array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 175

الحياة النيابية الخليجية والنجاح المتدرج

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2022

الحياة النيابية في دول مجلس التعاون الخليجي في حقيقتها قديمة قدم أنظمة الحكم الموجودة في شبه الجزيرة العربية منذ حياة العرب الأولى قبل الإسلام، وليست طارئة أو جديدة كما يتصورها البعض، فالحياة النيابية التي قوامها الشورى وهي من التقاليد العربية القديمة، ثم أصبحت من آليات الحكم الإسلامي المتوارث في شبه الجزيرة العربية، فمن المعروف أن الشورى والبيعة ودور أهل الحل والعقد من مرتكزات الحكم الرشيد في الإسلام، وقبل ذلك كان مستمدًا من عادات وتقاليد القبيلة العربية التي هي نواة الدولة الحديثة في شبه جزيرة العرب، فعندما كان يسود حكم القبيلة قبل الدولة الوطنية الحديثة ، كان يخضع أبناؤها للموروث القبلي واحترام شيخ القبيلة الذي كان هو بدوره يحكم بالتشاور مع الوجهاء من بني قبيلته ؛ قبل الإسلام وبعده، ثم جاءت الدولة الوطنية الحديثة لتطور نظام الشورى وتضعه ضمن أطر برلمانية حديثة وحياة نيابية سليمة لخدمة الدولة والمجتمع من خلال آلية نيابية ومجالس لها دور في الرقابة والمشورة ، ودراسة القضايا المجتمعية بكل أنواعها الاقتصادية، والسياسية، والأمنية، والاجتماعية كغيرها من المجالس في مختلف دول العالم.

ومجالس الشورى أو البرلمانات الخليجية واكبت متطلبات الدولة الحديثة وحاجة شعوبها، ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال كانت الشورى واحدة من سمات الدولة السعودية الأولى ، واستمرت حتى عهد مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل ـ طيب الله ثراه ـ وتتابعت حتى العهد الزاهر ،عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ حيث كان في البداية المجلس الأهلي عام 1924م، وهو أول مجلس منتخب، ثم تحول إلى المجلس الأهلي الشوري في عام 1925م، وجاءت المرحلة الثالثة عام 1926م، بتشكيل مجلس منتخب يمثل جميع حارات مكة المكرمة وأخذ هذا المجلس يتطور إلى أن جاءت المرحلة السادسة التي استمرت من عام 1928م، حتى العام 1980م، وفي عام 1992م، صدر النظام الحالي لمجلس الشورى الذي يضم 150 عضوًا يمثلون كافة شرائح ومناطق المملكة ومن ذوي الكفاءات العالية حيث بينهم 92 عضوًا يحملون درجة الدكتوراه في مختلف التخصصات وبينهم 16 عضوًا ممن يحملون لقب معالي (الوظائف الممتازة) وثمانية نواب يحملون رتبة لواء، و20 % من إجمالي عدد أعضاء المجلس من النساء المتعلمات مما أثرى عمل المجلس الذي يضم 15 لجنة متنوعة، وهذا ما ينطبق على المجالس النيابية الخليجية في دول مجلس التعاون الست، فهي مجالس تقوم بدورها الوطني حسب الأنظمة الأساسية للحكم وتعمل دول المجلس على تطويرها وتجديدها واستحداث العديد من الآليات سواء في تعيين الأعضاء أو انتخابهم، وإن كان التعيين يراعي طبيعة المجتمع حيث يتم اختيار العناصر المتميزة، كما جاء في النظام الأساسي لمجلس الشورى السعودي (المادة الثالثة) التي نصت على أن " أعضاء مجلس الشورى يختارهم الملك من أهل العلم والخبرة والاختصاص" وهذه المجالس تقدم المشورة وتتعاون مع السلطة التنفيذية ولها دور في المساءلة والاستماع إلى مطالب الشعوب، بل يقوم الأعضاء بجولات في المناطق  كما هو في المملكة العربية السعودية  لمعرفة الاحتياجات ومناقشتها ورفعها إلى ولي الأمر، بل هذه المجالس  تجاوزت حدود الداخل للتعاون مع البرلمانات المماثلة في العالم حيث تحمل عضوية البرلمان العربي والدولي .

