تحميل ملف الدراسة
أثارت الحرب الروسية –الأوكرانية الحالية الكثير من القلق فيما يتعلق بالمجالات النووية خاصة بين دولتين أحدهما (روسيا) كانت ومازالت تملك أكبر عدد وقدرة في العالم للأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، والثانية هي (أوكرانيا) التي كانت تملك أعدادًا ضخمة من الأسلحة النووية حتى عام 1994م، ثم أجبرت على نقلها لروسيا تحت ضغط سياسي واقتصادي خاصة من الدول الغربية وهي تطالب منذ سنوات بالانضمام إلى حلف الناتو تحت القيادة الأمريكية والمعادي لروسيا.
بداية نوضح المقصود بكلمتي (أمن وأمان) الطاقة النووية. فأمن الطاقة النووية يعني عدم سرقة أو تهريب مواد نووية تستخدم في المجال السلمي ويمكن استخدامها في المجال العسكري خاصة صناعة القنابل الذرية مثل مادتي البلوتونيوم واليورانيوم المخصب.
ونقصد بأمان الطاقة النووية هو عدم تعرض منشآتها كالمفاعلات النووية أو مخازن الوقود أو مصانع فصل البلوتونيوم لأخطار تدميرية أو فنية تؤدي لكوارث تتسبب في حدوث تسريبات خطيرة للإشعاعات القاتلة بخلاف التدمير نفسه.
وقد جاءت هذه الحرب بعد سنوات من المشاحنات بين البلدين ودعم روسيا للحركات الانفصالية في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم في البحر الأسود بعد استفتاء شعبي أيده أغلبية سكان الجزيرة عام 2014م، وبدأت الخلافات بين الدولتين بعد تولي الحكم في أوكرانيا نظام غربي متطلع للدخول والانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
تاريخ أوكرانيا كدولة مستقلة ودوافع الغزو الروسي
أوكرانيا تاريخيًا لم تكن دولة مستقلة وكانت تشكل جزءًا من الامبراطورية الروسية القديمة والامبراطورية النمساوية والاتحاد البولندي الليتواني حتى الثورة الشيوعية في بداية القرن الماضي ونشأة الاتحاد السوفيتي وقيام جمهورية أوكرانيا ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي الخمس عشرة تحت النفوذ الأكبر لجمهورية روسيا الاتحادية المسيطرة على كافة الأنشطة الهامة في الاتحاد السوفيتي خاصة المجال العسكري ثم المجال النووي فيما بعد. وبعد هزيمة الألمان في الحرب العالمية الثانية تم اقتطاع أجزاء من ألمانيا وتوزيعها على دول التحالف الشرقي والغربي ومنها أجزاء ضمت لأوكرانيا خاصة من بولندا. كما ضمت أجزاء من روسيا يسكنها روس لا يتحدثون سوى اللغة الروسية لأوكرانيا منها شبه جزيرة القرم ومناطق في شرق وجنوب أوكرانيا منها منطقة الدونبسك التي أعلن فيها استقلال جمهوريتين عن أوكرانيا. وشجع الرئيس السوفيتي السابق نيكيتا خروتشوف ذو الأصل الأوكراني على ضم هذه الأراضي لأوكرانيا. وقتها لم يهتم أحد بهذا التقسيم الإداري لأن أوكرانيا بحدودها الجديدة كانت ضمن الاتحاد السوفيتي وتحت سيطرة قيادته الموحدة.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي نهاية 1991م، واستقلال جمهورياته ومنها أوكرانيا حصل قطاع كبير من الروس المقيمين في أوكرانيا على الجنسية الأوكرانية رغم أن لغتهم الأولى روسية بالإضافة للغة الأوكرانية (وهي أقرب للهجة مختلفة). وبعد نجاح بما يسمى بثورة التحرير أو الميدان (أسوة بحركة ميدان التحرير في مصر في يناير 2011) في عام 2014م، تم الإطاحة بالرئيس الأوكراني ذو العلاقات القوية مع الروس واستبداله برئيس موالي للغرب ما مكنه من إصدار تشريع عدائي للغاية ليس فقط ضد سكان بلده ذو الأصل الروسي ولكن لروسيا نفسها التي تشارك أوكرانيا حدود برية هي الأكثر أهمية لروسيا وكان هذا التشريع بمنع استخدام اللغة الروسية بينما أكثر من 70% من الشعب الأوكراني خاصة في الشرق والجنوب يتحدثون اللغة الروسية كلغة أولى أو لغة وحيدة.
