array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 171

الإنفاق على البنية التحتية يساهم في جذب المستثمرين الأجانب للمنطقة العربية

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2022

شهدت العقود الأخيرة من القرن الماضي التحول من نظام التخطيط المركزي إلى الاعتماد على آليات السوق، وهذا التحول في النظم الاقتصادية لم يكن بعيداً عن ركب النظام الدولي وتطوراته، واستراتيجيات الدول المهيمنة فيه، زيادة على رغبة بعض الدول في تنمية اقتصادِها، لاسيما في البلدان النامية و منها الدول العربية ، والتي لم تجد من سبيل سوى الابتعاد عن النظم الاقتصادية ذات التخطيط المركزي ومسايرة وتطبيق ما دعت إليه نتاجات المنظومة الفكرية للنظام الرأسمالي في تبني اقتصاد السوق، إذ أصبح يطلق على تلك الأنظمة فيما بعد اقتصادات التحول.

إنّ طبيعة عملية التحول كانت موَضع نقاشات وتحليلات من قبل المؤسسات المالية الدولية والباحثين في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، ورغم اختلاف هؤلاء من حيث المنهجية والموضوعات فهم يتفقون في مسألة عدم وجود نظرية أو مبادئ توجيهية موحدة ومتكاملة توجه عملية التحول الاقتصادي بصورة شاملة. إنّ التحول بمعناه المجرد يشير إلى حدوث تغيير أساس أي تبدل الهيئة والشكل. والتحول الحقيقي يتم عندما يكون هناك انتقال وتغيير اجتماعي شامل في التراكيب الاقتصادية والتشكيلات السياسية، إذ أن نجاح هذا التحول يتوقف على سعة التغييرات المجتمعية والتي يجب أن تتناسب وطبيعة أو نمط النظام الجديد والتحول بمعناه الشمولي يكون مختلف الأبعاد، ففي الجانب الاقتصادي يتضمن التحول من نظام اقتصادي إلى آخر كأن يكون الانتقال من اقتصاد شمولي إلى اقتصاد السوق.

أصبحت عبارة التحول لاقتصاد السوق من أكثر العبارات شيوعاً في الأدبيات الاقتصادية المعاصرة إذ أصبحت عملية ضرورية لإزالة المشاكل أو الاختلالات التي يعاني منها أي نظام اقتصادي، وقد ظهرت الكثير من المسميات والمصطلحات التي حاولت جاهدة أن تضع تعريف ومناهج معاصرة في موضوع الاعتماد على آلية السوق التي أتبعتها أغلب الدول وفي أغلب نشاطاتها فأصبحت تدعى )اقتصادات السوق( والتي تتميز بصفة عامة بكون الوحدات الاقتصادية المتمثلة بالمنتجين والمستهلكين والبنوك وغيرها أفراداً أو جماعات إذ تشكل مراكز قرارات مستقلة فيما يتعلق بتخصيص الموارد، ويتم الاعتراف بهذه القرارات اللامركزية وفق آلية العرض والطلب، وإن اقتصاد السوق لا ينشأ تلقائياً بمجرد أن تتخذ الحكومات إجراءات بهذا الاتجاه بل العكس، إذ أن  الأساس يرتكز على مجموعة من القواعد التي يمكن تطويرها بالاستناد إلى عمليات صنع القرار ، إذ هناك عدد من السبل التي يمكن استعمالها أو اعتمادها لتبيان درجة اعتماد النظم الاقتصادية على الأسواق في إطار ديناميكية السوق . في خضم هذه الإشكالية يحاول الاقتصاد العربي التحول نحو العالمية من خلال اتباع السياسات والبرامج والخطوات التي تتلاءم وتتماشى مع التطورات الاقتصادية الدولية المعاصرة التي تمر بها الدول العربية.

