array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 178

مستقبل الطاقة يتطلب تبني رؤية واضحة للأولويات لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار

الأربعاء، 28 أيلول/سبتمبر 2022

تحميل    ملف الدراسة

تُعدّ الموارد الطّبيعيّة المصدر الثّاني من مصادر قوّة النّظام العربيّ بعد الموقع الجغرافيّ، حيث تملك المنطقة العربيّة إمكانيات هائلةٍ من هذه الموارد، من حيث الإنتاج أو الاحتياط، فهي تحتلّ مواقع متقدمةً من إنتاج الحديد والفوسفات وغيرها من المعادن التّي تقوم عليها الصناعات الحديثة، وإن كان المورد الأهمّ بينها هو النّفط ، إذ أن نسبة احتياط النفط المؤكد إلى الاحتياط العالمي للدول العربية تبلغ 55.7 % من الاحتياط العالمي البالغ 1284 مليار برميل عام 2021 و 26.% من احتياطي الغاز الطبيعي ، تشكّل هذه الثّروة النّفطيّة الموضوع الرئيسي لعلاقات الدول العربية و الخليجية  بغيرهم، وهي تعتبر سبباً رئيسياً لتدخّل الدّول الخارجيّة، لتُمارس سلطتها في توجيه العلاقات العربية - العربية والتأثير في مساراتها. كما أنّه يُعتبر عامل قوةٍ تُمكّن من الضغط على قمّة النّظام الدّوليّ من خلال وقف أو تقليل إنتاج البترول أو تصديره، وهذا ما أعطى أهميةً ومكانةً للمنطقة العربيّة في الاقتصاد العالميّ.

قبل الخوض في استشراف مستقبل دور النفط والغاز في رسم العلاقات الدولية ومستقبل منطقة الخليج العربي، لابد من استعراض أهم التحديات التي تواجه منطقة الخليج العربي والتي تلعب دوراً مركزياً في رسم الملامح المستقبلية، وفي مقدمة هذه التحديات، أولاً، رغم الجهود لتنويع الهيكل الإنتاجي في دول الخليج العربي، الا أنها ما زالت شديدة التأثر بتغيرات وتقلبات أسعار النفط، واقتصادات ما زالت شديدة الارتباط بسلعة واحدة ومشتقاتها. ثانياً، هناك ضرورة ملحة للتصدي العاجل لخلل الموازنات العامة وما يترتب عليه من تراكم المديونية المحلية والدولية، وارتفاع معدلات التضخم والغلاء. ثالثاً، كما يشير النمو الاقتصادي، في ظل الأوضاع العالمية والإقليمية المشهودة، إلى تراجع في نمو الاقتصادات العربية بمعدلات لا تلبي احتياجات التنمية وزيادات السكان وتوقعاتهم، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، رابعاً، تداعيات جائحة كورونا والنزاع الروسي الأوكراني.

قبل تحليل دور النفط و الغاز في رسم العلاقات الدولية و مستقبل منطقة الخليج العربي، لا بد من أن نحدد العوامل أو المتغيرات التي تحدد أسعار النفط عالمياً و هي، الإنتاج ( العرض )، والطلب العالمي ،والاحتياطي من النفط ، والجغرافيا السياسية Geopolitics ، و معدل النمو العالمي، من ناحية أخرى يجب أن نشخص أكبر 10 دول تنتج النفط عالمياً، لأنها تلعب دوراً رئيسياً في رسم مستقبل العلاقات الاقتصادية و السياسية الدولية، و هي أمريكا حيث تنتج تقريباً  16.49  مليون برميل، روسيا  10.68  مليون برميل، السعودية  10.66  برميل، كندا  5.4  مليون برميل، الصين  4.07  مليون برميل، ثم يليها كل من العراق، الإمارات، البرازيل، إيران، والكويت .من ناحية أخرى تمثل دول الخليج العربي السعودية، الإمارات والكويت بجانب العراق، اللاعب الأساسي في المنطقة العربية في تحديد حجم و مستويات الإنتاج في العالم وتمثل مركز الثقل الاستراتيجي، من خلال دورها الفاعل في الأوبك +، من خلال تحديد إنتاج و تصدير و أسعار النفط في العالم، (جدول رقم 1) .