وهنا بدأ تذمر قطاعات كبيرة من الشعب ورفضوا ميول الحكومة الغربية، وأعلنت بعض المناطق الاستقلال عن أوكرانيا بدعم روسيا. ومع استمرار الحكومة الأوكرانية الموالية للغرب في طلبها بالانضمام لحلف الناتو وللاتحاد الأوروبي، ورفضها ضم الروس للقرم ومحاربتها لجمهوريتي الدونبسك بدعم الغرب لأوكرانيا ولمجموعة تسمى آزوف من المهاجرين الأوكرانيين والمرتزقة الأجانب أطلقت عليهم روسيا النازيون الجدد، كل ذلك أثار قلق روسيا مما دفعها للبدء في 24 فبراير 2022م، في غزو الأراضي الأوكرانية، والخريطة المرفقة توضح نسبة السكان المتحدثين باللغة الروسية في أوكرانيا وهي تتخطى نسبة 70% من السكان.
التاريخ النووي العسكري والسلمي الأوكراني والمعاهدات والاتفاقيات الموقعة
عند انهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991م، واستقلال جمهورياته الخمسة عشر ومنها أوكرانيا لأول مرة في تاريخها كان هناك ما يقرب من ثلاثة آلاف قنبلة ذرية على الأراضي الأوكرانية. هذه القنابل كانت من تصميم وتصنيع روسيا الاتحادية والمتحكمة تمامًا في تشغيلها، ولأسباب استراتيجية في ظل الحرب الباردة، تم توزيع القنابل النووية الروسية خاصة الاستراتيجية على ثلاث جمهوريات سوفيتية هي (أوكرانيا، وكازخستان، وبيلاروسيا بالإضافة لروسيا الاتحادية). وخوفًا من انتشار الأسلحة النووية خارج دول الڤيتو الخمس (الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين) ضغطت الدول الكبرى الغربية والشرقية سياسيًا واقتصاديًا على الدول الثلاث (أوكرانيا، وكازخستان، وبيلاروسيا) لنقل كافة الأسلحة النووية إلى روسيا). ووافقت بيلاروسيا وكازخستان على نقل هذه الأسلحة في 1992م، أما أوكرانيا فبعد تردد تمت هذه المهمة من 1994 إلى 1996م، وأصبحت كافة الأسلحة النووية للاتحاد السوفيتي موجودة في روسيا ووقعت الدول الثلاث على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في 1993-1994م، كدول لا تملك أسلحة نووية.
بعد توقيع أوكرانيا على معاهده منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) في 5 ديسمبر 1994م، كدولة لا تملك أسلحة نووية وقعت اتفاق شامل للضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 1995م، وبعد تصديق البرلمان الأوكراني على المعاهدة بدأ تنفيذ اتفاق الضمانات الشامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في يناير 1998م، ومن ثم تم خضوع كافة منشآت أوكرانيا النووية لنظام ضمانات الوكالة بما فيها قيام مفتشي الوكالة بالتفتيش وتركيب أجهزة مراقبة وكشف اشعاعي لضمان استخدام أوكرانيا للمنشآت والمواد النووية في أوكرانيا في الأغراض السلمية فقط.
وفي عام 2000م، وقعت أوكرانيا على البروتوكول الإضافي (AP) الذي يسمح لمفتشي الوكالة بزيارات مفاجئة لأماكن قد لا يكون فيها نشاط نووي معلن وكذا زيارات لمواقع استخراج وتركيز اليورانيوم الخام قبل تصنيعه كوقود للمفاعلات النووية وتم التصديق عليه وبدأ تنفيذه من يونيو 2006م.