 

 

وفي إطار واقع ومستقبل الاقتصاد العربي بين المزايا والتحديات والنجاحات والإخفاقات وكيف يكون في المنطقة العربية اقتصاد قوي يستطيع المنافسة وقائم على اقتصادات المعرفة والذكاء الصناعي والابتكار ويعتمد على أدوات الإنتاج الحديث الذي تحتاجه الأسواق العالمية وبما يتناسب مع المزايا النسبية والتنافسية للدول العربية وكذلك مواطن القوة والخلل والتأثير والتأثر بقضايا المنطقة والعالم، لابد من استعراض أهم التحديات والفرص التي تواجه الدول العربية، كما يلي:

 

 

أولاً، واجه العالم فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) في أواخر عام 2019م، وتفشى بسرعة ليطال كافة الدول واقتصاداتها وليلحق ضررًا كبيرًا في القطاع المالي والمصرفي وقطاعات اقتصادية عدة مسببة دخول الاقتصاد العالمي مرحلة الكساد، وأدت تبعات كورونا على المنطقة العربية إلى تهاوي أسعار النفط وانخفاض الطلب العالمي عليه، وانخفاض السياحة الداخلية التي تعتمد عليها بعض الدول، وإلى تباطؤ نمو الاقتصادات العربية، وقد انعكست تداعيات الأزمة في آثار مباشرة على القطاع المالي والمصرفي والناتج المحلي الإجمالي  وبآثار غير مباشرة تمثلت بالتباطؤ الاقتصادي في الدول العربية، وتجسدت هذه الأزمة وتبعاتها المباشرة وغير المباشرة والتدابير التي اتخذتها الدول العربية منها، بدورها في نهاية المطاف في تراجع الأوضاع الاقتصادية العامة في معظم الدول العربية. لم تكن الدول العربية بمعزل عن آثار الأزمة على جانبي المالية العامة والاقتصاد، فالدول العربية وبحكم علاقاتها الاقتصادية ومكانتها العالمية تؤثر وتتأثر بالأحداث والظروف العالمية، حيث أثر فيروس كورونا على نشاط الاقتصاد المحلي بالإضافة إلى الآثار السلبية للركود الاقتصادي العالمي و انخفاض الطلب خاصة في أسواق النفط الذي شهد انخفاضات حادة غير مسبوقة في الأسعار، وبالرغم من الأثر السلبي على نمو الاقتصاد غير النفطي وما يصاحبه من تفاقم في عجز الميزانية عن المخطط له مع التزام الدول العربية  بمستويات الإنفاق لدعم الاقتصاد المحلي.

 

تأثر الأداء الاقتصادي للدول العربية في عام 2020م، بشكل ملموس بالتداعيات الناتجة عن جائحة كوفید-19، استنادًا إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021م، وأثر هذا الوباء بشكل رئيس على الأداء الاقتصادي في المنطقة العربية من خلال الانخفاض الحاد في حجم النشاط الاقتصادي بسبب تأثير إجراءات الإغلاق لاحتواء الوباء على عدد من القطاعات مثل السياحة والنقل وتجارة التجزئة وخدمات الضيافة مثل الفنادق والمطاعم والمقاهي. ونتج عن ذلك انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي وتسجيل زيادة كبيرة في عجوزات الموازنات العامة والدين العام، نتيجة التدابير التي اتخذتها الدول للتخفيف من آثار الوباء على الصحة العامة، ودعم الشركات والعمال في القطاع الرسمي، وتقديم الإعانات الفورية للطبقات الفقيرة في شكل تحويلات نقدية وعينية حتى لمن هم خارج شبكات الأمان الاجتماعي، وكذلك المؤسسات والأفراد العاملين في القطاع غير الرسمي.

 

  إضافة لما سبق، تأثرت الدول المصدرة الرئيسة للنفط أيضًا بصدمة اقتصادية أخرى متمثلة في انخفاض الطلب على النفط وهبوط أسعاره في الأسواق العالمية وانخفاض إنتاجه في إطار اتفاق "أوبك+" ما بين الدول أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول، والدول المصدرة الرئيسة المنتجة للنفط من خارج المنظمة. أما الدول العربية الأخرى، فتأثرت أيضًا بانخفاض عائدات السياحة، وتراجع الطلب الخارجي نتيجة لتباطؤ النمو في اقتصادات أهم الشركاء التجاريين، وتباطؤ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. وبالإضافة إلى الجائحة، واصلت الأوضاع الداخلية تأثیراتھا غیر المواتیة على الأداء الاقتصادي في بعض الدول العربية الأخرى.

