array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 175

تكلفة الصراع ومخاطر استمراره يحفز أوكرانيا لإعادة النظر في احتمالات السلام مع روسيا

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2022

ألقت الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ 24 فبراير عام 2022م، بظلالِ كثيفةٍ على سياسيات واهتمامات الدول والمنظمات الدولية، ولم يسلم من الشواغل العديدة التي أحدثتها الحرب، أحد من الآحاد في كافة بقاع المعمورة، ولم تشهد المعمورة منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م، تهديد دولة عظمى باللجوء للخيار النووي، وارتعدت فرائص القارات جراء حصار الموانئ الأوكرانية وإعاقة تصدير الحبوب للعالم من سلة حبوب العالم.

وِفقاً لذلك ستتناول المقالة الانقسام الأوروبي حول مداخيل السلام، و كيفية العودة لمفاوضات السلام التي توقفت في مايو الماضي، وأهم المحفزات التي من شأنها ترغيب الدولتين المتحاربتين في السلام عوضاً عن الحرب، كما تَعرج المقالة على دور الولايات المتحدة في الحرب و السلام في أوكرانيا، وتتطرق المقالة أيضا لثمة دور أو أدوار مرتقبة لقوات حفظ سلام دولية في أوكرانيا، وكلفة الصراع و إعادة البناء و تأثيرهما في خيار السلام لدي أوكرانيا ، كما تتطرق المقالة لترتيبات ومقترحات السلام التي تفتقت عن قريحة العديد من المتابعين و الخبراء.

أوروبا منقسمة حول السلام في أوكرانيا

لم يستمر الإجماع الأوروبي على آليات رفض العدوان الروسي على أوكرانيا سوى الأسابيع الأولى التي تلت " العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا "، حيث فاجأ الأوروبيون العالم بوحدتهم وحسمهم، تجاه العدوان الروسي، ولربما كانت المفاجأة الأكبر في ذلك الصدد هي بسالة الأوكرانيين في دفاعهم عن استقلال وسيادة دولتهم وسلامة وحدتها الإقليمية، فشكلت هذه المقاومة نسقاً قوياً وقوة دافعة لموقف أوروبي موحد تجاه هذه الحرب، فَألهم الأوروبيون حكوماتهم لتبني موقف تاريخي لم تجربه أوروبا في أزمات عديدة، بيد أن الجدار الأوروبي الصلب شهد منذ الشهر الثاني للحرب في أوكرانيا بعضاً من التصدع، وبدأت  الشقوق تلوح، وبرزت  الخلافات بين الدول المنضمة قريبًا للاتحاد  الأوروبي مثل المجر ، و سائر الدول  الأصلية  التي دشنت الاتحاد في روما عام 1957م، حين شكلت اتفاقية روما حجر الأساس للتكتل  الاقتصادي الأوروبي .

لم يقتصر الخلاف الرسمي و الشعبي في دول الاتحاد الأوروبي تحديدًا حول أرجحية  إنهاء أقسى حرب شهدتها القارة العجوز، منذ أن وضعت الحرب  العالمية الثانية أوزارها 1939-1945م، مقارنة بالاستمرار في استنزاف قدرات الدب الروسي و تحييد مقدراته و خياراته تجاه أوروبا بشكل عام، واغتنام  الفرصة  الذهبية كما يرى الكثير من الخبراء  الأوروبيين، وخنق الدب الروسي في الجب الأوكراني كما يحلو لهم تسمية المأزق الروسي الأخير، وكلما حمي وطيس المعارك في أوكرانيا وتباين المواقف الرسمية للعدوين اللدودين تجاه المفاوضات الدبلوماسية بداءة ثم مضامين معاهدة السلام المرتقبة بين البلدين، كلما تباينت المواقف  الأوروبية الرسمية والشعبية أيضًا حول جدوى و تداعيات الجزاءات الشديدة التي فَعّلَتها دول  الاتحاد  الأوروبي ضد روسيا  الفيدرالية .

