array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 176

استمرار العلاقات السعودية ـ الأمريكية الوثيقة طالما بقيت المصالح المشتركة

الخميس، 28 تموز/يوليو 2022

    الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى، كانت، حتى عهد قريب، هي الدولة العظمى الوحيدة، التي جعلت النظام العالمي أحادي القطبية، فانفردت بصدارة هذا النظام، منذ العام 1991م، الذي بدأ يتحول مؤخرًا، وإن ببطء، إلى منتظم "الأقطاب المتعددة" (أمريكا، الصين، روسيا). ومع ذلك، ما تزال أمريكا تتصدر النظام العالمي الراهن، حتى مع وجود شركاء يشاركونها هذه الصدارة. ما تزال الأولى بين أنداد. ولذا، فإن لها سياسات كونية، تكاد تغطي كل الكرة الأرضية. ومن ذلك سياستها نحو المنطقة العربية، أو منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك منطقة الخليج العربي، والتي تتصدرها المملكة العربية السعودية. والحديث عن العلاقات السعودية-الأمريكية يتطلب- في رأينا-التقديم له بالحديث الموجز عن السياسة الأمريكية نحو المنطقة العربية، بصفة عامة، والسعودية بخاصة.

الاهتمام الأمريكي بالمنطقة:

    بعد تأكد أهمية المنطقة العربية النفطية، أخذت بريطانيا التي كانت تسيطر على معظم هذه المنطقة سياسياً، منذ سنة 1820م، تقريباً، تهتم بالخليج لذاته، بسبب الثروة النفطية التي تبين وجودها به. وقد كان اهتمام بريطانيا بهذه المنطقة في السابق نابعاً من كونها – أي منطقة الخليج – بوابة الهند والشرق. وبدأت معظم دول الغرب توجه أنظارها نحو الخليج والعالم العربي لذاته. وقد كان مجيء شركات النفط الأمريكية الكبرى هو مقدمة للاهتمام الأمريكي البالغ.  وأدى نجاح هذه الشركات في التنقيب عن النفط، وإنتاجه بالمنطقة، إلى تزايد اهتمام الحكومة الأمريكية بهذه المنطقة ...  ذلك الاهتمام الذي تجسد في: تواجد عسكري، واتفاقيات دولية، والذي يهدف لحماية المصالح الاقتصادية والسياسية الأمريكية المتنامية بها.

   ورغم حصول بعض التنافس بين بريطانيا من جهة والمصالح الأمريكية في المنطقة من جهة أخرى، إلا أن الولايات المتحدة (ومعظم دول الغرب الأخرى) كانت تؤيد الوجود البريطاني بالخليج، وتعتبره ضرورياً، لحماية المصالح الغربية، بصفة عامة. ثم تحول هذا التأييد لاحقًا لأمريكا .  وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، وخروج بريطانيا منهكة من تلك الحرب، وتبوأ كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق مركز زعامة العالم، استمرت بريطانيا في الخليج، ولكن إمكاناتها العسكرية والاقتصادية لم تعد تسمح لها بمزيد من الاستمرار، فاضطرت، سنة 1968م، إلى إعلان رغبتها في الانسحاب (عسكرياً) من منطقة الخليج وشرق السويس بحلول سنة 1971م. وهذا ما حصل بالفعل. إذ انسحبت بريطانيا نهائياً، من المنطقة في 9/11/1971م. 

وقد أثار قرار بريطانيا الانسحاب من الخليج ما عرف في الغرب (وخاصة في الولايات المتحدة) بقضية "أمن الخليج". حيث إن انسحاب بريطانيا، وهي القوة الغربية الحامية للمصالح الغربية بالمنطقة، كان يمكن أن ينتج عنه (في رأيهم) "فراغ قوة". وأن ذلك الفراغ يمكن أن تحل فيه قوى أخرى معادية للغرب في المنطقة... مما يعرض المصالح الغربية الحيوية لخطر جسيم - في تقديرهم.