 

بلغ الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجاریة في الدول العربیة كمجموعة حوالي 2432 ملیار دولار عام 2020م، مسجلاً معدل انكماش قُدر بحوالي 11.5 في المائة بالمقارنة مع عام 2019م، كنتیجة لتأثیر الأوضاع المذكورة، وھو انكماش لم تعرف الدول العربیة مثلها حتى في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2009م، تُقدّر الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية في عام 2020م، نتيجة للجائحة بحوالي 221 ملیار دولار بالأسعار الثابتة لعام 2015م. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي في كل الدول العربیة باستثناء مصر التي كانت الدولة العربیة الوحیدة التي حققت نمواً في الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2020م، حيث بلغ 3.6 % بينما سجل 3.3 % عام 2021 م، وفقا لصندوق النقد الدولي.

 

ومن أجل التصدي للجائحة وسبل التعامل معها والنهوض بالواقع الاقتصادي العربي، لا بد من العمل على استخدام تطبيقات تخطيط الموارد المؤسسية لتشغيل أنظمتها لمعلومات الإدارة المالية، مما يتيح الحصول على المخصصات والنفقات للاستجابة لفيروس كورونا والأوبئة الأخرى مستقبلاً، كما ينبغي على صناع السياسات وضع خطط للطوارئ يمكن تعديل حجمها بمرونة للتصدي للمخاطر الصحية والاقتصادية ومخاطر المالية العامة التي تنشأ عن حالات تفشي الأوبئة المتكررة، و يجب على الحكومات تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتوجيه الدعم لمستحقيه، وتطوير آلية إعداد الميزانية العامة للدولة، وتعزيز إدارة الدين العام، والنمو الاقتصادي وتعزيز الاستثمارات الحكومية والقطاع الخاص، وتشجيع ودعم الابتكار والبحث العلمي والرقمنة الاقتصادية بجانب قيام البنوك المركزية بدعم الطلب والثقة عن طريق تيسير الأوضاع المالية.

 

ثانياً رغم الجهود لتنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصادات العربية فموازناتها العامة وموازين مدفوعاتها الدولية ما زالت شديدة التأثر بتغيرات وتقلبات أسعار النفط، وهذا التقلب الشديد في أعوام قليلة لا يعين على ضبط الموازنات ودفع اقتصادات ما زالت شديدة الارتباط بسلعة واحدة ومشتقاتها، في عالم يشهد تغيرًا في خريطة تصدير النفط وتخفيض الاعتماد عليه بالتنوع في مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة.

 
       ثالثاً، هناك ضرورة ملحة للتصدي العاجل لخلل الموازنات العامة وما يترتب عليه من تراكم المديونية المحلية والدولية، وارتفاع معدلات التضخم والغلاء ارتباطاً بالاقتراض من البنوك المركزية وتأثيره على الإصدار النقدي، إذ أن تعرضها لصدمات اقتصادية ما زال كبيراً، مع اتجاهات ارتفاع تكلفة الاقتراض لتمويل العجز وانخفاض الإيرادات السيادية، وبخاصة الضريبية، لسوء منظومة إدارة الإيرادات العامة، وتركُّز النفقات العامة في بنود خدمة الديون والأجور والمرتبات، وعدم تناسب كفاءة النفقات العامة مع أولويات التنمية المستدامة وأهدافها الطموحة إلا قليلاً.

