فرضت الأزمة الروسية / الأوكرانية صعوبات على النظم الاقتصادية للعديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، وانعكس تأثيرها في جميع القطاعات الاقتصادية المهمة حول العالم، لا سيما قطاعات النفط والغاز، التي شهدت تقلبات سريعة في الأسعار. حيث تضاعف السعر تقريبًا خاصة بالمقارنة مع الأسعار قبل بدء الأزمة، خاصة الدول التي تشتري كميات كبيرة من النفط الخام والغاز والمنتجات البترولية من الخارج لتلبية متطلبات السوق المحلية والأجزاء العديدة من اقتصاد تلك الدول، ويمكن تلخيص التوقعات بالنسبة لسوق النفط في النقاط الآتية:
العقوبات
حتى الآن لم ينجح فرض عقوبات على النفط والغاز الروسي في وقف إمدادات الدول الكبرى المستهلكة لهما، ويأتي التأثير الكبير من خلال الشركات التي توقفت من جانبها عن شراء النفط في المقام الأول، وهذا الأمر قد يتغير خاصة وأن بعض التوقعات تشير إلى أن سوق النفط خسر حوالي 3 ملايين برميل يومياً من إنتاج النفط الروسي، وبالتالي فإن خفض مستوى القتال أو الإنهاك من الأزمة الحالية، سيؤدي إلى استئناف شراء النفط مجدداً، وهو ما سيؤدي إلى تخفيض الضغط على سوق النفط وانخفاض الأسعار
استعادة توازن سلاسل التوريد
صادرات الغاز الكبيرة من روسيا إلى الدول الأوروبية، ستؤدي على الأرجح إلى خفض الأسعار المرتفعة بشكل كبير هناك، بالإضافة إلى أماكن أخرى. كما أنه من المتوقع أن تكون أسعار الغاز على مستوى العالم، في فصل الشتاء المقبل أقل مما كانت عليه وقت اندلاع الأزمة. أما القضية الهامة للغاية فهي النفط الموجود على متن الناقلات في البحار والمحيطات، فهناك الكثير من النفط الروسي المتجه إلى آسيا وأوروبا، عبر ناقلات النفط، ما يعني أن هناك نحو عشرات الملايين من براميل النفط موجودة على متن الناقلات، مقارنة بالمستويات قبل بدء الأزمة (وتشير التخمينات إلى أن الحجم يراوح ما بين 25-50 مليون برميل)، كما أن صهاريج تخزين النفط في روسيا ممتلئة، ما يمكن أن يضيف نحو 10-20 مليون برميل أخرى إلى الأسواق، وبشكل سريع. ومع الأخذ في الاعتبار أن المخزون لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي تمثل نحو نصف الإجمالي العالمي، قد انخفض بحوالي 300 مليون برميل، مقارنة بمتوسط 5 سنوات، ومن المرجح أن يظل سعر برميل النفط أعلى من 80 دولاراً للبرميل، حتى يزيد المخزون من النفط مرة أخرى.
المخزون الاستراتيجي من النفط
من المرجح أن تنتهي عملية إطلاق المخزون الاستراتيجي من النفط، ولكن ذلك أمر غير مضمون، فبعض الدول مثل الولايات المتحدة واليابان وغيرهما، تشعر بالقلق تجاه زيادة معدلات التضخم، كما أنها لا ترغب في التوقف إذا كان ذلك سيعني ضغطاً على أسعار النفط. إلا أن عدم الوضوح يظل قائماً بشأن متى ستستأنف الدول ملء احتياطياتها الاستراتيجية، يعني أنه سيكون هناك احتياج للمزيد من النفط، في المستقبل لتعويض ذلك، ونعلم من التاريخ أن العديد من الدول لجأت إلى شراء النفط، عندما كانت أسعاره مرتفعة، لملء احتياطياتها الاستراتيجية، وقد يحدث ذلك مجددًا.