تمتاز الدول العربية والخليج بانها تتمتع باحتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي في العالم، بجانب روسيا التي تصدرت احتياطي الغاز بمقدار 47,270 مليار متر مكعب، تليها إيران بمقدار 34,076 مليار متر مكعب، ثم قطر 23,846 مليار متر مكعب، أمريكا 12,821 مليار متر مكعب، ثم السعودية 9,201 مليار متر مكعب ويليها الجزائر 4,505 مليار متر مكعب وهكذا تأتي بعدها بقية دول العالم من حيث الاحتياطيات من الغاز، كما يوضح (جدول رقم 2)، صادرات الغاز في مختلف مناطق العالم.

لعل التحول العالمي ومنها بشكل خاص العربي، نحو الطاقة المتجددة ومصادر النفط غير التقليدية نتيجة تذبذب أسعار النفط وتنامي القلق لدى العديد من صانعي القرار في الدول النفطية، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي والعراق والجزائر وليبيا، بشأن المستقبل الاقتصادي والآثار المترتبة على هذا التطور السلبي على اقتصاد هذه الدول، وتأتي هذه التغيرات الاقتصادية في ظروف عالمية وإقليمية غير مستقرة؛ مما يزيد من صعوبة الأزمة، حيث تشهد مناطق الإنتاج توترات سياسية، خاصةً منطقة الشرق الأوسط، وروسيا التي تواجه حرباً باردة جديدة مع الطرفين الأوروبي والأمريكي وازدادت شدة بعد الأزمة مع أوكرانيا، فضلاً عن العوامل المناخية الدافعة لزيادة الاستهلاك العالمي خلال فصل الشتاء، والتي كان من المفترض معها أن تزيد أسعار النفط لا أن تنخفض. لذا لابد من الوقوف على الأسباب والسيناريوهات الكامنة وراء انخفاض سعر النفط، على نحو يمكن معه طرح عدد من البدائل لمواجهة التداعيات المحتملة.

من أجل الاستعداد لمستقبل أسواق الطاقة على ضوء التوتر الدولي القائم وتأثير ذلك على نفط دول مجلس التعاون الخليجي والدول المصدرة للنفط والغاز بصفة عامة، ومن أجل التهيؤ لمرحلة ما بعد النفط، تتبنى العديد من الدول الخليجية، سياسات طاقة تهدف إلى خفض الاعتماد على النفط وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الأخرى، خاصة المتجددة منها. حيث تم وضع عدداً من المبادرات الاستراتيجية الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة من خلال تنفيذ مشاريع لإنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية، ومن بينها مشاريع إنشاء مدن صديقة للبيئة تعتمد في الأساس على مصادر الطاقة المتجددة، وعلى الرغم من إن التذبذب الذي تشهده أسعار النفط الخام نتيجة وفرة الإمدادات وبخاصة من المصادر النفطية غير التقليدية، قد يمثل تحدي يواجه تنفيذ هذه المبادرات، حيث أن  انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى زيادة الاعتماد عليه على حساب مصادر الطاقة الأخرى إلا أن العديد من التقارير الرسمية تشير إلى أن قطاع الطاقة المتجددة، يشهد تقدماً ملحوظاً وسط توقعات باستمرار هذا التقدم في المستقبل في الدول العربية.

بالرغم مما تتمتع به الصناعة النفطية في منطقة الخليج العربي من مميزات، فهي تمتلك احتياطيات كبيرة بتكاليف إنتاج منخفضة نسبياً، وتتميز بموقع جغرافي يتوسط العالم، مما يسهل من إمكانية استهداف الأسواق العالمية المختلفة وبتكاليف نقل منخفضة نسبياً، وتمتلك بعض الدول العربية المصدرة الرئيسية للنفط، مصافي تكرير في بعض الدول المستهلكة والتي تمثل بدورها منافذ لتصدير نفطها. فإنه يتوجب على دول الخليج العربي المصدرة الرئيسية للنفط أن تتابع عن كثب ما يستجد من تطورات في أسواق الطاقة العالمية، وبخاصة في مجال صناعة النفط من المصادر غير التقليدية، التي انعكست بالفعل على اقتصاداتها، مما يساعد على تقليل حدة هذه الانعكاسات، وكذلك تطوير الاستفادة من الطاقة المتجددة مثل الشمس والمياه والهواء وغيرها، والتي تتوفر بمعدلات اقتصادية، والتي يمكن أن تكون أحد أهم مصادر الدخل القومي في العقد الجديد بجانب النفط ومصادر النفط غير التقليدية مثل النفط الصخري.