  

  وقامت الولايات المتحدة بـ "ملء" ذلك الفراغ، وعمل ترتيبات عسكرية وسياسية معروفة لـ "سد" هذه الثغرة، التي يمكن أن تنفذ منها القوى المعادية للغرب – وخاصة الاتحاد السوفيتي السابق – لقطع شريان الحضارة الغربية، أو تحطيمها، أو جعلها تحت رحمة القوى المناوئة للغرب، وأمريكا بخاصة. ومن ذلك: تدعيم الوجود العسكري الأمريكي بالقرب من المنطقة، وإنشاء قوات "التدخل السريع" في سنة 1980م. وأثر انسحاب بريطانيا أوكلت الولايات المتحدة لإيران الشاه لعب دور فعال في استراتيجيتها الخليجية في القرن الماضي.  ومنذ نهاية السبعينات، ازداد الاهتمام الأمريكي بالمنطقة بشكل لافت للنظر. وكان ذلك الازدياد ناتجاً من القلق الأمريكي المتصاعد حول الأحداث والتطورات المحيطة بمنطقة الخليج، ومنها ما حصل نتيجة سقوط الشاه محمد رضا بهلوي (رجل أمريكا الأول السابق في المنطقة) وقيام الثورة الإيرانية، سنة 1979م، وما أعقب ذلك من أحداث.  

     وتجلى ذلك الاهتمام أصلاً في صدور ما سمي بـ "مبدأ كارتر
  Carter Doctrine " الذي وضح وحدد أسس السياسة الأمريكية نحو الخليج. حيث نص هذا المبدأ، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الأسبق " كارتر"، في "رسالة الاتحاد"، الموجهة منه إلى الشعب الأمريكي، بتاريخ 20 يناير سنة 1980م، على:

    "أن أية محاولة من جانب أية قوة أجنبية، للسيطرة على منطقة الخليج العربي، سوف تعتبر بمثابة عدوان على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.  ولسوف يقابل مثل هذا العدوان بكافة الوسائل الضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية"......

وهذا التصريح يترجم سلوك وسياسة الولايات المتحدة نحو هذه المنطقة، وخاصة منذ أوائل السبعينات، وحتى الآن.  وستستمر هذه السياسة... طالما استمرت الظروف التي أدت إليها. وقد تجلى هذا الاهتمام الخاص أثناء وبعد ما عرف بـ "حرب الخليج الثانية"... الناتجة عن الغزو العراقي لدولة الكويت، في 2/8/1990م.  ولكن هذا الاهتمام بدأ يتناقص لأسباب، منها تغير بعض المصالح. فعندما تتغير "المصالح" والظروف تتغير المواقف والسياسات...

                           

السياسة الأمريكية تجاه المنطقة:

   يمكن القول إن: "أهداف" السياسة الأمريكية نحو المنطقة العربية ظلت شبه ثابتة منذ بدء تفعيل هذه السياسة عام 1945م. أما "الوسائل"، التي تتبعها أمريكا لتحقيق هذه الأهداف، فهي تتغير من فترة لأخرى. والأهداف الأمريكية الحالية – بمضمونها المتطرف – تتعارض مع كثير من الأهداف العليا للأمة العربية والإسلامية... ويمكن إدراك هذه الحقيقة فور القيام بتحليل موضوعـــــي سلــــيم لمضامين هذه الأهداف. أما "الوسائل"، فأغلبها سلبي الأثر بالنسبة للعرب، خاصة منذ زوال الاتحاد السوفييتي عام 1991م.  ومعروف أن صداقة حقيقية، وتعاون إيجابي، بين الأمة العربية وأمريكا لن ينشأ، إلا إذا عدلت تلك الأهداف والوسائل... بما يضمن تحقيقها للمصالح المشتركة للأمتين العربية والأمريكية معًا.

                          

 وهناك "مداخل" مبسطة، تساعد على فهم " السياسة " ... والسياسة الخارجية لأي دولة بصفة خاصة. ومن ضمن هذه المداخل اعتماد تعريف "السياسة الخارجية" (لأي دولة) بأنها: الأهداف التي تسعى تلك الدولة لتحقيقها خارج حدودها – أو تجاه جزء أجنبي معين من العالم – و"الوسائل" (الاستراتيجية) التي تتبعها ... لتحقيق تلك الأهداف.

لذا، فعندما نحاول معرفة السياسة الخارجية لدولة ما معينة تجاه جهة، أو منطقة، خارج حدودها، فإنه يمكن تلمس "الأهداف" المبتغاة، و" الوسائل" المتبعة، للوصول إليها. ومجموع ذلك هو: سياسة تلك الدولة نحو الجهة المعنية. وسنتبع هذا المدخل لمعرفة أهم ملامح السياسة الأمريكية الحالية نحو العالم العربي بصفة عامة، ومنطقة الخليج، والسعودية، بصفة خاصة.

                           

     هناك، ولا شك، عدة أهداف رئيسة لهذه السياسة الأمريكية. وقد قام عدة كتاب أمريكيين وغيرهم، بمحاولة تصنيف وترتيب أهم هذه الأهداف، بحسب الأولوية والأهمية التنازلية، في نظر معظم الساسة الأمريكيين،  لتصبح كما يلي:

الهدف الأول: ضمان وصول النفط العربي إلى الولايات المتحدة بخاصة، وحلفائها الغربيين بصفة عامة، بأقل تكلفة ممكنة.