     

       رابعاً، تستوجب التغيرات العالمية المصاحبة لتغيرات التكنولوجيا، أن تشرع الاقتصادات العربية في تبنّي نهج جديد شامل نحو اقتصاد حديث يعتمد على مستحدثات الثورة الصناعية والاستثمار في التعليم والتدريب المتقدم يستفيد من التحول الرقمي في جميع قطاعات الإنتاج. ويستند هذا النهج إلى تمكين الشباب من خلال إتاحة فرص العمل والاستثمار وريادة الأعمال من خلال مؤسسات متخصصة وتمويل داعم. ويعتمد هذا النهج على محلية التنمية في جذب الاستثمارات، وتوطين الصناعات المتطورة، ورفع كفاءة الأصول المنتجة وضرورة استخدام الأصول المعطَّلة في زيادة الموارد وتحويلها إلى أصول منتجة أو أرصدة تموِّل التنمية.

 

   

 

 

       التحدي الخامس مرحلة ما بعد العولمة، إذ أتفق مع رأي السيد مايكل أوسلفانMichael O'sullivan، وكذلك مع كل من السيد إيريك كاردين والسيد آمري زيمان في كتابهما الموسوم " ما بعد العولمة"، وفي ضوء المعطيات التي قدمتها في الجزء الثالث من الدراسة وفي مقدمتها بروز أقطاب دولية جديدة، بروز مجموعة العشرين G20، والثورة الصناعية الخامسة 5G، التنمية المستدامة، الإسلام السياسي، التحدي النووي، الحاجة ليقام نظام مالي دولي جديد بديل لمؤسسات العولمة (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية) ، تراجع الدور الأمريكي باعتباره القطب الوحيد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كل هذه الحقائق المعروضة في الدراسة بشكل تفصيلي، تقدم الدليل على انتهاء عصر العولمة ، والآن العالم في مخاض لولادة مرحلة ما بعد العولمة، وهذه تمثل تحدي وفرصة في نفس الوقت.

 

 

      وفي ضوء هذه التحديات والفرص التي تم استعراضها، لابد من المراجعة لمتغيرات الاقتصاد الكلي والإصلاح الاقتصادي والتي ستؤثر على أداء الاقتصادات العربية في عام 2020م، ولعل أهم ما تم بشأنها ومن ثم المكاسب والخسائر التي تحققت في هذا الميدان، فقد شهدت الاقتصادات العربية مجموعة من التطورات العالمية والتحولات الإقليمية التي أثرت على أدائها الاقتصادي، والتي يمكن تقسيمها حسب التطورات التي شهدها الاقتصاد العالمي والاقتصادات العربية إلى فترتين رئيسيتين اتسمت كل منها باتجاهات متباينة لأداء الاقتصاد الكلي للدول العربية. تتمثل الفترة الأولي قبل وأثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008م، فيما تتمثل الفترة الثانية المرحلة بعد الأزمة المالية العالمية حتى عام 2019م، والتي تضمنت متغيرات هامة جداً منها العولمة ومرحلة ما بعد العولمة، الاقتصاد الرقمي والشمول المالي، اقتصاد المعرفة والابتكار والإبداع، والمفهوم الواسع والشامل للتنمية المستدامة، والتنويع الاقتصادي.

 

 

        لكن وعلى الرغم من مسيرة الإصلاح الاقتصادي في الدول العربية التي تمتد لعقود طويلة يلاحظ المتتبع لأداء الاقتصادات العربية تذبذب معدلات النمو المحققة في هذه الدول وعدم شموليتها وقصورها عن توفير فرص العمل اللازمة لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل وإحداث خفض ملموس في أعداد المتعطلين عن العمل إضافة إلى استمرار مواطن الهشاشة الاقتصادية في العديد من هذه الدول.

 

        تباينت نوعية البرامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي التي نفذتها الدول العربية من دولة لأخرى وحسب الهياكل الاقتصادية لكل دولة من هذه الدول وكذلك وفقاً لمستويات تأثر هذه الدول بالتطورات العالمية والإقليمية والمحلية وطبيعة التحديات التي تواجه إدارة الاقتصاد الكلي وطريقة التفاعل ما بين السياسات الاقتصادية، وكذلك استنادًا إلى عدد من العوامل الحاكمة الأخرى.

