array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 178

استراتيجية أوروبية من 9 محاور لاستقرار أسواق الطاقة وسياسات موحدة في التفاوض

الأربعاء، 28 أيلول/سبتمبر 2022

يتزايد الاهتمام بالطاقة لكونها عامل هام للنمو الاقتصادي، ولقد ازداد بها الاهتمام مؤخرًا نتيجة الحرب الروسية / الأوكرانية الراهنة. فالحاجة للنمو في العديد من البلدان تدفع إلى زيادة الطلب على الطاقة، وإلى مساندة الاستثمارات الخاصة للبحوث التكنولوجية الجديدة، لمواجهة احتياجات النمو، ومعالجة التحديات التي تطرحها تغيرات المناخ، والظروف التي فرضتها الحرب. وهناك عدة عوامل تحدد التحرك في موضوعات الطاقة من أهمها:

  1. أن بعض الدول ذات التأثير الكبير في سياسات إنتاج الطاقة، لم تكن أعضاء في منظمة التجارة العالمية، مثل السعودية (التي انضمت في نهاية عام 2005م) وروسيا (انضمت في مطلع 2012م)، وكذلك إيران، وكازاخستان، وأوكرانيا، والعراق، والجزائر، وليبيا.
  2. عندما جرت مفاوضات عقد الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات GATT في سنة 1947م، لم تكن للتجارة في مجال الطاقة أولوية في اهتمامات المفاوضين، حيث كان الطلب العالمي على الطاقة يشكل جانبًا بسيطاً من حجم التجارة العالمية، عندما كان برميل البترول يباع بنحو دولارين. وبالتالي لم تعرف الطاقة كقطاع هام من قطاعات التجارة الذي تتعامل معه GATT أو وريثتها منذ عام 1994م، منظمة التجارة العالمية WTO.
  3. شملت جولة الدوحة للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف موضوع التكنولوجيا النظيفة وفتح الأسواق أمام السلع وخدمات البيئة، وتعزيز كفاءة الطاقة، والمواد اللازمة لإنتاج الطاقة المتجددة، ومكافحة التلوث الحراري. ومن بين تلك المصادر:

-    توربينات طاقة الرياح.

-    الألواح الشمسية.

-    الطاقة الحرارية الأرضية.

-    أجهزة الاستشعار.

-    خلايا الوقود.

  1. معالجة القيود المفروضة على تصدير الطاقة والمواد الخام. وهي القيود الأكثر انتشارًا عن غيرها في السلع، وتمثل مصدر قلق للبلدان المستوردة لأنها تزيد من أسعار المدخلات.

استراتيجيات اللاعبين الرئيسيين

هناك اتجاه تقوده منظمة التجارة العالمية، ومن ورائها جماعات المصالح الغربية المستوردة للبترول، لتطبيق قواعد التجارة على كافة أشكال المعاملات، وعلى تجارة السلع والخدمات في مجال الطاقة، وتطبيقها بواسطة آلية تسوية المنازعات في المنظمة. ويرون وجوب التزام الحكومات بالآتي:

  1. الشفافية والالتزام بقواعد التجارة، وعدم فرض قيود على الصادرات أو التمييز القائم على مقصد المنتجات أو بقواعد حرية المرور.
  2. الالتزام بقواعد التجارة خاصة بعد انضمام السعودية للمنظمة، ثم انضمام كل من الإمارات والكويت، والبحرين، وعمان، وقطر ونيجيريا وفنزويلا، وأخيرًا روسيا من بين كبار المنتجين.
  3. حماية الاستثمارات في مجال خدمات الطاقة. أخذًا في الاعتبار أن الاتفاق العام للتجارة في الخدمات (GATS) يغطي أيضًا الطاقة والخدمات المتصلة بها.

ويعني ذلك إخضاع التجارة في الطاقة، وبخاصة البترول، لقواعد التجارة العالمية، ويسحب من الدول المنتجة حق منع إمداد البترول عن دول معينة، وذلك بدعوى تطبيق شرط الدولة الأولى بالرعاية MFN في التجارة. ويعد ذلك ردًا على استخدام العرب لسلاح البترول في حرب أكتوبر 1973م.

