تولي دول مجلس التعاون الخليجي التعليم أهمية خاصة في تنميتها المستدامة خصوصًا مع إطلاق خططها الطموحة للتنويع الاقتصادي والتحول نحو الابتكار والتكنولوجيا واقتصاد المعرفة ومن أجل توفير فرص عمل مستدامة تلبي الطلب المتزايد للوظائف. لذلك أعطي التعليم أولوية خاصة في خططها واستراتيجياتها على مدى العقد الماضي. وشهدت المنطقة نموًا هائلا في مؤسسات التعليم العالي ليس فقط في الجامعات الحكومية المحلية بل أيضًا الأجنبية والخاصة. وقد كان الهدف الأساسي وراء هذا التوسع الهائل هو مقابلة التزايد الكبير في عدد سكان دول المجلس حيث تشكل فئة ما دون سن 25 عامًا ثلث إجمالي السكان المتوقع أن يصل عددهم إلى 65 مليون نسمة بحلول عام 2030م، وأظهر تقرير آخر أن كلاً من السعودية والإمارات بحاجة إلى إضافة 125,000و 42000 مقعد دراسي على التوالي في مؤسسات التعليم العالي لتلبية الأعداد المتزايدة للطلبة. وبسبب انخفاض عائدات النفط وانكماش الموازنات الحكومية، أدخلت الحكومات حوافز جاذبة للاستثمارات الخاصة في مجال التعليم وبالأخص الأجنبي. لذلك شهدت دول مجلس التعاون الخليجي هذا النمو في مؤسسات التعليم العالي الأجنبية بدعم من الحكومة التي كانت الجهة المسؤولة عن إنشاء الجامعات المحلية وذلك من أجل استقطاب الجامعات الأجنبية وخصوصًا تلك ذات السمعة العالمية المرموقة. لقد مر التعليم العالي للمؤسسات الأجنبية في دول مجلس التعاون بمرحلتين فكانت البداية مرحلة مؤسسات المناطق الحرة والتي ظهرت بصورة كبيرة في دبي بدولة الإمارات. أما المرحلة الثانية فكانت مرحلة دعوة الجامعات العريقة لتنشئ فروعًا لجامعتها في دول المجلس. وقد استطاع العديد من دول المجلس دعوة بعض الجامعات العالمية العريقة لتفتح فروعًا في دولها ومن أشهر الجامعات التي أنشأت فروعًا في دول المجلس كرونيل وتكساس إيه اند إم وجورج تاون وكارنيجي ميلن في قطر وجامعة نيويورك أبو ظبي والسوربون وانسياد في أبو ظبي.
الجامعات الأجنبية: الأهداف والمبررات
لقد بدأ التعليم الجامعي في دول المجلس بالجامعات الحكومية بحيث أصبح في معظم دول المجلس جامعة أو أكثر من الجامعات العامة والتي أنشئت قبل التسعينات، إلا أنه بعد عام 2000م، زاد عدد الجامعات الخاصة وخصوصًا الأجنبية بصورة ملحوظة. وحيث أن جزءًا من أسباب الزيادة يمكن أن يعزى إلى ارتفاع عدد السكان، إلا أنه ليس العامل الوحيد. فمن الأسباب الاقتصادية البحتة لتطوير رأس المال البشري إلى المنافسة في السوق الخليجي من أجل استقطاب المؤسسات العالمية بهدف تطوير بيئة تعليمية تستقدم الطلبة من مختلف دول العالم، ووضع دول المنطقة على الخريطة العالمية.
