array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 177

التقارب الصيني-الروسي يغير موازين القوى ومنطقة الخليج مرشحة لزيادة المنافسة

الأحد، 28 آب/أغسطس 2022

يقوم النظام العالمي في أي مرحلة تتعدد فيها القوى العالمية على أساس توازن بين تلك القوى, وتوزيع الأدوار بينها لإدامة عملية التوازن, وتفادي حصول أي خلل من شأنه أن يؤدي إلى حدوث أزمات عالمية تخرج عن حدود السيطرة.  النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الأولى, على سبيل المثال, لم يعكس ميزان القوى العالمية بصورة واقعية بسبب تجاهل ألمانيا, الأمر الذي أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية, التي شكلت المخاض للنظام العالمي الحالي الذي أقيم على أساس إيجاد توازن بين القوى التي ربحت الحرب, وهي بريطانيا وروسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك) والصين والولايات المتحدة (تمت إضافة فرنسا فيما بعد).  لكن حدثت العديد من المتغيرات مؤخراً التي أدت إلى حصول اختلال في عملية التوازن, أدت الى إضعاف النظام العالمي ليصبح  بمثابة "الرجل المريض" الذي يتربص به من حوله في انتظار نهايته ليتقاسموا تركته.  نحاول في هذه الورقة إلقاء بعض الضوء على المتغيرات في العلاقات بين أركان النظام العالمي وخصوصاً الولايات المتحدة وروسيا والصين, والنتائج المباشرة وغير المباشرة للتقارب الصيني-الروسي على القضايا الراهنة مثل الأزمة في أوكرانيا والخلاف حول وضع تايوان, وانعكاسات ذلك كله على المنطقة.

  لعبة الثلاثة الكبار بين أمريكا والصين وروسيا

مرت العلاقات الثلاثية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً) بمنعطفات كبيرة منذ الحرب العالمية الثانية كان من أهما:

  • المرحلة الأولى حينما كانت الصين تحت قيادة تشيانغ كاي شيك زعيم الحزب الوطني الصيني (الكومنتانغ), الذي كان قريباً من الغرب لأنه خاض صراعاً دمويا مع الحركة الشيوعية بقيادة زعيم الحزب الشيوعي ماو تسي تونغ, المدعوم من قبل الاتحاد السوفيتي, وكذلك مقاومة الغزو الياباني للصين.
  • المرحلة الثانية تمثلت بالتقارب الروسي-الصيني بعد انتصار المقاومة الشيوعية المسلحة على القوات الحكومية عام 1949م, وفرار كاي شيك ومعظم الكادر الحكومي إلى جزيرة تايوان التي أصبحت تمثل جمهورية الصين الوطنية المعترف بها غربياً مقابل جمهورية الصين الشعبية المعترف بها من قبل المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي. وصول الحزب الشيوعي الصيني إلى الحكم شكل تحدياً كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة والغرب, لأن قيام تكتل شيوعي كبير تقوده روسيا والصين من شأنه أن يحدث خللاً في موازين القوى لصالح المعسكر الشرقي, لذلك قررت الولايات المتحدة آنذاك, ومعها أغلب دول العالم, الاعتراف بجمهورية الصين (تايوان) باعتبارها الممثلة للصين وصاحبة المقعد الدائم في مجلس الأمن.
  • المرحلة الثالثة شهدت الافتراق بين الرفاق, لأن الأحداث أثبتت أن فرضية التقارب الروسي-الصيني لم تكن مبنية على قراءة تاريخية للعلاقات بين الصين وروسيا, التي لم تكن في أي وقت من الأوقات علاقات تعاون, وإنما كانت علاقات ندية تغلب عليها الأطماع الروسية في الوصول الى المياه الدافئة من خلال الصين. لذلك فشلت نظريات ماركس ولينين أمام تحديات التأريخ والجغرافيا ولم تستطع تلك الأفكار أن توحد, أو على الأقل أن تحدث تقارباً بين غريمي الأمس, وعاد الصراع بين الرفاق في الحزبين الشيوعيين الذي لبس هذه المرة غطاءً عقائدياً حول تفسير الماركسية-اليلينية.
  • المرحلة الرابعة هي التقارب الصيني-الأمريكي الذي حصل بعد وفاة الزعيم ماو ووصول قيادة تريد تطبيق نظرية اقتصادية جديدة قائمة على اشتراكية السوق, نتج عنها عملية تكامل بين التكنولوجيا والاستثمارات الغربية واليد العاملة الصينية, لتشكل واحدة من أكبر وأهم التحولات الاقتصادية في التأريخ. لكن في الخفاء كان هناك رهانان, فالولايات المتحدة كانت تراهن على إحداث تغيير سياسي في الصين من خلال تنمية رأس المال الذي من شأنه أن يسيطر على العملية السياسية وينهي أو يضعف سيطرة الحزب الشيوعي, وفي المقابل كانت القيادة الصينية تراهن على إدارة عملية التنمية مركزياً لكي لا تفقد السيطرة, لا بل إنها راهنت على استغلال الاقتصاد لإحكام قبضتها على الحكم. ليس من السهل الحكم على نتيجة الرهان, لأن التجربة الصينية لم تكتمل بعد, لكن الواضح هو أن الكفة تميل الى جهة الرهان الصيني لأن الاقتصاد الصيني لايزال تحت السيطرة المركزية.
  • المرحلة الخامسة هي تحول الصين الى غريم استراتيجي, والتي بدأت مع اندفاع الصين, بعد أن أصبحت قوة اقتصادية عالمية, للبحث عن دورها العالمي وسبل حماية مصالحها من خلال مبادرات عالمية جريئة مثل "الطريق الواحد والحزام الواحد" وتوسيع حدودها البحرية من خلال بناء الجزر في بحر الصين. لم يطل الوقت بالصين لكي تكتشف بأن أفضل الطرق تمر من منطقة الشرق الأوسط وروسيا. لذلك أصبحت روسيا تمثل فرصة كبيرة للصين لما تمتلكه من ثروات طبيعية ومن أهمها موارد الطاقة والمعادن كما وأنها تمثل طريقاُ مختصراً للبضائع الصينية باتجاه شمال شرق أوروبا, بالإضافة الى العديد من الفوائد العسكرية والاستراتيجية ومنها ترسانة الأسلحة النووية والتقليدية الروسية التي من شأنها أن تضع الصين في موقف أقوى في منافسة الولايات المتحدة الأمريكية. 

كانت الدلائل تشير الى أن الصين لن تجد صعوبة في جذب روسيا لفلكها وذلك لأن الرئيس بوتين الذي يقود روسيا منذ أكثر من عقدين من الزمن وكان يطمح للنهوض بالاقتصاد الروسي, الذي يعتبره السبب الأول في انهيار "الاتحاد السوفيتي",  لكنه لم يحقق شيئا ملموسا في هذا المجال بسبب الفساد المستشري في الدولة والاقتصاد, وبقيت روسيا عملاقاً سياسياً وعسكرياً يحتل مكانة عالمية متقدمة لكنه قزم اقتصادي يعيش على بيع النفط والغاز.

   الحسابات الروسية المعقدة

لم تكن الصين فقط هي التي تريد أن تجذب روسيا الى فلكها, فقد كان هناك الجهد الأوروبي الذي تقوده ألمانيا التي كانت, هي الأخرى, تسعى الى تقريب روسيا من المجموعة الأوروبية بغية الاستفادة من الموارد الطبيعية في روسيا ومن أهما النفط والغاز والمعادن, وكذلك تخفيف حدة الصراع على الساحة الأوروبية, وتقليل الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية التي أثبتت التجارب, خصوصاً مع إدارة الرئيس السابق ترامب, أنه لا يمكن التعويل عليها كثيراً.