وقعت أوكرانيا أيضًا اتفاقية الأمان النووي (CNS) الملزمة لأطرافهـا التي تشغل محطات طاقة نووية مدنية بالحفاظ على مستوى عالٍ من الأمان من خلال وضع مبادئ الأمان الأساسية وكذا الإبلاغ الفوري عن أية حوادث تمس أمان المنشآت النووية واحتمالات حدوث تسريبات إشعاعية منها.
وفي 1996م، وقعت أوكرانيا معاهدة حظر التجارب النووية (CTBT) وصدقت عليها في فبراير 2001م، وهي المعاهدة التي تحظر على كل الدول الموقعة القيام بأية تفجيرات نووية في أي مكان (فوق الأرض أو تحت الأرض أو في المحيطات أو في الفضاء) ومع الأسف فإن هذه المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن لعدم توقيع وتصديق 8 دول متقدمة نوويًا عليها حتى الآن وهي (الولايات المتحدة، والصين، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية، وإيران، ومصر، وإسرائيل).
المنشآت النووية الأوكرانية تستخدم للأغراض السلمية فقط وتخضع جميعها للتفتيش سواء تفتيش تقليدي حسب معاهدة الضمانات أو تفتيش مكمل أو مفاجئ حسب البروتوكول الإضافي. وتملك أوكرانيا 32 منشأة نووية منها 21 مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء (15 مفاعل شغال و4 مفاعلات أغلقت للأبد ومفاعلين مازالوا تحت البناء من فترة طويلة) و3 مفاعلات أبحاث صغيرة (منها مفاعل للتدريب في القرم ومفاعل تحت الحرج في خاركوف ومفاعل في كييف) و4 مخازن للوقود الجديد غير المشع ومخزن مائي و2 مخزن جاف للوقود المستهلك ومعمل لمعالجة الفضلات النووية.
وكملخص لهذه المنشآت لكافة مراحل دورة الوقود النووي فإن أوكرانيا تملك:
- اليورانيوم الخام: توجد في أوكرانيا عدة مناجم يورانيوم بنسب تركيز جيدة وكذا عدة معامل لتحويل الخام لحالة الكعكة الصفراء الأكثر تركيزًا لليورانيوم والتي تصدرها لروسيا وأغلب هذه المناجم والمعامل توجد في وسط أوكرانيا. وقد بدأت أوكرانيا في استخراج خام اليورانيوم من 1946م، وأنتجت حوالي 140,000 طن حتى الآن بمعدل يصل إلى 900 طن سنويًا (حوالي 2% من الإنتاج العالمي). ورغم ان أوكرانيا تعد من أكبر10 دول في العالم لإنتاج اليورانيوم الخام إلا أنها مازالت تستورد أكثر من ثلث احتياجاتهـا من روسيا بسبب احتياج مفاعلاتها الـ 15 للكهرباء لكمية كبيرة من وقود اليورانيوم سنويًا.
- مصانع تخصيب اليورانيوم وتصنيع الوقود: لا تملك أوكرانيا أية منها وتعتمد على روسيا بشكل أساسي في هذا المجال رغم محاولاتها للتعاون مع شركات غربية لتصنيع الوقود الروسي التصميم والذي لم ينجح حتى الآن في كافة الدول الشرقية المالكة لمفاعلات روسية.
- مفاعلات أبحاث نووية: تملك أوكرانيا ثلاثة منها بما فيها واحد في شبه جزيرة القرم وهي:
ا. مركز البحوث النووية في كييف وبه أول مفاعل أبحاث أنشئ في أوكرانيا وهو مفاعل تصميم روسي من نوع خزان الماء الخفيف VVR-M وقدرته 10 ميجاوات حراري وبدأ تشغيله من عام 1960م، وتم عام 2008م، تغيير وقوده من يورانيوم عالي التخصيب (حتى 80%) إلى يورانيوم منخفض التخصيب (أقل من 20%). وهناك تخطيط لاستبدال هذا المفاعل القديم بآخر حديث ولكنه لم يتم حتى الآن.