لقد ترتب على ذلك انتشار مؤسسات القطاع الخاص للتعليم وتصدرت دولة الإمارات دول مجلس التعاون في استضافة الفروع الدولية للجامعات والكليات الأجنبية والتي وصل عددها إلى حوالي 35 فرعًا. فقد سمحت دبي في عام 2003م، للمعاهد والجامعات الخاصة الأجنبية بفتح مؤسسات خاصة بها في قرية دبي للمعرفة باعتبارها منطقة حرة وقد تم افتتاح 24 فرعًا أجنبيًا، والتزمت بعض الجامعات ذات السمعة الجيدة بتقديم البرامج نفسها واتباع سياسات القبول ذاتها في الجامعات الأم. في حين أن عددًا من المؤسسات ليس هناك ما يؤكد أنها تقدم تمامًا نفس البرامج التي تقدمها مؤسساتها الأم. لذلك وجدت الجامعات الملتزمة صعوبة في استقطاب العدد الكافي من الطلبة لتحقق الاستدامة المطلوبة فيها. مع ذلك فإن أغلب الدارسين في جامعات قرية دبي للمعرفة قدموا من 167 دولة وشكلوا 63% من إجمالي عدد الطلبة خلال العام الدراسي 2015/ 2016م. أما أبو ظبي فقد سمحت في البداية للمؤسسات الخاصة بالعمل في الإمارة بعد حصولها على الاعتماد الأكاديمي من هيئة الاعتماد في دولة الإمارات. وفي مرحلة تالية سعت إلى بناء شراكات مع بعض الجامعات العالمية ذات الشهرة الأكاديمية لفتح فروع لها في الإمارة وقدمت الحكومة الدعم المالي واللوجستي والحوافز المالية السخية لهذه المؤسسات في بداية إنشائها وهي الآن موطن لثلاثة أفرع من أشهر المؤسسات في المنطقة: جامعة نيويورك أبو ظبي وجامعة السوربون وانسياد.
أما المملكة العربية السعودية فيوجد فيها حوالي 30 جامعة حكومية، و12 جامعة أهلية وخاصة، بإجمالي 42 جامعة، بالإضافة إلى ما يقارب 13 كلية حكومية وخاصة. حيث أنه منذ منتصف عام 2017م، وبهدف جذب المزيد من الاستثمارات وزيادة حصة القطاع الخاص من التعليم العالي من 6٪ في عام 2015م، إلى 15٪ بحلول عام 2020م، سمحت الهيئة العامة للاستثمار بالملكية الأجنبية الكاملة في قطاعي التعليم والرعاية الصحية.
تعتبر جامعة السلطان قابوس أول جامعة حكومية في سلطنة عمان إلا أنه نتيجة تزايد عدد الطلبة وبهدف جذب القطاع الخاص للاستثمار في التعليم منحت الحكومة الأراضي بالمجان وقدمت إعفاءات جمركية ومشاركة بنسبة 50٪ في التكلفة الرأسمالية بحد أقصى 3 ملايين ريال عماني وساهم ذلك في إنشاء 27 منشأة تعليم خاصة من جامعات وكليات تخصصية في السلطنة. وتستضيف قطر العديد مِن الجامعات المختلفة فبالإضافة للجامعات المحلية هناك الكثير من الجامعات الدولية فهي استقطبت في المدينة التعليمية سبعًا من الجامعات الأمريكية المرموقة مثل طب ايل كرونيل والتي أنشئت في 2001 م، بالشراكة مع مؤسسة قطر للعلوم وتنمية المجتمع. وكذلك فروع لكل من جامعة تكساس إيه اند إم وجامعة جورج تاون وكارنيجي ميلن ونورث وسترن وغيرها وحيث أن معدلات الالتحاق بهذه الجامعات ما زالت متواضعة، لذلك فقد التزمت مؤسسة قطر بتقديم الموارد المالية اللازمة في شكل إعانات وحوافز كبيرة لهذه المؤسسات لضمان استمراريتها في تقديم برامجها المختلفة.
وفي الكويت توجد 7 جامعات، ثلاث منها حكومية والأربع الباقية خاصة بالإضافة إلى عدد كبير من المعاهد والكليات وأغلبها خاصة. وفي البحرين 22 مؤسسة تعليمية منها 4 جامعات وكليات حكومية والثمان عشرة الأخرى أهلية وخاصة.
