تدفع المتغيرات المستجدة، والجبهات الساخنة، والتأثيرات في الملفات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد التقارب الأمريكي الإيراني في الملف النووي الذي أدى إلى تهدئة الخطاب بين الطرفين من جهة، ومن جهة ثانية اتخاذ الدول الخليجية وأكثر تحديداً السعودية مسافة واضحة عن الولايات المتحدة الأمريكية، والتقرب بتوازن أكثر من الصين وروسيا، ما يؤكد التوجه الخليجي والعمل وفق القدرات الذاتية لحل المشاكل في المنطقة بالاعتماد على الذات دون توكيل دولة أو فريق، وهذا بالطبع يتناسب مع روح النقاط التي يطرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في العديد من المناسبات والقمم الدولية حول المفاهيم الجديدة التي تعاصر الأوضاع الأمنية الدولية، بما يدعو للالتزام بمفهوم الأمن المشترك المتكامل والتعاوني والمستدام والدفع بإقامة منظومة أمنية متوازنة وفعالة ومستدامة قادرة على ردع أي محاولات للهيمنة، ودعماً لمبادرة الأمن العالمي التي تطرحها بكين من أجل الحلول العقلانية ومن أجل الحوكمة الأمنية العالمية، ومن أجل النهوض بالمجتمعات.
فمنطقة الشرق الأوسط المشتعلة بشكل دائم والتي تعاني من ظلم تاريخي يترجم بحروب وتحديات وقلقلة سياسية وعدم استقرار يعود حسب المعطيات والدراسات والاستنتاجات إلى "غياب الوزن العربي" المفترض أن يكون دوره قادر على كبح جماح أي أطماع، هذا ما جعل مصير شعوب المنطقة تعيش منذ ما يقارب المئة عام تحت رحمة التدخلات الخارجية والتلاعب بمصائرهم.
وبسبب انعدام الوزن العربي، جعلها تتخذ خيارات انقسامية فيما بين الدول نفسها، فمثلا الدول التي سميت بدول "التحرر العربي" التحقت بالمعسكر الاشتراكي أبان الاتحاد السوفياتي، قتلت الحياة السياسية ومنعت أي تجدد بما يضمن توريث الحكم، أما الدول العربية ذات الحكم الملكي والأميري (الدول الخليجية) سارت بالمحور الأمريكي الغربي وفق مصالح مشتركة، فولد هذا الاصطفاف في مطلع ستينات هذا القرن حتى التسعينيات حالة من عدم الوفاق العربي، فأمست الوحدة العربية حلماً لن يتحقق في ظل الانقسام السياسي، وأمام مشاريع إقليمية ذا غطرسة واضحة، تمثلت بالتقاء مصالح مشاريع ثلاثة، تمدد الاحتلال الإسرائيلي للدول العربية، الثاني، الضرب على وتر حلم عودة الحكم العثماني، والثالث، مشروع تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية بما يتناسب مع إعادة وهج الامبراطورية الفارسية، وعند ضفاف هذه الأطماع نمت حركات إسلامية متشددة دعمتها سراً الدول الغربية وبدأت تطرح شعارات الغائية ساهمت في إضعاف القدرات الأمنية لدول الشرق الأوسط وفتحت أبواب التدخل الخارجي للاستحكام بمصائرها مرة تحت ذرائع محاربة الإرهاب، ومرات تحت ذريعة ردع "الفزاعة الإيرانية"، ومرات أخرى بذريعة "حماية حقوق الإنسان" في حال ظهور تشدد أمني لدى أي من دول المنطقة لمواجهة هذه الحركات الإسلامية المتشددة المدعومة سراً غربياً، وهكذا تم استنزاف القدرات المالية النفطية والعسكرية لدول المنطقة وكبح أي محاولة لنهضتها .