ب. كلية الهندسة البحرية -جامعة سيفاستوبول للطاقة النووية في شبه جزيرة القرم (تحت سيطرة روسيا من 2014م) وبه مفاعل صغير 200 كيلووات من نوع IR-100 المستخدم أساسًا في التدريب.
ج. معهد خاركوف للفيزياء والتكنولوجيا وبه مفاعل نووي تحت درجة الحروجة ووقود يورانيوم منخفض التخصيب ويستخدم مع معجل نووي لإنتاج النيوترونات لبحوث الفيزياء والتكنولوجيا الحديثة. وهو مشروع بدأ من 2012 م، بالتعاون مع الولايات المتحدة.
- مفاعلات القوى النووية للكهرباء: يوجد في أوكرانيا 21 مفاعلاً قوى نووية للكهرباء في خمسة مواقع منهم 4 مفاعلات تم اطفاؤهم للأبد ومفاعلين تحت البناء و15 مفاعلاً تعمل وتنتج أكثر من 50% من إنتاج الكهرباء في أوكرانيا. وجميع هذه المفاعلات روسية التصميم والتصنيع. والمواقع الخمسة هي:
ا. موقع تشرنوبيل: شمال أوكرانيا على الحدود مع بيلاروسيا وروسيا وبه 4 مفاعلات نووية للكهرباء متوقفة عن العمل ومنها المفاعل الرابع الذي تسبب في أكبر حادثة في التاريخ النووي المعاصر في 26 أبريل 1986م، تصميم هذه المفاعلات من نوع غريب عن العالم فهي مصنعة من الجرافيت كمهدي والماء الخفيف المغلي مما أدى إلى أن يكون معامل درجة الحرارة (أو معامل الفراغ) إيجابي أي كلما تزداد درجة حرارة المفاعل كلما زاد معدل الانشطار وهو ما أدى لهذه الكارثة بانفجار هذه الوحدة وانتشار الاشعاعات النووية حتى الآن مما أدى لإخلاء المنطقة من السكان حتى نصف قطر قدره 30 كم وهو ما ساعد روسيا على احتلال هذه المنطقة عند بدء الغزو الروسي في 24 فبراي 2022دون أية مقاومة. وكانت قدرة كل مفاعل فيها 1000 ميجاوات كهربي.
ويحتوي قلب كل مفاعل على 1660 وحدة وقود ووزن كل وحده 115 كج يورانيوم منخفض التخصيب أي يحتوي قلب كل مفاعل على حوالي 190 طن يورانيوم. وتم إيقاف العمل في الوحدات الثلاث الأخرى بين عامي 1991 و2000. وتم نقل الوقود من قلب هذه المفاعلات لمخزن به بركة مياه كبيرة في نفس الموقع (بها أكثر من 20 ألف وحدة أي حوالي 2300 طن يورانيوم و20 طن بلوتونيوم ذو كفاءة متوسطة لصناعة القنابل الذرية) تمهيدًا لنقلهم لحاويات مدرعة تخزن فيها وحدات الوقود جافة لمدة حوالي 100 عام وهذا المخزن يتسع لأكثر من 450 حاوية تسع لأكثر من 30 ألف وحدة وقود بها أكثر من 30 طن بلوتونيوم. أما الوحدة الرابعة المنكوبة فقد تم تغليفها بغلاف خرساني ضخم لعزل الإشعاعات القوية الصادرة عن المفاعل حتى الوصول لوسيلة لرفع الوقود وعزله. ويوجد بالموقع معمل لمعالجة الفضلات النووية المتوسطة والمنخفضة الإشعاع وتحويلها لفضلات صلبة للتخزين.