 لا شك أن واحدة من أهم التداعيات المباشرة على الأمن الأوروبي تمثلت في إجماع حكومات و شعوب دول معينة في أوروبا مثل  بولندا وألمانيا والسويد وفنلندا على زيادة الإنفاق العسكري، وتأتي أهمية ذلك  التوجه بالنسبة لهذه الدول  تحديدًا وفقًا لمعطيات مختلفة فألمانيا إحدى الدول  الأوروبية التي ما انفكت تربطها علاقات جيدة مع روسيا الاتحادية، ويأتي تعديل القانون الأساسي الألماني في صدد التسليح والإنفاق العسكري ليشكل ملمحًا أساسيًا وأثرًا مباشرًا للحرب الروسية الأوكرانية، وبولندا جارة التماس الكبير مع أوكرانيا والتي لا تقل عداوتها وحنقها على روسيا عن ذات العداوة والحنق الأوكرانيين تجاه روسيا، فالتاريخ الأسود الذي عاشته بولندا أثناء الحرب العالمية الثانية وحقبة الحقبة الفولاذية السوفيتية بعد هذه الحرب من المحال أن تنمحي من ذاكرة البولنديين بين ليلة وضحاها.

يعُد البولنديون بين أكبر الصقور في أوروبا، فكانوا أكثر الأوروبيين تشددًا في محاولة الإجهاز السريع والحاسم على الدب الروسي في أوكرانيا، فتاقوا منذ إطلاق الرصاصة الأولي في 24 فبراير الماضي لقطع كافة أوجه العلاقات الاقتصادية مع روسيا، ودعموا توجه الحكومة لإنهاء واردات الوقود الأحفوري من روسيا تمامًا، ورغبوا أيضًا في قطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، وإنهاء كل الاتصالات الثقافية معها أيضًا.

 أما  السويد وفنلندا، فالأولى أقدم دول  العالم في تبني الحياد ولذلك فالحدث  الجلل في أوكرانيا ينفي ثمة مفاجأة في التحول الدراماتيكي الخطير في هوية الدولة ونظامها السياسي والعسكرية وذلك بالإشارة إلى تقديمها طلبًا رسميًا للانضمام إلى الناتو ، والثانية الجار اللصيق لروسيا الفيدرالية فقد خُبِرَت بحرب ضروس مع الاتحاد السوفيتي السابق و شكلت الحرب  الأخيرة في أوكرانيا برهانًا ساطعًا لها في ضرورة توخي  الحذر وتأمين مصالحها العليا، ومن المؤكد أن حالة فنلندا صنو لحالة السويد في اللجوء للمنقذ والمغيث لهما من جموح الدب  الروسي .

أجرى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية استطلاع رأي لعموم عشر دول  في الاتحاد الأوروبي في منتصف شهر مايو، وتمحورت الأسئلة الرئيسية للاستطلاع حول كيفية انتهاء الصراع، وكذلك تأثير الصراع  على حياة الناس، وعلى بلدانهم، وعلى الاتحاد الأوروبي، والعواقب الاقتصادية والاجتماعية العالمية للحرب، وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن الرأي العام الأوروبي يتغير، خاصة وأن قابل الأيام يُنذر بعواقب أشد قسوة على المواطن الأوروبي، وستعتمد مرونة الديمقراطيات الأوروبية تجاه الصراع من جانب، و المواطن الأوروبي من جانب آخر في الغالب على قدرة الحكومات على الحفاظ على الدعم العام للسياسات والآليات التنفيذية التي تبنتها الدول الأوروبية ولأول مرة تجاه روسيا الفيدرالية، التي ستحيق، في نهاية المطاف، بالفئات الاجتماعية المختلفة في أوروبا، وهنا سيظل الهاجس الأكثر إثارة للقلق وقَض مضاجع السياسيين والمُنَظِرين الأوروبيين هو توجس الرأي العام لدى معظم الأوروبيين من أن الاتحاد الأوروبي هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب، أيضا ذهب  الانقسام مداه إلى اختلاف الأوروبيين حول الطريقة التي يرون بها كيفية انتهاء الحرب واللحظة التاريخية الفضلى التي تتوافر فيها المعطيات و الظروف والسياقات المختلفة لإبرام معاهدة السلام بين أوكرانيا و روسيا تنهي الحرب الضروس إنهاءً شاملاً و عادلاً، واللحظة التاريخية المشار إليها لن تتحقق إلا عندما ينحسر الشقاق بين الفصيلين العدوين الروسي والأوكراني، ولكن تتفق كافة  الحكومات الأوروبية على ترك الأمر للأوكرانيين أنفسهم لتقرير متى يوقفون الحرب والموافقة على شكل وطبيعة السلام مع روسيا .

 قصارى القول، إذا تمكن الاتحاد الأوروبي من الحفاظ على النسق القوي المتماسك حتى الآن تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، فإن أوروبا الوليدة اعتبارًا من 24 فبراير 2022م، ستضحي لاعبًا جيوسياسيًا حين تستطيع الخروج من ظل الحرب، بعد أن تكون اشتركت بفاعلية في صياغة سلام أوكرانيا ما بعد الحرب.

مُحفزات السلام في أوكرانيا

باستمرار  الجزاءات الاقتصادية ضد روسيا  يستبد  القلق بالمجتمع الدولي برمته، فالأثر  المباشر و المداهم في آنٍ لاستمرار الحرب وتزامن هذه الجزاءات الاقتصادية معها  ترتعد فرائص الجميع ودون استثناء من مغبة منع تصدير المواد الغذائية من أوكرانيا إلى بلدان في إفريقيا وغيرها والتداعيات الكارثية التي تصاحب ذلك، ولا يقتصر الهاجس على الحبوب ولكن وعلى المدى الطويل، فإن القارة العجوز يساورها أكبر هاجس جراء تدفق موجة جديدة ضخمة من الهجرة من شمال إفريقيا إلى القارة  الأوروبية، أيضًا يُعد التضخم المرتفع في معظم السلع، وأسعار الغاز والكهرباء  المرتفعة، و إعلان ألمانيا والنمسا الاستعاضة عن الوقود الروسي بالفحم، وتداعيات ذلك  القرار على البيئة بشكل عام، ثم ازدياد المخاوف من العودة إلى الوقود الأحفوري كبديل رئيسي للطاقة من أهم الهواجس المقلقة التي تجعل الدول والشعوب الأوروبية تفكر ملياً في النزوع نحو خيار السلام في أوكرانيا عاجلاً لا آجلاً .

ما هو الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة؟

ما برحت الولايات المتحدة تشكل اللاعب والضاغط الرئيسي لتسريع أو إنجاح المفاوضات التي تفضي لإبرام اتفاق سلام في أوكرانيا، ومن غير المتصور ألا تكون الولايات المتحدة الضامن الرئيسي الأول لأية اتفاقية تتعلق بضمان حياد أوكرانيا مثل التي أبرمت بشأن حياد النمسا في عام 1955م، قبل أن يقرها الدستور النمساوي ذاته في عام 1956م.

إن القيادة الأمريكية الضخمة على أصعدة مختلفة للتحالف الدولي المتعدد المناهض لروسيا، يمنح الثقة و الروح لأوكرانيا و لحلفاء الولايات المتحدة في الناتو كما يشكل كابوساً وحملاً ثقيلاً يجثم على صدر الدب الروسي خاصة في الأيام الأخيرة للمعارك المعقدة في ساحة القتال، ولولا الدعم  الأمريكي الهائل لأوكرانيا لما صمدت الأخيرة، و لما انسحب الدب  الروسي من كييف العاصمة ومناطق غير قليلة في أوكرانيا، ولذلك ستكون الهندسة الأمريكية حاضرة في الإجابة على  الأسئلة المحورية والتي تتعلق بأية اتفاقية سلام مثل: متى و كيف ولماذا وماذا و أين ؟