سينايور إذا استمرت وتيرة الحرب
-
إذا استمرت وتيرة الحرب على هذا النحو دون التوصل إلى حل واضح، سيذهب ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى أبعد من ذلك على المدى البعيد، وبحسب تقديرات الخبراء، فإن روسيا تعد ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتصدر عادة حوالي 7.5 مليون برميل يوميًا من النفط ومنتجات الطاقة الأخرى، وتأتي أوروبا في مقدمة مستهلكي النفط والغاز الروسي، بنسبة تُقدر بحوالي 53 في المئة منه، بينما تعد آسيا مشتر مهم آخر؛ حيث تشتري نسبة 39 في المئة من إنتاج الخام الروسي. ويتضح من ذلك دور النفط والغاز الروسي في العالم وأوروبا. حيث أصبح الآن تداول النفط مبني على التوقعات الجيوسياسية، مع وجود تخوفات من انتقال الحرب إلى دول أخرى في أوروبا. بالإضافة إلى تزايد العقوبات المتزايدة التي تفرضها الدول الغربية على روسيا مخاوف من توقف الصادرات الروسية من النفط والغاز، الأمر الذي ينعكس ارتفاعاً في الأسعار
-
وفق الأسعار المعلنة أخيرًا عن ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، عند 100 دولار تقريبًا للبرميل، فمعنى هذا أن الميزانيات العربية من المتوقع أن تودع العجز، وتحقق فائضًا ماليًا من عوائد النفط، وقد يكون بإمكانها الاستغناء عن الديون الخارجية والمحلية، كما يمكنها استعادة ما فقدته من أرصدة احتياطيات النقد الأجنبي، ولكن ذلك قد يؤدى لزيادة حجم التضخم فى تلك الدول الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد للسلع الأخرى بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
-
أيضًا، من الواضح جداً أن حظر النفط الروسي واستمرار وتيرة الحرب سيؤدي إلى عواقب وخيمة على السوق العالمية والعربية الغير مصدرة للبترول. حيث لا تؤدي الزيادات في أسعار النفط إلى رفع سعر الوقود فحسب، بل إلى زيادة أسعار كل الأشياء. يزداد التضخم لأن الوقود والطاقة من التكاليف الأساسية في تصنيع ونقل البضائع. قد يؤدي هذا الموقف إلى صدمة تضخمية مصحوبة بركود.
-
في بعض البلدان التي تعاني بالفعل من التضخم، قد تميل البنوك المركزية إلى محاربة التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة. حتى الآن، تهدد الحرب بعضاً من هذا النمو الاقتصادي للدول النامية، لكن التأثير سيعتمد بشكل كبير على المدة التي تستغرقها الحرب ومدى تدهور الأوضاع.
-
من المتوقع أن تنعم الدول الرئيسية المنتجة للنفط ببعض الأموال التي ستدخل خزائنها، في حين ستعاني الدول الأخرى من ارتفاع شديد في معدلات التضخم وزيادة حادة في أسعار السلع.
-
إن ارتفاع أسعار النفط سيدعم مشاريع التنمية في دول "أوبك " وسيضخ أموالاً في خزائنها. كما أن دول الخليج، بالإضافة إلى الجزائر وليبيا ستكون قادرة على جني أرباح من تلك الأسعار في خضم الحرب الروسية الأوكرانية، وستساعد عائدات النفط بعض تلك البلدان في مواصلة جهودها لتنويع مصادر الاقتصاد بغية الوصول إلى مستوى تستطيع معه التقليل من اعتمادها على النفط الخام ودعم مواطنيها. هناك دول غير النفطية ستشعر بالمعاناة من ارتفاع أسعار النفط في شكل ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم.
إن ذلك الأمر يتطلب الآتي:
-
وضع خطط تنفيذ جديدة بهدف أساسي هو تلبية متطلبات الصناعة للأسواق العربية المحلية من المنتجات البترولية والغاز الطبيعي.
-
زيادة إنتاج النفط والغاز من خلال تسريع جهود البحث والاستكشاف، وكذلك تطوير اكتشافات جديدة بسرعة ووضعها في حيز الإنتاج.
-
زيادة الجهود المبذولة لتعزيز قدرة المصافي العربية على الإنتاج من أجل تعزيز التوليد المحلي للمنتجات البترولية وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتعظيم الصادرات للخارج.
-
العمل على الاستفادة القصوى من البنية الأساسية والموانئ البترولية ومحطات الإسالة بالبلدان العربية
-
العمل على التقييم المستمر لكميات الإنتاج من النفط والغاز مع مراعاة ظروف العالم وتأثيرها الواضح على أسواق النفط العالمية، وكذلك زيادة الجهود المبذولة لتقليل النفقات وترشيد الاستهلاك وزيادة الطاقة الإنتاجية.
-
تعظيم الاستفادة من المواد البترولية واستخدامها بديلاً عن الغاز الطبيعي في بعض الصناعات والتركيز على تصدير الغاز الطبيعي للاستفادة من فرق الأسعار الكبير للغاز في هذه الفترة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