الهدف الأساسي من خصخصة التعليم في دول مجلس التعاون هو الاستجابة إلى تزايد أعداد طلبة التعليم العالي الذي من المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.5٪. وأن يرتفع عدد طلاب التعليم العالي من 11٪ في 2010م، إلى 15٪ في عام 2020م، في قطاع التعليم العام ، وحيث أن هدف تنمية جيل المستقبل يحتل بعدًا استراتيجيًا في خطط التنمية في جميع الدول، إلا أن ضعف الإمكانات وتراجع الميزانيات نتيجة انخفاض أسعار النفط طرح تحديات تؤثر في قدرة مؤسسات التعليم الحكومية على التوسع لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة مما فسح المجال أمام القطاع الخاص لتغطية العجز وتوفير التعليم خصوصًا للطلبة من الجنسيات الأخرى المقيمين في هذه الدول والذين عادة لا تستوعبهم مؤسسات التعليم الحكومية.
يضاف إلى ذلك هدف آخر هو جذب والاحتفاظ بالطلبة المتفوقين علميًا حيث إن توفر مؤسسات تعليم عال الجودة وسيتيح الفرصة أمام الطلبة خصوصًا الأجانب منهم للمفاضلة بين مؤسسات التعليم العالي في المنطقة وعدم رحيلهم إلى الخارج بحثًا عن فرص تعليمية أفضل قد لا يعودون بعدها إلى المنطقة. كما أن وجود العدد الكافي من مؤسسات التعليم العالي ستزيد من أعداد أعضاء هيئة التدريس والباحثين الدوليين الذين سيساهم انتاجهم الفكري والبحثي في التطوير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيره.
ومع عولمة التعليم العالي في العديد من الدول برزت أهمية الشراكات الحكومية مع المؤسسات التعليمية الرائدة من خلال تشجيع هذه المؤسسات على إيجاد فروع في دول مجلس التعاون وتركزت الأهداف ليس فقط في توفير وتعدد الخيارات أمام الطلبة، بل في الرغبة في إصلاح التعليم القائم في هذه الدول من خلال مطابقته للمعايير الدولية للتميز واعتماد برامج تعليمية ذات جودة عالية وأنظمة تعليمية متطورة. لذلك اعتبر التعاون وبناء الشركات مدخلاً لاستيراد أنظمة تعليمية أكثر تطورًا وباستخدام لغات عالمية أغلبها غير العربية.
كانت البداية من خلال دعوة الخبراء من تلك الجامعات من أجل تطوير البرامج والسياسات من أجل الحصول على الاعتماد الأكاديمي من بعض المؤسسات المعنية بالاعتراف من الولايات المتحدة أو من الدول الأوروبية. تبع ذلك دعوة بعض الجامعات لتقديم برامجها الدراسية في الدول المضيفة بالتعاون مع الجامعات الوطنية. وأخيرًا انتقلت بعض الدول إلى مرحلة استضافة فروع للجامعات فيها مع تحمل تكاليف إنشاء وإدارة مثل هذه الفروع. واعتبرت فروع الجامعات العريقة أيضًا مصدرًا لاستقطاب الطلبة الدوليين كما هو الحال في الدول الأجنبية. أي أن توفر مؤسسات التعليم من هذه الجامعات المرموقة عالميًا سيفتح المجال أمام السياحة التعليمية التي ستجذب الطلبة من الدول المجاورة خصوصًا الدول الآسيوية. لذلك سعت أغلب دول المجلس إلى إنشاء مدن تعليمية متخصصة هدفها الأساسي هو جذب الاستثمار الأجنبي، وتوفير التعليم للطلبة داخل دولهم بما في ذلك الطلبة الأجانب، وبناء سمعة إقليمية من خلال توفير إمكانية الحصول على تعليم وتدريب عالي الجودة للطلبة الأجانب والمحليين على حد سواء، وخلق اقتصاد قائم على المعرفة.
