array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 179

مؤشرات على ضعف حكومة شياع السوداني وإرهاصات لاحتجاجات شعبية

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

تعد أزمة تشكيل الحكومة العراقية الحالية من أطول أزمات البلاد التي أدخلته في صراعات تسببت في انقسام الشارع العراقي، إذ لم تمر على العراق أزمة سياسية منذ تأسيس النظام الجديد في العراق بعد 2003م، مثل التي حدثت بعد الانتخابات المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2021م، وتعود جذور الأزمة السياسية في العراق إلى إعلان نتائج الانتخابات المبكّرة عندما خرج التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بأكبر عدد من المقاعد، وتجري العادة في العراق على أن يتمّ تقاسم السلطة على مبدأ المحاصصة، وأن تشكّل القوى الشيعية مجتمعةً الكتلة الأكبر في البرلمان التي عليها اختيار رئيس للحكومة، لكن الصدر يريد الانقطاع عن ذلك التقليد.

 أسفرت نتائج الانتخابات عن صراعات سياسية كادت تودي بالأمن الداخلي إلى الهاوية بعد أن شهد الشارع العراقي انقساماً بين أنصار الإطار التنسيقي الموالي لإيران، الذي يرغب في تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة النائب محمد شياع السوداني ووفق المنهج التوافقي والمعمول به في الحكومات السابقة وبين التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر الذي كان يرغب في تشكيل حكومة أغلبية وطنية على الرغم من انسحابه من العملية السياسية واستقالة نوابه من البرلمان العراقي، وأفرزت هذه الأحداث سلسلة أزمات تسببت في معاناة العراقيين وتشكيل حكومات بلادهم حيث تولد بعد كل انتخابات أزمة سياسية حادة، وجرت العادة أن ينتظر العراقيون أشهراً لتشكيل الحكومة وتسمية الرئاسات الثلاث.

  وعلى الرغم من مرور نحو عام كامل على الانتخابات البرلمانية العراقية، لم تتمكن القوى السياسية من التصويت على رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، بسبب انقسام حاد بين الائتلاف الثلاثي الذي يضم "التيار الصدري"، و"تحالف السيادة"، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، المتمسك بتشكيل حكومة أغلبية، وقوى "الإطار التنسيقي" التي تدعو إلى تشكيل حكومة توافقية، وبالتالي أدى ذلك إلى التباين في المواقف بين المعسكرين وصل إلى انسداد في العملية السياسية، لم تنجح في إنهائه ظهور العديد من المبادرات السياسية للخروج من الأزمة، التي زاد من وتيرتها اعتصام أنصار الصدر في البرلمان واحتجاج معارضيه في الشوارع، فمنذ تشرين الاول / أكتوبر عام 2021م، عاشت بغداد حالة استقرار نسبي، ومحاولات جادة لاستعادة هوية المؤسسات الوطنية، وتم انتخاب رئيس للبرلمان، على أمل استكمال الاستحقاقات الدستورية، لكن ثمة حواجز، قطعت الطريق أمام انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وعاد العراق إلى أجواء الصراعات والتنافس والاشتباكات، التي كادت تصل إلى حرب أهلية، ومما زاد في صعوبة الموقف أن الانسداد السياسي الراهن جاء في ظل تحديات كبيرة تواجه العراق في علاقة بالمتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، والتي باتت تلقي بأعباء اقتصادية إضافية على كاهل العراق، وفي مقدمتها الحرب الروسية - الأوكرانية، وتداعيات جائحة كورونا، فضلاً عن وجود تعقيدات إقليمية ودوليــة متشابكـــة، تلقـــــي بظلالهــا على الجغرافية العراقية أهمها الملف النووي الإيراني وتداعيات حسمه بالاتفاق من عدمه على الجغرافية العراقية.

 

ـ تحديات استكمال الاستحقاقات الدستورية:

 

كانت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 13 تشرين الأول / أكتوبر تتسم بصراع الاتفاقات والتوتر الأمني المحدود، فقد انعقدت بنصاب كبير بلغ 277 نائباً من أصل 329 عضواً في البرلمان، وسط مقاطعة محدودة، شملت قوى مِثل "حركة امتداد" و"إشراقة تشرين" وبعض المستقلّين، ومن ثمّ قاطعت "كتلة الجيل الجديد" الكردية المستقلّة الجولة الثانية من التصويت بعد أن شاركت في الأولى، لينخفض عدد المصوّتين إلى 269، وحتى القصف على "الخضراء" بتسعة صواريخ كاتيوشا، والذي سبق الجلسة وأسفر عن سقوط عشرة جرحى معظمهم من قوات الأمن، تمّ تطويقه ببيانات سريعة أظهرت الحرص الداخلي والخارجي على إنجاز عملية الانتخاب، ولا سيما من جانب رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، والسفيرة الأمريكية والسفير البريطاني.