  • أهم وسائل تحقيقه: محاولة التقليل من أهمية النفط العربي، وتقليص دوره، بالنسبة للغرب. وذلك للحيلولة دون أن يصبح العالم العربي المورد الوحيد للطاقة التي يحتاجها الغرب، لما في ذلك من "خطورة" على المصالح الغربية – كما يقولون. فالولايات المتحدة وحلفاؤها تسعى دائماً نحو تنويع مصادر النفط، والبحث عن مصادر أخرى له وبخاصة ما يعرف بالنفط الصخري، ورفع المخزون الاستراتيجي ... الخ. إضافة الى التلويح أحيانا باستخدام القوة المسلحة، إذا تعرضت "المصالح" الأمريكية لـ " الخطر"، أو أوقفت إمدادات النفط.

                               

    وتدرك الولايات المتحدة الآن أن لها منافسين أندادًا، يريدون أن يشاركوها في "كعكة" المنطقة. فالصين خاصة بحاجة ماسة لنفط وغاز المنطقة. وتهتم روسيا بالمنطقة، لعدة أسباب، أهمها: قربها من روسيا، وإمكانية الحصول فيها على موانئ دافئة، مثل ما حصلت عليه في طرطوس السورية، ولكون المنطقة مهمة لأمريكا، وبقية القوى الكبرى. أصبحت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا من النفط والغاز، وبالتالي لم تعد في حاجة مباشرة لهما. ولكنها تظل مصممة على التحكم في انسيابه لأصدقائها وأعدائها، والاستفادة من عوائده، قدر الإمكان. ولذلك، ستبقى أمريكا بالمنطقة، ولكن بزخم أقل. وستركز إمكاناتها العسكرية والدبلوماسية، من الآن وصاعدًا، على المحيطين الهندي والهادي، الملاصقين للصين، وما جاورهما.

                          

– الهدف الثاني:  ضمان علاقة سلمية (تحالفية) وطيدة مع دول المنطقة، أو بعضها، لتحقيق المصالح الأمريكية المتنوعة بها.

– الهدف الثالث:  إبعاد المناوئين للغرب عن المنطقة، ومحاولة تقليص أي نفوذ لهم بها، إلى أدنى حد ممكن.

– الهدف الرابع: مكافحة الإرهاب وما يسمونه بـ "التطرف الإسلامي".

  • وتتبع أمريكا الوسائل التالية : لتحقيق الأهداف الثاني والثالث والرابع
  • إبعاد كل القوى المتطرفة والمعارضة للغرب عن المنطقة،   وعن السلطة فيها .
  • تأييد الدول الصديقة لها في مكافحتها للإرهاب والتطرف.
  • استخدام كل الوسائل الممكنة، في محاربة الجماعات المتطرفة.

(4) اختلاق "أخطار" أحيانًا لضمان استمرار الاعتماد على القوة الأمريكية، وتسليط الضوء على أخطار متوقعة على المنطقة، إلى حد المبالغة أحياناً.

 (5) التواجد السياسي والعسكري الأمريكي المكثف بالمنطقة، وحولها.

 (6) محاولة تكوين تحالفات محلية موجهة ضد مناوئ الغرب، في إطار تحالفي، وغيره.

                        

– الهدف الخامس: ضمان بقاء ورفاه وهيمنة "إسرائيل" وعدم المساس بها.

  • الوسائل: لتحقيق الهدف الخامس هذا: تقوم الولايات المتحدة – كما هو معروف – بدعم إسرائيل مادياً ومعنوياً، دعماً كاملاً. وتقدم مصلحة إسرائيل على ما عداها (وحتى على المصالح الأمريكية أحيانا) في كثير من الحالات، ولو استلزم ذلك استخدام القوة الأمريكية ضد المناوئين لإسرائيل. بل أن الولايات المتحدة كثيرًا ما تشن حروبًا ساخنة وباردة نيابة عن إسرائيل.

    ويلاحظ اتصاف هذه الأهداف والوسائل بخاصيتي الترغيب والترهيب، وتمحورها حول الثلاثي " النفط – الإسلام – إسرائيل ". وهناك أهداف أخرى، دينية وثقافية واجتماعية ...الخ.  ولكنها أقل أهمية من الأهداف الأهم المذكورة. وهذه الأهداف تعكس (ضمن ما تعكس) التناقض التقليدي المعروف في السياسة الأمريكية نحو المنطقة.  من ذلك : أن الولايات المتحدة تلتزم بضمان بقاء وازدهار وهيمنة إسرائيل، وفي الوقت نفسه تسعى للاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الشعوب العربية...؟!