وقد تضاربت الآراء حول جدوى، وفعالية هذه المؤسسات في تحقيق الأهداف المرجوة منها، ففي حين أن اقتصاد المعرفة وجودة التعليم وتطوير المؤسسات المحلية هو الهدف الأبرز إلا أن الغرض الأكثر أهمية هو الانطلاق نحو العالمية بدعوة الجامعات ذات الشهرة المرموقة ، أكدت دراسة أخرى على أنه بالرغم من أن دول المجلس استطاعت على مدى السنوات العشرين الماضية جذب عدد كبير من الجامعات الأجنبية لفتح فروع لها في المنطقة إلا " أن تكلفة وجود هذه المؤسسات تتجاوز إلى حد كبير عائد المعرفة الذي تقدمه إذ أن " هناك فجوة كبيرة بين الأهداف المقصودة والوفاء الفعلي للأغراض التي تأسست من أجلها ". وذلك لأن الاستثمار في هذه الجامعات ذو كلفة عالية، في حين أن نجاح الاستثمار يقاس بجدوى العائد منه من خلال تحديد مدى تحقيق الأهداف التي تأسس من أجلها. وتشير البيانات المتوفرة إلى أن دولة الإمارات قدمت حوالي 80.7 مليون دولار لدعم جامعة نيويورك في أبو ظبي، في حين تلقت الجامعات الأمريكية الستة في الدوحة دعمًا ماليًا بلغ حوالي 1.3 مليار دولار، وبلغت التكلفة السنوية للمدينة التعليمية في الدوحة أكثر من 400 مليون دولار للتمويل اللوجستي للمؤسسات الست الموجودة فيها وفقًا لصحيفة واشنطن بوست.
وبالرغم من ذلك فهناك من يؤكد على أن الجامعات استطاعت أن تجلب فوائد ملموسة وغير ملموسة للمنطقة وتلعب دورًا حيويًا في النهوض بالتعليم والبحث العلمي وتعزيز ثقافة التنوع. فمثل هذه الجامعات ساهمت في تقديم تعليم ذي جودة عالية يخدم هدف اقتصاديات المعرفة، ومن خلال التعاون مع المؤسسات المحلية فإنه حتمًا سيساهم في نقل المهارات والخبرات مع تحسين العلاقات الدولية والانفتاح على العالم الخارجي. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الجامعات لها دور رئيسي في دفع عملية البحث والتعليم في المنطقة العربية. ولكن ليس هناك ما يؤكد على أن هذه المؤسسات الفرعية نجحت في نقل التكنولوجيا إلى البلدان المضيفة لها، ولا توجد بيانات تشير إلى أن هذه المؤسسات نجحت في تخريج أعداد كبيرة من مواطني دول المجلس والمقيمين ودمجهم في القوى العاملة المحلية.
أما ما يخص مدى مساهمة المؤسسات الخاصة في تطوير البحث العلمي فالبيانات الرقمية المتوفرة تشير إلى أن الإنتاج البحثي خلال الفترة من 1996-2010م، تضاعف في دولة الإمارات أربع مرات ليصل إلى 57,793 بحثًا بمعدل نمو سنوي بلغ 14%. ووصل الإنتاج البحثي في المملكة العربية السعودية إلى 208,000 وبمعدل نمو سنوي بلغ 12% خلال نفس الفترة. أغلب هذا الإنتاج البحثي جاء من المؤسسات الحكومية. كما تشير البيانات أيضًا إلى جودة هذه الأبحاث العلمية لكونها نشرت في أفضل 25% من المجلات العلمية الأكثر اقتباسًا فقد بلغت في 2020م، ما نسبته 51% من إجمالي الإنتاج الفكري في دولة الإمارات و48% في المملكة العربية السعودية. أما التي نشرت في 1% من المجلات العلمية الأكثر اقتباسًا في العالم فقد بلغت 2.6% في دولة الإمارات و5.3% في المملكة العربية السعودية وهذا يعكس جودة الإنتاج الفكري الذي جاء في الغالب من المؤسسات الحكومية.
