array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 177

السعودية حذرة تجاه الاستقطاب الدولي و الوجود الأجنبي في المنطقة

الأحد، 28 آب/أغسطس 2022

بانتهاء الحرب العالمية الثانية نشأت سياسة الاحتواء في العالم، بعد أن تقلصت القوة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وبروز القوتين الأمريكية والسوفيتية ودخولهما في صراعهما المعروف تاريخيًا باسم الحرب الباردة، التي عصفت بالعالم وأدخلته في كثير من المواجهات المباشرة وغير المباشرة ضمت تحت رايتها عدة دول.

     كان القلق الأمريكي تجاه نشاط الاتحاد السوفيتي ومحاولاته في فرض قوته بمنطقة الشرق الأوسط واضحًا، وكان لابد من الحكومة الأمريكية أن تتبع مسارًا مدروسًا في سياستها الخارجية وعلاقاتها مع دول منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن الاتحاد السوفيتي استطاع أن يكون موازيًا في قوته مع الولايات المتحدة الأمريكية في وقت وجيز.

      ضاعفت الولايات المتحدة الأمريكية تركيزها على منطقة الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، فكان تخوفها منصبًا على خطورة وإمكانية استحواذ الاتحاد السوفيتي على المنطقة وهيمنته عليها من خلال مجموعة من الأنشطة الفكرية من خلال نشر الفكر الشيوعي أو الأنشطة الأخرى المتمثلة في تقديم الدعم المادي للدول التي كانت في نظرهم تعاني من حكومات دولها، ولأجل إيقاف مخططات الاتحاد السوفيتي؛ قام الرئيس الأمريكي هاري ترومان بالتواصل مع دول أوروبا الغربية وطلب دعمها، كما أنه كان طامعًا في الحصول على دعم هيئة الأمم المتحدة؛ لما لها من دور كبير وتأثير واضح على القرارات الدولية.

      لقد كان ترومان حذرًا في سياسته وقام بإصدار قراره المبني على مساعدة المناطق التي تعاني من أزمة الشيوعية الممثلة لفكر الاتحاد السوفيتي وتنوعت المساعدات التي أعلنت عنها الحكومة الأمريكية ما بين عسكرية واقتصادية مالية، كما كان إعلان الكرملين عن رغبته في مسألة تطويق الغرب بمنطقة البحر المتوسط سببًا في إعلان الحكومة الأمريكية عن نيتها في نشر قواتها العسكرية في المناطق النفطية بمنطقة الشرق الأوسط بواسطة الحزام الشمالي، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بتكثيف تركيزها في ثلاث دول بمنطقة الشرق الأوسط وهي:

  • المملكة العربية السعودية؛ لمكانتها الدينية وثقلها السياسي ودورها الفعال في قضايا المنطقة وشؤونها، إضافة إلى استقلاليتها في صنع القرار.
  • إيران؛ لموقعها الاستراتيجي المتميز على مدخل الخليج العربي فضلًا عن تخوفها من احتمالية قيام تعاون بينها وبين الاتحاد السوفيتي من شأنه أن يؤثر سلبًا على المخططات والمصالح الأمريكية.
  • تركيا؛ لموقعها الجغرافي المتميز والمهدد لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية فكان متداولاً في أوساط الحكومة الأمريكية أن سقوط تركيا سيفتح المجال لدخول الاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط بكل سهولة وبالتالي سيتمكن الاتحاد السوفيتي من بسط سيطرته على أنحاء أخرى في المنطقة، كما أن تركيز الولايات المتحدة على تركيا كان انطلاقًا من دورها السياسي المؤثر فضلاً عن علاقاتها السياسية الجيدة معها.

      عقد الرئيس هاري ترومان اجتماعًا مع عدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الأمريكان؛ لمناقشتهم حول محاولات التوسع السوفيتي ونشاطه في منطقة الشرق الأوسط، وتناول الاجتماع مناقشة عدة نقاط تمحورت حول إبعاد منافسة الاتحاد السوفيتي للمصالح الأمريكية، وخلال الاجتماع تمكن رئيس هيئة الأركان الأمريكي دوايت أيزونهاور من تنبيه الرئيس ترومان إلى ضرورة الحذر من الدخول في مواجهه حربية مع قوات الاتحاد السوفيتي، وهذا ما حدا بالرئيس ترومان إلى التركيز في رسم خططه وسياسته تجاه الاتحاد السوفيتي وأيده مستشاره كلارك كليفورد في ذلك، وتبلورت هذه السياسة في خطاب سياسي قدمه ترومان في 12 مارس عام 1947م، أمام الكونغرس الأمريكي وعرف تاريخيًا بـ (مبدأ ترومان) استند على نقطة احتواء التوسع السوفيتي، وإبعاد كل ما من شأنه أن يهدد المصالح الأمريكية وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط.