وفي المقابل تري الدول المصدرة للطاقة وللبترول أنه يجوز لأعضاء WTO -في ظروف معينة -فرض قيود تتعلق بحماية مواردها الطبيعية القابلة للنفاذ. كما يمكنها اتخاذ إجراءات تراها ضرورية ضد بعض الدول لحماية مصالحها الأمنية الأساسية فيما يتعلق بالتجارة في الطاقة.

وتسعي منظمة التجارة العالمية وبعض دول الغرب، لوضع قواعد لتجارة الطاقة، تكون أكثر مرونة وشفافية وقابلة للتنبؤ، وتعود بالنفع على البلدان المستوردة والمصدرة والشركات والمستهلكين.

استراتيجية الطاقة في الاتحاد الأوروبي:

يتبنى الاتحاد الأوروبي سياسات تسعى لاستقرار إمدادات الطاقة، وتنمية علاقات متوازنة مع الأطراف ذات الصلة. مع محاولة تبني أعضائه سياسات موحدة في التفاوض. وتصاعدت سياسات الاتحاد مع تردي الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط منذ غزو العراق، وأخيرًا حرب أوكرانيا. وأصدرت المفوضية الأوروبية ورقة بعنوان: COMMUNICATION FROM THE COMMISSION TO THE  EUROPEAN COUNCIL دعت فيها لوضع سياسة أوروبية للطاقة وأولويات خطة العمل، وتوسيع سوق الطاقة الأوروبية لتشمل جيرانها في إطار تنظيمي مشترك للتجارة الحرة. وتعمل الاستراتيجية الأوروبية في هذا الشأن على عدة محاور من بينها:

أولاً -إعادة ترتيب البيت من الداخل لاتساق السياسات الأوروبية ككتلة إقليمية، مع سياسات الدول الأعضاء في مواجهة العالم الخارجي.

ثانيًا- ترتيبات المستوى الثنائي وتشمل:

-       التوصل لاتفاق للطاقة مع روسيا. ولحوار مع الدول المستهلكة للطاقة مثل الصين والهند.

-      التعاون مع دول الجوار الأوروبي ومنظمة أوبك ودول الخليج العربي.

ثالثًا -ترتيبات المستوى الإقليمي: وتوسيع نطاق معاهدة مجتمع الطاقة لتشمل دول الجوار الأوروبي، وتعزيز فكر المنافسة وأسواق الطاقة المفتوحة.

رابعًا -المستوى متعدد الأطراف: تحقيق أهداف مفاوضات الطاقة بواسطة WTO للتوصل إلى اتفاقيات "مناسبة" والاستفادة من منتدى الدول الصناعية 7.G. والتعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة.

خامسًا - تنويع مصادر الطاقة كمشروعات الغاز القائمة والجديدة، لتوفير موارد إضافية ومـد أنابيب لإيصال نفط منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى للاتحاد الأوروبي.

سادسًا - تطوير استخدامات وتنمية الطاقة الجديدة والمتجددة، كطاقة الرياح والمياه والطاقة الشمسية والحرارية، والوقود الحيوي.

سابعًا -إيجاد نظام لتوريد اليورانيوم المخصب لدول الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.  

ثامنًا: الترويج لاتفاقيات فعالية الطاقة واستخدامها الأمثل. وتخفيض اعتماد الاتحاد على الواردات، وتقليص الطلب.

تاسعًا: تحسين قدرات الإنتاج والتصدير في البلدان المنتجة للطاقة، والبنى التحتية لنقلها. وعقد اتفاقيات غير تمييزية للعبور وخطوط الأنابيب.

التعاون الأوروبي / الروسي 

أجرت المفوضية الأوروبية حوارًا حول الطاقة مع روسيا – قبل التطورات الأخيرة – بهدف زيادة صادرات روسيا للاتحاد، وتحديد الأولويات الاستراتيجية والأمنية وتنمية الأسواق، ومحطات الربط الكهربائي والتجارة في المواد النووية.   