في ظل تصاعد العلاقة بين حالة الصراع والتنافس وفرض النفوذ وبين الموارد، أصبحت استراتيجيات السياسة الخارجية للعديد من البلدان تتعامل مع قضايا أمن الطاقة وتطوير البنية التحتية الخاصة بها بالإضافة إلى تشكيل نظام طاقة مشترك، كعوامل جيوسياسية رئيسية تتحدد معها نفوذ الدولة ومدى تأثيرها، ويتم التعامل مع أمن الطاقة كمتغير أساسي لقوة الدولة وكأداة حاسمة لفرض النفوذ، وقد تعددت التعريفات المطروحة لأمن الطاقة ووفقًا لمصالح الدولة، وأهداف أمن الطاقة، والمفاهيم الجيوسياسية التي تتناول أمن الطاقة من خلال هذه المعايير الرئيسية لموارد الطاقة وعلاقتها بقوة الدولة ونفوذها السياسي .

وفي إطار التركيز على روسيا، الدولة المتصدرة في إنتاج الطاقة وتصديرها، حيث وصل إنتاجها من النفط 10.436 مليون برميل في أبريل 2022م، بينما وصلت صادراتها من الغاز 238.1 مليار متر مكعب، كنموذج للدول التي استطاعت أن تستخدم الطاقة كأداة لفرض النفوذ على المستوى الدولي. إن محاولات تغيير نظام توازن القوى من نظام القوى الواحد إلى نظام متعدد القوى، حيث تمثل الطاقة عنصر هام في تحديد مسار وتوجهات السياسة الخارجية الروسية التي بلورت أهدافها الخارجية في مجال الطاقة على اعتبار الطاقة أداة من أدوات السياسة الخارجية الروسية من خلال استخدام ما يسمى بدبلوماسية الطاقة، والطاقة كسلاح استراتيجي لزيادة النفوذ، والاستثمار الموجه في مجال الطاقة للهيمنة على البنى التحتية ذات الأهمية الاستراتيجية، والحد من النفوذ الأمريكي وحلفائه في مناطق النفوذ الروسي في كل المناطق الاستراتيجية الهامة، بالإضافة إلى توسيع رقعة النفوذ الروسي في آسيا وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، اذ استطاعت روسيا استغلال مواردها من الطاقة لفرض النفوذ على المستوى الدولي والذي من المتوقع أن يستمر لفترة بالرغم من التهديدات والتحديات التي تواجهها .

تواجه روسيا تحديات كبيرة في الحفاظ على حجم صادراتها خاصة من الغاز الطبيعي، وهذا قد يؤثر على اقتصاد الدولة الداخلي، خاصة أن استراتيجيات تصدير الغاز لا تعكس التغيرات العالمية الأخيرة، والتي تؤثر بشكل كبير على وضع صادرات الغاز الطبيعي الروسي، حيث أصبحت أمريكا  منافس لروسيا في أسواق الغاز الطبيعي، وبالرغم من أن أوروبا لا تزال الوجهة الرئيسية لصادرات الغاز الطبيعي الروسي، لكن الآفاق متباينة، حيث أن هناك اتجاهات متناقضة في السوق الأوروبية، مثل تقليل الاستهلاك، وتنوع موردي الطاقة وغيرها، مما قد يؤثر على آفاق تصدير الغاز الطبيعي الروسي، في الوقت نفسه، تضيف المنافسة المتزايدة من منتجي الغاز الطبيعي الآخرين، وحروب الأسعار، تحديات كبيرة لروسيا، ومع ذلك، تمثل الأسواق الآسيوية، مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، أسواق واعدة بالنسبة لتصدير الغاز الطبيعي الروسي، بسبب قدرة السوق الهائلة على استيعاب كميات أكبر من الغاز الطبيعي، وديناميكيات استهلاك الطاقة، والتخلص التدريجي من الفحم. وبالتالي يجب على روسيا تأمين وصولها إلى هذه الأسواق والسعي إلى زيادة حصص تصدير الغاز الطبيعي.