  مُعضلة الإقليم في ترتيبات السلام

الإقليم الأوكراني بكل مكوناته الجغرافية والتاريخية والجيوسياسية والقانونية سيشكل أصعب قضية وتحد للتوصل إلى المعاهدة أو اتفاق سلام بمستقبل شبه جزيرة القرم، وذلك في ظل الشد والجذب السياسيين على طاولة المفاوضات في الجولات السابقة أو ما وراء الكواليس، ويدق الأمر في ضوء الآمال المتزايدة لدى أوكرانيا ورئيسها في إمكانية تحرير الأقاليم التي احتلتها العناصر الانفصالية في عام 2014م، أو المناطق التي احتلتها القوات الروسية في الأشهر الأخيرة منذ 24 فبراير هذا العام.

هناك بعض المقترحات أو التسريبات المتعمدة المقترحة في هذا الصدد الوعر ، حيث يرى البعض بإمكانية أن تؤدي السيادة المشتركة أو التمتع بحكم ذاتي في المناطق ذات الأغلبية  للقومية الروسية في القرم، ودونيتسك، ولوهانسك  اللتان انفصلتا عن أوكرانيا قبل ليلتين من الغزو الروسي لأوكرانيا، وضمان استخدام اللغة الروسية في مجالات مثل التعليم والثقافة، حتى جعل أوكرانيا ثنائية اللغة رسميًا على غرار النموذج الكندي ويمكن التفاوض على هذه الوضعية المستحدثة لتلك الأقاليم في السنوات الخمس المقبلة، وربما يتشكل ذلك النموذج السياسي الإداري في إطار مماثل للأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي في كوردستان العراق و إسبانيا.

تحفيز بوتين لعملية السلام

إن التطورات الميدانية العسكرية في جبهة القتال في أوكرانيا فضلاً عن مدى مقاومة أو التعايش الروسي مع أكبر جزاءات دولية تتعرض لها دولة عظمى في التاريخين الحديث والمعاصر سيكون لهما الأثر الكبير والأهم في الخيار الروسي بشأن المسار إلى السلام وكيفية تحقيقه، لكن هناك وسائل أخرى لجذب الرئيس بوتين إلى محادثات السلام النهائية والتفاوض بشأن سيطرته على الأراضي الأوكرانية، عن طريق إتاحة الفرصة له للمساومة مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن شكاواه الأوسع نطاقًا.

 إن أي عملية سلام قابلة للحياة في أوكرانيا وفيما يخص الاستجابة للمطالب  الروسية ستتضمن هذين العنصرين: الأول، توسيع نطاق عملية السلام بما يتجاوز مجرد المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لتشمل مفاوضات منفصلة تشمل أوروبا وحلف شمال الأطلسي،  لتشجيع روسيا على تقديم تنازلات صعبة لأوكرانيا (لا سيما الانسحاب من الأراضي التي استولت عليها روسيا في الحرب)، و الثاني إعادة ضبط علاقات روسيا الفيدرالية مع الاتحاد الأوروبي والتي تعطلت منذ حرب القرم عام 2014م، ولذلك فمن شأن إدماج ذلك  المزيج الكامل من المفاوضات، المتكافئة والمتشابكة، قد يغري الرئيس بوتين على التخفيف من صلابة موقفه تجاه قضايا يعدها حيوية لدولته مثل السيادة على بعض  الأقاليم الأوكرانية.

قوات حفظ سلام أممية

يظل  الرقم  الأهم حتى اللحظة الآنية ووفقًا للمبارزات  السياسية الأوكرانية (الغربية) الروسية هو الأقاليم التي احتلتها روسيا في الشرق والجنوب الأوكرانيين، وهذه الحقيقة  الواقعة هي أبرز الإنجازات التي حققتها القوات الروسية تجسيدًا لما كشفت عنه، حتى الآن، ما أطلقت عليه العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ولذلك لحين إبقاء الوضع  الواقعي للأراضي الأوكرانية التي استولت عليها روسيا، ولتجنب خطر قيام روسيا بتعزيز سيطرتها على أجزاء أخرى من أوكرانيا، يمكن لعملية السلام أن تُنشئ فضاءً جديدًا  كمنطقة عازلة في هذه المناطق تحت سيطرة الأمم المتحدة أو طرف ثالث حتى تكتمل المفاوضات، وسيعوز إنشاء مثل هذه القوات ترتيبات معتادة من قبل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة لترتيب اتفاق إنشاء القوة وولايتها والتفاوض مع الدولتين المتحاربتين روسيا وأوكرانيا فضلا عن الدول الراغبة في المساهمة في هذه القوات.