فمن هذا المنطلق حظيت مبادرة الأمن العالمي التي قدمتها بكين بتقدير كبير ودعم واسع النطاق من دول الشرق الأوسط فور طرحها، وجعل العديد منها ترغب في الانضمام إلى منظمة شانغهاي للتعاون خاصة بعد التزامات إيران بالانضمام إلى منظمة شانغهاي، وبالتالي تكون مصر والسعودية وقطر شركاء حوار جدد، إضافة إلى إدراج البحرين والإمارات والكويت في قائمة شركاء الحوار الجدد في هذه القمة. وكان جلياً أن دول الشرق الأوسط تأمل في اغتنام هذه الفرصة للبحث عن منصة تعاون أوسع وأكثر مساواة وواقعية.
فالأمن إن لم يأت من ركائز وقاعدة "رد الصاع صاعين" يكون عملاً موهوماً ويذهب هباء منثوراً، وبالتالي لا تكون القوة بقدر عدد الصواريخ أكثر قدرة وتأثيراً من أن تكون في إطار تعاوني أمني مشترك بين جميع المكونات العربية وتأتي من حرص على الهوية القومية والوطنية وحماية للاقتصاد والمجتمع، تكون قوتها بتأثيرها، وبالتالي الخلاص من نظرية استئجار الأمن لصالح تعزيز مفهوم الأمن المشترك والذي من شأنه أن يؤدي إلى التنمية المجتمعية وتحقيق الأمن الوطني والقومي الحقيقي.
فالتقارب الصيني العربي يضع في أولويات العلاقة، "العمل على حفظ السلام والدعم والتنمية"، على مبدأ أن السلام بدلاً من الحرب، والتنمية بدلاً من الفقر، والانفتاح بدلاً من الانغلاق، والتعاون بدلاً من المواجهة، والتضامن بدلاً من الانقسام، والعدالة بدلاً من التنمر، لتصبح ثوابت السلام العالمي.
التعاون الأمني المستدام
من منطلق الحاجة إلى الاستقرار أصبحت المتغيرات ضرورية وملحة لأن العالم منذ مائة سنة عدا عن ارتدادات جائحة القرن، دخل جولة جديدة من الاضطراب والتحول، وأصبحت خصائص التغيرات في العالم والعصر والتاريخ أكثر اتضاحاً مع توجهات الأحداث الجديدة في أوضاع الشرق الأوسط. فأبدت الصين حكمتها في تحقيق الأمن والأمان الدائمين في الشرق الأوسط بناء على الظروف الواقعية والتغيرات في البيئة الدولية مع الإصغاء إلى أصوات دول المنطقة وتعزيز التواصل معها. فظلت الصين تتمسك بمفهوم الأمن المشترك وتعمل على بناء إطار أمني جديد في الشرق الأوسط. تشترك هذه الدول في مستقبل واحد، وترتبط القضايا الساخنة الإقليمية بعضها ببعض. وهذا ما كان حيث انعقدت الدورة الثانية لمنتدى أمن الشرق الأوسط في بكين بنجاح، وطرح حينها وزير الخارجية الصيني وانغ يي مبادرة من أربع نقاط بشأن الدفع ببناء إطار أمني جديد في الشرق الأوسط، وركز فيها على أهمية الالتزام بالمفهوم الجديد من الأمن المشترك التعاوني والمستدام، ما يؤكد على حسن نية الصين وجدية المبادرة وشدد على الدور القيادي لدول الشرق الأوسط في الشؤون الأمنية في المنطقة، والالتزام بالمقاصد والمبادئ لميثاق الأمم المتحدة، وبناء الثقة المتبادلة عبر تعزيز الحوار الأمني الإقليمي. وتعتبر هذه المبادرة من مساعي الصين لتنفيذ مبادرة الأمن العالمي وتجاوز المأزق الأمني في الشرق الأوسط.
وتتخذ الصين مبادرتها واضعة الشروط الرئيسية لنجاحها الانطلاق من الاستقلال ومكافحة الفقر، ومن رفض التدخل في الشؤون الداخلية. على قاعدة أن "لكل دولة ضرورياتها وهواجسها"، وأن الأمن المشترك هو مسعى الجميع ويناسب الكل، لأنه يعطي القوة في القرار السياسي، ويناسب شعوبها الساعية لاستكشاف الطرق الأمنية التي تتماشى مع ظروفها الوطنية بإرادتها المستقلة، للتخلص من التدخل الخارجي وحماية المسار والمصير الوطنيين من الانزلاق نحو التبعية أجندات خارجية.