لعل التساؤل المركزي الذي يواجه متخذي القرار العربي والمواطن هو كيف يكون في المنطقة العربية اقتصاد قوي يستطيع المنافسة وقائم على المعرفة والذكاء الصناعي؟، فرغم اختلاف الأهمية النسبية لهذه المبررات أو الدوافع على مدار الفترة أو ما بين دولة عربية وأخرى فإن هناك عدد من الدوافع أو مبررات الإصلاح التي تعتبر إلى حد كبير مشتركة ما بين عدد من الدول العربية، تشتمل هذه المبررات والدوافع في:

  • التصدي لفايروس كورونا ومشتقاته.
  • تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
  • الوصول إلى النمو الشامل والتشغيلي.
  • تنويع هياكل الاقتصادات العربية.
  • تعزيز مستويات الإنتاجية والتنافسية.
  • الشمول المالي والرقمي.
  • التنويع الاقتصادي.
  • اقتصاد المعرفة.
  • التنافسية.
  • الاستعداد لمرحلة ما بعد العولمة.

 

      عكست الإصلاحات الاقتصادية في الدول العربية عوامل مختلفة تتعلق أساسًا بطبيعة الهياكل الاقتصادية للدول العربية والتحديات التي واجهت تنافسية التجارة الخارجية و مناخ الأعمال، كلها عوامل أثرت على تذبذب معدلات النمو الاقتصادي و تباين مستويات التنمية الاقتصادية بين دول المنطقة العربية إذ أن ما يميز بنية الإقتصاد في الدول العربية إعتمادها الكبير على النفط و المواد الأولية التي تشكل نصيبًا مهمًا من إجمالي صادرتها من السلع والخدمات، و استكمالا لموجة الإصلاحات التي سارت عليها إصلاحات تحرير الاقتصاد و الخصخصة و تشجيع الصادرات في بداية التسعينات، لجأت الدول العربية في مطلع الألفية إلى جيل جديد من الإصلاحات، يهدف إلى تحديث وتنويع الهياكل الاقتصادية والرفع من الإنتاجية وخلق فرص العمل و الدخول في اقتصاد المعرفة و الابتكار والذكاء الصناعي .

 وعلى صعيد تحقيق الاستقرار الاقتصادي استهدف جانبًا مهمًا من الإصلاحات التي نفذت عبر سياسات استهدفت خفض معدلات التضخم، وعجوزات الموازنات العامة وموازين المدفوعات سواء تلك الناتجة عن الاختلالات الاقتصادية الداخلية أو انخفاض مستويات مرونة الاقتصادات العربية تجاه الصدمات الخارجية غير المواتية.

 

 

يعزى عدد من المشكلات الاقتصادية التي تواجه الدول العربية إلى طبيعة هيكل الاقتصادات العربية الذي يتسم بانخفاض مستويات التنويع الاقتصادي فمن ناحية يتركز هيكل الإنتاج والتصدير في عدد من الدول العربية في السلع الأولية غير المصنعة ومن أهمها النفط. كذلك لا يزال القطاع الحكومي مهيمنًا على النشاط الاقتصادي مع ضعف في دور القطاع الخاص في توليد الناتج وتوفير الوظائف في بعض الدول العربية. وإدراكًا من الدول العربية لأهمية تنويع هياكلها الاقتصادية تنبت سياسات لتنويع هياكل الاقتصادات العربية إذ سعت من خلالها إلى الاستفادة من الفوائض المالية المتحققة من تصدير النفط في تأسيس الصناديق السيادية للاستثمار في تنويع الهياكل الاقتصادية وحفز مستويات النشاط في القطاعات غير النفطية. كما عملت الدول العربية على ترشيد دور القطاع الحكومي في النشاط الاقتصادي وتوفير الحوافز المختلفة للقطاع الخاص وركزت في بعض الدول على قصر دور الدولة في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين وحفز بيئات الأعمال وزيادة مستويات تنافسيتها وجاذبيتها رغم كون إصلاحات تنويع الهياكل الاقتصادية ليست حديثة العهد في الدول العربية إلا أن التركيز عليها قد تعمق بشكل كبير ولا سيما في أعقاب التراجع الكبير في الأسعار العالمية للنفط بداية من النصف الثاني من عام 2014 م.