التعاون الأوروبي العربي المتوسطي والخليجي

تنظم اتفاقات المشاركة الأوروبية، التعاون في مجال الطاقة، وتتعهد الأطراف فيها بتوطيد التعاون الاقتصادي لتحقيق المصالح المشتركة. ودعم الجهود لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متواصلة، كما يشمل التعاون المجالات التي تحقق تقارب أوثق بين اقتصادات الأطراف.  

كذلك أفردت مواد للتعاون في مجالات إدارة الطاقة، وموارد المياه وجودة مياه البحار، وإدارة المخلفات، ومواجهة آثـار التنمية الصناعية، والوعي البيئي، ومنح أولوية لمجالات تطوير الطاقة المتجددة، وترشيد كفاءة البحوث التطبيقية وتنمية شبكات الطاقة وربطها بشبكات الجماعة الأوروبية.

ويتبين من ذلك أن استراتيجية الطاقة في الاتحاد الأوروبي تقوم على عدة محاور تشمل:

-   الحد من استخدامات الطاقة التقليدية، وتنويع وتنمية مصادر الطاقة الجديدة والبديلة والمتجددة؛

-    زيادة الاعتماد على المصادر الذاتية لدول الاتحاد ودول الجوار الأوروبي؛

-    التعاون مع الشركاء لبناء موقف مشترك من قواعد التجارة في الطاقة وخدماتها؛

-    "تنظـيم" إمدادات الوقود اللازم لمحطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود النووي.

والواضح أن هناك خلافات بين اللاعبين الأكبر في التجارة الدولية. ومع ذلك فقد نجحوا في الحفاظ على حد من التوافق حول مصالحهم المشتركة، كقضايا حماية الملكية الفكرية، وتحرير تجارة المنتجات الصناعية. والأهم هو إخضاع التجارة في الطاقة وبخاصة البترول للقواعد الإلزامية للتجارة الدولية.

ولكي نستخلص الاتجاه العالمي -والأوروبي الغربي -لتنظيم التجارة في الطاقة، وبخاصة البترول والطاقة الذرية، نلفت النظر إلى الزوايا التي تحدد حركة العالم في تنظيم توزيع وتجارة الطاقة:

الزاوية الأولى -أسعار البترول

منذ حقبة الاكتشافات البترولية وحتى ثورة أسعار البترول الأولى في سنة 1974م، دارت مفاوضات غير متكافئة وضد مصالح الدول المنتجة، مع الشركات المستغلة للحقول، والدول المستوردة الرئيسية. حاولت خلالها الدول المنتجة الوصول بالسعر العادل لبرميل البترول إلى 12 دولار، مقابل سعر 2.5 دولار للبرميل السائد حتى عام 1973م، وكان ذلك السعر يمثل وقتها نسبة من 20% إلى 25% من سعر البرميل تسليم ميناء الوصول. وكان الفارق يذهب لشركات الشحن والتكرير والتوزيع.

وأقصى ما قبلت به الشركات المستغلة للحقول والدول الصناعية الكبرى، هو النظر في قبول سعر 6-8 دولار للبرميل. وظل هذا الوضع حتى حرب أكتوبر سنة 1973م، ووقتها كان سعر أوقية الذهب 35 دولارًا. واخذًا في الاعتبار أن سعر الذهب صار يبلغ حاليًا أكثر من 1800 دولارًا للأوقية، نستنتج أن السعر المجحف للبترول سنة 1974م، (2.5 دولار) صار يساوي اليوم 128.5 دولار. وبذلك يتعين نبذ كل الدعاوى التي تدعي أن ارتفاع أسعار البترول هو سبب انخفاض معدلات نمو الاقتصاد العالمي. فهي دعاوى تروج للتنمية الرخيصة في الدول الصناعية الكبرى على حساب ثروات الآخرين.

الزاوية الثانية -الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وإنتاج الوقود

تنظم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية NPT في موادها الرابعة والخامسة والسادسة موضوع استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، فتمنح للدول أعضاء المعاهدة غير الحائزة للأسلحة النووية، الحق في تنمية بحوث وإنتاج واستخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية. وتلتزم الدول أطراف المعاهدة بتيسير تبادل المعدات والمواد والمعلومات والتقنية لاستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية.  