كُلفة الصراع وإعادة البناء

مهما وصل مدى الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي والغربي لأوكرانيا، فالحرب الممتدة التي لا يستطيع أي خبير، ووفقًا للمتغيرات الدراماتيكية في الميدان، ستدق أجراس النذير لدى أذهان الرئيس الأوكراني وحلقة مستشارية، وبالطبع لن يشنف ذلك الناقوس آذان الأوكرانيين، بل سيدفعهم في تغليب النظرة الاستشرافية لمستقبل ما بعد الصراع، لذلك فتكلفة الصراع والمخاطر الباهظة لاستمراره من شأنهم أن يحفزوا الأوكرانيين لإعادة النظر على الأقل في احتمالات السلام مع روسيا.

فضلاً عن آلاف الضحايا الأوكرانيين، كانت تكلفة الحرب ضارة بالاقتصاد الأوكراني، كما أشارت دراسة حديثة أجرتها كلية كييف للاقتصاد، فقد خسرت أوكرانيا ما يصل إلى 600 مليار دولار بسبب الحرب، ومن إجمالي النفقات ، هناك 92 مليار دولار من البنية التحتية المتضررة مع تعطيل  ما يزيد عن  195 مصنعًا، وشكلت الأضرار التي لحقت الشركات الأوكرانية آثارًا سلبية  كبيرة على اقتصاد البلاد، والتي قدر البنك الدولي أنها ستتقلص بنحو 45 في المائة، كما  أفاد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن نصف الشركات الأوكرانية قد أغلقت، والبقية تعمل أقل بكثير من طاقتها، ودفع ذلك أبرز الصناعات الأكثر في أوكرانيا، مثل الصلب والحديد والأخشاب، إلى التوقف تقريبًا، و مع تدمير مصنع آزوفستال في ماريبول، وآخر مصفاة نفط عاملة في أوكرانيا ، فإن استعادة القدرة الصناعية للبلاد إلى مستويات ما قبل الحرب ستثقل كاهل الدولة الأوكرانية .

لقد اعتمدت أوكرانيا أيضًا على المساعدات العسكرية والاقتصادية من مختلف دول الناتو، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ومع ذلك، فإن اعتماد كييف على الداعمين الغربيين يمثل خطرًا حاسمًا إذا تضاءل التزام الناتو تجاه أوكرانيا، وبالرغم أن الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون في الناتو قد خصصوا بالفعل مليارات الدولارات من أجل التمويل والأسلحة، لكن من غير المؤكد إلى متى سيستمر الغرب في تمويل المجهود الحربي الأوكراني.

أبرز ترتيبات السلام المرتقبة في أوكرانيا

مضت على الحرب في أوكرانيا أربعة أشهر، وتزامنا مع أزيز الطائرات ودوي المدافع شَحذ المفكرون والخبراء أذهانهم وتَفتقت قرائح معظمهم عن مقترحات مُهمة لخطة سلام تنهي الحرب الضروس بين الجارين العدويين، وتُعد المسائل والقضايا الآتية أبرز المقترحات المتوائمة التي يمكن أن تلبي احتياجات الدولتين بشكل رئيسي:

1-إبرام معاهدة سلام تنهي بشكل دائم حالة الحرب بين البلدين وضمان من منظمة الأمم المتحدة والدول الرئيسة الفاعلة التي ترتضيها كلاً من روسيا وأوكرانيا، ويكون حياد وضمان استقلال وسيادة الوحدة الإقليمية لأوكرانيا أحد أهم المضامين الرئيسية في معاهدة السلام. 