   ومن وجهة نظر أمريكا، فإن هذه السياسة "ناجحة"، حتى الآن. فقد تحققت معظم أهدافها، وبأقل تكلفة ممكنة.  علمًا بأن تكلفة تحقق الهدف السلبي (من وجهة النظر العربية) قد تصبح (بالنسبة لأمريكا) باهظة في المدى الطويل.

                                

السعودية وأمريكا: نبذة تاريخية:

     أسست المملكة العربية السعودية، وأعلنت كدولة حديثة، يوم 23 سبتمبر 1932م. وتأسست الولايات المتحدة الأمريكية يوم 4 يوليو 1776م. ومع مرور الوقت، وتفجر النفط بالسعودية، أصبح بين الدولتين علاقات وطيدة، ومتشعبة، ووثيقة، رغم التباعد الجغرافي الكبير بينهما، وصلت لدرجة التحالف الاستراتيجي الضمني. ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية، اعترفت بها الدول الكبرى، وفي مقدمتها بريطانيا والاتحاد السوفييتي. ثم اعترفت بها الولايات المتحدة رسميًا عام 1933م. وفي نفس العام، تم إبرام اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط واستخراجه، والتي بموجبها منحت شركة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا" (Standard Oil of California) حق التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية من المملكة، مقابل إعطاء الحكومة السعودية مبلغ 53000 دولار، وتحمل تكاليف ورسوم الامتياز. وتم التوقيع، عام 1933م، أيضًا، على اتفاقية بين البلدين، لعلاقة الدولة المفضلة.

  كانت العلاقة بين البلدين، في البدء، محدودة. حتى أن أمريكا كانت تدير هذه العلاقات عبر سفارتها في مصر. ففي عام 1930م، أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية معاون الملحق التجاري بالإسكندرية (رالف تشيزبروف) إلى جدة لاستطلاع الأوضاع، والنظر في إمكانية دعم هذه العلاقات. ولكن منذ العام 1933م، بدأت هذه العلاقات تنطلق نحو آفاق أوسع. وبدأت شركات النفط الأمريكية العاملة بالسعودية (الشركة الأولى، وما انضم إليها من شركات أخرى) تطالب الحكومة الأمريكية بدعم العلاقات مع السعودية، لحماية مصالحها، عبر تعزيز الوجود الأمريكي، وضمان تدفق النفط السعودي للولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1943م، بدأ استخراج النفط يتزايد، وبكميات تجارية غير مسبوقة، وتولت "أرامكو" (شركة الزيت العربية الأمريكية) التي تأسست عام 1933م، من شركة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا"، وشركاؤها، تصدير النفط السعودي، ومشتقاته، الذي وصلت كمية المنتج منه، في كل عام 1943م، خمسة ملايين برميل سنويًا.

     وفي عام 1943م، أيضًا، عينت أمريكا أول قائم بالأعمال لها في جدة. وبدأت المملكة تصبح ذات أهمية كبيرة لأمريكا، ابتداء من أربعينيات القرن الماضي. وخلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، تأكد أن النفط السعودي قد أضحى ذو أهمية بالغة للولايات المتحدة الأمريكية، وللعالم ككل. وهذا دفع أمريكا لتوثيق علاقاتها بالسعودية. وعبر عن هذا الاهتمام المتصاعد، وهذه الأهمية المتنامية، الرئيس الأمريكي "فرانكلين دي روزفلت"، يوم 16 فبراير 1943م، اذ قال: " إن الدفاع عن السعودية أمر أساسي للدفاع عن الولايات المتحدة".

   وحصلت النقلة النوعية الأكبر في العلاقات السعودية-الأمريكية، صباح يوم 14 فبراير 1945م، عندما التقى "فرانكلين روزفلت" بالملك عبد العزيز آل سعود، يرحمه الله، على متن حاملة الطائرات الأمريكية "يو اس كوينسي"، في البحيرات المرة، لمدة خمس ساعات، واتفقا على دعم العلاقات الثنائية، بين البلدين، واتخاذ مواقف موحدة تجاه بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك.