أما بالنسبة لقدرة هذه المؤسسات على استقطاب الكفاءات من المفكرين والباحثين الأكاديميين فأيضًا تباينت الآراء في هذا الصدد فقد ذكر شفيق الغبرا "إن وجود هذه المؤسسات مهم وله فوائد كثيرة غير مرئية، بما في ذلك جذب الأساتذة العرب الأمريكيين للعودة إلى المنطقة وإنشاء مراكز بحثية كبرى، الأمر الذي سيكون له تأثير على نظام التعليم العالي الوطني في دول المجلس، وتعزيز صورته في الخارج". إلا أن واقع الحال يشير إلى أن بعضًا فقط من هذه المؤسسات استطاع استقطاب والمحافظة على أعضاء هيئة التدريس ذوي الكفاءة العالية نتيجة قدرته على تقديم حوافز مجزية في حين أن هناك العديد من المؤسسات لا تزال تعاني من عجزها على الاحتفاظ بالكفاءات العالية. نتيجة عدم القدرة على منح الأجور والمزايا المالية المجزية أو تقديم الدعم المطلوب من أجل تشجيع البحث العلمي الذي يساهم في الترقية الأكاديمية لعضو هيئة التدريس خصوصًا الأصغر سنصا، والتي تشكل مشكلة جوهرية للمؤسسات الصغيرة، التي تفتقر إلى الدعم الحكومي.
مساهمتها في توطين العلم ونقل التجارب الناجحة
لا نستطيع الجزم بإن جميع تجارب التعليم الخاص كانت ناجحة فالعديد من هذه المؤسسات كان هدفها الرئيسي هو الربح السريع وبالتالي فأنها لم تسعى إلى توظيف العناصر الجيدة من أعضاء هيئة التدريس بل اعتمدت على أصحاب المؤهلات المتواضعة وعينتهم بنظام الدوام الجزئي، وهذا ترتب عليه عدم التزام من جانبهم بالاهتمام بالمادة العلمية التي يقدمونها ولم يعنوا بتطوير المناهج الدراسية وتحديثها. ولم تهتم هذه المؤسسات بحسن إدارة أعضاء هيئة التدريس ومكافأة المتميزين منهم ودعم مبادراتهم البحثية ونتج عن ذلك ضعف في الإنتاج الفكري والبحث العلمي. لم تهتم أيضًا أغلب هذه الجامعات بعملية تقييم المناهج الدراسية والحصول على الاعتماد الأكاديمي لبرامجها الدراسية فباتت المخرجات العلمية لمنتسبي هذه المؤسسات لا تلبي متطلبات سوق العمل وساهمت في زيادة معدلات البطالة.
وفي حين أنه من المتوقع أن فروع الجامعات الأجنبية بالإضافة إلى تقديم برامج أكاديمية نوعية فإنها ستساهم في تطوير البحث العلمي والمساهمة في نقل التكنولوجيا ذات البعد الاقتصادي الهام وبالأخص على مستوى الاقتصاد الجزئي، إلا أن دراسة لقياس الأداء الابتكاري باستخدام مدخلات التعليم وجودة البنية التحتية للبحوث المحلية والسياسات التعليمية ومخرجاته من عدد براءات الاختراع لكل مليون مقيم نشرتها مجلة الإيكونيميست بالتعاون مع سيسكو لم تظهر النتائج أيًا من دول المجلس بين الدول الخمسة والعشرين الأولى في الفترة 2004-2008م، إنما حلت الكويت والإمارات في المرتبة الخامسة والأربعين من حيث الأداء الابتكاري المتوقع لعامي 2009 و2013م، وجاءت الإمارات العربية المتحدة من بين أفضل 50 دولة في مؤشر عوامل تمكين الابتكار. وحيث أن الاهتمام بالابتكار يتطلب إعطاء الأولوية للبحث العلمي عن طريق تقديم الدعم المالي للبحث وتشجيع البحوث المشتركة والمتعددة التخصصات مع تقليل النصاب التدريسي للمدرسين إلا أن العديد من الجامعات المحلية والأجنبية في دول المجلس لا تعطي البحث العلمي الأولوية ولا تخصص له الدعم اللازم ولا تمنح عضو هيئة التدريس النشط بحثيًا دعمًا حتى من خلال تخفيض العبء التدريسي له مما يساهم في عدم قدرتها على استقطاب والاحتفاظ بالعناصر المتميزة منهم.
