array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 173

بريطانيا حرصت على التدخل في شؤون الكويت حماية لمصالحها وليس تنمية للكويت

الإثنين، 25 نيسان/أبريل 2022

شهدت الكويت في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي حراكاً في الكثير من المجالات، والذي كان أوله في التعليم مع تأسيس المدارس النظامية كالمدرسة المباركية عام 1330ه 1911م، وفي الجمعيات مع تأسيس الجمعية الخيرية العربية عام 1331ه 1913م، وفي الثقافة مع تأسيس المكتبة الأهلية عام 1341هـ 1923م، والنادي الأدبي عام 1342هـ 1924م، وفي المجالس مع قيام مجلس الشورى عام 1921م، والمجلس البلدي عام 1930م، ومجلس المعارف عام 1355هـ 1936م، والمجلس التشريعي عام 1938م، وكذلك صدور الصحف مع صدور مجلة الكويت عام 1346هـ 1928م، لمؤسسها المصلح الشيخ عبد العزيز بن أحمد الرشيد.

وفي هذه الفترة كانت الكويت مرتبطة مع بريطانيا بمعاهدة عام 1899م، والتي أعطت الحق لبريطانيا فيما تراه مناسباً في بعض الأمور الخارجية للكويت، أما فيما يخص الشأن الداخلي فلا يحق لبريطانيا التدخل فيه، ويرجع اهتمام بريطانيا بالكويت لعدة أسباب كان أهمها ما ذكره المقيم السياسي البريطاني في بوشهر مالكولم جون ميد Malcolm John Meade في مارس 1898م: " إن الكويت تتمتع بأحد أفضل الموانئ في الخليج العربي، وإذا لم نسيطر عليها حفاظاً على مصالح، فإنه ليس من الحكمة أن نتركها فريسة في أيدي أية قوة أخرى ".

ولهذا حرصت بريطانيا بعد توقيع هذه المعاهدة على متابعة الشأن الداخلي بشكل دقيق حمايةً لمصالحها، وهو ما أدى إلى تدخلها في كل حراك داخلي، ففي مجال التعليم طرح مجلس المعارف المنتخب من الشعب منذ قيامه عام 1936م الكثير من القضايا، كان أولها مسألة المناهج الدراسية، حيث أخذ أعضاؤه يتباحثون في اختيار المناهج التي تناسب الوضعين الاجتماعي والثقافي في الكويت، ونجحوا مع الأساتذة الفلسطينيين بوضع مناهج أثمرت الجد والمثابرة عند الطلبة في التحصيل العلمي لكن هذه المناهج لم تعجب السلطات البريطانية، حيث طلب المقيم السياسي البريطاني في منطقة الخليج العربي ترنشارد كرافن فاول Trenshard Craven Fowle بأن يضع أدريان فالانس عضو جمعية الشبان المسيحيين في العراق تقريراً شاملاً عن التعليم، وقد اطلع أدريان على مجموعة من الكتب وتأثيرها على اتجاهات الطلاب، ووضع تقريراً أعرب فيه عن قلقه من هذه التوجهات، كما لفت نظر أدريان كتابان لمادة التاريخ أحدهما تاريخ الأمة العربية للمؤرخ الفلسطيني درويش المقدادي, وثانيهما كتاب تاريخ العرب للمؤرخ الفلسطيني محمد عزة دروزة، وهما مناضلان فلسطينيان، وتذكر الدكتورة نجاة عبد القادر الجاسم " أن أدريان أشار في تقريره أنه في حال استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى زيادة الشعور المعادي لبريطانيا، وأوصى بإعداد كتاب يتناول تاريخ الكويت، ومنع تدخل المدرسين والتلاميذ في الأمور السياسية، مع التحذير من أن ممارسة أي نشاط سياسي ستكون نتيجته الطرد من المدرسة، واقترح أن يصدر قانونًا بذلك يتيح بواسطته السيطرة على نمو الوعي السياسي والقومي المتزايد وقتها ".