ويستخدم مفتشو الوكالة العديد من الأجهزة لمعاونتهم في الرقابة على هذه المفاعلات وضمان عدم سرقة الوقود المستهلك المحتوي على كميات ضخمة من البلوتونيوم القابل للاستخدام في صناعة القنابل الذرية لو أمكن فصله عن الوقود المستهلك العالي الإشعاع. ومن أهم أجهزة المراقبة هذه هي الكاميرات والأختام خاصة الإلكترونية وأجهزة قياس الإشعاعات وهذه الأجهزة يمكنها إرسال نتائجها بالأنترنت لمكتب المراقبة في الموقع أو في مكتب قسم الضمانات والتفتيش في ڤيينا.
وبعد الغزو الروسي والاستيلاء على هذا الموقع اشتكت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بانقطاع النت والإرسال لڤيينا وأعلن الروس أن الكاميرات وباقي الأجهزة تعمل بدون تعطيل ولكن ما تم إيقافه هو النت. وقد يفهم ان الكاميرات تصور تحركات عسكرية قد لا يرغب الروس كشفها في هذا الوقت.
ب. موقع زابوروچيا: جنوب شرق أوكرانيا وقريب من جمهوريتي الدونبسك وبه 6 مفاعلات نووية للكهرباء كلها روسية التصميم والصنع من نوع الـ WWER-1000 الماء الخفيف المضغوط بمعدل إنتاج 1000 ميجاوات كهربي لكل وحدة ومن ثم فإن هذا الموقع يعد الأكبر لإنتاج الكهرباء في أوروبا. وكل مفاعل به 163 وحدة وقود. وتخزن وحدات الوقود المستهلك لهذه المفاعلات في بركة مياه داخل المفاعلات نفسها لحين اتخاذ قرار نهائي للتعامل مع الوقود المستهلك. كما يوجد بالموقع مخزن مركزي للوقود الجديد للاستخدام في كافة المفاعلات الستة وكذا مخزن للتخزين الجاف لحاويات الوقود المستهلك للمفاعلات الستة.
ومن يوم 28 فبراير نجحت القوات الروسية في السيطرة على هذا الموقع وكان به مفاعلين فقط يعملان في حين كان الأربعة الآخرين في حالة إغلاق مؤقت. وانتشرت بعض الشائعات عن قذف الروس العسكري لهذه المفاعلات مما أدى لاشتعال النار في إحداهم. وقد تم النفي القطعي من جانب روسيا لهذا وأيدتها بعض قنوات الأعلام الغربي بعد زيارة الموقع وتأكيدهم أن الروس كانوا مسيطرين على الموقع من فترة وأن القذف الذي حدث كان من جانب ما تسميه الحكومة الأوكرانية المقاومة وما يسميه الروس النازيون الجدد. وفي جميع الأحوال هذا القصف كان بعيدًا عن المفاعلات نفسها ولكنه أصاب مبنى خارج سور المفاعلات يستخدم في التدريب.
ج. موقع جنوب أوكرانيا: وهو أقرب للجنوب الغربي من أوكرانيا وبه 3 مفاعلات من نفس النوع الـ 1000 ميجاوات ومخزن للوقود الجديد. وقد حاصرت القوات الروسية هذا الموقع وكان منتظر الاستيلاء عليه في بداية المعارك ولكن توقف الروس ربما لأسباب تكتيكية.
د. موقع خملتينسكي: غرب البلاد وبه مفاعلين من نفس نوع الـ 1000 ميجاوات وبه أيضًا مفاعلين من نفس النوع تحت البناء منذ فترة طويلة. وبه أيضًا مخزن للوقود الجديد.
ف. موقع رافيني: شمال غرب البلاد وبه 4 مفاعلات 2 منهم بقدرة 440 ميجاوات و2 آخرين بقدرة 1000 ميجاوات وكلها مفاعلات روسية التصميم والصنع. ويوجد أيضًا مخزن للوقود الجديد لنوعي المفاعلات.