      لقد شكل مبدأ ترومان في ظاهره رغبة في مساعدة الشرق الأوسط ودعم شؤونه وبالأخص تركيا واليونان، إلا أنه في باطنه كان يهدف إلى جوانب أبعد وأعمق وأوسع تخدم المصالح الأمريكية، وتم اعتبار مبدأ ترومان سياسة دبلوماسية قوية لمستقبل الولايات المتحدة الأمريكية حيث أنه:

  • سعى إلى إظهار القوة الأمريكية على مستوى العالم، في ظل وجود المنافس الآخر على الكفة الأخرى من الحرب الباردة وهو الاتحاد السوفيتي، لاسيما بعد المحاولات التي أبداها الجانب السوفيتي في إدراج قواعد عسكرية بحرية وجوية في كل من تركيا والنرويج وأيسلندا وفنلندا عام 1946م.
  • كان ترومان يرغب من وراء خطابه القيام بفرض السيطرة الأمريكية على العالم واستغلال نتائج الحرب العالمية الثانية؛ لرسم مخططات بلاده الهادفة إلى فرض هيمنتها في الحاضر والمستقبل.
  • ركز الرئيس الأمريكي على ربط بلاده سياسيًا مع دول أوروبا، على أن تكون بلاده هي مصدر القرارات السياسية الحاسمة وأن تكون مرجعًا لها قبل اتخاذ أي خطوة فاصلة في أي حدث بالعالم.
  • تمكن أهمية مبدأ ترومان في رغبته بفرض مصالح الأمن القومي الأمريكي، ومقاومة الاتحاد السوفيتي وإيقاف أنشطته في مختلف بقاع العالم وبالأخص منطقة الشرق الأوسط الغنية بالمميزات الاستراتيجية والاقتصادية.
  • أراد ترومان توضيح رسالة مهمة وهي أن بلاده قائدة للعالم وداعمة لتحقيق حريات الشعوب، والحفاظ عليها بعيدًا عن تأثير أي قوة أخرى أو أي فكر دخيل من شأنه أن يزعزع الأمن القومي لأي بقعة جغرافية.

      استمرت إدارة ترومان في جهودها لاحتواء توسع الاتحاد السوفيتي وصرح بقوله:" إذا خسرنا اليونان ستصبح تركيا بؤرة استيطانية غير مقبولة في بحر من الشيوعية، وبالمثل إذا كانت تركيا قد رضخت لمطالب الاتحاد السوفيتي سيكون موقف اليونان خطرًا للغاية"، وحتى تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من التركيز على منطقة الأوسط كان لابد من أن تكسب دول أوروبا في صفها وإلى جانبها؛ تحسبا لأي مواقف دولية لاحقة قد تنشأ خاصة فيما يتعلق بقضايا منطقة الشرق الأوسط، وفي عام 1947م، تم الإعلان عن مشروع مارشال من قبل وزير الخارجية الأمريكية جورج مارشال كامتداد لمبدأ ترومان وتطبيقًا له من النواحي العسكرية والاقتصادية، واستند هذا المشروع على إصلاح ما دمرته الحرب العالمية الثانية من دمار وما أدت إليه هذه الحرب من فقر وبطالة للشعوب وما تعرضت له دول العالم من تدمير اقتصادي، فقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أنها لابد أن تباشر في حل نتائج الحرب العالمية الثانية المدمرة قبل أن يقوم الاتحاد السوفيتي بذلك،  وقبل أن تتمكن الأحزاب الشيوعية من السيطرة على  مختلف المجتمعات في العالم، فلابد للقوة الأمريكية أن تبرز قوتها اقتصاديا أمام العالم ولا تترك المجال مفتوحًا لمنافستها، ومن الجدير بالذكر أن هذا المشروع عرض المساعدة على الاتحاد السوفيتي إلا أنه بطبيعة الحال قوبل هذا العرض بالرفض التام بل شدد الاتحاد السوفيتي على دوله بضرورة رفض المبادرة الأمريكية حتى لا تتمكن الحكومة الأمريكية من فرض سيطرتها على الاتحاد السوفيتي والدول التابعة له، وبلا شك فذلك يعد نقطة سلبية ليست في صالح الاتحاد السوفيتي.