وللمجالس النيابية الخليجية دور مهم في السياسة الخارجية لدول المجلس عبر لجان الصداقة مع البرلمانات في مختلف دول العالم، ويقوم أعضاء هذه اللجان بتبادل الزيارات وتوثيق عرى العلاقات مع البرلمانات في مختلف دول العالم، وتعتبر من أهم تشكيلات المجتمع المدني الممثل للشعوب، واستطاعت هذه اللجان أن تنقل نبض شعوبها والتعريف بحقيقة نهضتها واحترام حقوق الإنسان والحوار مع الآخر إلى دول العالم، ولعل صدور الوثيقة الأوروبية للشراكة مع دول الخليج العربي في مايو من العام الحالي 2022م، يعد نجاحًا للدبلوماسية البرلمانية إلى جانب دبلوماسية وزارات الخارجية، حيث قدم الاتحاد الأوروبي هذه الوثيقة لتكون برنامج عمل مع مجالس الشورى والبرلمانات في دول مجلس التعاون، واعتبرت هذه الوثيقة أن     " الاتحاد الأوروبي سيحظى بمكاسب جيدة من خلال الشراكة والتعاون مع برلمانات دول مجلس التعاون"، وتضمنت هذه الوثيقة زيادة عدد مكاتب بعثات برلمان  الاتحاد الأوروبي في دول الخليج، والتوسع في دخول مواطني دول مجلس التعاون إلى الدول الأوروبية بدون تأشيرات.

وإن كانت وثيقة الاتحاد الأوروبي تمثل اعترافا بأهمية دور الحياة النيابية في دول مجلس التعاون، وشهادة من أكبر تكتل برلماني في العالم، إلا أننا في دول مجلس التعاون نثق في أهمية مجالسنا ونعرف طبيعة دورها الذي ينسجم مع تركيبة مجتمعاتنا وعلاقة الحاكم بالمحكوم القائمة على مبدأ الشورى وعلى سياسة الباب المفتوح حيث لا حواجز بين القادة والشعوب ؛ فهم يلتقون في الأفراح وفي الأتراح ومختلف المناسبات وصوت المواطن يصل  إلى رأس الدولة وصانع القرار في أي وقت وبدون بروتوكولات أو عوائق، وإن كانت دولنا لا تكتفي بما تحقق فهي تعمل  بسياسة التدرج في التعامل مع تشكيل المجالس النيابية، وهذا ما حدث مع هذه المجالس خلال مسيرتها، وفي ذلك يتفق الحاكم وأبناء شعبه على أن الشعوب نشأت على تقاليد القبيلة العربية الأصيلة والقيم الإسلامية النبيلة ، وعلى طرق التخاطب الراقي ،وإدارة الحوار بلغة هادئة رصينة تبني ولا تهدم، ومع ذلك تظل شعوبنا متطورة ومتحركة غير جامدة ، ومتدرجة لأن شعوبنا حية ، وفي مجملها شعوب شابة وعلى دراية بظروفها في شتى مناحي الحياة سواء كانت برلمانية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية وترفيهية، أو غير ذلك  وتعمل من أجله ما دام ذلك يصب في مصلحة المواطن وتحقيق رفاهيته.

وأخيرًا، لقد نجحت هذه المجالس في إيصال صوتها إلى العالم، ونأمل أن يستطيع الإعلام المساهمة في نقل هذه التجربة إلى الخارج، وأن نعمل جميعًا على زيادة إيجابيات هذه التجربة وتلافي سلبياتها. 

مقالات لنفس الكاتب