- مخازن الوقود النووي المستهلك والمنفصلة: توجد بالإضافة لبرك تخزين الوقود داخل مبنى كل مفاعل بركة كبيرة لتخزين الوقود في موقع تشرنوبيل. وفي 2020 تم استكمال أول مخزن في تشرنوبيل لتخزين وحدات الوقود المنقولة من بركة التخزين الرئيسية لحاويات مدرعة جافة لتخزينها في صالة المخزن الجديد. وتتم عملية نقل وحدات الوقود من البركة للحاويات تحت مراقبة أجهزة الوكالة سواء الكاميرات أو أجهزة قياس الإشعاع حتى يتم استخدام أختام الوكالة المختلفة بحيث لا يمكن فتح الحاويات مرة أخرى. ويوجد أيضًا مخزن لحاويات الوقود المستهلك في موقع زابوروچيا.
- معامل استخلاص البلوتونيوم من الوقود المستهلك: لا تملك أوكرانيا أي من هذه المعامل لكن يوجد بعض المعامل للتعامل مع الفضلات النووية متوسطة أو منخفضة
- الإشعاع لتركيزها والتخلص منهـا.
ويتبقى سؤالان هامان عن هذه الحرب يقلقا العالم أجمع:
السؤال الأول: هل يمكن لأوكرانيا الدولة التي كانت على أراضيها آلاف الأسلحة النووية وتملك برنامجًا نوويًا سلميًا قويًا أن تتملك أسلحة نووية كما ادعى الرئيس الروسي بوتين ومن ثم استخدام الأسلحة النووية سواء عن طريق تطوير أسلحة نووية وطنية أو عن طريق دعمها بالأسلحة النووية لحلف الناتو مما يؤدي لنشوب حرب عالمية؟
والسؤال الثاني: هل يمكن بسبـب الغزو الروسي واحتلاله لمواقع منشآت نووية في أوكرانيا خاصة المفاعلات ومخازن الوقود المستهلك سواء لأسباب فنية في إدارة هذه المفاعلات أو لأسباب عسكرية في تدمير بعضها بسبب الحرب مما ينتج عنه تسرب الإشعاعات النووية على نطاق واسع أسوة بما حدث بعد حادثة تشرنوبيل؟
تقديري في إجابة السؤال الأول أن احتمالات استخدام الأسلحة النووية في الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا هو احتمال ضعيف للغاية. أولاً لأن أوكرانيا لا تملك إمكانية تصنيع أية قنابل نووية في الوقت الحالي. فهي لا تملك إمكانية توفير مواد القنابل الذرية وأهمها اليورانيوم العالي التخصيب (أكثر من 90%) ولا البلوتونيوم العالي الجودة (لا تملك معامل فصل البلوتونيوم من الوقود المستهلك) كما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقوم بتفتيش مكثف بالأجهزة المتطورة ويمكنها اكتشاف أي مخالفات لأوكرانيا في استخداماتها السلمية للطاقة النووية ومن ثم يفهم ادعاء بوتين بسعي أوكرانيا لتطوير أسلحة نووية بانه تحزير سياسي. إما إمكانية التهديد باستخدام الناتو لأسلحته النووية في حالة استمرار روسيا في غزوها لأوكرانيا فهي تهديدات لا ترقى لمستوى تنفيذي لأن روسيا تملك من الأسلحة النووية ووسائل نقلها ما يعادل ما تملكه كل دول حلف الناتو وربما أكثر والجميع يعلم تمامًا أن استخدام الألوف من هذه الأسلحة سيؤدي لدمار العالم.