لذا لا بد من تعزيز التضامن والتعاون والتشجيع على الشمول والمصالحة بين جميع المكونات والخروج من قمقم الآنية. لان المنطق يقول إن دول العالم تشترك في مستقبل واحد، وأن أمن أي دولة لا ينفصل عن أمن الدول الأخرى (خاصة الجوار)، لهذا يجب ألا يسعى أي طرف إلى الأمن المطلق من جانب واحد. لأن "المعزوفة" أي اللحن لا يمكن إنجازها بآلة موسيقية واحدة ما لم تشترك باقي القطعات وتتعاون لأن ينتج لحن ذا قيمة له، لذا ينطبق هذا بل لا بد من إنجازها بالتعاون بين كافة الأطراف على أساس التفاهم والاحترام المتبادل والثقة المتبادلة.
لماذا مبادرة الصين؟
لماذا مبادرة الصين سؤال يستحق التوقف عنده والتدقيق جيداً فيه، لما له من أهمية لأن المقاربات والتاريخ يقولان إن الصين مصيرها مرتبط ارتباطاً وثيقًا بمصير الشرق الأوسط منذ القدم، بل منذ قبل آلاف السنين، وساهم طريق الحرير الذي يعبر سمرقند في تحقيق التبادل الحضاري والازدهار المشترك للصين والشرق الأوسط، في يومنا هذا، هناك طريق حرير جديد، يعتبر "مشروع الحلم" ومرة أخرى يمر بسمرقند، ويربط الصين بدول الشرق الأوسط من جديد، ويعتبر بالنسبة لدول حوض "الحزام والطريق" و"الشرق الأوسط" ولـ "الصين"، طريق للتنمية والازدهار وطريق للأمن والسلام أيضًا.
لذلك ليس أمام الصين سوى التمسك بإعطاء الأولوية للتنمية وتصدير مشروع مكافحة الفقر، والعمل على إرساء الأساس للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط. لأن التخلف الاقتصادي وغياب الاستثمار والمشاريع التنموية تعد هي السبب الجذري للاضطرابات، لذا في نهاية المطاف لا بد من الاعتماد على التنمية للخروج من الاضطرابات.
وأيضاً منذ قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949م، سعت إلى علاقات وثيقة بالدول العربية بدءًا من مصر، التي كانت أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات دبلوماسية ببكين عام 1956م، ومنذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي اتجه التركيز فقط على علاقاتها الاقتصادية وتوسيع تجارتها مع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك تصدير العمالة واستيراد النفط. فتأسست سياسة الصين في المنطقة على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي ورفض هيمنة القوى العظمى على مقدرات الدول الأصغر.
يعد تفاقم الأوضاع الأمنية المتردية في الشرق الأوسط وانهيار بعض دوله مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن كانت تحدٍ جدِي للصين ولسياساتها الإقليمية، بل أيضاً تهديدًا مباشرًا للاستثمارات الصينية ولتدفُق الواردات من النفط والمواد الأولية من المنطقة والصادرات من السوق الصينية إليها، ولسلامة المواطنين الصينيين العاملين في دول المنطقة. وعلى خلاف الولايات المتحدة تفتقد الصين خبرة الحضور العسكري في المنطقة، بما في ذلك تنفيذ عمليات عسكرية معقدة أو امتلاك قواعد عسكرية في المنطقة. ومع ذلك أدت التغييرات التي طرأت على الأوضاع الاقتصادية والأمنية إلى تبني الصين أنماطاً جديدة من العمل أبرزها المشاركة الصينية النشطة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط وإفريقيا. كما لعبت بكين، منذ عام 2008م، دورًا نشطاً في العمليات الدولية ضد القرصنة في القرن الإفريقي والدفاع عن طريق التجارة الدولية ورعاياها في الخارج وعمليات إجلاء من مناطق خطرة في أوقات الحاجة. واستهدفت الإصلاحات العسكرية التي تبنَاها الرئيس الصيني بناء قدرات عسكرية صينية قادرة على العمل بعيدًا عن الحدود وتغيير الأولويات الاستراتيجية للبلاد، وفى هذا السياق، أقامت بكين قاعدة عسكرية لها في جيبوتي افتتحتها في أغسطس 2017م.