 هكذا، وبعد مخاض عسير لأكثر من عام في انتخاب البرلمان العراقي في 13 تشرين الأول / أكتوبر 2022م، المرشح التوافقي بين الحزبين الكرديين الاتحادي والديمقراطي عبد اللطيف رشيد، رئيسًا للجمهورية الذي سارع إلى تكليف مرشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، بتشكيل الحكومة الجديدة، في خطوة يترقب كثر، ردة فعل التيار الصدري، إزاءها.

 إن فوز عبد اللطيف رشيد أشر لوصول الصراع بين الحزبين التقليديين الديمقراطي الكردستاني إلى قناعة بمعادلة لا خاسر ومغادرة مرحلة كسر الآخر وتثبيت معادلة الشريك القديم، فالحزبين أدركا أن أي ذهاب لنقطة اللاعودة بينهما سيساهم بصعود قوى جديدة داخل إقليم كردستان وبداية الضمور السياسي لهما وأيضًا عدم قدرتهما على اتخاذ قرار المواجهة اللامتناهي الذي سيفقدهم ثقلهم السياسي في بغداد الاتحادية، لذلك تم اتخاذ قرار المرشح المقبول من الطرفين على حساب برهم صالح الذي يمثل قوة وشخصية لا يمكن تجاوزها.

تسلم محمد شياع السوداني كتاب تكليفه من رئيس الجمهورية الجديد بحضور قادة من الإطار التنسيقي، وأكد إن تقديم حكومته الجديدة سيكون في أقرب وقت، وبذلك أكملت الاتفاقات السياسية الاستحقاقات الدستورية بعد طريق طويل من الصراع السياسي غير المؤطر بأي شكل من أشكال الأليات الديمقراطية.

  عمل شياع السوداني النائب لدورتين، المولود في جنوب العراق ذات الغالبية الشيعية في 4 آذار/مارس 1970م، في السياسة منذ العام 2004م، وبعدما كان قائمقاما في ميسان التي ينحدر منها ثمّ محافظاً لها، تولّى وزارات عديدة منذ العام 2010م، من ضمنها في ظلّ حكومة نوري المالكي، الذي كان السوداني ينتمي إلى بيئته السياسية، كوزارة حقوق الإنسان ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصناعة بالوكالة، كما أن هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها اسمه لرئاسة الوزراء، فقد رشّح في العام 2018م، ثم في العام 2019م، في خضّم انتفاضة شعبية ضدّ الطبقة السياسية الشيعية، لكن اسمه قوبل حينها برفض المتظاهرين.

 إن المرحلة التي وصل إليها العراق الآن، والنتائج التي جاءت على عكس مقدمات أكتوبر 2021م، تجعلنا نتساءل: إلى أين يتجه العراق؟ وما المطلوب لتعديل مسار الدولة وحمايتها من عودة الحديث عن سيناريوهات التقسيم والفوضى؟ وبذلك أن الأوضاع في العراق، تستوجب وبشكل سريع العمل في مواجهة تحديات عدة:

 التحدي الأول:

يحتم نبذ المصالح الضيقة، إذ أن كل الأطراف والقوى لا تزال تتمسك بمواقفها السياسية، الأمر الذي انعكس على المسارات السياسية للبلاد، وتراجعت الحيوية في شرايين مؤسسات الدولة، فلم تستطع حكومة تسيير الأعمال اتخاذ قرارات طموحة وشجاعة، مثل التي كانت تتخذها قبل أكتوبر 2021م، فهذا الصراع لم يمكن الحكومة من حرية اتخاذ الإجراءات المناسبة لمصلحة الشعب العراقي، وسط المتغيرات والتحديات العالمية الكبرى التي قطعاً يتأثر بها العراق.