 

من جانب آخر، تواجه بعض البلدان العربية تحديات ترتبط بانخفاض مستويات الإنتاجية والتنافسية وهو ما يبرز المشكلات التي تعاني منها أسواق العمل والمنتجات في هذه الدول وعدم ملاءمة السياسات المتبناه لحفز مستويات الإنتاجية والتطور المعرفي والإبداع والابتكار وهو ما يظهره عدد من المؤشرات الدولية، حيث ينخفض ترتيب هذه البلدان في مؤشرات التنافسية والابتكار والاقتصاد المعرفي إلى مراتب متأخرة، وبناءً على ما سبق فقد انصب جانبًا من الإصلاحات الاقتصادية المنفذة في بعض البلدان العربية على تعزيز مستويات الانتاجية والتنافسية من خلال تطوير القدرات الإنتاجية وتشجيع الاستثمار في التطوير المعرفي وتشجيع الابتكار وحفز دور القطاعات عالية القيمة المضافة في الاقتصاد.

 

       

        وهذا يستلزم مساعدة الدول العربية للتغلب على تلك المشكلة من خلال عدة محاور يأتي في مقدمتها دعم المنظمات الدولية لإقامة مشروعات تتسم بكثافة استخدام عنصر العمل، وكذلك توفير فرص نفاذ العمالة العربية إلى العمل في الدول ذات العجز، بالإضافة إلى تقديم الدعم المادي للتوسع في إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسط في المنطقة العربية باعتبارها الأداة الأمثل لخلق فرص عمل ومن ثم الحد من عدد المتعطلين.

 

 

 يمتد التعاون الاقتصادي من أجل التكامل ليشمل التعليم والتدريب والتعاون العلمي والتكنولوجي، عن طريق تحفيز الابتكار التكنولوجي، ونقل التكنولوجيا الحديثة ونشر المعرفة الفنية، ويمتد التعاون الاقتصادي ليشمل مجال البيئة والتنمية المستدامة، من خلال منع تدهور البيئة، والسيطرة على التلوث وتأكيد الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بهدف ضمان التنمية المتواصلة، لاسيما في مرحلة الرؤى الوطنية 2030م.                                 

               

 

         إن التكامل الاقتصادي العربي يتحقق من خلال مجموعة متكاملة من المداخل، أولها المدخل التبادلي، منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، الاتحاد الجمركي العربي والسوق العربية المشتركة، بالتزامن ثانياً مع المدخل الإنتاجي أي الاستثمارات العربية المشتركة من خلال تفعيل الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية المعدلة (2013م) ، ثالثاً مع مدخل البنية الأساسية، الربط الكهربائي العربي، الربط البرى العربي بالسكك الحديدية، الربط البرى للطرق، الربط البحري بين الموانئ العربية وربط شبكات الانترنت العربية، مع ضمان حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال بين الدول العربية . ويتعزز التكامل ويدعم بالأمن المائي العربي والأمن الغذائي العربي والأمن الإنساني العربي، وإن عدم تحقيق هذه الحزمة من العوامل، أو تحقيق جزء بسيط منها، يؤدى إلى حدوث خلل في مسيرة السوق العربية المشتركة والتكامل الاقتصادي العربي.

 

 

وتمثل السوق العربية المشركة للكهرباء والتي تعد أحد أهم المشروعات التكاملية العربية جانباً مضيئاً في مسيرة العمل العربي المشترك، ويمهد الربط الكهربائي العربي لإقامة سوق عربية مشتركة للكهرباء بين الدول العربية تتم من خلالها عمليات تبادل تجارة الكهرباء بشكل يحقق الكثير من المزايا الاقتصادية والاجتماعية لكافة الدول المشاركة في السوق، حيث تم التوقيع على مذكرة التفاهم لإنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء بتاريخ 6/4/2017م، وبذلك وصل عدد الدول العربية الموقعة عليها حتى الأن 16 دولة عربية.