وبالتالي يحتم نمو العلاقة وتوسع الاستثمارات الصينية العربية إبرام اتفاقيات بين الدول العربية وخاصة الخليجية والتي من شأنها أن تساهم في تعزيز الأمن والقدرات العسكرية.
وبالفعل تجري محاولات من الاتصال والتواصل، حيث جرى التشاور بين أكثر من 20 خبيرًا وباحثاً من الصين ومصر والإمارات والسعودية وقطر والعراق وغيرها، تركز حول سبل التنمية في الصين والدول العربية، وبحثوا طرق التحديث في الدول النامية. وفي السنوات الأخيرة، تعمل الصين بحزم على دفع الانفتاح العالي المستوى على الخارج وبناء "الحزام والطريق" بجودة عالية، وتعزيز مواءمة الاستراتيجيات التنموية مع دول الشرق الأوسط، وإجراء تعاون مثمر في مجالات الطاقة والبنية التحتية والطاقة الإنتاجية والتمويل وغيرها. وكان الجزء الأكبر من التشاور والمباحثات يحث على ضرورة أن تتمسك دول الشرق الأوسط بروح الاستقلال والتقوية الذاتية وتعمل على الدفاع عن مبدأ السيادة والاستقلال. انطلاقاً من مبدأ إنّ شعوب الشرق الأوسط هي سيد مستقبل المنطقة ومصيرها، لذا ينبغي أن تكون شعوب الشرق الأوسط مَن يقود الشؤون الأمنية في الشرق الأوسط، وذلك خلافاً لما كان قائماً سابقاً على مدى عقود حيث تسابقت الدول الكبيرة وفرضت تدخلها في شؤونهم مما ألحق أضرارا بمصائرهم ومشروع وحدتهم وأهلك اقتصادهم.
وتظل سياسة الصين الشرق أوسطية في المستقبل لغزًا كبيرًا خاصةً على الصعيد الأمني والعسكري، حيث من المستبعد أن تنخرط في مشكلات المنطقة المعقدة وحروبها الأهلية أو التوجهات الخاصة بانتشار أسلحة الدمار الشامل. ومع كل اتفاق اقتصادي أو تقارب صيني مع أي جهة في الشرق الأوسط يعبر المسؤولون الأمريكيون عن القلق على المصالح الأمريكية في المنطقة ويحاولون إثارة الاكاذيب كالذي أثير حول اتفاق اقتصادي أمني، تم توقيعه بين الصين وإيران، يُؤمِن للصين صادرات نفطية من طهران لخمسةٍ وعشرين عامًا. ومن المؤكد أن الصين تريد بالفعل توسيع وتعميق علاقاتها بالشرق الأوسط مع الجميع بتوازن، ولكن من غير المرجح أن يشمل ذلك حضورًا عسكريًا إذ يظل تركيزها على الاتفاقات الدبلوماسية والاقتصادية لضمان النَفاذ إلى النفط أكثر من استخدام القوة العسكرية.
فالتزام الصين مع دول الشرق الأوسط ينطلق من مبدأ الشراكة مع الجميع على قاعدة "الشراكة وعدم الانحياز". وانطلاقًا من ذلك فإن الصين لا تدعم أي طرف في منطقة الشرق الأوسط على حساب أطراف أخرى وترفض مفهوم الأحلاف وإنشاء التكتلات، لان الصين بتعاملاتها تعتمد الأخلاق، وقد رفضت عبر التاريخ مسألة إنشاء الأحلاف العسكرية والانخراط فيها، كونها تحمل عقلية الحرب الباردة وتعزز احتمالية حدوث التوترات والحروب، وهذا ما يتناقض مع استراتيجيتها وهي تفضل بالمقابل التركيز على بناء شبكة واسعة من الشراكات الاستراتيجية وترفض مفهوم تنصيب الوكلاء وفرض النفوذ.