ولقد طالب ترنشاد فاول بعد اطلاعه على كتب التاريخ التي تحث على النضال ومقاومة الاحتلال في الدول العربية المضطهدة، بكتابة كتاب تاريخي تحتوي موضوعاته على علاقة بريطانيا بالدول العربية، وما تقوم به من معونة ومساعدة في مختلف المجالات لكثير من البلدان العربية المتواجدة فيها، لكي يفهم أبناء الخليج أن بريطانيا موجودة في كثير من البلدان العربية، وكان يرى أن هذا الكتاب خير دعاية تقدمها حكومة ملك بريطانيا لطلاب المدارس في كل من الكويت والبحرين وسلطنة عمان، لتعرفهم على التطور والتقدم الحضاري في بريطانيا.

ويتضح مما سبق أن الهدف الذي كان يسعى إليه ترنشاد فاول ليس أخذ الطلبة من حضارة الغرب ما يناسبهم ويساعدهم على التطور، بل كان هدفاً تغريبياً محضاً يسعى من خلاله إلى إحلال ثقافة الغرب محل الثقافة والقيم الإسلامية والعربية، وإبعادهم عن قضايا أمتهم الإسلامية مثل قضية فلسطين.

ولقد قابل المعتمد البريطاني في الكويت جالوي Gallaway حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح لشرح فكرة الكتاب وأخذ الشيخ أحمد الموضوع وعرضه على مجلس المعارف الذي اتخذ قراراً بعدم جدوى كتابة هذا التاريخ نظراً لأن الكويت جزء من الوطن العربي الأمر الذي يحتم على أبنائها أن يطلعوا على تاريخ أجدادهم العرب الذين كانوا أصحاب حضارة عريقة قدموا للإنسانية الكثير من المخترعات في مجال الطب والفلك والأدب في الوقت الذي كانت فيه أوروبا ترزح تحت نير الظلام الدامس, وتتلمس طريق الخلاص مما هي فيه الأمر الذي جعلها تقتبس من حضارة العرب ورقيها ما يكفل لها الخلاص مما هي فيه من تأخر، ويذكر الأستاذ صالح جاسم شهاب أن الشيخ أحمد الجابر أبلغ المعتمد البريطاني رفض المجلس, وقال له: " إن الكويت جزء من الوطن العربي الذي تربطنا به وشائج الإسلام والعروبة، الأمر الذي يحتم علينا أن لا نغفل تاريخ هذه الأمة العربية العريقة التي كانت في يومٍ ما مهداً للحضارة والرقي والتقدم ".

ومن ذلك يتضح حرص أعضاء المجلس على أن يطلع الطلاب على التاريخ العربي الإسلامي المشرف، وأن يتفهموا تاريخ أجدادهم، بعد أن اقتبست أوروبا من حضارة المسلمين والعرب خاصةً ما مكنها من أن تبني حضارتها وتقدمها، متجاهلة دور العلماء العرب.

وهذا إن دل إنما يدل على أن أعضاء مجلس المعارف كانوا على اطلاع واسع ووعي ديني ووطني وقومي، جعلهم يرفضون هذا المخطط البريطاني، الذي لو تم لأصبحت الثقافة الكويتية كبعض الدول العربية، التي لا زالت تعاني ضعفاً في لغتها وثقافتها العربية.

ولم يقتصر تدخل السلطات البريطانية عند هذا الحد، بل كان المعتمد البريطاني بالكويت ديكوريDE GAURY يفكر في تعيين مستشار بالكويت من ضمن مهامه التعليم.

في الحقيقة تعددت الأدوار التي كان يتبعها البريطانيون للسيطرة على شؤون التعليم كان من أهمها محاربة رجال العلم ومنهم الأستاذ عبد اللطيف الشملان مدير المعارف الذي كان له دورٌ كبيرٌ في دعم التعليم، والذي زار مصر للبحث عن معلمين، فوجد من رجال المعارف المصرية رغبةً بقبول تدريس عشرة تلاميذ من الكويت لتلقي علومهم في المدارس الثانوية، وقد انزعج المعتمد السياسي البريطاني في الكويت هيكنبتام T.Hiokinbotham من هذه الزيارة لأنه يراها تدخلاً في مسؤوليات الحكومة البريطانية، وهو ما جعل البريطانيين يكنون الحقد للشملان، فأوصى المقيم السياسي في الخليج العربي بوجوب تأديبه، وجاء في تقرير مستشار معارف الكويت ويكلين Mr. Wakelin في نوفمبر 1942م، بوجوب الاستغناء عن خدمات الشملان وعزله وقبول استقالة زوجته.