 

واصلت الجامعة العربية متابعة العمل على استكمال أركان منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى و تواصل أيضًا مجال تحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية و قد حققت تقدمًا مهمًا و ذلك في سبيل الارتقاء بمستوى التكامل الاقتصادي بين الدول العربية وصولاً لإقامة الإتحاد الجمركي ويمثل إقامة الاتحاد الجمركي العربي خطوة مهمة باتجاه تحقيق السوق العربية المشتركة والتكامل الاقتصادي، إذ تم اتخاذ خطوات ملموسة خاصة عملية التوافق على فئات التعرفة الجمركية العربية الموحدة كأحد المتطلبات الأساسية لإقامه الاتحاد، علماً قامت كل من المملكة الأردنية الهاشمية، المملكة العربية السعودية، مملكة البحرين، دولة فلسطين، دولة قطر وجمهورية مصر العربية  بالتوقيع على اتفاقية التعاون الجمركي بين الدول العربية وجاري تشجيع الدول العربية الأخرى على التوقيع، وكذلك اتفاقية تحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية والتي انضم لها اثنى عشر دولة عربية ومازالت الجهود تبذل نحو الوصول إلى درجات تمكن من التكامل الاقتصادي بين الدول العربية. تعتبر منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى الركيزة الأساسية لتحرير التجارة السلعية بين الدول العربية، والتي ظهر أهميتة التقارب الجغرافي خلال جائحة كوفيد 19 وعمليات الإغلاق التي ترتب عليها، فكان هناك حرص من متخذي القرار في الدول العربية على ضرورة استمرار العمل واستكمال أركان المنطقة.

تتوافر في الدول العربية كل المستلزمات الضرورية لجذب الاستثمارات الأجنبية من النفط، الغاز، القوى العاملة البشرية المدربة، الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، المياه، المعادن الثمينة والنفيسة والموقع الجغرافي المميز وسط العالم، هذه العوامل أو المستلزمات تحتاج إلى مناخ إستثمار جذاب لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة العربية بمعدلات أعلى من وضعها الحالي وهذا يتطلب توفير مستلزمات لها دور مهم في استقطاب الاستثمار الأجنبي، ومنها حجم السوق حيث تجذب الاقتصادات التي تتميز بتوافر أسواق كبيرة المزيد من الاستثمارات في كافة المجالات الصناعية والزراعية والخدمية وهذه يتمتع بها عدد كبير من دولنا العربية، بجانب مؤشرات الاستقرار الاقتصادي الكلي إذ تقوم هذه المؤشرات بدور رئيسي في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر منها التضخم إذ يعتبر أحد أهم المتغيرات التي تبين مدى توافر الاستقرار في البنية الاقتصادية للدولة المضيفة للاستثمار، حيث يؤثر ارتفاع أو انخفاض التضخم على التدفقات الواردة للاستثمار الأجنبي المباشر، كما أن الكتلة النقدية تؤدي في حال ارتفاعها في البلد المضيف على تحفيز القروض و بالتالي جذب الاستثمار الأجنبي المباشر .

تعتبر درجة الانفتاح من أهم المؤشرات التي تعمل على الاستثمار الأجنبي المباشر حيث هناك علاقة موجبة بين حجم تلك التدفقات الاستثمارية ودرجة الانفتاح. تلعب مؤشرات الحرية الإقتصادية ومنها الحرية المالية والمصرفية، مؤشر حرية الاستثمار، التصدي للفساد الإداري دورًا مهمًا في استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول العربية، كما لا ننسى مؤشرات أخرى مهمة كالإنفاق الحكومي الرأسمالي المخصص من الدولة لشراء الأصول الرأسمالية و الإنفاق على البنية التحتية كالإنشاءات الجديدة ، مثل بناء الجسور، المطارات، و الموانئ، و الطرق و غيرها، إذ يساهم الإنفاق على البنية التحتية في جذب المستثمرين إلى البلد المضيف، ولعل هذا يمثل سبيلاً مهمًا لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة العربية .

مقالات لنفس الكاتب