وهذا ما أكده الرئيس الصيني شي جين بينغ في مقر جامعة الدول العربية عام 2016م، حيث قال: إن الصين لا تقوم بتنصيب الوكلاء في الشرق الأوسط، ولا تنتزع ما يسمى بـ"مجال النفوذ" من أي أحد ولا تنوي "ملء الفراغ ".
إن الصين تتمنى للشرق الأوسط الأمن والاستقرار وهي تسعى لذلك، وفيما يخص القضايا الساخنة فهي بمبادرتها تضع خارطة الطريق لحل المشاكل كافة بتقريب وجهات النظر بين الأطراف، عن طريق الحوار، لإرساء الاستقرار ونبذ العنف لتغليب مفهوم التنمية والمنفعة المتبادلة للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب يحفظ لكل شعب حقه وخياراته السياسية والتنموية.
وعملاً بهذه الاستراتيجية نسجت الدبلوماسية الصينية علاقاتها وشراكاتها مع دول المنطقة بطريقة متوازية، حيث أن من أولى العلاقات المميزة والتي وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في المنطقة والتي بدأت مع الجزائر وكذلك مع مصر التي تتشارك معها بأضخم المشاريع ، وصولاً إلى الإمارات العربية المتحدة التي أضحت شريكًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط، أما بخصوص المملكة العربية السعودية فقد خصها وزير خارجية الصين وانغ يي بأن تكون محطته الأولى لكي يطلق منها مبادرة الصين بشأن الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، مثبتًا بذلك الدور المحوري والأساسي للسعودية على الصعيدين العربي والإسلامي، بالإضافة إلى العلاقة التشاركية المميزة بإطار مشروع الحزام والطريق مع تركيا، ناهيك عن الاتفاقية الصينية العراقية والتي تعتبر من كبرى الاتفاقيات التي وقعتها الصين، وبالتالي تأتي الاتفاقية الصينية الإيرانية في هذا السياق، مثيلها مثيل باقي دول المنطقة.
إن توقيع الصين لأي اتفاقية مع أي دولة في منطقة الشرق الأوسط لا يكون إلا ضمن قواعد وأسس أخلاقية وندية من دولة إلى دولة بغض النظر عن الجهات السياسية التي تتولى زمام الحكم، لأن الصين تعتمد في علاقاتها مع الدول على مبادئها الوطنية والقومية والتي خطها الأحمر هو دعم استقلال الدول وسيادتها.
والخلاصة، إن الجميع يتطلع أن تقود السياسة الخارجية الواثقة للرئيس شى جين بينج في منطقة شرق آسيا وتعاظم قوة الصين العسكرية وتنامي قدرتها على حماية مصالحها في الخارج وتعاظم مصالحها الاقتصادية والتجارية مع بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا إلى انخراط الصين سياسيًا وأمنيًا في شؤون المنطقة، جنبًا إلى جنب مع انخراطها النشط والمتواصل في المشروعات الكبرى في المنطقة في مجالات البنية التحتية، بما فيها مشروعات النقل والبناء والطاقة وغيرها.
فالهدف هو توفير بيئة آمنة ومستقرة تتيح للدول التنمية والتعاون المشترك على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وهي مبادئ أكدتها الصين بقوة في مبادرتها المعروفة بـ «الحزام والطريق» ورفعتها شعارًا في مقاربتها لقضايا دولية لا تحصى.
الثروة البشرية والتنمية أبرز أعمدة الأمن.