ولقد ضغطت السلطات البريطانية على مجلس المعارف الكويتي، فطرحت مسألة الشملان في جلسة المعارف 28 نوفمبر 1943م، وتمت الموافقة على تنفيذ المطالب البريطانية وعزل الشملان من منصبه، إلا أن رئيس وأعضاء مجلس المعارف وقفوا موقفاً صلباً أمام مطالبة بريطانيا بسجن الشملان، ولذلك نقل إلى وظيفة أخرى في المحاكم.

وإلى جانب ذلك لم تسلم المشاريع الثقافية من التدخلات البريطانية، فالنادي الأدبي الكويتي الذي لعب دوراً كبيراً في التثقيف والإصلاح في المجتمع الكويتي رغم قصر مدته ( 1342هـ 1924م - 1346هـ 1927م)، من الطبيعي أنه تعرض للتدخلات البريطانية، فالمعروف عن سياسة البريطانيين في المنطقة محاربة أي مشروع يؤدي إلى رفع المستوى الثقافي والوطني عند المواطنين والدليل على ذلك عندما قام المعتمد البريطاني الميجر ديلي Major Clive Daly بكبت الحريات في البحرين عام 1345هـ 1926م، وكان هذا التخوف نابعاً من أن مثل هذه المشاريع تساهم في خلق جيلٍ واعٍ مدرك لتلك الأطماع الاستعمارية.

هذه الحوادث بينت لنا سياسة بريطانيا تجاه المشاريع النافعة التي تسهم في خلق هذا الجيل الفطن لكل ما يحاك لوطنه، ولهذا كانت بريطانيا دائماً تضيق الخناق على المؤسسات التعليمية والثقافية، وتعمل على السيطرة عليها لتكون أداتاً تساعدها في مشاريعها، التي تهدف في الغالب إلى استنزاف ثروات الشعوب.

إلغاء معاهدة 1899م

وإلى جانب التدخلات في شؤون التعليم والثقافة، كانت بريطانيا تتدخل كثيراً في الشؤون التجارية، فالكويت منذ بداية عهدها لم تعرف أي نوع من الاحتكار أو الامتيازات الأجنبية التي تحد من حركة التجارة أو تقيد مزاولة الأعمال الحرة فيها إلا فرض بعض الضرائب كضريبة الغوص على اللؤلؤ، ولكن المعاهدة البريطانية الكويتية أعطت الحق لبريطانيا فيما تراه مناسباً في بعض الأمور الخارجية للكويت، وأشارت إلى أنه في حال تأجير أو بيع قطعة من الأرض لا بد من أخذ الإجازة أولاُ من بريطانيا، وقد استندت بريطانيا إلى هذه الشروط في أن تضع الشروط على الشركات التجارية الأجنبية التي تتقدم بعروضها للعمل في الكويت، وعند قيام المجلس التشريعي الذي تمتع بصلاحيات واسعة من خلال قانونه عام 1357هـ 1938م، والذي كان من أبرز مواده المادة (2): " مجلس الأمة التشريعي مرجع لجميع المعاهدات والامتيازات الداخلية والخارجية، وكل أمر يستجد من هذا القبيل لا يعتبر شرعياً إلا بموافقة المجلس وإشرافه عليه "، فمن خلال هذه الصلاحيات تعرض المجلس للكثير من التدخلات البريطانية، خاصةً عندما أصدر مرسوماً يقضي بإلغاء جميع الاحتكارات.

ومقابل هذه الصلاحيات التي تمتع بها المجلس التشريعي كان البريطانيون متخوفين من أن يأتي الدور على شركة نفط الكويت  KOCصاحبة امتياز التنقيب عن النفط في الكويت عام 1934م، والتي أنشأتها كل من شركة النفط البريطانية APOC  وشركة الخليج الأمريكية Gulf Oil، وكان هذا التخوف واضحاً عندما توحش مديرها الإنجليزي المستر سكوت Mr.Scott من حزم أعضاء المجلس الذين جدوا في إلغاء الامتيازات والاحتكارات، مما جعلهم يتوجسون ويحذرون من أعضاء المجلس لاسيما من إقدامهم وجرأتهم في أمور الاحتكارات.