شعر الرئيس الروسي بوتين من خلال متابعته للصراعات الداخلية الأمريكية, وبعض العلميات الاستخباراتية التي قامت بها روسيا في الولايات المتحدة, مثل التدخل في الانتخابات الرئاسية قبل ست سنوات, بأن الولايات المتحدة تمر بمرحلة ضعف داخلي كبير, وأن ذلك يمثل الفرصة المناسبة لروسيا لإعادة تشكيل النظام العالمي على أساس التعددية القطبية.  كانت هذه خلفية اللقاء التاريخي الذي جمع الرئيس الروسي بوتين مع نظيره الصيني شي عشية افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية مطلع العام الحالي, حيث حصل بوتين على دعم الصين لخططه تجاه أوكرانيا.

ليس من السهل معرفة النوايا الصينية من وراء تأييد غزو أوكرانيا, فهل كانت, مثل بوتين, قد أساءت تقدير ردة الفعل الأمريكي على الغزو؟ أم أن لها حسابات أخرى لم تكشف عنها, مثل رغبتها بإشغال الولايات المتحدة بصراع على الساحة الأوروبية لتخفيف الضغط عليها في جنوب الهادي.  يؤيد هذه الفرضية سرعة التحرك الأمريكي باتجاه ترتيب جبهة جنوب شرق آسيا من خلال قمة التحالف الرباعي في طوكيو والتي أطلق خلالها الرئيس الأمريكي تصريحه الشهير حول احتمالية التدخل العسكري لحماية تايوان.  أو لعل الصين كانت تسعى لقياس ردة الفعل الأمريكي في حال قيامها بغزو تايوان, أو لعلها كانت تريد دفع بوتين لغزو أوكرانيا من أجل إضعافه ولتصبح روسيا فريسة سهلة في الفخ الصيني.

بغض النظر عن الاسباب, فإن الغزو الروسي لأوكرانيا أثار الكثير من المخاوف والتساؤلات حول العديد من القضايا وفي مقدمتها مصير اتفاقية هلسنكي للأمن والتعاون لعام 1975م, وهي الاتفاقية التي جاءت لتخفيف حدة الصراع على الساحة الأوروبية من خلال إقرار جميع الأطراف الموقعة بالحدود السياسية التي نتجت عن الحرب العالمية الثانية.  كانت الاتفاقية بمثابة مكسب مهم للاتحاد السوفيتي لأنها أقرت سيادته على المناطق التي الحقت به نتيجة الحرب, ومنها بالطبع أوكرانيا وروسيا البيضاء وجمهوريات وسط آسيا وغيرها.  لذلك تعتبر روسيا أن لها الحق بموجب تلك الاتفاقية ببسط نفوذها على المناطق التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي, وأن التفكير بضم بعض تلك الدول الى حلف الناتو هو مخالفة لبنود الاتفاقية, وأن ما حصل في السابق عندما استغلت الولايات المتحدة فترة ضعف روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لتحقيق مكاسب استراتيجية من أهمها ضم بولندا ودول البلطيق الى الأطلسي, خطأ يجب أن لا يتكرر, ولذلك أرادت روسيا أن تضع حداً لعملية تضييق الخناق عليها.

احتمالات التصعيد في الخلاف بين الولايات المتحدة والصين

تصريح الرئيس بايدن حول احتمال التدخل العسكري في تايوان لم يكن زلة لسان, لأنه ليس الأول فقد سبق له أن أعلن عن نفس الموقف سابقاً, وفي الحالتين ظهر بعض المسؤولين ليؤكدوا عدم وجود تغيير في السياسة الأمريكية تجاه تايوان.  كذلك فإن زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي, التي تعتبر في المركز الثالث في الهرم القيادي الأمريكي, أثارت العديد من التساؤلات عن أهداف الولايات المتحدة من وراء إثارة القضية بهذا الشكل التصعيدي. بالطبع لا أحد يعلم بدقة عن تلك النوايا, لكنها يمكن أن تكون واحدة أو أكثر من الاحتمالات التالية:

  1. الولايات المتحدة ربما تكون قد امتلكت بعض المعلومات السرية التي أشارت الى نية الصين القيام بعمل عسكري لضم تايوان, فأرادت إرسال رسائل قوية بشأن موقفها من تلك الخطط لكي تعيد الصين حساباتها.
  2. السياسة الأمريكية تجاه تايوان والتي تعرف "بالغموض الاستراتيجي" كانت مناسبة في الزمن الماضي عندما كانت الصين شريكاً اقتصادياً, أما وأن الشريك قد تحول الآن الى منافس وغريم فلا بد من إعادة النظر بتلك السياسة, أو على الأقل تفسير "الغموض" بما هو أقرب لتايوان, واستغلال ذلك كوسيلة للضغط على الصين. 
  3. لعل المقصود هو تحدي القيادة الصينية لدفعها الى الإقدام على القيام بعمل عسكري لضم تايوان, وتهيئة الأجواء لفرض العقوبات وتعطيل التنمية الاقتصادية في الصين, وهو سيناريو مشابه لما حصل مع الغزو الروسي لأوكرانيا.
  4. ربما السبب يعود الى أن التقارب الروسي-الصين قد زاد من الأهمية الاستراتيجية لتايوان لأنها تشكل نقطة متقدمة ضد العملاق الجديد. وهذا يتطلب سياسة جديدة أكثر وضوحاً من "الغموض الاستراتيجي", تتمثل بزيادة الدعم العسكري والسياسي, التي قد تصل الى الاعتراف باستقلال تايوان أو اتخاذ خطوات في ذلك الاتجاه, مع أن ذلك مستبعد الآن لكن تطورات القضية قد تدفع بهذا الاتجاه.
  5. قد يكون الهدف هو التلويح للصين بأن أحد بنود الحساب الذي سوف تدفعه جراء تقاربها مع روسيا هو حرمانها من تايوان, وأن عليها أن تعيد الحسابات حول التقارب مع روسيا إذا ما رغبت في ضم تايوان.
  6. وقد تكون الغاية دفع الصين للدخول في سباق تسلح على مستوى أكثر حرارة من قبل, ذلك لأنها ربحت السباق الاقتصادي العالمي واستطاعت في فترة قياسية أن تزيح الولايات المتحدة والدول الغربية من معظم أسواقها ومناطق نفوذها, وكان أحد أهم الأسباب التي ساعدتها على ذلك هو الحد من الإنفاق العسكري حيث تنفق حوالي 1.5% من إنتاجها المحلي مقارنة مع 3.6% بالنسبة للولايات المتحدة.

أحد الدروس التي تعلمتها الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا هو أن العامل الخارجي مهم جداً, لأنه وإن كان لا يستطيع قلب موازين القوة, لكنه قد يجعل الثمن باهضاً جداً, وهي بلا شك تقوم بهذه المراجعة, كما أشار الى ذلك وليام بيرنز رئيس المخابرات المركزية. لذلك كانت ردة فعل الصين تجاه التحركات الأمريكية واضحة, لكنها في نفس الوقت امتازت بأنها رمزية ومحسوبة بدقة, مثل إرسال اسراب الطائرات الحربية التي اخترقت أجواء تايوان أثناء الزيارة, بالإضافة الى المناورات العسكرية التي شملت إطلاق صواريخ بعيدة المدى. هذه التحركات أوضحت أن الصين لها حسابتها الخاصة وأنها لن تستفز للقيام بعمل عسكري الآن, على الأقل ليس قبل أن تتضح صورة الأوضاع في أوكرانيا.