إن إحدى أهم الركائز المفترض أن تطفو فوق مياه الحياة السياسية في الدول العربية هي ركيزة الاستثمار في "الثروة البشرية" التي تتميز فيها هذه الدول، والحد من النزيف البشري الحاصل جراء النزوح واللجوء إلى الدول الأوروبية بحثاً عن الأمن والأمان والاستقرار، لأن المخزون البشري يعتبر قوة تساهم في نهوض المجتمعات من أزماتها وتكون حافزًا للحداثة والحوكمة الأمنية والاقتصادية في حال تأمن لها الاستقرار والأمن والعدالة الاجتماعية.
وهنا لا بد من الإسراع في بناء جدار عالي من المشاريع، لرفع مستوى الحياة لدى المواطن في الشرق الأوسط، لمكافحة الفقر والبطالة انطلاقاً من إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج، وتقوم بتفعيل اتفاقية التعاون الشامل، كدافعة إيجابية لتدعيم التنمية في الشرق الأوسط.
فالموقف الصيني يمثل أهم محك للعدالة والإنصاف من خلال ما يطرح بخصوص القضية الفلسطينية، واعتبارها لب قضية الشرق الأوسط وتتعلق بالسلام والاستقرار الإقليميين، والعدالة والإنصاف الدوليين، فضلاً عن الضمير الإنساني وأخلاقه.
وكثيراً ما قامت الصين بصفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن الدولي بدفع المجلس لمراجعة القضية الفلسطينية لـ 5 مرات حتى أصدر المجلس بيانًا صحفيًا رئاسيًا. واستضافت الصين ندوة للشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية المحبة للسلام في يوليو/ تموز 2021م، لاستكشاف طريق السلام والبحث عن أسلوب التعايش. وفي آذار 2022م، قام المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط تشاي جيون بزيارة إلى فلسطين وإسرائيل. طالما لم يتم حل القضية الفلسطينية بالكامل، فلن تتوقف جهود الصين في دفع استئناف محادثات السلام.
كل ذلك يسجل للصين أنها تلعب دوراً ذا قيمة وبناءً، ولا تسعى وراء ما يسمى بالمصالح الجيوسياسية، ولم يسجل لها أيضاً أنها تنوي ملء ما يسمى بفراغ السلطة.
فخلال العقود الماضية كثيراً ما تعرضت المنطقة وشعوبها للأذى جراء تسابق الدول الكبرى من الخارج للتدخل في شؤونها، ولا زال حتى يومنا هذا يتصدر المشهد تدخلاً وإملاءات وابتزازات على حساب الشعوب، باستثناء السياسة الصينية التي استطاعت أن تبني علاقتها بعيداً عن الاصطفاف، وبدعم المساعي لإحلال السلام من خلال الوحدة وتحقيق الاستقرار من خلال تقوية الذات وتدعيم التنمية من خلال التعاون، بما يحقق السلام والازدهار الدائمين.
وتثميناً للجهود والمساعي الصينية أقر وزراء خارجية العرب بالدور الذي تبذله الدبلوماسية الصينية لدعم القضايا العربية وإيجاد حلول سلمية للأزمات الدائرة في المنطقة، ورحب باستضافة المملكة العربية السعودية للقمة العربية / الصينية الأولى المزمع عقدها خلال عام 2022م، مع التأكيد على الحرص على تعزيز التعاون مع الصين في مختلف المجالات في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، الأمر الذي يجسد بجلاء المستوى العالي لعلاقات الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين الصيني والعربي، ويعكس أيضًا التوافقات الواسعة النطاق بين الجانبين حول حل قضايا المنطقة. ولاقى "الدعمان" اللذان تتمسك بهما الصين إقبالاً كبيرًا وتجاوبًا إيجابيًا من قبل دول المنطقة.
من المؤكد أن الصين ستواصل بصفتها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ودولة كبيرة مسؤولة، ترفع راية تعددية الأطراف عاليًا، وتعمل مع كافة الدول المحبة للسلام والراغبة في التنمية بما فيها دول الشرق الأوسط يدًا بيد على مواصلة تعزيز التضامن والتعاون لمواجهة التحديات المختلفة، وتواصل الدفع بإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وتبذل جهودًا لفتح مستقبل مشرق وجميل لمنطقة الشرق الأوسط والعالم برمته.