أيضاً كان هذا الحذر واضحاً على المعتمد البريطاني في الكويت ديكوريDE GAURY عندما قابل العضوين المنتدبين من قبل المجلس، ونبههم أنه لا يحسن بالمجلس أن يكاتب مباشرة إلى شركة نفط الكويت  KOC.

استغرب أعضاء المجلس التشريعي هذا الرأي البريطاني تجاه شركة تجارية محضة حكمها كحكم الشركات الأجنبية الأخرى الموجودة في الكويت، مما جعله يطالب بأحقيته في الاطلاع على الرسائل المتبادلة بين ممثل الحاكم وشركة نفط الكويت، وبالفعل نجح المجلس في ضمان هذا الحق بعد اجتماع أعضائه مع المعتمد البريطاني، بأن يرسل للمجلس صوراً من تلك الرسائل المتبادلة للمجلس، ومتى رأى المجلس وجهة نظر معينة كتب للشركة كما يرى أعضاؤه.

لم يكمل المجلس التشريعي مدته فَحُلَّ في 25 من شعبان 1357هـ 20 أكتوبر 1938، لعدة أسباب كان من أبرزها تحول وجهة النظر البريطانية لتخوفهم من الوطنيين الكويتيين على النفوذ والمصالح البريطانية، فضلاً عن الذعر الذي أصابهم بعد ما شاهدوه من سرعة انتقال هذه الروح إلى جميع شعوب الإمارات العربية والهندية الخاضعة لنفوذهم.

في الحقيقة جاءت أهمية النفط الكويتي في الاقتصاد البريطاني دافعاً وراء هذه السياسة البريطانية، حيث تذكر مارغريت كلارك في مقال لها في صحيفة بتروليوم تايمز عام 1953م: " إن أهمية نفط الكويت في الاقتصاد البريطاني ليس مبالغاً فيها، وربما كانت نصف سيارات لندن تسير بواسطة نفط الكويت "، وقد قدر بول جونسون المحرر في صحيفة نيوستيتسمان اللندنية دخل شركة نفط الكويت في 12 عاماً بمبلغ 3400 مليون دولار، وهذه هي الحقيقة فنفط الكويت كان عاملاً كبيراً في رفاهية بريطانيا.

ولعل ما سبق يعكس ويؤكد مدى تخوف السلطات البريطانية من نمو الوعي الوطني عند الكويتيين، ولذلك عملت شركة نفط الكويت ( البريطانية الأمريكية ) على عدم الاعتماد على العمالة الكويتية، فكانت الأولوية في التوظيف للأمريكان والأوروبيين والآسيويين، كما حرم الكويتيون من المناصب القيادية، والتدريب والتأهيل، ويذكر حسين صقر أول رئيس للاتحاد العام لعمال الكويت قائلاً: " كان في أول السلم الوظيفي الأمريكيون والبريطانيون والغربيون, وبرواتب عالية ومستوى معيشة عال ويقطنون في أحياء متكاملة، ويأتي في المرتبة الثانية العمال الآسيويون، ويقطنون في أحياء حديثة، ثم يأتي العمال الكويتيون في نهاية السلم الوظيفي سواء من حيث الرواتب والسكن والخدمات فبيوتهم عبارة عن ( عشة ) لا تتوافر فيها الكهرباء ولا الماء ".

لقد خالفت الشركة ما جاء في اتفاقية الامتياز بأن الأولوية في التوظيف للكويتيين ويليهم العرب, رغم معرفتها التامة أن نسبة إنتاج العامل الكويتي غير المدرب أكبر من نسبة إنتاج العامل الأجنبي غير المدرب، فجميع الآبار التي اكتشافها في البداية كانت على أكتاف العمال الكويتيين، عندما بدأت نشاطها في البحث والتنقيب عن النفط في منطقة بحرة عام 1935م، فلم تقدر الشركة ما قدمه العمال الكويتيون الذين ساهموا في تمكين الشركة من التغلب على العقبات والمصاعب, فقد قضوا عمرهم في خدمة الشركة دون أن تتحسن أحوالهم المادية, وحرموا من فرص التقدم في حياتهم العملية والعلمية.