ومع ذلك، داخل الاتحاد الأوروبي، أصبحت تقييمات علاقة الطاقة مع روسيا أكثر إثارة للجدل، وخاصة بعد الأزمة الأوكرانية، إلا أن ذلك لم يكن عائقًا أمام المشروعات الطاقوية المشتركة بين بعض دول الاتحاد وروسيا، مثل مشاريع Yamal LNG  وخطوط أنابيب  TurkStream   و   Nord Stream 2  والتي تهدف من وجهة نظر روسيا إلى دعم أو زيادة حصص الشركات الروسية في السوق الأوروبية في مواجهة المنافسة المتزايدة. كما أنها تخدم غرض تنويع طرق التصدير وتجاوز بلدان العبور، وبحسب الشركات الأوروبية التي تدعمها، فإن هذه المشاريع هي مساعي تجارية تساهم في أمن الطاقة الأوروبي، بالتالي من المتوقع استمرار أهمية إمدادات الغاز الروسي إلى دول أوروبا، وصعوبة إمكانية توقف أوروبا عن استيراد الغاز الطبيعي من روسيا، اذ ستبقى روسيا مصدرًا تنافسيًا كبيرًا للغاز الطبيعي لدول أوروبا وأن التخلي عن تلك الواردات سيكون صعبًا ومكلفًا.

تحاول سياسة الطاقة الأمريكية إلى خفض اعتمادها على واردات النفط والغاز الخليجي، والتحول نحو الاكتفاء الذاتي من الطاقة من خلال زيادة استخدام المصادر غير التقليدية من النفط الصخري، أن زيادة استخدام مصادر الطاقة غير التقليدية يُعد فعالًا في تقليل اعتماد أمريكا على النفط الخليجي، وقد يخلق منها منافسًا لمنتجي الطاقة التقليديين في المستقبل. ولقد أدى الإنتاج المحلي المتزايد للنفط والغاز بأمريكا، بفضل مصادرها غير التقليدية من الطاقة، إلى تصدير فائض تلك المنتجات إلى أجزاء أخرى من العالم.

إن هذا الأمر قد يُحدث تحولاً رئيسيًا في جغرافية الطاقة الدولية في المستقبل، فمن ناحية، قدمت مسألة إدخال طاقة غير تقليدية إلى السوق، حلاً لمشكلة تركز الطاقة في منطقة بعينها، وفيما يتعلق بالحد من الاعتماد على الطاقة المستوردة، ذكرت وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2015م، ما معناه، تغير سوق الطاقة بشكل ملحوظ، حيث أصبحت أمريكا الآن من بين أكبر منتجي الغاز والنفط في العالم ووصل اعتمادها على النفط الأجنبي إلى أدنى مستوى له في آخر عشرين عامًا، وما زال في مرحلة الهبوط. وعلاوة على ذلك، ستستخدم الدول النامية طاقة أكبر من الدول المتقدمة، ومن شأن ذلك أن يغير تدفق الطاقة وكذلك علاقات المستهلكين، علماً، بلغ إنتاج أمريكا من النفط 16.490 مليون برميل عام 2021م، بينما بلغ الاحتياطي الأمريكي من النفط   60.55 مليار برميل عام 2021م.