2-تعديل الدستور الأوكراني بما يتضمن النص على الحياد الدائم لأوكرانيا مع ضمان استقلالها وسيادتها الوطنية وسلامة أراضيها، ويعد نموذج النمسا عام 1956م، مثلاً يحتذى في هذا الصد د.

3-إقرار الدستور الأوكراني بالترتيبات المناطقية الجديدة في أوكرانيا في شبه جزيرة القرم، سواء فيما يتعلق بحقوق القومية الروسية هناك كما ورد سابقًا في اتفاقية مينسك أو الهياكل البرلمانية و السياسية و البلدية الجديدة في القرم ودونباس .

4 ـ سحب روسيا جميع قواتها العسكرية إلى مواقعها قبل الغزو يوم 24 فبراير 2022م.

5 ـ إجراء استفتاء شعبي بحلول سبتمبر 2022م، لمنطقة دونباس بأكملها، بما في ذلك كل من ولايتي لوهانسك ودونيتسك ، حول ما إذا كان مواطنوها يرغبون في الاستقلال أو العودة إلى السيطرة الأوكرانية، وسيتم إجراء هذا الاستفتاء من قبل الحكومات المعنية في ولايتي لوهانسك ودونيتسك، وفي حالة تصويت غالبية مواطنيها للبقاء جزءًا من أوكرانيا، يجب أن تكون منطقة دونباس منزوعة السلاح بشكل دائم مع انسحاب جميع القوات الروسية والأوكرانية.

6ـ ستعلق أوكرانيا بشكل دائم جميع علاقاتها بدول الناتو، بما في ذلك المدربين العسكريين، وعمليات تبادل الخبرات والاستشارات العسكرية، والتدريبات العسكرية المشتركة، كما تحظر أوكرانيا تمركز قوات الناتو أو قواعده على أراضيها.

7ـ يُحظر على أوكرانيا تطوير أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك الأسلحة النووية أو البيولوجية أو الكيميائية، وستغلق جميع معامل الأبحاث البيولوجية التي تمولها الولايات المتحدة في غضون أجل قصير من توقيع هذه الاتفاقية، وبمراقبة من هيئات ووكالات منظمة الأمم المتحدة المعنية.

8- ستوافق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تقديم المبلغ الضروري من المساعدات الاقتصادية للمساعدة في عملية إعادة إعمار أوكرانيا.

9 استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك بين روسيا وجميع دول الناتو، بعد توقيع هذه الاتفاقية.

10-عند تنفيذ كلا الطرفين لاتفاقية السلام هذه، تُلغى جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا بعد الغزو على الفور، وستُعاد أي أصول مالية واقتصادية روسية عامة وخاصة تم الاستيلاء عليها إلى أصحابها، بشرط التزام روسيا بشروطها.

11- تصدر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضمانات مكتوبة بأن الناتو لن يتوسع شرقاً إلى جمهوريات سوفيتية سابقة أو على طول حدود روسيا (أي فنلندا)، وفي مقابل هذه الضمانات، ستوافق روسيا على انضمام أي دولة أوروبية أخرى لا تقع على حدود روسيا إلى حلف الناتو.

12-توافق روسيا وحلف الناتو على بدء المناقشات لإدراج روسيا في الهيكل الأمني ​​لأوروبا، وتجديد معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF)، والتفاوض بشأن اتفاقية متابعة لمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا (CFE).

خاتمة

خلافاً لعديد الصراعات المسلحة بين الدول، تقاطعت وتغايرت في الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا مصالح وسياسات الدول المؤيدة لطرفي الحرب في أوكرانيا، وستكون لهذه التجاذبات المختلفة بالغ الأثر في التحضير لترتيبات معاهدة سلام تنهي الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتُرسي لنظام أمني جديد لا يقتصر على أوكرانيا ولكن سيطال ذلك النظام إعادة هيكلة النظام الأمني المؤسسي لحلف الناتو وروسيا الفيدرالية أيضًا.

مقالات لنفس الكاتب