وكان من بين الأسباب التي جعلت شركة نفط الكويت لا تعتمد على العمالة الكويتية ما قاله المندوب السامي السير روبرت هاي في عام 1952م: " إن ازدياد التعليم وازدهاره في الخليج العربي سيكون له تأثير مزعج جداً لأنه سيؤدي بشركات النفط مستقبلاً لاستخدام المتعلمين العرب بدل الأجانب ".

وإلى جانب استنزاف الثروة النفطية كان هناك طمع في جعل الثروة مكاناً لمعالجة ما كانت تعانيه بريطانيا من بطالة، وبسبب التمييز في التوظيف والرواتب والمناصب وغيرها من حقوق عمالية، أصيب العمال الكويتيون بالإحباط، وهم يرون حجم الاستغلال والظلم اللذين يلحقان بهم، لكنهم لم ييأسوا من السعي وراء تحقيق مطالبهم، فقد لعبت عدة عوامل في زيادة الوعي عندهم، منها الصحف الكويتية، وكذلك اختلاطهم بالشعوب في فهم طبيعة وواقع العمل النقابي، يقول المعتمد البريطاني بالكويت هارولد ديكسون Harold Dickson: " قال لي أحد الشخصيات الكويتية أنت لا تستطيع أن تلومنا نحن العرب لأننا نريد محاكاة الغرب، والأخذ ببعض النظم مثل النقابات وغيرها من الوسائل لحماية حقوق عمال شركة النفط، عندما نسمع عن هذه البرامج التي تُبث حول مثل هذه الموضوعات في الغرب، وإذا كانت إنجلترا تشهد اضطراباً لسائقي سيارات نقل البترول لزيادة أجورهم, فلماذا لا نفعل نحن نفس الشيء؟ ".

ومع بداية الخمسينيات حدث تطور في الحراك العمالي عندما تأسست الكثير من مؤسسات المجتمع المدني كالنادي الثقافي القومي ونادي المعلمين وجمعية الإرشاد، حيث أعطت هذه المؤسسات مساحات كبيرة في صحفها للقضايا العمالية، ومن أهمها قضية السكن، فشركة نفط الكويت خدعت العمال ونقلتهم من منطقة الأحمدي إلى (قرية البدوية)، حيث وعدتهم بأن تبني لهم بيوتاً في هذه القرية، ولكنها لم تنفذ وعدها.

كانت قرية البدوية مثالاً للتأخر والإهمال وإهدار حقوق الإنسان، فكان العمال يسكنون في أكواخ متهالكة بلا نور ولا ماء، وعددهم كان قرابة عشرة آلاف شخص، وفي هذه القرية بنت حكومة الكويت مستوصفاً يقول الطبيب العامل فيه إن حوالي 10 % من سكان (البدوية) كانوا مصابين بالسل، وإن معظم المرضى مصابون بالبلهارسيا والانكلستوما التراخوما بسبب الأوساخ.

وكما هو معروف في مثل هذه الاتفاقيات فإن القوانين الدولية والضمير الإنساني تلزم مثل هذه الشركة بتأمين السكن اللائق لعمالها.

وأمام هذه الأوضاع غير المقبولة إنسانياً طالبت مؤسسات المجتمع المدني والصحف الشركة بتوفير السكن اللائق للعمال، خاصةً وأن الشركة بنت للعمال الأجانب في منطقة الأحمدي منطقة سكنية متكاملة، فالموظف الإنجليزي يسكن في فيلا أنيقة وكأنه وزير أو عضو في البرلمان الإنجليزي، ويقول خالد الخلف رئيس تحرير صحيفة الشعب الكويتية والداعم للحراك العمالي: " إن الغربيين يقولون عنا أننا متخلفون وجياع، ألم يكن من الأجدر بهؤلاء البشر المتمدينين الذين جاؤوا إلى بلادنا لنهب خيراتها أن ينتشلونا من الجوع وأن يمدنوننا ".