تخطط أمريكا لتصبح إحدى القوى العظمى في مجال الطاقة قريبًا، وهذا يشكل تحدياً كبيراً لدول مجلس التعاون الخليجي وتتطلع لزيادة حصتها في سوق الطاقة الدولي. ولذلك، لا تهتم أمريكا بالتواجد الصيني في دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من أنه تواجد استراتيجي ومصيري بالنسبة للخليج العربي والصين، إذ يُعتبر الشرق الأوسط ومجلس التعاون الخليجي أحد المناطق التي تُثير اهتمام الساسة الصينيين، فالصين تستورد حصة كبيرة من النفط من الشرق الأوسط. وقد عملت الصين على مشروعات رئيسية مثل: "الحزام والطريق"، بالإضافة إلى طريق الحرير البحري، من أجل تعزيز دورها، لأن تشغيل هذه المشروعات سيعمل على تعزيز الدور الصيني في المعادلات الإقليمية والدولية.

ويعتبر مشروع طريق الحرير الجديد خطة للاستثمار في البنية التحتية لأكثر من 60 دولة، وإنشاء مسارين تجاريين-طريق الحرير البري (الحزام) والبحري (الطريق) -والذي قدمته الصين عام 2013م، غير أن أمريكا  تحاول إحداث أثر سلبي على نمو الاقتصاد الصيني، من خلال التحكم في مسارات عبور الطاقة التي تستورد الصين من خلالها النفط والغاز، من ناحية أخرى، تهتم أمريكا بزيادة حصتها في أسواق الطاقة في الصين والهند، باعتبارهما أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، لهذا ستكون أمريكا في منافسة مع دول مجلس التعاون الخليجي، الذي ينتج قرابة 18 مليون برميل يومياً عام 2021م، ما نسبته 19 % من إجمالي الطلب العالمي البالغ قرابة 99 مليون برميل يومياً .

يعتبر استقلال الطاقة الأمريكي أو اعتمادها على الذات والاستثمار في مصادر الطاقة البديلة، من المعالم الجيوسياسية الدولية، الذي يعد الشرق الأوسط الطرف الأكثر حساسية تجاهها وبشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي، ولعل الاهتمام الأمريكي بموردي النفط في الشرق الأوسط سيتقلص مع زيادة استقلال الطاقة في أمريكا، ويعتمد ذلك بالطبع على أهمية النفط في السياسة الخارجية لأمريكا، إذ أن كل من ازدهار الغاز الصخري وصادرات أمريكا  من الغاز الطبيعي المسال سيؤثران على بعض دول مجلس التعاون الخليجي وبالأخص قطر، حيث تركز قطر على الحافظة المتنوعة.

وفي هذا السياق، هناك تساؤلات محورية وجادة ينبغي طرحها حول مدى التماسك الأمريكي/ الأوروبي وما إذا كان بُنيانه قد بدأ يتراجع فعلاً، فلم نلاحظ سابقًا مرور العلاقات بين الإدارة الأمريكية والقوى الأوروبية بهذا المستوى من التباين في المواقف مثلما هو عليه الوضع الآن، حتى وصل إلى وضع يقرر فيه الاتحاد الأوروبي عدم إدراج أمريكا في قائمة الدول المُعفاة من حظر السفر إليها الذي فرضه الاتحاد بسبب فيروس كورونا المستجد في حين سمح بوضع الصين ضمن هذه القائمة.

من ناحية أخرى، تشكِّل إيران التحدي الأكبر أمام العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا. فعندما انسحب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني المُبرم عام 2015م، الذي يُعرف رسمياً باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، اعترضت دول الاتحاد الأوروبي على ذلك بشدة، كما أن انسحاب أمريكا من الاتفاق وفرضها عقوبات على إيران كجزء من سياسة الضغط الأقصى قد جعل من المستحيل على شركات الاتحاد الأوروبي الكبرى أن تزاول أي نشاط تجاري مع إيران – لأنها أُجبرت على ممارسة الأعمال التجارية مع الاقتصاد الأكبر في العالم ولم يعد انفتاحها على الاقتصاد الإيراني خياراً، من جانب أخر يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى أن تكون أمريكا دولة قائدة مرة أخرى على الساحة الدولية وتتعاون مع حلفائها وتضمن الأمن الأوروبي، إذ يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى الثقل الأمريكي في الشرق الأوسط، على وجه التحديد، لردع طموحات روسيا، وكبح إيران وتركيا أيضاً من دون المخاطرة بإشعال حرب إقليمية كبرى، وبالنسبة للشرق الأوسط، فإن وجود شراكة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي تعمل بتناسق وطريقة بنّاءة لحل النزاعات والمشاكل الجذرية في المنطقة سيكون خطوة مهمة في اتجاه مشاكل المنطقة ، ويوفر فرصة ثمينة للدول الخليجية في تحقيق أهدافها في خططها التنموية عام 2030م.