      وقع الرئيس ترومان على مشروع مارشال عام 1948م، وتمكن هذا المشروع من تقديم المساعدات الاقتصادية لعدد من الدول الأوروبية وساعدتها على الخروج من دمارها، ومما تجدر الإشارة إليه أن مستوى الدعم الأمريكي لم يكن متساويا مع جميع الدول الأوروبية فدعمها لبريطانيا على سبيل المثال كان ضخمًا بالمقارنة مع دعمها لإيطاليا، ودعمها للدول الحليفة لها كبيرًا مقارنة بالدول الأخرى، وبذلك نستنتج من مشروع مارشال ما يلي:

أولاً: آراد المشروع أن يبرز قوة الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية والسياسية على مستوى العالم.

ثانيًا: سعت الحكومة الأمريكية إلى هز صورة الاتحاد السوفيتي من خلال السعي لقبول الاتحاد السوفيتي لمشروع مارشال وقبول الدعم الأمريكي وبالتالي إظهار دول الاتحاد السوفيتي بمظهر يميل إلى الضعف؛ لاستنادها على قوة الولايات المتحدة الأمريكية.

ثالثيا: إن نهوض الدول الأوربية واستعادة قوتها الاقتصادية بعدما حل عليها الدمار عقب الحرب العالمية الثانية، له فوائده ونتائجه الإيجابية التي ستنعكس على الاقتصاد الأمريكي، هذا إضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكسب وقوف هذه الدول إلى جانبها ودعمها السياسي له كأكبر قوة على مستوى العالم.

     تم تطبيق مشروع مارشال وكانت نتائجه إيجابية على عدد من الدول الأوروبية، فقد انتعش اقتصادها وزاد انتاجها بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها عقب الحرب العالمية الثانية، كما توثقت علاقات هذه الدول مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير وتعاونت معها لتشكيل أحلاف عسكرية كانت مهمتها الأساسية هي إيقاف المد الشيوعي في العالم وإبعاد خطر الاتحاد السوفيتي ومنافسته المهددة للمخططات الأمريكية.

      وفي ضوء تطبيقها لمشروع مارشال، كانت الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة في مخططاتها في جبهات أخرى فقد باشرت القوات الأمريكية عام 1948م، في تكثيف حضورها العسكري في عدة مناطق في الشرق الأوسط كإيران وبقية دول الخليج العربي وتعاونت أيضًا مع بريطانيا؛ لإرسال مجموعة من مسؤوليها إلى المنطقة، إلا أن بريطانيا لم تكمل تعاونها فقد أثقلت الالتزامات السياسية والعسكرية كاهل قواتها،  وفي عام 1949م، تم إرسال السفينة الأمريكية موري إلى منطقة الشرق الأوسط وكانت مزودة بطائرة هيلوكوبتر؛ بهدف القيام بمجموعة من عمليات المسح والاستطلاع وتم تحديد موقعها ليكون في منطقة البحر الأحمر، كما تيقنت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من أهمية وجود قواعد عسكرية لها في الشرق الأوسط وركزت بشكل كبير على دول الخليج العربي، هذا إلى جانب الوجود الدبلوماسي المتمثل في افتتاح قنصلياتها في هذه الدول.

       في عام 1950م، تم إلقاء القبض على ألماني يدعى رالف هريرت غايسلر في البحرين، وكان الشك كبيرا حول رالف فانتشر عنه بأنه جاسوس تابع للاتحاد السوفيتي ويسعى إلى نشر الشيوعية وبث أفكارها في المنطقة وذلك أدى إلى إثارة الموقف الأمريكي، حيث رأى المسؤولون الأمريكان أنه لابد من اتخاذ إجراء صارم تجاه هذه المحاولة وقاموا بالتواصل مع المسؤولين البريطانيين الموجودين في منطقة الخليج العربي؛ لأجل مراقبة الأنشطة الشيوعية في المنطقة وتشديد الرقابة على شعوبها، ومن جانبها نفت بريطانيا وجود أي نشاط شيوعي؛ لذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال مبعوث خاص وهو المقيم السياسي في الظهران ويدعى باركر هارت ووكلت إليه مهمة التحقق من خلو المنطقة من الأنشطة الشيوعية التي بلا شك ستؤثر سلبًا على الوجود الأمريكي، كما باشرت بمجموعة من الإجراءات وهي كالتالي:  