إلى جانب التفرقة والتمييز العنصري في السكن كانت هناك تفرقة في مسألة العلاج، فعندما يمرض الموظف الإنجليزي في الشركة يؤخذ للعلاج في (مستشفى المقوع) التابع للشركة، وينال أحسن العلاج، وإذا استعصى علاجه ينقل إلى لندن لعلاجه ومن ثم يعود ويتسلم مهام عمله من جديد، وأما العامل الكويتي والعربي فإنه يذهب إلى مستشفى المقوع فإن شفى كان بها، وإن كانت حالته مستعصية فإنه يحول إلى المستشفى الأميري أو أن يطرد إلى بيته.

من الواضح أن شركة النفط كانت تعيش بعقلية القرن التاسع عشر, فلم تمنح العامل مجالاً للنظر في شكواه، حيث جعلت اتفاقية الامتياز سرية حتى لا يتعرف العمال على حقوقهم، لكن الحراك العمالي من خلال الصحف ومؤسسات المجتمع المدني دافع بقوة عن حقوق العمال، وبتخوف الشركة من هذا الحراك تحولت إلى بوليسية حيث نشطت الجاسوسي، من خلال تجنيد العشرات من موظفيها الإنجليز والأجانب والمنبوذين من العرب للتحري عن العمال, لموافاة المسؤولين بالشركة عن أفكارهم السياسية فقد كشفت صحيفة الشعب أن للشركة جهازاً إدارياً كاملاً من بينه البوليس الخاص وكان يعمل به الضابط ماكلين ولديه سجن خاص موجود في الشركة منذ عام 1948م، كما كشفت أنه كانت هناك محاكم لمحاكمة العمال والموظفين.

ورغم هذه الممارسات إلا أنه كان هناك من الشرفاء البريطانيين من يدعم المطالب العمالية، فصحيفة التريبون العمالية الإنجليزية نشرت في عددها الصادر 18 يوليو 1958م،  مقالاً جاء فيه: " إن على جميع البريطانيين الذين يؤمنون بالسلام العالمي والعدالة الدولية وفي المقدمة الحركة العمالية أن يقفوا ضد التدخل الإجرامي في الشرق الأوسط، وأن يعلنوا ذلك بحزم في الاجتماعات العامة وفروع اتحادات العمال والبرلمان "، وتضيف الصحيفة قائلة: " إننا نحتاج البترول ولكن ليست لنا حاجة للتحكم في حقوله أو في البلدان التي تنتجه ".

وأخيراً من خلال هذه اللمحات الخاصة بالعلاقات البريطانية الكويتية، يتضح لنا أن بريطانيا كانت حريصة على التدخل في الشؤون الداخلية للكويت، حتى أنها كانت تهضم حقوق الكويتيين في شركاتها داخل الكويت، رغم أنها كانت محفوظة من خلال الاتفاقيات التي وقعتها مع الكويت، وهو ما يؤكد أن سياسة بريطانيا تعمل بالدرجة الأولى على حماية مصالحها الاستراتيجية ولم تعمل للنهضة والتنمية. 

 

 

 

( تقرير أدريان فالانس مراقب التعليم, الذي يوضح تدخل بريطانيا بالتعليم )

المصدر: صالح جاسم شهاب: تاريخ التعليم في الكويت والخليج أيام زمان، جـ1.

تابع وثيقة رقم ( 1 )

( يلاحظ في هذا التقرير مدى تدخل بريطانيا في شؤون التعليم, حيث أوصى أدريان فالانس في النقطة (22) بعدم تدخل الطلبة والمدرسين بالشؤون السياسية, وأن يتم فصل كل من يقوم بذلك )

 

وثيقة رقم ( 2 )

( يلاحظ بتقرير المستشار الثقافي ويكلين Mr. Wakelin توصيته في النقطة (1) بعزل الأستاذ عبد اللطيف الشملان حالاً, وموصياً بقبول استقالة زوجته التي تقدمت بها مع توصيه بأن تترك الوظيفة في آخر السنة (تابع التقرير الصفحة القادمة) )

المصدر: Kuwait Political Agency, Arabic Documents 1899-1949, Vol 10 Archive Editions, 1994, P.78-79.

تابع وثيقة رقم ( 3 )

وثيقة رقم ( 4 )

مجلة الفجر الكويتية في عام 1958م تكشف حقيقة ( شركة النفط البريطانية الأمريكية ) وتأمرها على العمال الكويتيين

مقالات لنفس الكاتب