من المتوقع على الأرجح ألّا تتقلص الهوة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي فيما يخص الشرق الأوسط، إذ ربما تتحسن الأجواء ولكن التوجهات قد تظل متباعدة، ويتعيَّن على القوى الأوروبية أن تنخرط في الشرق الأوسط لأنه جزء من جوارها الجغرافي، وتعتمد على إمدادات النفط والغاز وغيرها، ولديها اهتمامات تجارية وبيئية ومصالح أمنية أساسية.

إن منطقة الخليج العربي باتت تحظى بتحول سياسي ياباني واضح في سياستها تجاه هذه المنطقة، والعوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى تفعيل دور اليابان فيها بشكل أكبر مما كانت عليه خلال الحرب الباردة، انعكاس ذلك على السياسة اليابانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي وقضايا الطاقة والأمن في الخليج.

ترتبط اليابان بعلاقات وطيدة مع دول الخليج العربي، إذ كانت  ممتنعة عن الانخراط السياسي في المنطقة العربية طوال فترة الحرب الباردة، وقد ظهرت في الفترات التالية عدة عوامل ومستجدات أدت إلى تغيير نظرة اليابان التقليدية عن المنطقة العربية، كما زادت من انخراطها السياسي والدبلوماسي فيها، وأهم هذه العوامل مسألة الطاقة، وتلاشي المخاوف من تأثير المواقف السياسة من قضايا المنطقة على مصالح اليابان النفطية والاقتصادية، وعلى المستوى الوطني: انتهاء سيطرة الحزب الواحد، وتخفيف القيود على حركة القوات اليابانية، وعلى مستوى النظام الدولي: انتهاء الحرب الباردة واختفاء القطبية الثنائية، والتنافس مع الصين على الزعامة الإقليمية، وأخيراً: التحالف مع أمريكا، ويلاحظ هنا أن عامل النفط والمصالح التجارية المتنامية، والدور الأمريكي كانت ولا زالت أكثر العوامل أهمية وتأثيراً في السلوك الياباني وأكثرها تأثيراً في موقفها من قضايا المنطقة العربية وعلاقاتها بدول الخليج، مع الأخذ في الاعتبار النظرة المستقبلية لهذه العلاقة .

وتساؤلات حول أسباب تعلق اليابان بدعم وتطوير علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، ونهج سياسة أكثر استقلالاً عن السياسة الأمريكية في منطقة الخليج العربي، إذ لا شك أن سياسة اليابان الخارجية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي هي جزء لا يتجزأ من سياستها الخارجية في إطار النظام الدولي الراهن، ولليابان موقع بارز فيه، فهناك محددات لتلك السياسة وقيود عليها نجمت من هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، وتكبيل قرارها السياسي المستقل، ومع نهاية الحرب الباردة أملت بعض الدول ومنها اليابان، بمزيد من الحرية في علاقاتها مع الدول الأخرى، لكن النتائج جاءت معكوسة إلى حد بعيد، فقد اتسعت دائرة الهيمنة الأمريكية على اليابان وغيرها من دول العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق وكتلته الشرقية، ولم تنجح اليابان حتى الآن في التخلص من تلك الهيمنة.