الجامعات الأجنبية والابتعاث الخارجي
لقد ساهمت أحداث 11 سبتمبر جزئيًا في عزوف الطلبة الخليجيين عن الالتحاق بالجامعات الأجنبية في الولايات المتحدة والدول الغربية. ونتيجة لذلك، تم التعاقد مع الجامعات الغربية لإنشاء فروع في دول المجلس من خلال استيراد نموذج التعليم الغربي وبرامجه وأساتذته بهدف الحصول على تعليم عالي الجودة، وساهم وجود الجامعات الأجنبية في انخفاض أعداد الطلبة المبتعثين إلى الخارج. إلا أن خيار الابتعاث الخارجي للطلبة المتميزين علمياً ما زال متوفرا في دول المجلس خصوصًا للدراسات العليا وفي الجامعات المعترف بها دولياً. وقد تم تقديم مسارات جديدة للابتعاث يلبي حاجة المجتمع للتخصصات الأكاديمية والمهنية والتقنية التي تسهم في بناء اقتصاد المستقبل. وحيث أن المملكة العربية السعودية اتبعت استراتيجية مختلفة بخصوص دعوة المؤسسات الأجنبية فإنها أبقت على ابتعاث أكثر من 100,000 طالب بمنح دراسية كاملة إلى الجامعات الأجنبية، معظمهم في الولايات المتحدة. وتحتل السعودية المركز الرابع عالميًا في عدد الطلبة المبتعثين والذي وصل عددهم إلى 421,0000 حسب تصنيف اليونسكو. إلا إنه ربما مع جائحة كورونا وما سببته من ركود اقتصادي وتذبذب في أسعار النفط أن يتم تقليص الابتعاث الخارجي والمنح الدراسية في دول المجلس جميعها.
الخلاصة
لم تستطع أغلب الجامعات الخاصة في المرحلة السابقة في دول المجلس توفير نموذج للتعليم الجيد. وذلك لأن هذه المؤسسات وضعت هدفها الرئيسي تحقيق الربح السريع ولم تولي البيئة التعليمية التي تركز على الطالب أهمية فلم توفر الموارد المطلوبة لتطوير مهنة التدريس التي تنمي مهارات الطلبة فكريًا واجتماعيًا ونفسيًا وتعليميًا. ومن ثم واجه خريجو هذه الجامعات تحديات جمة في الحصول على التعليم الجيد وساهم ذلك في عدم حصولهم على فرص وظيفية. إن ضمان جودة التعليم يتطلب نظامًا جامعيًا مدروسًا بعناية واستراتيجية تعليمية واضحة مع ثقافة أكاديمية متميزة تستجيب لمتطلبات التدريس العصري وتواكب التغيرات المستقبلية وإلا فإن تحديات التعليم ستظل قائمة بالرغم من تدويل التعليم في دول المجلس. إن الإصلاح المناسب يتطلب فهما للاحتياجات التعليمية والثقافية للدولة المضيفة.