التحدي الثاني:

يتمثل في ضرورة وأهمية العمل على استكمال بناء مؤسسات الدولة، من خلال تشكيل الكابينة الوزارية وتمريرها في مجلس النواب، وفي حال تعذر ذلك، فلا مناص من الاحتكام لصناديق الاقتراع، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. 

 التحدي الثالث:

يعتمد على ضرورة التوصل إلى اتفاقات وتفاهمات بين الفرقاء السياسيين، للوصول إلى مفهوم مشترك وأرضية وطنية واضحة، تضع محددات لمعنى الأغلبية، التي يحق لها تشكيل الحكومة.

التحدي الرابع:

يتطلب فصل المسار السياسي عن المسارات الأمنية والعسكرية، سيما أن هناك جماعات مسلحة خارجة عن الدولة وأيضًا داعش التي بدأت تستعيد عافيتها في ظل حالة عدم اليقين السياسي التي يعيشها العراق، ومن ثم فإن الاستغراق في الصراع والخلط ما بين السياسي والعسكري، والأمني، من شأنه أن يفتح أبواباً واسعة لعودة التنظيمات الإرهابية من جديد.

التحدي الخامس:

 يدق جرس إنذار بخطر محاولات إبعاد وعزل العراق عن محيطه العربي، فالتجارب السابقة أثبتت أن سلامة الجسد العراقي تكمن في اللحمة والاندماج مع المنظومة العربية، فلو تأملنا ما حدث خلال العامين السابقين لإجراء الانتخابات، نجد أن بغداد قد عادت لدورها الطبيعي في استضافة المؤتمرات الإقليمية والدولية الكبيرة، واستضافة الشخصيات العالمية مثل بابا الفاتيكان، وعقد القمة الثلاثية العراقية -المصرية -الأردنية في يونيو 2021م، ثم قمة بغداد للتعاون والتنمية في أغسطس 2021م.

بلا أدنى شك، ما بين الصراعات الدائرة وهذه التحديات الخمسة، لا بد أن نؤكد مفهوماً وطنياً عراقياً، ينطلق من أن تقسيم وتمزيق العراق، لن يصب في مصلحة أي من الأطراف المتصارعة، وأن الوقت لم يعد في صالح مستقبل العراق وشعبه، وأن الخروج من هذه الحالة، بات هو التحدي الأكبر الذي يقع على عاتق جميع القوى الفاعلة في العملية السياسية.

 

ـ اختبار جديد للصدريين:

 

شكل انسحاب نواب  التيار الصدري من البرلمان   في 12 حزيران / يونيو الماضي صدمة كبيرة للقوى السياسية والشارع الشيعي خاصة كونه الفائز الأول بالانتخابات، ويعول عليه الشارع العراقي بإجراء تغييرات داخل بنية العملية السياسية العرجاء، اذ أن قرار الصدر أربك المشهد السياسي العراقي وما يترتب عليه من نتائج وخيارات قد تقضي على العملية السياسية برمتها، وقد يكون  قرار الصدر مبني على قراءات مسبقة لعمر الحكومة التي ستتشكل لاحقًا والتي ستعجز عن إجراء إصلاحات في ظل صراع القوى السياسية يصاحبه غياب القوى الوطنية مع هيمنة للفصائل المسلحة.

تبنى الصدر خطابًا تحت عنوان "الإصلاح السياسي" يتمثل في مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين وعدم القبول بمشاركة السياسيين والأحزاب التي كانت جزءًا من العملية السياسية بعد عام 2003م، في أي حكومة جديدة، ما ينفي أي احتمال لاستجابة الصدر للحوار الوطني الذي دعا له رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أو القبول بوجود حكومة يقودها الإطار التنسيقي.

سعى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية بمقدورها البدء في تنفيذ الاصلاحات، بما في ذلك الحد من السيطرة على الميليشيات ومحاربة الفساد، وكبح جماح النفوذ الخارجي من قبل دول مثل إيران، وتحييد العراق إزاء الخلافات الإقليمية، وإنه سيكون في مواجهة مع تحديات عديدة، حيث إنه حتى لو كان بمقدوره تشكيل حكومة أغلبية، إلا أن تحقيق المزيد من التغيير سيتطلب معركة شاقة لأن الإصلاح مهمة شديدة الصعوبة تتطلب جهدًا هائلاً، كما أن بعض جوانب هذا الإصلاح قد تتطلب عقوداً لتنجز.

إن مجموعة من هذه العقبات التي سيواجهها الصدر، من بينها قدرة الحكومة على الاستمرار، حيث أن خطة التعافي تتطلب موافقة معظم اللاعبين السياسيين في حين أن الإجماع السياسي أمر نادر الحدوث في العراق، ولهذا فإن تشكيل الأغلبية والحفاظ عليها مع الأحزاب السياسية الأخرى مسألة تظللها الشكوك.

وضع الصدر شروطًا للانضمام إلى الحوار الوطني تنم عن رغبة واضحة في عدم الاستجابة لأي دعوات للحوار لا تخرج العراقيين من الأزمة السياسية الراهنة، واشترط الصدر أن يكون الحوار علنيًا لإبعاد كل المشاركين في العملية السياسية والدورات الانتخابية السابقة، ما يقود إلى التساؤل عن جدوى الحوار الذي يدعو إليه الصدر ومن هي الجهات أو الشخصيات التي تشارك فيه.

   في 29 و30 آب / أغسطس الماضي كان العراق على وشك الدخول في حرب داخلية بعد اقتحام مئات من التيار الصدري للمنطقة الخضراء للسيطرة على قصري الرئاسة والحكومة بقرارات اتخذتها قيادات في التيار قد تكون بعلم ودراية وتوجيه من رئيسه، وواجه الصدر تراجعًا معنويًا من مرجعه الديني كاظم الحائري الذي أعلن في سابقة غير معروفة بالتراث الشيعي عن إغلاق مكاتبه وتخليه عن موقعه مرجعًا دينيًا لمقلديه، ومنهم مقتدى الصدر، ودعوتهم لتقليد المرجع الإيراني الأعلى علي خامنئي، وتوجيهه انتقادات تنتقص من مكانة مقتدى الصدر العلمية وأهليته لتمثيل مرجعية والده محمد صادق الصدر.

وفي حين تراجعت قوة التيار الصدري في العراق بعد سلسلة قرارات وصفت بأنها "خاطئة"، إلا أن الموقع القيادي لمقتدى الصدر داخل البيئة الاجتماعية والدينية لأتباعه لم يتغير نظرًا للإرث التاريخي والرمزية الدينية. ولا يبدو أن مكانة الصدر بين أتباعه تأثرت سلبًا بقراراته الأخيرة، سواء فشل كتلته البرلمانية في تشكيل حكومة أغلبية وطنية أو انسحاب نوابها من مجلس النواب، أو ما يتعلق بقراره اعتزال العمل السياسي نهائيًا في 29 أغسطس/آب الماضي، وتداعيات اقتحام المنطقة الخضراء وسط بغداد ومحاولة الاستيلاء على المؤسسات السيادية للدولة، وعمومًا، سيظل التيار الصدري يشكل جزءًا أساسياً من منظومة العمل السياسي في العراق من داخل العملية السياسية أو من خارجها.

  يبدو أن الصدر يدرك حقيقة أن استخدام القوة لفرض الأمر الواقع لم تعد تحقق أهداف تياره وغاياته بعد فشل اقتحام المنطقة الخضراء والاستيلاء على المواقع السيادية، وأن قوته الجماهيرية تُواجه بقوة تتفوق عليها من عناصر الفصائل المسلحة التابعة لخصومه السياسيين من الإطار التنسيقي، وللحد من تداعيات الصراع على المستقبل السياسي للكتلة الصدرية والنأي بنفسه عما حصل، أوعز الصدر بتجميد أنشطة "سرايا السلام" والفصائل الأخرى التابعة له في البصرة التي شهدت مؤخرًا مزيدًا من الاشتباكات بين مقاتلي سرايا السلام  وعصائب "أهل الحق"، واستثنى نشاطات مسلحة بمحافظة صلاح الدين حيث تسيطر "سرايا السلام" على الملف الأمني والعسكري في مدينة سامراء.

 

لم يتأخر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في الإعلان عن أول مواقفه السياسية المعارضة لتكليف محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة عراقية جديدة، وذلك عبر مهاجمتها ووصفها بـ"التبعية و"الميليشياوية المجربة"، مؤكداً رفضه المشاركة فيها، وحذر أعضاء وناشطي التيار الصدري من أن مصيرهم الطرد (من التيار الصدري) في حال انخراطهم في هذه الحكومة. موقف الصدر الذي أعلن بعد أسابيع عديدة من الصمت السياسي حيال الأزمة السياسية في البلاد، جاء بالتزامن مع بدء رئيس الوزراء المكلف حراكه تجاه القوى السياسية للتفاهم على اختيار الوزراء.

  إن مهاجمة الصدر تكليف السوداني ووصفها بالتبعية والميليشياوية هي بداية تفاعلات الصدر مع ما حصل، اذ أن عودة التيار الصدري للشارع من أجل منع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة السوداني أمر وارد جداً، وهذه التظاهرات ربما تكون حاشدة وأقوى من سابقاتها، خصوصاً مع وجود رفض للسوداني من تنسيقيات احتجاجات تشرين، ولهذا فإن مهمة السوداني ستكون صعبة جداً.

 إن موقف الصدر الأخير يجعل من تكرار سيناريو رؤساء الوزراء المكلفين السابقين في عام 2019 و2020 م، (محمد توفيق علاوي، وعدنان الزرفي) مع محمد شياع السوداني الآن بإخفاقه في مهمة تشكيل الحكومة، خصوصاً في ظل المعارضة الصدرية، والتي يمكن أن تفجر الشارع في الأيام القليلة المقبلة، وهذا الأمر ربما يدفع الكثير من القوى السياسية إلى تغيير مواقفها في دعم السوداني، خصوصاً حلفاء الصدر السابقين (تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني)"

 لكن مع وجود هذه الفرضية التي تبدو ضعيفة، يستمر الإطار التنسيقي الموالي لإيران بتحديه الصدر من خلال تمرير حكومة محمد شياع السوداني لاستكمال ما يعتقده يمين الإطار المتطرف الانتصار السياسي على مقتدى الصدر ، مما يجعلنا نمضي من أن جلسة منح الثقة لكابينة السوداني وبرنامجها الحكومي أو ممارسة صلاحياتها ستكون محطات جديدة لاختبار قوة التيار الصدري سياسيًا وقوة جماهيره في قلب معادلة سياسية مرفوضة منه خصوصًا وهم يدركون (التيار الصدري) أن وجود سلطة تنفيذية قد تكون تابعة لنوري المالكي خصم الصدر التقليدي هو بداية عهد جديد من الملاحقة والتقويض السياسي لمشروعهم.

 

ـ إيران ومعادلة السلطة القائمة:

 

ساهمت إيران برسم مباشر لاستكمال الاستحقاقات الدستورية لمعادلة السلطة في العراق، فقد عملت على تفتيت تحالف إنقاذ وطن الذي قاده مقتدى الصدر وأرغمت بشكل غير مباشر القوى غير الشيعية على الانخراط المصلحي بما يعرف بتحالف إدارة الدولة والوصول إلى لحظة التوافق السياسي وبذلك فإن طهران ستعمد باتباع استراتيجية جديدة من خلال توظيف معطيات المشهد لصالحها، لذلك ستتحرك على ثلاثة مستويات أساسية:

 المستوى الأول:

يكمن في السعي إلى تكريس مكاسبها المتحققة، وترسيخ نفوذها في العراق عبر أليات متعددة، منها الاستفادة من أثر المصالح المشتركة والوطيدة بينها ومعظم النخب السياسية الحاكمة، وجلها من القوى الحليفة لها، فضلا عن توظيف مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية المنتشرة في العراق، ناهيك عن استثمار آلية عمل النظام السياسي العراقي التي ساهمت هي أيضأ في تشكيله وترسيخه.

المستوى الثاني:

يتمثل في أن إيران ستعمل على ضبط تطور العلاقات العراقية –العربية على وفق تطور طبيعة علاقاتها مع الدول العربية، تعاونًا أو صراعًا وهذا يعد تأمينًا لانسياق العراق وراء سياساتها الإقليمية.

المستوى الثالث:

يعبر عن نزوع إيران إلى تجنب أي صراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، تأمينًا لمصالحها المتحققة في العراق، وحفاظًا على علاقتها الجديدة معها والناجمة عن الاتفاق النووي المتوقع بينها ودول 5+1

   إن نجاح إيران في توظيف معطيات مشهد تفاقم التردي الداخلي وضعف التأثير الخارجي لصالحها سيؤسس لتلك المعطيات التي ستجعل علاقة العراق بإيران في ظل الحكومة  العراقية الجديدة ( وفق المنهج الإيراني ) علاقة الحليف التابع، إذ عملت إيران على محاور عدة متوازية للتأثير ومحاولة التحكم في القرار العراقي من خلال التعاطي مباشرة مع القيادات العراقية الجديدة التي تعاملت مع إيران في زمن المعارضة، وهناك أحزاب تصدت للمشهد السياسي بدعم مالي ولوجيستي إيراني، مما ضمن لإيران بعد فوز هذه الأحزاب بالانتخابات حرصها بالنيابة عن طهران على الحفاظ على المصالح الإيرانية ليس داخل العراق فحسب، بل حتى خارجه .

 

ــ التداعيات المستقبلية:

 

لا يزال الإطار التنسيقي يواجه تحديات في تشكيل الحكومة العراقية القادمة، على الرغم من انسحاب التيار الصدري، إذ أنه حتما سيواجه مصاعب جمة في تذليل العراقيل بينه وبين شركائه السياسيين ، ناهيك عن التوصل لتفاهمات مع السنة والأكراد حول القضايا الخلافية، كما أن احتمال أن يشهد العراق موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة لايزال أمراً مرجحاً، وهو ما قد يعني إمكانية اللجوء إلى انتخابات مبكرة، وهو ما سيكون سابقة في تاريخ العراق السياسي في ظل هذا النظام  للعراق، فهناك مشاكل كثيرة عالقة بينه وبين شركائه ستعترض ذلك، فهناك صعوبات قائمة في التوافق بين تحالف السيادة والتنسيقي، ونظراً لأن القوى الشيعية يغلب عليها القوى الموالية لإيران، فإن السيادة يرغب في الحصول على تنازلات من التنسيقي قبل الدخول في أي مفاوضات رسمية، والتي من أهمها الملفات المتعلقة بالحقوق والانتهاكات في مناطق شمال وغرب البلاد وسحب الفصائل المسلحة من المحافظات السنية، وملفات النازحين وإعمار المدن، والكشف عن مصير المغيبين، وتعويض الأهالي المدمرة منازلهم، وملف الاعتقالات والسجون، إلى جانب إعادة النظر في التوازن الحالي داخل مؤسسات الدولة، الأمنية والخدمية على حد سواء. 

كما وضع الحزب الديمقراطي الكردستاني عدداً من المبادئ الأساسية للمشاركة في الحكومة المقبلة، وهي التوافق والشراكة والتوازن، بالإضافة إلى حل المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل، والتي يتقدمها حسم ملف النفط والغاز، خاصة بعدما تعهدت شركات خدمات حقول النفط الأمريكية في 4 تموز / يوليو الماضي، بأن تمتثل لحكم أصدرته المحكمة الاتحادية العليا، وأن تنسحب من إقليم كردستان العراق. ونظراً لأن هذا التطور يصب في مصلحة الحكومة الاتحادية، فإنه من غير المتوقع أن تقدم أي من الأحزاب الشيعية مثل هذا التنازل للأكراد، وهو ما يجعل هناك حاجة للتوصل إلى حل وسط حول هذا الأمر. 

  ومن جهة أخرى، فإن الديمقراطي الكردستاني يريد ضمانات بإنهاء هجمات ميليشيات إيران على إقليم كردستان العراق، خاصة حقول النفط والغاز، فضلاً عن حصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء وجود قوات خارجة عن إدارة القوات الرسمية في المناطق المتنازع عليها، خاصة كركوك والموصل وغيرهما، أي إخراج ميليشيات الحشد الشعبي من هذه المناطق، وهو الأمر الذي قد يكون فرص تحقيقه صعبة. 

   ولو افترضنا جدلا، قدرة الإطار التنسيقي على اجتياز هذه الصعاب وتشكيل الحكومة، فالمؤشرات تدل على إنها ستكون حكومة ضعيفة على غرار تلك التي تشكلت بعد انتخابات عام 2018م، غير قادرة على النهوض بالواقع السياسي والاقتصادي المتردي للبلد، وبالتالي على إعادة ثقة المجتمع العراقي بالطبقة السياسية الحاكمة، بما يؤشر إرهاصات كافية ومناخ ملائم لحدوث احتجاجات شعبية مشابهة لتلك التي اندلعت في تشرين الأول / أكتوبر 2019 م.

مقالات لنفس الكاتب