وفيما يتعلق بمستقبل منطقة الخليج  العربي و دور اليابان بذلك والسيناريوهات المتوقعة بشأنها يمكن القول ، أن التكنولوجيا الحديثة والطاقة المتجددة والتنمية الصناعية التي تسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، تمثل أحد أهم التوجهات الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي، بينما يمثل النفط الخام أهم مُكون لمدخلات الاقتصاد الياباني، ولذا فإن العلاقة بين الطرفين تستند إلى عدة متغيرات تؤثر في مستقبل هذه العلاقة، وتتمثل هذه المتغيرات في؛ موارد الطاقة التقليدية أو النفط والغاز، ومستوى العلاقات الإقليمية لليابان في جنوب شرق آسيا وسياسة التوجه غرباً من ناحية، والوضع الراهن للمنطقة العربية ودول الخليج العربي تحديداً وسياسة التوجه شرقاً، ومن خلال النظام الدولي وتأثير التنافس الدولي على السياسة الخارجية لليابان على اعتبارها قوة اقتصادية كبرى، إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي المحلي لليابان 4.9 تريليون دولار، رابع أكبر اقتصاد في العالم بعد أمريكا و الصين و ألمانيا.

في ظل التطورات الاقتصادية الدولية، المطلوب من اليابان في هذه المرحلة أن تتعامل اليابان مع دول الخليج العربي باعتبارها "شريك اقتصادي وتجاري" كما هو مستوى العلاقات بينهم في الفترة الراهنة، وفيما يتعلق بمعطيات الوضع الدولي والإقليمي، ممكن أن تتعامل اليابان مع دول الخليج العربي وفق المعطيات الحالية من حيث الموقع الجغرافي وعلاقاتها مع الدول الأخرى في إقليم الشرق الأوسط وخاصة تركيا وإيران وإسرائيل وتطورات التنافس الدولي في المنطقة وما سيسفر عنه، وعلى دول الخليج العربي أن تدرس تلك التطورات بصورة واقعية لتحدد المسار الأمثل للعلاقات الاستراتيجية مع اليابان في المستقبل، في ظل احتياجها إلى النفط و الغاز.

إن المرحلة المهمة بين الطرفين، أن يُقدم فيها الاقتصاد على المحددات الجيوسياسية في النظام الدولي والإقليمي، ولكن يجب أن يؤخذ فيها بعين الاعتبار تطورات ظهور الطاقة المتجددة والنظيفة كمنافس للنفط، ومطلب تنويع مصادر الدخل، مما يعد بداية لشكل علاقة جديدة بين اليابان ودول الخليج العربي لمرحلة ما بعد النفط، وهي علاقة لن تعتمد على القاعدة التقليدية (النفط مقابل الصناعة والتكنولوجيا)، إنما إيجاد قاعدة علاقات استراتيجية جديدة مطلوبة للطرفين، ووفقاً للحاجات المتبادلة بينهما.

ومن أجل توضيح دور النفط والغار في رسم العلاقات الدولية ومستقبل منطقة الخليج العربي، لا بد من تسليط الضوء على كلمة المملكة العربية السعودية في " قمة جدة للأمن و التنمية " (قمة جدة 6/7/2022 م)، إذ أن التحديات الكبرى التي تعرض لها العالم مؤخرًا بسبب جائحة كوفيد 19 والأوضاع الجيوسياسية تستدعي مزيدًا من تضافر الجهود الدولية لتعافي الاقتصاد العالمي، وتحقيق الأمن الغذائي والصحي. كما أن التحديات البيئية التي يواجهها العالم حاليًا وعلى رأسها التغير المناخي، وعزم المجتمع الدولي على إبقاء درجة حرارة الأرض وفق المستويات التي حددتها اتفاقية باريس تقتضي التعامل معها بواقعية ومسؤولية تحقيق التنمية المستدامة من خلال تبني نهج متوازن وانتقال متدرج ومسؤول نحو مصادر طاقة أكثر ديمومة يأخذ في الحسبان الظروف وأولويات كل دولة.

وفي هذا السياق، تؤكد المملكة العربية السعودية، إن النمو الاقتصادي العالمي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستفادة من جميع مصادر الطاقة المتوفرة في العالم، بما فيها الهيدروكربونية مع التحكم في انبعاثاتها من خلال التقنيات النظيفة مما يعزز إمكانية وصول العالم إلى الحياد الصفري في عام 2050م، أو ما قبلها. ولذلك، تبنت المملكة نهجًا متوازنًا للحياد الصفري لانبعاثات الكربون بإتباع نهج اقتصادي دائم للكربون بما يتوافق مع خططها التنموية بتمكين تنوعها الاقتصادي دون تأثير في النمو وسلاسل الإمداد مع تطور التقنيات بمشاركة عالمية لمعالجة الانبعاثات من خلال مبادرتي السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر لدعم تلك الجهود المحلية والإقليمية.

