعاون في المحافل الدولية، وتعزيز أولويات التعاون والتنسيق السياسي و الأمني والعسكري، كلها ملفات تقودها الأمانة العامة عبر آليات متابعة العمل الخليجي المشترك تنفيذًا لقرارات المجلس الأعلى وتفعيلاً لمضامين إعلان العلا، و حماية لمصالح دول المجلس و خدمة لمواطنيه .
ولقد استقر في وجدان أبناء مجلس التعاون أن قوة وتماسك مجلس التعاون و تلاحم ابنائه و العمل المشترك نحو الحفاظ على المكتسبات و البناء للمستقبل و التأكيد على أن أمن دول مجلس التعاون و استقرارها كل لا يتجزأ كلها مسلمات مستقرة و راسخة، وأن التفاعل الكبير مع مخرجات قمة الرياض وعلى كافة المستويات الخليجية في إطار الآمال الكبيرة لأبناء مجلس التعاون، وإيمانهم الكامل بقوة مجلسهم، ووحدة مصيرهم، و تكامل أهدافهم، وعلو هاماتهم ، وصلابة منجزاتهم و رسوخ مكتسباتهم، تأتي كلها مستمدة مما تحظى به المسيرة المباركة من رعاية سامية وتوجيهات ملهمة وإرشادات كريمة، من أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس حفظهم الله و رعاهم، نحو مزيد من الأمن والاستقرار والرخاء والتنمية .
ولقد استقر في وجدان أبناء مجلس التعاون مساهماتهم الإيجابية والفعالة مع المجتمع الدولي، ودور مجلس التعاون كركيزة أساسية للأمن والاستقرار والسلم إقليميًا ودوليًا. ومرجعية مجلس التعاون في الدفاع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية وصوت الحكمة والتوازن، يحق لأبناء مجلس التعاون أن يفخروا بمجلسهم ومنجزاته كأنجح تجربة تكاملية.
إن رئاسة المملكة العربية السعودية لأعمال الدورة الثانية والأربعين ستكون ملهمة ومحفزة لتحقيق نقلة نوعية في كافة مجالات العمل الخليجي المشترك، ولعل إعلان الرياض والذي صدر في ختام القمة جاء كخارطة طريق للعام 2022م، حيث ركز الإعلان على الموضوعات التالية:
1-أهميّة تعزيز التعاون المشترك وتنسيق الخطط التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة والتعامل مع التغير المناخي وآثاره.
2-تعزيز العمل المشترك بين دول المجلس لتطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون، ومتابعة تنفيذ المبادرات والمشاريع والآليّات التي أطِلقَت من دول مجلس التعاون الخليجي في هذا المجال.
3-وضع الآليات اللازمة لتحقيق أفضل النتائج بما يتعلّق بحماية البيئة.
4-الاستفادة من مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر.
5-تعزيز الجهود الخليجية المشتركة لمواجهة التحدّيات البيئية ورفع الغطاء النباتي وزيادة الاعتماد على التقنيات النظيفة لجميع مصادر الطاقة.
6-مكافحة التلوث والحفاظ على الحياة البيئية بكافّة أشكالها.
7-تعظيم الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية والفُرَص المُتميّزة لمُضاعفة الاستثمارات المشتركة بين دول المجلس.
8-دَعم دور الشباب والقطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في نُموّ التنوُّع الاقتصادي والتحول الرقمي، وتشجيع الشراكات والمشاريع والمبادرات في هذا المجال.
9-تشجيع دور الشباب في قطاعات المال والأعمال.
10-دَعم وتعزيز دور المرأة الخليجية في برامج التنمية الاقتصاديّة ومُشاركتها في العمل الخليجي المشترك.
11-تطوير تكامل شبكات الطرق والقطارات والاتصالات بين دول المجلس.
12-أهميّة دَعم مسيرة العمل الجماعي لمكافحة الأوبئة والأمراض والجوائح المماثلة مُستقبليّاً وتشجيع اقتراح السياسات والاستراتيجيات الفعّالة للتعامل مع مثل هذه الظروف مستقبلاً.
13-أهميّة تعزيز العمل المشترك نحو التحوُّل الرقمي والتقنيات الحديثة.
14-تعزيز التعاون وبناء التحالفات في مجال الأمن السيبراني وأمن المعلومات.
15-الاتفاق على المبادئ والسياسات لتطوير التعاون الاستراتيجي والتكامل الاقتصادي والتنموي بين دول المجلس.
16-التنفيذ الدقيق والكامل والمستمر لرؤية خادم الحرمين الشريفين.
17-استكمال مُقوّمات الوحدة الاقتصادية.
18-استكمال المنظومة الدفاعية المشتركة.
19-استكمال المنظومة الأمنية المشتركة.
20-تنسيق المواقف بما يُعَزِّز تضامن واستقرار دول مجلس التعاون.
21-توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات السياسية على المستوى الإقليمي والدولي.
22-التأكيد على ما تضمّنتهُ المادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك بأنّ الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعتبر أنّ أيّ اعتداء على أيّ منها هو اعتداء عليها كلها وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعاً وكذلك ما نصت عليه اتفاقية الدفاع المشترك بشأن التزام الدول الأعضاء بالعمل الجماعي لمواجهة كافّة التهديدات والتحدّيّات.
23-أهميّة تضافُر الجهود لتنسيق وتكامل السياسات الخارجية للدول الأعضاء.
24-مُتابعة إنجاز أهداف الرؤى الاقتصادية لدول مجلس التعاون لتحقيق التنوع الاقتصادي.
25-دَعم وتعزيز الصناعات الوطنية وتسريع وتيرة نُموّها وتوفير الحماية اللازمة لها ورفع تنافسيتها، والوصول بها إلى موقع ريادي صناعي قادِر على المنافسة عالميّاً.
26-إزالة كافّة العقبات والصعوبات التي تواجه تنفيذ قرارات العمل الاقتصادي المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي.
27-أهميّة تعزيز التعاون المشترك لاستمرار مُكافحة جائحة كورونا - كوفيد 19 ومتحوّراتها الجديدة.
28-تنمية العمل الإغاثي والإنساني والتطوعي.
إن الأجواء الإيجابية التي شهدتها القمة وكذلك مخرجاتها وقراراتها إنما تشكل انطلاقة قوية ترتكز على أسس راسخة وكيان قوي وإرادة طموحة وعزيمة تنظر إلى مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية بقيادة أصحاب الجلالة والسمو حفظهم الله ورعاهم ولتلبية وتحقيق طموحات أبنائه نحو الأمن والاستقرار والرخاء والتنمية.
كل عام وخليجنا بخير وعز وسؤدد.