أما إجابة السؤال الثاني المتعلق بسوء الإدارة الفنية للمنشآت النووية التي سيطرت عليها روسيا مما يؤدي لحوادث كارثية مثل ما حدث في تشرنوبيل فهو احتمال ضعيف للغاية لأن كل هذه المنشآت هي تصميم وتصنيع روسي ومن أدارها في بدايتها هم الروس وهم الذين دربوا الأوكرانيين على تشغيلها كما أن المفاعلات الأربعة من نوع تشرنوبيل والمشكوك في درجة أمان تشغيلها كلها الآن في حالة إغلاق نهائي. أما الـ 15 مفاعل العاملين الآن فهم من الجيل الثالث ذو درجة الأمان العالية وبه أنظمة أمان تتغلب بها على المشاكل المماثلة لما حدث في تشرنوبيل وفوكوشيما في اليابان. وأقسى خسارة لما يمكن أن يحدث أثناء الحرب أن تغلق هذه المفاعلات وتفقد أوكرانيا أكثر من 50% من إنتاجها للكهرباء ومن ثم ستتوقف العديد من المشروعات. أما في حالة تعرض هذه المنشآت النووية للقصف والتدمير من أي جانب فهو أمر محتمل وخطورة هذا الأمر تعتمد على نوع المنشأة النووية وموقعها. فإذا كان مفاعل نووي مثل ال 1000 ميجاوات (13 مفاعل) فوجود الغلاف الخرساني القوي الحالي سيمنع وصول التدمير لقلب المفاعل إلا لو كانت القوة التدميرية أعلى من قدرات هذه المفاعلات. والمعروف أن تصميم غلاف هذه المفاعلات من طبقات الخرسانة المسلحة والخرسانة السابقة الإجهاد وغلاف الصلب كانت في بدايتها ذات سمك محدود خاصة في أول مفاعلين في أوكرانيا من نوع ال 440 ميجاوات في ريفني وهو ما تفادته مصر في تعاقدها على مفاعلاتها الأربعة في موقع الضبعة مع الروس بطلبها أن تكون غلافات هذه المفاعلات قادرة على تحمل سقوط طائرة تزن 400 طن وكذا مقذوف 25 طن بسرعة 200 متر في الثانية.
وهناك مفاعلين في روفيني في شمال الغرب من نوع 440 ميجاوات ولا يوجد به غلاف وقبة خرسانية مثل الآخرين.
وتعرض مخزن بركة الوقود المستهلك في تشرنوبيل وغيرها من المفاعلات للتدمير هو أمر وارد أيضًا. ومن ثم فاحتمال تعرض بعض المنشآت النووية الأوكرانية للتدمير ومن ثم تسرب الإشعاعات النووية هو أمر وارد.
وهناك مخاوف ظهرت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991م، وبدء تسرب بعض المواد والمعدات النووية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي لبعض عصابات المافيا النووية وبعض الدول المتطلعة للسلاح النووي وهو ما حدث في شبكة عبد القدير خان المعروف بابو القنبلة الذرية الباكستانية وهو من باع بعض وحدات تخصيب اليورانيوم من أحد مصانع التخصيب في الاتحاد السوفيتي لإيران وكذا فيما بعد لليبيا. وقد استطاعت إيران باستخدام هذه الوحدات البدء في برنامجها الضخم لتخصيب اليورانيوم. وكانت المخاوف في أوكرانيا عن إمكانية تهريب وحدات من الوقود المستهلك المحتوي على بلوتونيوم متوسط الكفاءة لعصابات أو دول أخرى ولكن احتمالات هذا السيناريو تقترب من الصفر خاصة أن أوكرانيا منذ استقلالها وهي تحت تفتيش الوكالة الذرية وإن الجانبين الشرقي والغربي يرغبون في أوكرانيا غير نووية ولا تستغل من دول أو هيآت أخرى.
الخلاصة
لا خوف أن تؤدي الحرب في أوكرانيا لاستخدام أسلحة نووية والدخول في حرب عالمية تدمر العالم وكذا لا خوف من سيطرة روسيا على بعض المنشآت النووية الأوكرانية لان كافة المنشآت هذه هي من تصميم وصناعة روسية ولديهم خبرة كبيرة في تشغيلها.
ولا خوف أيضًا في تسرب بعض المواد والمعدات النووية خارج البلاد سواء لعصابات نووية أو دول متطلعة للسلاح النووي لأن طرفي القوى النووية الكبار الشرقي والغربي لا يرغبون في هذا كما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقوم بدورها التفتيشي والرقابي هناك بكفاءة عالية.
ويتبقى احتمال تعرض بعض المنشآت هناك للقصف والتدمير ومن ثم تسرب كبير للإشعاعات النووية هو احتمال مع الأسف وارد.