تؤكد المملكة العربية السعودية، على أهمية مواصلة ضخ الاستثمارات في الطاقة الأحفورية والتقنيات النظيفة وتشجيع ذلك على مدى العقدين القادمين لتلبية الطلب المتنامي عالميًا، مع أهمية طمأنة المستثمرين بأن السياسات التي يتم تبنيها لا تشكل تهديدًا لاستثماراته لتلافي امتناعهم عن الاستثمار وضمان عدم حدوث نقص في إمدادات الطاقة والتي من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد العالمي، كما أكدت إن مستقبل الطاقة يتطلب تبني رؤية واضحة للأولويات لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار وترتكز على الاحترام المتبادل بين دول المنطقة وتوثق أواصر ثقافية واجتماعية مشتركة، ومجابهة التحديات الأمنية والسياسية نحو تحقيق تنمية اقتصادية شاملة ، هذا يشكل فرصة و تحدي في نفس الوقت، و على الدول العربية الاستفادة منه لمواجهة التحديات الاقتصادية .

وفي هذا السياق أرى من الصعوبة بمكان فرض سقف سعري على النفط المنتج من روسيا، لوجود معارضة كبيرة من دول الأوبك +، وفي مقدمتها السعودية وروسيا وحلفائهما لأنه يمثل سابقة خطيرة تهدد مستقبل الاقتصاد العالمي، وتخلق خللاً واضحًا في موازين العرض والطلب العالمي، ورغبات المنتجين والمستهلكين لهذه السلع الحيوية والاستراتيجية، إذ أعلنت مجموعة «السبع»، أنها ستفرض «بصورة عاجلة» سقفاً على سعر النفط الروسي، بسبب هجومها على أوكرانيا، داعية تشكيل أتلافاً واسعاً من الدول للانضمام إلى هذا الإجراء، هددت روسيا بحرمان الاتحاد الأوروبي من غازها، إذ أكد وزراء مالية دول المجموعة (الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وكندا واليابان)، في إعلان صدر بختام اجتماعهم يوم 2/9/2022م، أن «سقف الأسعار سيُحدد عند مستوى مبني على سلسلة من البيانات الفنية، وسيقرره التحالف بمجمله قبل وضعه موضع التنفيذ»، مؤكدين أن الأسعار في المستقبل ستُحدَّد علناً بصورة واضحة وشفافة، بالمقابل، حذرت روسيا من أن فرض لسقف بيع النفط الروسي سيزعزع استقرار السوق النفطية بجانب إيقاف ضخ الغاز بشكل كامل إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وفي الختام، إن النمو الاقتصادي العالمي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستفادة من جميع مصادر الطاقة المتوفرة في العالم، بما فيها الهيدروكربونية مع التحكم في انبعاثاتها من خلال التقنيات النظيفة مما يعزز إمكانية وصول العالم إلى الحياد الصفري في عام 2050م، أو ما قبلها، و أهمية مواصلة ضخ الاستثمارات في الطاقة الأحفورية والتقنيات النظيفة وتشجيع ذلك على مدى العقدين القادمين لتلبية الطلب المتنامي عالميًا، مع أهمية طمأنة المستثمرين بأن السياسات التي يتم تبنيها لا تشكل تهديدًا لاستثماراته لتلافي امتناعهم عن الاستثمار وضمان عدم حدوث نقص في إمدادات الطاقة والتي من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد العالمي ، إذ أن مستقبل الطاقة يتطلب تبني رؤية واضحة للأولويات لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار .

جدول رقم 1

مستويات الإنتاج الطوعية وفقاً للتعديلات الجديدة لاتفاق أوبك + لخفض الإنتاج، يناير 2021

 

المصدر: منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، 2021

 

جدول رقم 2

 

 

مقالات لنفس الكاتب