وفي المقابل تتعهد الدول الحائزة للأسلحة النووية باتخاذ التدابير المناسبة لتأمين حصول الدول -الأطراف في المعاهدة -غير الحائزة للأسلحة النووية، على نتائج التطبيقات السلمية للأبحاث النووية. وتتيح المعاهدة لأطرافها إجراء مفاوضات لوقف سباق التسلح النووي ونزع أسلحتها. ومع ذلك فهناك تراجع في تطبيق الدول الحائزة للأسلحة النووية الأطراف في المعاهدة بالتزاماتها في موضوعين:

- عدم وقف سباق التسلح ونزع السلاح النووي في ظل مراقبة دولية.

- عدم تزويد الدول أطراف المعاهدة - غير الحائزة للأسلحة النووية - بنتائج التطبيقات السلمية للطاقة النووية. وصار هناك إنكار لحق تلك الدول في إنتاج وقود مفاعلاتها النووية السلمية.

وبالتـالي صار هناك أمر واقع، من بين مظاهره:

هناك دول تمتلك برامج نووية معلنة تشمل استخدامات عسكرية (النادي الذري)

ودول تمتلك برامج نووية عسكرية غير معلنة، رغم عدم توقيعها علي معاهدة عدم الانتشار، ويساند الغرب موقفها (إسرائيل).

ودول تسعي لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية وتنضم للمعاهدة ولنظم الرقابة (إيران) وينكر عليها حق إنتاج الوقود. ومطلوب منها أن تتزود بالوقود من الآخرين.

محاولات تحــرير تجارة البترول من المصادر غير الغربية.

الزاوية الثالثة -الديمقراطية والطاقة النووية

شهدت كل من القاهرة والمنامة عام 2007م، احتفاليتين. كان المتحدث الرئيسي فيهما مسؤول غربي رفيع المقام. وفي كلا الاحتفاليتين تكرر السؤال التالي:

"ما هو موقفكم من موضوع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية؟ حيث نراكم تتعاملون بمعايير مزدوجة. ففي الحالة الكورية لديكم صبر لا ينفذ للتفاوض السلمي الهادئ، حتى بعدما أقدمت كوريا على تفجيراتها الذرية للأغراض العسكرية. وأما إسرائيل فتمنحونها شرعية الخروج عن اتفاقية منع الانتشار النووي، وتعترضون في المحافل الدولية على مجرد السؤال عن موقفها من المعاهدة وعن حقيقة أنشطتها النووية العسكرية.  بينما في الحالة الإيرانية ينفذ صبركم بسرعة، وتلومون من يطلب إعطاء الفرصة لحل تفاوضي؟"

وكان رد المسؤول رفيع المستوى طريفًا في المناسبتين: "إن الأمر يتعلق بالديمقراطية التي تعتبر الضمان الحقيقي لحسن استخدام الأسلحة النووية. فالنظام الديمقراطي الذي يمتلك أسلحة نووية لا يمثل تهديدًا للعالم. بعكس النظام الدكتاتوري إذا تملك تلك الأسلحة. وقد أثار الرد سؤالاً جديدًا: " لو كنت ضحية السلاح النووي، فهل تكون أسعد حالاً لو علمت أن السلاح الذي اغتالك كان قنبلة ديمقراطية"؟ خاصة وأن السابقة الوحيدة لاستخدام القنابل الذرية، كانت قنبلة ديمقراطية أطلقت على هيروشيما وناجازاكي في اليابان؟

والمهم في هذا كله هـو أن نحترس من وضع ننقاد إليه، عندما تنهال علينا العروض ترحب بشدة بمساعدتنا على شراء ما نريد من مفاعلات بمليارات الدولارات، على أن تحجب عنا تكنولوجيا إنتاج الوقود اللازم. ووقتها سنخضع بترولنا ووقودهم النووي لكامل سيطرتهم، ونبقى رهينة لمزاج الآخرين. وبالتالي فإقدام عدد من الدول العربية على استخدام الطاقة النووية يتعين أن يتم بالشروط التالية:

  1. مراعاة أن تكون نسبة من مكونات المفاعلات النووية من منشأ وطني. بما يكفل نقل جانب من تلك التكنولوجيا للأيدي والعقول العربية.
  2. التمسك بحق إنتاج الوقود اللازم للمحطات النووية.
  3. اكتساب مهارات الأمان النووي والاستخدام الآمن لتلك الطاقة، والتخلص من النفايات.

  المواجهة بين الشرق والغرب

عندما انهارت الشيوعية وسقط حائط برلين، وتبنت روسيا ودول الكتلة الشرقية أنظمة اقصاد السوق، اتخذت أمريكا والغرب عمومًا "خطوات معتدلة" باستيعاب تلك الدول في أنظمتها ومؤسساتها. فانضمت أغلب دول شرق أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي. بل إن بولندا مقر "حلف وارسو" انضمت لحلف الأطلنطي العدو السابق، واستضافت اجتماعات الحلف بحضور الرئيس الأمريكي "باراك أوباما". كما دعت الدول الصناعية السبع الكبرى، روسيا لتنضم لتجمع G.7  فأصبح G.8 .

غير أن روسيا / بوتين أحست أنها أشد تماسكا من روسيًا / جورباتشوف، فطمعت في استعادة بعض ما فقدته من سيطرة على جيرانها. وأقدمت على غزو شبه جزيرة القرم. فلما توجهت أوكرانيا للانضمام لكل من حلف الأطلنطي والاتحاد الأوروبي، أقدمت روسيا على احتلال أجزاء من أوكرانيا. وهنا اندلع الصراع بين الشرق والغرب مرة أخرى. في وقت صارت روسيا المصدر الرئيسي للغاز إلى غرب أوروبا. وتبادل الطرفان فرض العقوبات. فقاطع الغرب روسيا، وأخرجها من النظام المصرفي الدولي ومن تجمعات الدول الصناعية الكبرى. وقررت روسيا قطع إمدادات الغاز عن الغرب. ودخلت أوروبا في أزمة طاقة قاسية. وعانت كثيرًا من دول العالم من نقص إمدادات القمح والغذاء.

التعاون العربي في شأن الطاقة والغذاء

تتعاون البلدان العربية في مسائل التجارة الخارجية تحت مظلة جامعة الدول العربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والتنسيق بين أعضاء منطقة التجارة العربية الكبرى PAFTA. وكانت منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط "أوابك" (OAPEC) قد أنشئت ووقَع ميثاقها في بيروت في 9 يناير 1968م. وأسستها كل من الكويت والسعودية وليبيا. وانضمت إليها لاحقًا كل من البحرين والإمارات والجزائر والعراق وسوريا وقطر ومصر. وتتخذ المنظمة من الكويت مقراً رئيسياً. ويلتزم أعضاؤها بمراعاة مستويات الأسعار التي تستهدفها المنظمة لتقوية دور "أوبك - OPEC" واستقرار الأسواق. ويتعاون أعضاء "أوابك" في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي لصناعة البترول، وتوثيق العلاقات فيما بينهم.

وقد أسست دول OAPEC عددًا من الشركات العربية المشتركة في مجالات نقل البترول، وبناء وإصلاح السفن والاستثمارات البترولية، وأنابيب البترول "سوميد" التي تمتلك خطًا من ميناء العين السخنة على خليج السويس، حتى ميناء سيدي كرير على البحر المتوسط، وهو مخصص لنقل حمولات السفن التي لا تسعها قناة السويس. ونقل الخط خلال العام المالي 2019 م، أكثر من 61 مليون طن من النفط الخام.