  • التقدم بطلب إلى سلطان عُمان سعيد بن تيمور البوسعيدي متمثلاً في تقوية إذاعتها وبث برامج هادفة لمقاومة المد الشيوعي، والحرص على أن تكون هذه الإذاعة منافسة لإذاعة موسكو وما تبثه من برامج قد تؤثر سلبًا على شعوب المنطقة.
  • عقد اتفاقية مع المملكة العربية السعودية عام 1951م، عرفت تاريخيًا باتفاقية الظهران، في عهد الملك سعود آل سعود؛ بهدف إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة للحفاظ على نفط المنطقة مقابل تسليح وتدريب أفراد الجيش السعودي وتهيئتهم لحفظ أمن بلادهم القومي من أي عدوان داخلي وخارجي، ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت مدركة لأهمية توثيق علاقاتها مع المملكة العربية السعودية؛ خوفًا من نجاح الاتحاد السوفيتي في الحصول على ثقة المملكة ودعمها، لاسيما بعد محاولات التعاون التي أبداها الاتحاد السوفيتي في هذا الجانب، وبلاشك كان هذا التخوف منطلقًا من القوة الدينية والسياسية والاقتصادية للمملكة على مستوى منطقة الشرق الأوسط.

      لقد كانت المملكة حذرة تجاه التنافس بين الجانبين الأمريكي والسوفيتي في ظل حرصها القائم على تقليص الوجود الأجنبي في المنطقة، وفي عام 1955م، قدم الاتحاد السوفيتي عرضًا للملك سعود تمثل في التعاون وإقامة العلاقات الدبلوماسية مقابل تقديم الدعم المادي والمعنوي للمملكة ضد بريطانيا في قضية واحة البريمي غير أن الملك سعود رفض هذا العرض؛ لذلك انطلق الاتحاد السوفيتي لكسب الجانب السعودي بطريقة أخرى تمثلت في إعلانهم لمبدأ الحرية الدينية وتخفيف الدعاية ضد الإسلام ودعم المسلمين في دول الاتحاد السوفيتي، وفي المقابل كان الرئيس ترومان يخطط مع حكومته للضغط على المملكة سياسيًا وكسب موقفها لصفه مع تأكيده للملك سعود على حرص الولايات المتحدة الأمريكية الشديد؛ لأجل حفظ الأمن في الخليج العربي وحفظ منابعه النفطية وإبعاد كل ما من شأنه أن يحدث القلاقل والتوتر في مجتمعات الشرق الأوسط عامة والخليج العربي خاصة، غير أن الملك ظل مستمرًا في تطبيق سياسة الحذر تجاه أي قوة أجنبية مهما بلغت قوتها في العالم.

      لقد استمر الصراع بين قطبي الحرب الباردة بين شد وجذب، فكانت كل قوة تحاول فرض هيمنتها بمختلف الطرق والوسائل؛ تحقيقًا لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.

الخاتمة:

 تناول المقال موضوع سياسة الاحتواء التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب العالمية الثانية التي هدفت من خلالها تطويق الاتحاد السوفيتي ومنعه من إبراز قوته على مستوى العالم وتم التركيز على منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة من 1947 إلى 1955م، ويمكن استنتاج مايلي:

أولاً: نشأت سياسة الاحتواء نتيجة تراجع القوة البريطانية بعد الحرب، ورأت الولايات المتحدة أهمية الحفاظ على مصالحها في العالم.

ثانيًا: كان مبدأ ترومان خطة سياسية أمريكية هدفت إلى منع نشاط الاتحاد السوفيتي وإيقاف مده الشيوعي المهدد للمصالح الأمريكية.

ثالثًا: شكل مشروع مارشال دورًا كبيرًا في إبراز قوة الولايات المتحدة الأمريكية، وأدى إلى توثيق علاقاتها السياسية لاحقًا مع عدد من دول العالم.

رابعًا: شكلت منطقة الشرق الأوسط أهمية كبيرة لدى قطبي الحرب الباردة؛ انطلاقًا من أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية، فكان التنافس عليها شديدًا حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بدور كبير لأجل الحفاظ على مصالحها في ضوء محاولات الاتحاد السوفيتي إقامة علاقات دبلوماسية وخلق مجالات التعاون في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب