array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 179

الاستناد على إعادة إحياء المعاهدة العربية للدفاع المشترك لبناء منظومة أمنية إقليمية

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

السمة العامة للنظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية أنه يتميز بغياب قوى فوق قومية قادرة على ضبط إيقاع العلاقات الدولية بما يقلل ويكبح نزوات الحروب والنزاعات الدولية، ويجنب المجتمعات الدولية ويلات الدمار والخراب الذي تخلفه المصالح الجيوسياسية المتناقضة. وإذا كانت الحروب والنزاعات في مرحلة ما قبل الحرب الروسية-الأوكرانية- الأطلسية يغلب عليها النزاعات الاجتماعية والطائفية والسياسية داخل الدولة الواحدة، التي تتميز بالعنف المادي وطول أمدها، فواعلها الأساسية المليشيات المسلحة، التنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة، مستفيدة من التطورات التكنولوجية والثورة الرقمية، باستخدام أدوات التأثير والتعبئة الدعائية التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي، والتحكم في الأسلحة الخفيفة ذات التأثير على تخريب المنشآت الحيوية مثل الطائرات المسيرة، والهجمات السيبرانية وفيروسيات الفدية الإلكترونية. فإن مرحلة الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية تؤشر على العودة إلى الحروب الجيوسياسية الكبرى التي ستؤدي إلى تغييرات جوهرية على نمط التفاعلات الدولية والإقليمية مع ما تطرحه من خيارات تشاؤمية لوقف الحرب باللجوء لاستخدام الأسلحة الاستراتيجية النووية وفق خيار شمشون "علي وعلى أعدائي".

إن طبيعة التهديدات والنزاعات المحيطة بالعالم العربي-الخليجي بشكليها الداخلي والجيوسياسي تطرح من جديد البحث عن أفضل الخيارات لبناء منظومة أمنية إقليمية توفر الأمن والاستقرار لدولها ومجتمعاتها في ظل صراع جيوسياسي إقليمي حول رقعة الشطرنج العربية تتنازع حوله ثلاث قوى خارج الدائرة العربية، إسرائيل، إيران وتركيا. فكيف يمكن أن نتصور هذه المنظومة الإقليمية العربية في مواجهة تمدد النفوذ ومحاولات السيطرة لهذا المثلث الاستراتيجي؟ وما هي الخيارات التي تطرح أمام صانع القرار العربي للتكيف مع البيئة الأمنية الدولية لفترة ما بعد الحرب الروسية-الأطلسية؟

أولاً: هل يمكن تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك؟

 يجب في البداية أن نتفق على طبيعة هذه المنظومة الإقليمية ومداها الجغرافي وأعضائها وما ثمة الأهداف المنوطة بها. بحيث تدلنا التجارب الإقليمية الأمنية العربية على مجموعة من المشاريع والمبادرات والتحالفات، وقد نذكر أقدم تلك المبادرات معاهدة الدفاع العربي المشترك التي تزامن ميلادها مع إنشاء الحلف الأطلسي وحلف وارسو في سنة 1950م، وعليه، فإن الاقتراح الأول يستند على إعادة إحياء وتفعيل هذه المعاهدة العربية لبناء منظومة أمنية إقليمية في إطار الجامعة العربية، باعتبارها المؤسسة التنظيمية الشاملة لمجموع الدول العربية التي تتفاعل داخل هياكلها منذ سنة 1945م، ويعد هذا الاقتراح ضمن ما نسميه بخيار الحد الأقصى، من حيث عدد أعضاءه المتكونين من 22 دولة عربية وبرقعة جغرافية مساحتها تقارب 13 مليون كلم مربع، تمتد عبر كتلة حيوية جيوستراتيجية بين آسيا وإفريقيا، من المحيط الأطلسي، مرورًا بالبحر الأبيض ووصولاً إلى المحيط الهندي من الجهة الجنوبية، مع ما توفره مياهه الإقليمية من مجالات حيوية ذات بعد عالمي في بحر العرب، والبحر الأحمر والخليج العربي. وعندما نتصور إعادة إحياء وتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك ندرك حجم التغيرات الديمغرافية التي تجاوزت 400 مليون نسمة، بينما لم يكن عدد الدول العربية التي وقعت على ميلاد المعاهدة في سنة 1950م، يتجاوز سبعة دول وبحجم ديمغرافي أقل عشرات المرات من الوضع الحالي، كما نضع نصب أعيننا حجم التغييرات الجيوسياسية السريعة والمكثفة التي عصفت بالمنطقة العربية لاسيما في السبعين سنة الأخيرة، من بناء التحالفات وتفكيك الدول الأساس في الوطن العربي والحروب العربية - الإسرائيلية، والحرب العراقية- الإيرانية وما تلاها من تداعيات أمنية داخلية وإقليمية بعد " الربيع العربي" لا تزال تأثيراتها وتداعياتها تتميز بعدم اليقينية في اتجاهاتها المستقبلية.

إن التفكير في إعادة تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك يمكن ربطه بالمهام الموكلة إلى اللجنتين العربيتين المفتوحة العضوية الخاصة بالتفكير في إصلاح وتطوير العمل العربي المشترك داخل الجامعة العربية، حيث تترأس المملكة العربية السعودية لجنة التفكير في تطوير وتحديث ميثاق الجامعة العربية، بينما تترأس مصر لجنة إصلاح هياكل وأجهزة الجامعة العربية، وعليه، فإن تفعيل المنظومة الأمنية العربية المشتركة تستند إلى واقع مادي وتنظيمي قائم، مع معاهدة واضحة البنود قد ترتقي إلى نموذج الحلف الأطلسي في بندها الثالث الذي يشبه إلى حد كبير المادة الخامسة من الميثاق الأطلسي، حيث تنص المادة الثالثة بصراحة: " تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها، بناء على طلب إحداها  كلما هددت سلامة أراضي أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفي حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي يقتضيها الموقف".

قصد تفعيل هذه المادة تم إنشاء مجلس الدفاع المشترك طبقًا للمادة الخامسة من معاهدة الدفاع المشترك الذي توقفت أشغاله منذ سنة 1984م، حيث أسندت إلى اللجنة العسكرية الدائمة، المهام الأمنية والعسكرية المتعددة الأبعاد، من ضمنها إعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة، أو أي اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة، تقديم الاقتراحات لتنظيم قوات الدول المتعاقدة، والموارد الطبيعية والصناعية والزراعية لفائدة المجهود الحربي والدفاع المشترك، مع تبادل الخبرات العسكرية من خلال التدريبات والمناورات الحربية المشتركة. ومن بين الاقتراحات العملية التي تم تطبيقها إنشاء مؤسسة عربية للصناعات المتطورة مع الأولوية لترقية الصناعات الحربية بغرض امتلاك السيادة الاستراتيجية، وقد اجتمعت الهيئة العربية للتصنيع سنة 1975م، في أربع دول عربية لتفعيل الصناعات الحربية في كل من السعودية، مصر، الإمارات وقطر. ونشير هنا إلى أن هذه المجهودات التنظيمية والاقتراحات العملية توقفت بسبب الانقسام العربي لفترة ما بعد معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية.

عندما نصنف اقتراح تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك ضمن خيارات الحد الأقصى، فإننا نأخذ بعين الاعتبار التجربة السابقة لهذه المعاهدة التي لم تعرف نجاحات كبرى إلا في حالة تكاد تكون نادرة تتمثل في التنسيق العسكري في حرب أكتوبر 1973م،  أما غير ذلك فإن العمل العربي المشترك على المستوى الأمني والعسكري هو مرآة عاكسة لواقع التفاعلات العربية- العربية التي يغلب عليها العمل القطري على حساب العمل العربي الجماعي الذي يتطلب الإرادة المشتركة للتنازل على بعض السيادة لصالح التكامل الأمني الاندماجي، مع ملاحظة بارزة بعد هذه التجربة أن الدول العربية الفاعلة تبقى رهينة مأزق الأمن بسبب الاضطرابات والنزاعات المحيطية بها، يعكس هذا القلق تصاعد الإنفاق العسكري والاعتماد على المزيد من التسلح، حسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، رتبت خمسة دول عربية من ضمن قائمة أكبر عشرة دول مستوردة للسلاح في العالم ما بين 2016- 2020م، وهي على التوالي السعودية، مصر، الجزائر، قطر والإمارات. والملاحظ هنا في نفس الفترة المذكورة، أن الدول الخليجية الثلاثة تعتمد بنسبة كبيرة على استيراد السلاح الأمريكي بينما الجزائر ومصر تعتمد بنسبة كبيرة على واردات السلاح الروسي حيث تستورد السعودية 79 بالمائة من الولايات المتحدة الأمريكية، أما الإمارات العربية المتحدة فتستورد ما نسبته 64 بالمائة من السلاح من و.م.إ، بينما قطر تستورد ما نسبته 47 بالمائة من و.م.إ. و31 بالمائة من فرنسا. وعلى عكس من ذلك، فإن كلًا من الجزائر ومصر تستورد النسبة الأكبر من السلاح من روسيا، بنسبة 64 بالمائة للجزائر و41 بالمائة لمصر. وتعطينا هذه المؤشرات تنوع الشركاء فيما يخص الصناعة العسكرية وطبيعة التسلح الموجود في خمسة دول فاعلة في المنطقة العربية، مع ما تعكسه طبيعة العلاقات الأمريكية- الروسية وتأثيراتها على الدول الأساس في العالم العربي، مع العلم أن كل من الجزائر ومصر منخرطتين في حوار استراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية ومندمجتين في الحوار الأطلسي- المتوسطي الذي تم إنشاؤه في سنة 1994م، بهدف تعزيز الثقة والتعاون الأمني الإقليمي مع الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يعطي الانطباع لسياسة التوازن التي تعتمدها  كل من مصر والجزائر تجاه القوتين العظميين.

وفي ظل غياب تكريس معاهدة الدفاع العربي المشترك، فإن العالم العربي لا يزال يدفع فاتورة مكلفة لمستقبل وحداته وسيادته الوطنية، ويكفي أن نقدم الحالة السورية -وأملي ألا تتوسع لبعض المناطق العربية-التي أضحت مشتتة بين القوى الإقليمية الثلاثة، إيران، تركيا وإسرائيل. فهذه الأخيرة استفادت من الوضع الداخلي في سوريا لتكرس الاحتلال على هضبة الجولان ذات البعد الاستراتيجي من حيث الموارد المائية أو موقعها المطل على بحيرة طبرية وسوريا ولبنان، كما استفادت من اعتراف إدارة دونالد ترامب بالسيادة على الإقليم، حيث توظف إسرائيل الوجود الإيراني في سوريا لضرب القواعد العسكرية والمنشآت الحيوية، وبحسب صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية، فإن القوات الجوية الإسرائيلية نفذت أكثر من ألف غارة جوية خلال الخمس سنوات الأخيرة على سوريا بضرب 1200 هدف بأكثر من 5500 قنبلة خلال 408 مهمات. وفي الجهة الأخرى، فإن إيران وثقت علاقاتها الإستراتيجية بالنظام السوري منذ سنة 2011م، ودعمته بالقوات العسكرية النظامية وبالحرس الثوري الإيراني لاسيما بالوحدات الخاصة لقوات القدس، كما ساهمت في تشكيل مليشيات شيعية مسلحة مثل، مليشيا الإمام الحجاج وجيش المهدي في محافظة إدلب، ولواء رقية في محافظة دمشق، وقوات الإمام الرضا في حمص. ومع تصاعد الحرب الأهلية الداخلية بين عامي 2013-2014م، قدر عدد مقاتلي حزب الله بخمسة آلاف مقاتل، وفيما بعد قدرت صحيفة "فيلت" الألمانية في تقرير لها بعد نهاية مهمة حزب الله في سوريا بأنه شارك بنحو ثمانية آلاف مقاتل. بينما تبقى التقديرات الأمنية الإسرائيلية تصر على أن حزب الله لم تنته مهمته في سوريا، حيث يشير مركز "ألما" للبحوث والتعليم الإسرائيلي في تقرير له، أن وحدتي "القيادة الجنوبية" و"ملف الجولان" التابعين لحزب الله أقامتا تحت رعاية فيلق القدس الإيراني، بنية تحتية عسكرية على الحدود السورية-الإسرائيلية، مما يفتح جبهة للقتال الدائم مشابهة لما يجري في الجبهة اللبنانية. إلى جانب إيران وإسرائيل، فإن تركيا تفرض إرادتها على المناطق الشمالية لسوريا بحجة محاربة التنظيمات الإرهابية الكردية، وأضحت شمال سوريا منقسمة بين قوات سورية الديمقراطية التي كانت تتلقى الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وهيئة تحرير الشام في إدلب. وحسب صحيفة الفايناشيال تايمز البريطانية، فإن تركيا تدرب وتدفع الرواتب لأكثر من 50 ألف مقاتل سوري، وتنشر قواتها في سوريا مع بناء قواعد عسكرية عملاقة على الحدود وحائط حدودي بطول 873 كلم، مع التوجه لإنهاء قوات حماية الشعب الكردية ذات الارتباط بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا كتنظيم إرهابي، والهدف الأساسي للرئيس رجب طيب أردوغان أن يسطر منطقة جغرافية عازلة وآمنة للتسريع بعودة ما يقارب أربعة ملايين لاجئ سوري لتغيير البنية الديمغرافية في شمال سوريا وتمديد نفوذه في المنطقة.

ثانيًا: المظلة الأمنية الخليجية ومستقبل الناتو الشرق أوسطي.

في غياب تكريس معاهدة الدفاع العربي المشترك في حدها الأقصى، لجأت دول مجلس التعاون الخليجي إلى بناء منظومة أمنية خليجية بالأعضاء المؤسسين لمجلس التعاون الخليجي وفق مبدأ الأمن الجماعي المتكامل" أي اعتداء على أي عضو منها هو اعتداء عليها مجتمعة، وأي خطر يهدد إحداها يهدد جميع أعضائها"، حيث وقع أعضاؤها في قمة المنامة سنة 2000م، على اتفاقية الدفاع المشترك، لتنتقل من مرحلة التعاون العسكري إلى مرحلة الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي. وعليه فإن دول الخليج وضعت الاستراتيجية الدفاعية في سنة 2009م، للتنسيق والتكامل الدفاعي التي تحدد الأهداف الاستراتيجية ووسائل إنجازها والتقييم الشامل للبيئة الأمنية بصفة دورية. مستفيدة من تجربة القوات المشتركة لدرع الجزيرة التي تم إنشاؤها سنة 1982م، ذات القدرات البحرية والجوية التي تم تعزيزها بقوة التدخل السريع. والملاحظ هنا، أن التكيف الخليجي كان سريعًا جدًا في إيجاد الآليات العملية من أجل التكامل الدفاعي حيث أنشأت القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس مع الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية (2013م) وإنشاء مركز العمليات البحري الموحد (2014م). وفي عصر الحروب السيبرانية، فإن مجلس الدفاع المشترك قرر في سنة 2013م، الموافقة على استخدام الاتصالات الفضائية كخيار بديل لنقل المعطيات الحساسة والحيوية في حالة توقف خدمة كابل الاتصالات المؤمنة. ويمكن إرجاع هذه النجاحات في تكريس الدفاع المشترك الخليجي مقارنة بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، إلى عاملين أساسيين، العامل الأول، تقليص عدد الأعضاء من 22 دولة عربية إلى 6 دول عربية مع ما يربطها من بعد جغرافي واجتماعي وما تملكه من كل عناصر النموذج التكاملي الناجح، إذ نشير إلى أن تجربة مجلس التعاون الخليجي هي أقدم التجمعات الإقليمية العربية وأدومها مقارنة بمجلس التعاون العربي أو اتحاد المغرب العربي. أما العامل الثاني الذي يعطي ديناميكية أكبر لتجربة التكامل الدفاعي الخليجي، فتكمن في التهديدات القائمة على مجموع الدول الخليجية منذ سنة 1981م، التي فرضتها تحولات البيئة الإقليمية مع سياسة تصدير الثورة الإيرانية إلى دول الخليج ولعب الورقة المذهبية لضرب استقرار الأنظمة السياسية القائمة. إلى جانب هذه التجربة الأمنية الخليجية الناجحة، فإن التنافس على المكانة والأدوار بين الفاعلين في دول الخليج قد جعلت التجربة تعرف مرحلة عصيبة، كما حدث في الخلاف الجوهري بين السعودية، الإمارات والبحرين ومصر ضد قطر بسبب تقارب الدوحة مع جماعة الإخوان المسلمين وعلاقاتها مع إيران، الذي تم احتواؤه في قمة العلا.

يشير موقع ريال كلير ديفنس الأمريكي، المتخصص في الشؤون العسكرية إلى أنه توصل من خلال دراسته للتجارب السابقة للتعاون الدفاعي الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، إلى أنه هناك عاملين أساسيين يعيقان نجاح التجارب التعاونية في ميدان الدفاع في المنطقة، وهما انعدام الثقة، وتباين الأهداف بين دول الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار فإن بعض المشاريع المستقبلية لإعادة صياغة المنظومة الأمنية الشرق أوسطية التي تطرح تجعلنا نقف أمامها للتساؤل حول مستقبل العمل العربي المشترك والمبادرة الدفاعية الخليجية المشتركة باختبار هذين العاملين. ولعل المبادرة الأكثر إثارة داخل دول الخليج ذاتها ما أطلقت عليه وسائل الإعلام الغربية " بالناتو العربي"، خصوصًا بعد تصريح عاهل الأردن، الملك عبد الله الثاني، لقناة سي أن بي سي الأمريكية عن تأييده إنشاء حلف ناتو شرق أوسطي. في إطار دعم لمقترح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الهادف إلى تأسيس "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، يجمع دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى الأردن ومصر، والهدف الاستراتيجي الأمريكي من وراء ذلك أن يخلق تحالفًا عربيًا سنيًا ضد السياسة الإيرانية في المنطقة بعد فك الارتباط بالاتفاقية النووية مع إيران، وبذلك يقلص من فاتورة التواجد الأمريكي في منطقة الخليج. بينما الهدف الثاني الذي لقي جدلًا كبيرًا فيرمي إلى إدماج إسرائيل في المنظومة الأمنية الجديدة تحت غطاء "العدو الإيراني المشترك".

وضمن هذا الإطار اجتمع وزراء الخارجية العرب لكل من مصر، الإمارات، البحرين، المغرب، مع وزيري خارجية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في صحراء النقب (مارس 2022م) للاتفاق على تشكيل تحالف مشترك لمواجهة التحديات في المنطقة. ويتضح من الأعضاء المشاركين أن الإمارات التي تقود عملية السلام الإبراهيمي قد وظفت التطبيع البحريني-المغربي مع إسرائيل لإعطاء ديناميكية أمنية في المنطقة، وإن كانت القاهرة أكثر وضوحًا في الرد على الجدل القائم حول "الناتو العربي" من خلال تصريح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، عندما اعتبر:" لقاء النقب كان الأساس الذي انعقد من أجله هو استئناف عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية وتأكيد حل الدولتين، إضافة إلى التحديات المرتبطة بقضايا الإرهاب والتطرف وتحقيق استقرار المنطقة بعيدًا عن التدخلات الخارجية". في الوقت الذي راح يائير لبيد، وزير الخارجية الإسرائيلي يقول:" نكتب التاريخ هنا في النقب ونؤسس لبنية جديدة قائمة التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والأمن والاستخبارات، وهذا يرعب ويردع أعداءنا المشتركين وفي مقدمتهم إيران".

الثابت في هذا المجال، أن المنظومة الأمنية العربية-الخليجية تبقى تتجاذبها القوى الإقليمية خارج الدائرة العربية، مما يزيد من تعميق العاملين الكابحين لنجاح العملية التكاملية الدفاعية، بناء الثقة وتباين الرؤى الاستراتيجية. وتبقى إسرائيل اللاعب الأكثر تمزيقًا للرؤية الاستراتيجية العربية في غياب دولة فلسطينية وتغييب المبادرة العربية للسلام المطروحة منذ قمة بيروت 2002م، لأنه لا يمكن تصور بناء منظومة أمنية دفاعية جديدة وحالة عدم الاستقرار تسود فلسطين باستمرار الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس، التي توظفها كل من تركيا وإيران، القوتين الإقليميتين المنافستين لتكامل خليجي-عربي مشترك لصالحها، من خلال دعم الفصائل الفلسطينية وتحريضها على التقارب العربي-الإسرائيلي.

وعليه، فإن التجربة الخليجية التكاملية للدفاع ومستقبلها تبقى مرتبطة بالمسافات التي تبعدها أو تقربها من إسرائيل، إيران وتركيا. فمن حق الدول العربية أن تقلق من الهاجس النووي الإيراني وتمدد نفوذه في المنطقة المحيطة بالخليج في سوريا، العراق، لبنان واليمن، إلا أنه لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن إسرائيل تعد القوة النووية الغير معلنة، لأن السلام الحقيقي يبقى مرهونا بالمطالب العربية المتكررة، جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

مقالات لنفس الكاتب