بالرغم من نجاح دول المجلس في إنشاء فروع لبعض الجامعات الهامة إلا أن هذه الدول لم تأخذ في الاعتبار الآثار طويلة الأجل فليس هناك وضوح حول استدامة هذه الفروع على المدى الطويل خصوصًا إذا أدركنا أن توفير نظام تعليمي مماثل لما هو موجود في الجامعة الأم ليس بالمهمة الهينة في بداية العمل وتزداد صعوبة مع مرور الوقت وتتطلب موارد مالية كبيرة. ونظرًا لأن هذه الجامعات العريقة تتنافس على الطلبة المتميزين والأوائل في بلدانهم وتطبق عليهم شروط القبول في الجامعة الأم، بل أن بعض الفروع تترك للجامعة الأم قرار تصنيف واختيار الطلبة وفق القواعد المتبعة هناك، فإن بعض الفروع، التي أنشئت بتمويل من الحكومات المضيفة خصوصًا التي تكون لغة التدريس فيها غير الانجليزية تواجه مشاكل في الحصول على العدد الكافي من الطلبة لتحقيق الاستدامة المالية.
على الجانب الآخر إن استقدام البرامج الغربية بمفاهيمها وممارساتها الأجنبية خلقت تضاربًا وتباينًا في وجهات النظر داخل المجتمع الخليجي بين أولئك الذين يشعرون بأن التغيير ضروري للتقدم وأولئك الذين يشعرون بأن التغيير هو اعتداء على الأخلاق والقيم المحلية ومحاولة فرض الثقافة الغربية على مجتمعاتهم. وقد ظهرت العديد من الحالات التي أحدثت نوعًا من الاشتباكات حول القيم الثقافية والمعتقدات الدينية للطلبة من بعض أعضاء هيئة التدريس الذين يحاولون فرض قيمهم ومعتقداتهم على الطلبة. لذلك فإنه لضمان نجاح تجربة استقدام الجامعات العالمية من المستحسن إدراك أن هناك عادة ما يقع تباين في التعليم والتعلم عبر الثقافات لا يمكن معالجته باستيراد المناهج الدراسية للجامعات الخاصة، والتي قد لا تكون بالضرورة مناسبة للدولة المضيفة. إذن لابد من تكوين فهم واضح للاحتياجات التعليمية، واعتماد أطر تعليم جلية وخطط مدروسة تراعي الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع. من ثم فإن برامج مؤسسات التعليم الخاصة تحتاج إلى مراجعة وتحديث منتظمين وينبغي أن تكون مرنة لتلبية احتياجات الطلبة المحليين.
على الجانب الآخر ونظرًا لاتجاه السياسات الحكومية نحو توجيه الشباب إلى وظائف القطاع الخاص فمطلوب من هذه المؤسسات التعليمية تعزيز التفاعل مع أصحاب العمل المحليين في مختلف المجالات من أجل ضمان إعداد الطلبة الإعداد الجيد لوظائف المستقبل.
قد تكون تجربة الشراكات مع المؤسسات المرموقة أفضل حل رغم كلفتها على المدى القصير لكونها تطبق بصرامة المعايير العالمية في جودة المادة العلمية المقدمة وتطوير مناهجها الدراسية باستمرار. وهذا ما يفرض عليها الحرص على جذب أفضل العناصر من أعضاء هيئة التدريس وتقديم حوافز أفضل لاستقطابهم والمحافظة عليهم وتبنى برامج التطوير الوظيفي لهم.
وفي الختام إن ما يحتاجه التعليم في منطقة الخليج “هو استخدام نهج استراتيجي للتدريس -نهج شامل يعمل بشكل أفضل من مجرد فرض محتوى معقد ممل وغير مألوف على الطلبة ومن خلال إظهار الحلول للمشاكل والقضايا المحلية وهذا ما هو مطلوب أولا وقبل كل شيء، من أجل إصلاح عقلية جيل المستقبل."