التداعيات على السياسة العالمية

تعتبر مهمة حفظ الأمن العالمي المسؤولية الأولى للقوى العظمى التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن, من خلال إدارة عمل المجلس في الاستجابات للتحديات الدولية.  هذه القضية تتطلب درجة من التفاهم بين القوى الخمس, لذلك فإن ارتفاع حدة التنافس بينها سوف تنعكس سلباً على أداء المجلس والمنظمات الدولية التي تمتلك فيها تلك القوى الأثر الأقوى.  كذلك فإن احتمال التصادم المباشر بين تلك القوى سوف يزداد في غياب التفاهم حول فك الارتباط في النقاط الساخنة وخصوصاً أوكرانيا وتايوان.  وفي غياب ذلك فإن من المتوقع أن تصاب المنظمات الدولية, مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الأخرى, بحالة من الشلل وضعف الأداء مقابل تزايد النشاط في المنظمات الإقليمية مثل حلف الأطلسي وG-7. وإذا ما تطورت الأوضاع الحالية في غياب الحلول النهائية للمشكلات القائمة, فقد يتم اللجوء الى إجراء تغييرات جذرية مثل إعادة تشكيل القوى التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن, وهي قضية مستبعدة في الوقت الحالي على الأقل.   

الآثار المتوقعة على المنطقة

نظرة الولايات المتحدة الى المنطقة والى قضياها العالقة سوف تتأثر بشكل كبير نتيجة تغيير أولويات السياسة الدولية, هذه المتغيرات قد لا تحدث على الأرض بسرعة لأنها تأخذ وقتاً ليس بالقصير لكي تدخل حيز التنفيذ, لكن نذكر من أهمها ما يلي:

  1. الولايات المتحدة لم تمانع في الماضي من تنامي العلاقات الاقتصادية بين الصين والمنطقة, كذلك كانت النظرة الى التعاون الأمني بين روسيا وبعض دول المنطقة, لا بل أنها كانت تعتبر روسيا شريكاً في الحرب على الإرهاب على الساحة السورية. لكنها مؤخراً عارضت المبادرات الأمنية الصينية تجاه المنطقة وخصوصاً محاولات الصين الحصول على تسهيلات عسكرية في الإمارات, واتفاق الكويت مع الصين حول جزيرة بوبيان, واتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الصين والعراق.  عملية التدافع هذه سوف تزداد قوة بشكل تدريجي نتيجة زيادة اهتمام الولايات المتحدة بالتصدي لمحاولات الصين التمدد من خلال مبادرة الحزام والطريق التي بدأت الولايات المتحدة تعتبرها تهديداً لمصالحها.  ليس من الواضح الآن طبيعة التغيير في الموقف الأمريكي من التواجد العسكري الروسي في سوريا, خصوصاً وأن التواجد يمثل تحدياً لمحاولة احتواء روسيا. هذه الملابسات قد تزيد من احتمالية عودة تنظيم داعش الى الساحة السورية.
  2. التوجهات الجديدة سوف تؤدي بالنتيجة الى تقوية التعاون الأمني بين دول المنطقة والولايات المتحدة, لأن الأخيرة لا تريد ترك فراغ أمني يمكن أن تشغله الصين أو روسيا, ولذلك سوف نشهد إزالة العديد من القيود التي كانت مفروضة على مبيعات السلاح الى المنطقة, مع تزايد نشاطات القيادة المركزية التي أصبحت تضم إسرائيل والدول العربية.
  3. تغير النظرة الى أهمية الصناعة النفطية على المديين القريب والمتوسط, بسبب الدور الحيوي الذي يلعبه القطاع في عملية احتواء روسيا والصين, هذه الأهمية سوف تشمل مجالي المحافظة على المستويات المطلوبة للإنتاج لسد حاجة السوق العالمي وتقليل الاعتماد على النفط القادم من روسيا وتفادي ارتفاع الأسعار بشكل قد يؤدي الى حصول كساد في الاقتصاد العالمي. كذلك سوف تزداد أهمية قطاع الإنتاج, لأن الولايات المتحدة التي سبق وأن غضت الطرف عن تزايد أنشطة الشركات النفطية الروسية والصينية في المنطقة عامة والعراق خاصة, سوف تقوم بالضغط على الشركات الغربية لكي تقاوم إغراءات الشركات الروسية والصينية لشراء حصصها في المنطقة.
  4. المتغيرات السياسية العالمية غيرت النظرة الى إيران بصورة أساسية, من قضية إقليمية تتعلق بميزان القوى الإقليمي الى قضية مرتبطة بالصراع العالمي. النظرة السابقة كانت قائمة على اساس أن الأنشطة الإيرانية في دول الجوار والمشروع النووي كانت نتيجتها استنزاف دول المنطقة, وأن ذلك يصب في صالح المحافظة على التفوق العسكري الإسرائيلي. لكن هذه النظرة قد تغيرت الآن بسبب التقارب بين إيران والصين من جهة من خلال اتفاق التعاون الاستراتيجي, وكذلك مع روسيا من خلال التعاون الاقتصادي والعسكري, وقد كان لافتاً للانتباه ذلك المؤتمر الصحفي الذي عقد في البيت الأبيض حول الادعاء بإرسال إيران لمئتي طائرة مسيرة الى روسيا, لأن مثل هذه القضايا عادة ما تعالج إما في وزارة الدفاع أو الخارجية, لكن أهمية الموضوع جعلت من البيت الأبيض يقدم التقرير لإرسال رسالة واضحة لمن يعنيه الأمر.
  5. بالنظر الى اعلاه فإن عملية العودة الى الاتفاق النووي سوف تتغير لعدة أسباب منها أن الاتفاق الأولي كان بين إيران ومجموعة الدول الخمس دائمة العضوية زائداً ألمانيا. حيث لعبت روسيا دوراً محوريا في المفاوضات سابقاً بسبب علاقتها القوية مع المشروع النووي الإيراني, لكن هذه المعادلة انقلبت رأساً على عقب بعد الحرب على أوكرانيا, لأن روسيا تريد الاستفادة من المفاوضات للحصول على تنازلات أمريكية أولاً, ولأن موقفها الآن قد تغير لكونها ربما تدفع بإيران للتشدد في موقفها في المفاوضات كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة, كذلك الموقف بالنسبة للصين.
  6. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي زاد من قوة تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة خصوصاً بعد التوقيع على اتفاقية أوكوس بين الولايات المتحدة واستراليا وبريطانيا, هذه القضية سوف يترتب عليها عودة الاهتمام البريطاني بالمنطقة ولعب دور أكبر في ملفات الأمن الإقليمي والاقتصاد.
  7. الهند التي تعارض التمدد الصيني في محيطها, هي الأخرى, سوف تتمكن من توسيع تواجدها في المنطقة, بصورة مباشرة وبالتنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
  8. كان من نتائج المتغيرات العالمية بروز الدور التركي, لأن احتواء روسيا لا يمكن أن يتم بدونها بسبب موقعها الاستراتيجي. تركيا من جانبها تريد إمساك العصا من الوسط حيث قامت طائرتها المسيرة بدور فعال في مساعدة القوات الأوكرانية, كما وأنها حافظت على علاقتها بروسيا, كذلك استطاعت الحصول على تنازلات مقابل إسقاط معارضتها لدخول السويد وفنلندا الى حلف الاطلسي, وقد رفعت من أهمية دورها من خلال رعايتها للمفاوضات غير المباشرة بين روسيا وأوكرانيا حول تصدير الحبوب من أوكرانيا, وهي تريد الاستفادة من موقعها الجديد في تحقيق مكاسب على الساحة السورية من خلال توسيع المنطقة التي تسيطر عليها في الشريط الحدودي لتوفير الأجواء لعودة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين وتجفيف منابع الدعم لحزب العمال الكردستاني.

 

خلاصة القول أن التقارب الصيني-الروسي حدث كبير من شأنه أن يغير موازين القوى العالمية, وهو وإن كان في مراحله الأولى, إلا أن تبعاته أخذة بالتسارع وسوف تزداد حدتها كلما زاد التقارب, وإن منطقة الخليج مرشحة لزيادة حدة المنافسة الدولية التي سوف تترك بصماتها على القوى الإقليمية, الأمر الذي سوف يؤثر سلباً على مسار حل النزاعات القائمة.

مقالات لنفس الكاتب