  لقد تأسست هذه العلاقات رسميا سنة 1933م. وفي عام 1944م، فتحت السفارة الأمريكية لدى السعودية، لأول مرة، في مدينة جدة. ثم انتقلت إلى الرياض عام 1984م، مع ثلاث قنصليات أمريكية في كل من جدة والرياض والظهران. وبلغت هذه العلاقات إحدى ذرواتها، عندما زار الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترمب" السعودية، في مايو 2017م. وكانت أول رحلة خارجية له، بعد أن أصبح رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية. وزيارة الرئيس الأمريكي الحالي "جوزيف بايدن" السعودية، في شهر يوليو 2022م، ليناقش مع قيادتها العلاقات الثنائية وسبل دعمها أكثر، وبعض القضايا ذات الاهتمام المشترك.

  وبمناسبة زيارة الرئيس بايدن، صدر من الديوان الملكي السعودي البيان التالي:

  "بدعوة كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله- وتعزيزاً للعلاقات الثنائية التاريخية والشراكة الاستراتيجية المتميزة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، والرغبة المشتركة في تطويرها في المجالات كافة، يقوم فخامة الرئيس جوزيف بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الصديقة بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية يومي 16 و17 ذي الحجة 1443هـ، الموافقين 15 و16 يوليو 2022م، يلتقي خلالها بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وبصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- لبحث أوجه التعاون بين البلدين الصديقين، ومناقشة سبل مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة والعالم.

كما يتضمّن جدول الزيارة في يومها الثاني حضور فخامته قمة مشتركة دعا إليها خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وصاحب الجلالة ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وفخامة رئيس جمهورية مصر العربية، ودولة رئيس مجلس وزراء جمهورية العراق، في يوم 17 ذي الحجة 1443هـ الموافق 16 يوليو 2022 م.

   ومن مضمون هذا البيان، تتضح أهم ملامح العلاقات السعودية – الأمريكية. فما ورد بالبيان يلقي بعض الضوء على طبيعة هذه العلاقات، وأهميتها لطرفيها. وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي الحالي "أنتوني بلينكن" هذه العلاقات بأنها: "علاقة وشراكة مهمة جدًا، تربط الولايات المتحدة بالسعودية" صحيفة عكاظ : العدد 20253،12/6/2022م، ص 1.

                                     علاقات تخدم المصالح المشتركة:

    إنها علاقات وطيدة، ووثيقة بين حكومتي البلدين، وفي كل المجالات، وخاصة: السياسية والاستراتيجية والأمنية، والعسكرية والاقتصادية، والاجتماعية، بما فيها التعليمية والثقافية. ففي عام 2012م، مثلاً، شكل الطلاب السعوديون الذين يدرسون في جامعات ومعاهد أمريكا، المجموعة الرابعة من الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة، وبما نسبته 5% من مجموع الأجانب الذين يسعون للتعليم في أميركا. ولكن علاقة السعودية بأميركا أكبر وأشمل من ذلك، خاصة في المجالات السياسية والأمنية.

  وقد تمخض عن هذا التقارب السعودي – الأمريكي أن استفادت المملكة العربية السعودية من علم وتقنية ومساعدة أمريكا، وغيرها، وتمكنت من الشروع في تنمية كبرى شاملة لشعبها وبلدها، تمولها عائدات النفط، نقلت هذا البلد إلى مصاف الدول المزدهرة، التي تتقدم يومًا بعد يوم. كما استعانت السعودية بأمريكا في الدفاع عن نفسها، وتقوية وتحديث جيشها، وتزويده بأحدث الأسلحة. إضافة إلى العمل المشترك لضمان أمن واستقرار المنطقة.

  وفي المقابل، ساهمت السعودية في تحقيق معظم أهداف السياسة الأمريكية تجاه المنطقة والعالم، مع الحرص على الالتزام باستقلالها، وبمبادئها وقيمها، وثوابت سياساتها، وانتمائها العربي ،والإسلامي. ومن ذلك، إصرار المملكة على دعم الشعب العربي الفلسطيني، وضمان حقوقه في أرضه. ومطالبتها المتواصلة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967م، بعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. ومعروف، أن السعودية هي مصدر ما يسمى بـ "مبادرة السلام العربية"، التي أصبحت مبادرة عربية، وإسلامية، مطروحة من قبل العرب، بعد إقرارها في مؤتمر القمة العربي المنعقد في بيروت عام 2002م. وهي تشبه تمامًا مبدأ "حل الدولتين" الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة، وأيدته معظم دول العالم.

   ومن المتوقع، استمرار هذه العلاقات الوثيقة، وتطورها، وازدهارها، طالما بقيت المصالح المشتركة بين الجانبين، قائمة ومتنامية.

مقالات لنفس الكاتب