array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

وثائق (ويكيليكس): اكتشافات خطيرة أم ضجة مفتعلة؟

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

هل تستحق وثائق (ويكيليكس) كل هذه الضجة التي أثارتها عالمياً، أم أنها زوبعة في فنجان سيزول كل أثر لها بعد أيام؟ فأن ينشر موقع إلكتروني مئات آلاف الوثائق مرة واحدة تتعلق بسياسة واستراتيجية دولة عظمى وعلاقتها بغيرها من الدول يعتبر ولا شك أمراً مثيراً للاهتمام، وأن تتعلق هذه الوثائق بواشنطن وصراع الشرق الأوسط كصراع ما زال مفتوحاً أيضاً يعتبر أيضاً أمراً مهماً ومثيراً للاهتمام.

لكن هل في هذه الوثائق ما هو جديد وغير متداوَل قبل نشر الوثائق؟ ومن هي الأطراف المتضررة من نشرها؟ هل هي واشنطن أم دول المنطقة كشعوب وأنظمة وعلاقات جوار؟ وهل نشر الوثائق الآن منقطع الصلة عن مراكز قرار أمريكية؟ وهل الموضوع بعيد عن سياسة (الفوضى البناءة) التي تتبناها الإدارات الأمريكية؟

نعتقد بداية أن المهم في قضية موقع ويكيليكس والوثائق السرية التي نشرها يكمن في قدرة الموقع على الوصول إلى هذه الوثائق ونشرها للعموم، وفي هذا السياق نحن أمام احتمالين:

الاحتمال الأول: إن هذه الوثائق سرية (top secret)، وإذا كانت كذلك بالفعل فكيف تم تسريبها؟ ومن هي الجهة التي تقف وراءها؟ حيث من المعلوم أن الوثائق التي تُصنف سرية يتم التحفظ عليها ولا تُعلن للعموم إلا بعد عشرات السنين، وفي كل عام تعلن وزارات الخارجية الأمريكية أو البريطانية مثلاً عن كشف وثائق مرت عليها الفترة الزمنية المحددة للتكتم. واستطراداً إذا كانت سرية جداً فلماذا لم تعلن واشنطن عن متابعة ومحاكمة أصحاب موقع ويكيليكس لأنهم اخترقوا المنظومة الأمنية للبنتاغون أو لوزارة الخارجية وهددوا الأمن القومي؟

الاحتمال الثاني: إن هذه الوثائق لا تُصَنَف كوثائق سرية جداً وبالتالي تم تواطؤ مسؤولين في الإدارة الأمريكية لتسهيل تسريب هذه الوثائق أو أن الوثائق لم تكن محصنة جداً لعدم خطورتها بالنسبة للإدارة الأمريكية، وبالتالي لا قيمة لكل هذه الضجة حولها.

قد يقول قائل إن طبيعة الحياة السياسية والنظام السياسي والقانوني الأمريكي تفسح فضاء من الحريات يسمح للصحف والمواقع الإلكترونية بحرية الوصول إلى الحقيقة أو لأي معلومة مهما كان مصدرها وموقعها، وأن الثورة التقنية عززت هذا الفضاء من الحرية.. إلخ، وبالتالي لا تستطيع الإدارة الأمريكية متابعة أصحاب الموقع قانونياً. ونعتقد أن هذا الكلام غير صحيح كلياً، فقد رأينا كيف قامت واشنطن بإغلاق جمعيات ومواقع إلكترونية واعتقلت الآلاف من الأشخاص تحت ذريعة الحفاظ على الأمن القومي ومحاربة الإرهاب، ولو كانت وثائق ويكيليكس تهدد الأمن القومي الأمريكي فلن تعدم واشنطن الوسيلة لإغلاق الموقع أو متابعة أصحابه قانونياً.

إن المتابع للوثائق المنشورة سيلاحظ أنها لم تمس بالصميم الإدارة الأمريكية ولا المصالح الاستراتيجية الأمريكية، ولم يتم ذكر أسماء مسؤولين أمريكيين وتحميلهم مسؤولية جرائم وانتهاكات خطيرة تم ارتكابها في العراق أو أفغانستان أو مناطق أخرى، كما لم يتم تجريم إسرائيل الحليف الاستراتيجي لواشنطن، لكن هذه الوثائق سببت حالة من الإرباك والإحراج لدول وحركات سياسية وخصوصاً في الشرق الأوسط، وزادت من حالة انعدام الثقة بين المكونات السياسية والاجتماعية لدول المنطقة، وهذه الحالة بالضبط مطلب استراتيجي أمريكي تم توضيحه في استراتيجية (الفوضى البناءة) التي تبنتها وعملت عليها الإدارة الأمريكية السابقة، الأمر الذي يبرر أيضاً التساؤل عما إذا كان تسريب الوثائق يندرج في إطار التنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ومحاولة إدارة أوباما تسجيل نقاط لصالحها من خلال كشف أخطاء وتجاوزات الإدارة السابقة؟ وهل يمكن النظر لنشر الوثائق كمحاولة من الإدارة الأمريكية لتبييض صفحتها وتحميل مسؤولية ما يجري في العالم لأخطاء وسياسات الحلفاء وليس لأخطاء في الاستراتيجية الأمريكية؟ ألا يمكن اعتبار نشر هذه الوثائق محاولة من ذوي قرار واستراتيجيين أمريكيين يريدون تطهير أمريكا من الصورة السلبية التي ألصقت بها، واستنهاض المجتمع الأمريكي وإعادة الثقة له بعد الأزمة المالية والاقتصادية التي هزت أركانه، وخصوصاً أن أصحاب الموقع سينشرون وثائق لها علاقة بمؤسسات بنكية ورجال أعمال وشركات كبرى أمريكية؟

نعود الآن إلى محتوى الوثائق وخصوصاً بما له علاقة بالشرق الأوسط، هذا مع افتراض أن الوثائق صحيحة وسرية، ومع الأخذ في الاعتبار أن غالبية الوثائق هي تقارير ومراسلات لدبلوماسيين أمريكيين وأوروبيين تتحدث عما سمعوه أو عن وجهات نظرهم في القضايا المطروحة، وبالتالي لا تعبر عن مواقف رسمية مؤكدة، كما أنها معلومات تعبر عن حقيقة السياسة الدولية، فهي ليست غريبة عن المُلم بالسياسة الدولية، لكنها قد تثير عجب من يتعامل مع السياسة كعالم من المثل والقيم الأخلاقية. إن كل ما ورد في وثائق ويكيليكس ليس بالأمر الخفي، فمثلاً أن تطلب الإدارة الأمريكية من سفرائها ومن أجهزة استخباراتها معلومات عن الأمين العام للأمم المتحدة أو عن قيادات وأحزاب سياسية كحركة حماس وحزب الله فهذا ليس بالأمر المستهجن ولا بالكشف الجديد، فكل دولة في العالم معنية بجمع معلومات عن دول العالم وقادتها وعن الأحزاب السياسية الناشئة، فالدول تتجسس حتى على حلفائها فكيف نستغرب أن واشنطن تجمع معلومات عن الأمين العام للأمم المتحدة أو عن حماس أو رجالات السلطة الفلسطينية؟

أما بالنسبة لإيران والعراق والموقف العربي، فالجميع بات على علم بالتواطؤ الإيراني على العراق ودور إيران في تمويل ودعم الميليشيات الشيعية وكل متابع للشأن العراقي يعرف أنه لولا الدور الإيراني المساعد لما تمكنت واشنطن من احتلال العراق بهذه السهولة وما كانت مخططاتها لتقسيم العراق وتأجيج الحرب الأهلية فيه حققت نجاحاً، الأمر نفسه بالنسبة لدور الميليشيات الشيعية وحكومة المالكي في الجرائم التي ترتكب في العراق، كل ما فعلته هذه الوثائق أنها زادت من تأجيج الاحتقان الطائفي وحمَّلت أطرافاً عراقية وإيران مسؤولية ما جرى ويجري في العراق بدلاً من تحميل كل المسؤولية للإدارات الأمريكية المتعاقبة. أيضاً فإن ما تعتبره الوثائق أو المعلقون عليها والمحللون لها، أنه اكتشاف لدور أنظمة عربية في الحرب على العراق أو في معاداة إيران، فهذا ليس بالاكتشاف بقدر ما هو تأكيد على حقائق ووقائع يعرفها حتى رجل الشارع العادي. الجميع يعلم مثلاً أن التحالف الثلاثيني الذي حارب العراق وشارك فيما سمي حرب تحرير الكويت عام 1991 كان يضم قوات مسلحة من عدة دول عربية، وأن أهم القواعد العسكرية الأمريكية الخارجية توجد في قطر، كما أن الجميع يعلم أن صراعاً خفياً بل حرب خفية وعبر وكلاء تجري ما بين طهران وأنظمة عربية تتخوف من المشروع الإيراني ومن احتمال حصولها على سلاح نووي. ومن دون الحاجة لوثائق ويكيليكس فقد صرح أكثر من زعيم عربي برفضه للسياسة الإيرانية وتخوفه مما سماه (المثلث الشيعي)، وأن تقول وثائق ويكيليكس إن زعماء عرباً طالبوا واشنطن بضرب إيران أو أبدوا استعدادهم لتسهيل مهمتها، فهذا ليس بالأمر الجديد أو المستغرب نظراً للعلاقات الاستراتيجية والاتفاقات الأمنية والعسكرية ما بين واشنطن والعديد من الدول العربية، فما الغريب إذن بأن تشارك في ضرب إيران الدولة مثيرة الفتن الطائفية وذات المطامع الواضحة في العالم العربي؟ ثم أليست التحالفات جوهر الحياة السياسية الدولية اليوم وعبر التاريخ؟

أما بالنسبة للوضع الداخلي الفلسطيني، فقد كانت الوثائق فرصة لذوي النفوس المريضة وللذين يتهربون من المصالحة، حيث قرأ هؤلاء الوثائق بطريقة منحرفة تدعم أفكاراً مسبقة لديهم وليس قراءة موضوعية. فالبعض اعتبر أن قول تسيفي ليفني إنه من الصعب التوصل إلى حل مع (أبو مازن) كأنه إقرار بفشل نهج (أبو مازن) التفاوضي وليس إقراراً بتمسكه بالثوابت وعدم خضوعه لكل الضغوط والإغراءات الأمريكية والصهيونية، كما قرأوا قول مسؤولين إسرائيليين إنهم طرحوا على مصر والسلطة تسلم قطاع غزة بعد الحرب بأنه يدل على تنسيق إسرائيلي مع مصر والسلطة في الحرب على غزة، بينما القراءة الموضوعية للوثيقة هي رفض مصر والسلطة المشاركة في هذه الحرب ورفضهما إسقاط حركة حماس على يد الإسرائيليين.. إلخ.

وختاماً نقول إن ما قام به موقع ويكيليكس دشن حقبة جديدة من التحولات الإعلامية المرتبطة بعصر العولمة والثورة التقنية، هذه الأخيرة التي كسرت كثيراً من المحرمات، وجعلت الدبلوماسية السرية أكثر صعوبة، وقد تتحول مواقع إلكترونية كأدوات لدبلوماسية جديدة تلجأ إليها الدول لتمرير ما لا ترغب في تمريره من معلومات من دون أن تتحمل المسؤولية المباشرة عنها، ولا نستبعد أن تتكاثر مثل هكذا مواقع مع مرور الأيام مما يتطلب منا كعرب ومسلمين، وخصوصاً المثقفين والمفكرين، الحذر عند التعامل مع هكذا مواقع ومعلومات. 

مجلة آراء حول الخليج