ويعتبر مشروع الربط بين شبكات الكهرباء العربية من المشروعات الطموحة التي تزيد من إنتاج الطاقة الكهربائية بتكلفة قليلة نسبيًا، معتمدة على فارق التوقيت بين بغداد في أقصى المشرق والدار البيضاء في أقصى المغرب العربي مرورًا بتونس والجزائر، بما يضيف فائض طاقة بنحو 30%. وقد تمت الوصلات بين السعودية ومصر التي ربطت مع ليبيا. وأمكن تزويد لبنان وسوريا بالكهرباء. ويجري حاليًا مد "كابل بحري" يربط مصر بكل من اليونان وقبرص تمهيدًا لتصدير الكهرباء إلى أوروبا. وقد تم ربط شبكة مصر مع السودان وستمتد إلى الكونجو وتنزانيا. وبالتوازي حققت مصر طفرة كبيرة في إنتاج الكهرباء ببناء محطات الكهرباء الجديدة، وبمفاعل الضبعة النووي، ليرتبط كل ذلك بالتصدير لأوروبا.

وقد ارتفع إنتاج الغاز في مصر اعتبارًا من 2015م، مع اكتشاف وتشغيل حقول غاز المتوسط، فحققت فائضًا من الغاز وتحولت إلى مصدر للطاقة. وتزداد فرص التعاون مع الدول العربية في شرق المتوسط. ورسمت مصر الحدود البحرية الاقتصادية مع اليونان وقبرص. وتسعى الأخيرة لنقل غاز حقل "أفروديت" إلى محطات الإسالة المصرية، وتصديره إلى أوروبا بقيمة مضافة عالية بصناعة الغاز المسال. وترى مصر أن كل ذلك يؤهلها لأن تصبح مركزًا لتصدير الطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا. وناقشت الأمر لجنة الطاقة والنقل والبيئة المصرية الأوروبية بالقاهرة. وأثنى الجانب الأوروبي على تطور سياسات واستراتيجيات مصر ووصفها بأنها "ثورة ثالثة".

الحاجة إلى دبلوماسية نشطة

-    يتطلب الأمر أن تواجه الدول العربية السياسات والتحولات الجارية في موضوعات الطاقة، بهدف التعايش بين الجميع.

- وللدول العربية مصلحة في اكتساب تكنولوجيا الحد من الحرق المفرط للبترول، والبحث عن مصادر جديدة للطاقة البديلة والجديدة والمتجددة وتوفير جانب من ثروة البترول والغاز.

- وتتفق الدول العربية مع بعض توجهات المحور السابع من الاستراتيجية الأوروبية للتوصل لنظام لتوريد اليورانيوم المخصب للدول التي تستخدم الطاقة النووية سلميًا، واحترام التزامات عدم الانتشار. لكنها تختلف إذا كان الهدف هو إدارة نظام يقنن احتكار إنتاج وبيع الوقود النووي لحساب الغرب.

- أهمية التعامل مع الإفراط في استيراد بترول الشرق الأوسط وحقنة في آبار أمريكا الشمالية. وعلينا أن "نشتبك" في حوار علمي وعملي حول السعر العادل للبترول. لأن السعر الحالي (90/ 100 دولار للبرميل) ما زال سعرًا مجحفًا بالمنتجين.

- وعلينا أيضًا التربص باتجاهات WTO ودول الغرب لإخضاع التجارة في البترول، لقواعد التجارة الدولية، وإنكار إخضاع الوقود النووي لنفس القواعد.

- وسوف يلقي كل ذلك بأعباء جديدة على الدبلوماسية العربية، هي قادرة على الاضطلاع بها. وعليها أن تستخدم مستويات وطبقات مختلفة من لغة الحوار والتفاوض. في إطار دبلوماسية نشطة ومشاغبة aggressive   تأخذ بزمام المبادرة، لرصد السياسات المضادة للمصالح العربية، وتواجهها في حوار يقنع الأطراف بإمكانية التوصل لحلول تحافظ على مصالح الجميع، ولا تقبل بمعادلة الصفر في التفاوض التي يجني فيها طرف كل الأرباح على حساب الأطراف الأخرى.

فلندخل إذن عصر العلم متسلحين بتكنولوجيا الطاقة، بسواعد وعقول تواكب العصر وتعرف كيف تتعامل معه.

مقالات لنفس الكاتب