array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 181

اقتتال الملالي المتعطشين للسلطة محافظين أو إصلاحيين عند غياب المرشد بموته أو عجزه

الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022

    يحرص المتخصصون في مختلف المجالات، مع نهاية كل عام، على مراجعة أبرز ما شهده العام الفائت من أحداث، لاستشراف ما يحمله العام الجديد من تطورات ومستجدات لتلك الأحداث. وبمتابعة الشأن الإيراني على مدى العام الفائت وجدت أن أبرز الأحداث تمثلت في: أولًا: محادثات إحياء الاتفاق النووي، التي كانت امتدت على مدى العام؛

ثانيًا: استغلال الحرب الروسية / الأوكرانية لتوطيد العلاقات مع روسيا والصين؛ ثالثًا: الحرص على الظهور بمظهر الدولة الإقليمية الكبرى؛ رابعًا: محاولة تحسين العلاقات مع دول الخليج؛ خامسًا: نفور الشعب من النظام والعمل على إسقاطه عبر الاحتجاجات الشعبية المستمرة حتى كتابة هذه الورقة.

  ومن المتوقع أن تكون هذه الأحداث نفسها هي المحاور الرئيسة للعام القادم أيضًا، وأن يترتب على حسمها تغييرات كبرى، سواء على مستوى الداخل الإيراني، أو على المستوى الإقليمي، أو المستوى الدولي؛ وعليه فسوف نتناولها في هذه الورقة، مع طرح التوقعات المستقبلية لكل حدث منها.

     أولًا: محادثات إحياء الاتفاق النووي

    بدأت محادثات إحياء الاتفاق النووي، في شهر أبريل عام 2021م، واستمرت المحادثات حتى بداية العام الفائت، الذي شهد بداية الجولة الثامنة في 3 يناير 2022م.

    واشنطن تشجع إيران على إحياء الاتفاق:

    لتشجع إيران على المضي في المحادثات، قررت واشنطن في 5 فبراير إعفاء إيران من عقوبات نووية. ووصفت إيران قرار الإعفاء بأنه "جيد، لكنه ليس كافيًا"، وطالبت بالمزيد. واستؤنفت المحادثات في 8 فبراير، وكادت أن تسفر عن نتائج إيجابية، حيث أشارت بريطانيا وفرنسا، في 5 مارس، إلى قرب الاتفاق مع إيران.

      لجوء إيران إلى المماطلة والمراوغة:

   وحينما شعرت إيران بقرب العودة إلى الاتفاق، لجأت إلى المماطلة والمراوغة كسبًا لمزيد من الوقت والتنازلات، حيث صرح كبير المسؤولين الأمنيين (علي شمخاني)، في 7 مارس، بأن المفاوضين الإيرانيين يقيمون العناصر الجديدة التي أثرت على المفاوضات. وأسفر التقييم عن مطالبات إيرانية لا علاقة لها بالاتفاق، ومنها: رفع الحرس الثوري من قائمة الجماعات الإرهابية؛ وتقديم ضمانات بعدم انسحاب أي رئيس أمريكي من الاتفاق مستقبلًا، وتقليل المدى الذي يمكن أن يصل إليه خفض العقوبات.

    تبادل الاتهامات بإفشال المحادثات:

    رفضت واشنطن المطالب الإيرانية، وأكد المتحدث باسم البيت الأبيض، في 27 مارس، بأن العقوبات على الحرس الثوري الإيراني ستبقى، بغض النظر عن الاتفاق النووي؛ وحمَّلت، في 4 أبريل، إيران مسؤولية توقف المحادثات. وردت إيران، في 18 أبريل، بأن التوصل إلى اتفاق بعيد المنال، وحمَّلت واشنطن مسؤولية فشل المحادثات. وفي 12 مايو، صرح مسؤول فرنسي بوصول محادثات الاتفاق النووي إلى طريق مسدود، بسبب الخلاف على وضع الحرس الثوري الإيراني.

    وبعد توقف المحادثات، قامت إيران، في 8 يونيو، بإزالة كمرتي مراقبة لقياس التخصيب عبر الإنترنت من منشأة نووية، لتوقع صدور قرار ضدها من وكالة الطاقة الذرية؛ وهو ما صدر بالفعل في 9 يونيو، مؤيدًا من 30 دولة عضوًا في مجلس الوكالة الذي يضم 35 دولة، منتقدًا إيران بعدم التعاون مع الوكالة بشكل كاف، وطالبها بضرورة الالتزام باتفاق الضمانات لحل كافة الإشكاليات النووية المعلقة.

    محاولة قطر إحياء المحادثات:

    في 27 يونيو، استضافت قطر محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران لإحياء الاتفاق. وفي 29 يونيو، أعلن عن انتهائها بدون نتيجة. وبعد شهر تقريبًا من المحاولة القطرية، طرح الاتحاد الأوروبي، في 27 يوليو، نصًا جديدًا لإحياء الاتفاق؛ ولكنه لم يفض إلى شيء.

   كان واضحًا من مماطلة إيران أنها ليست حريصة على العودة للاتفاق قبل الانتخابات النصفية الأمريكية، التي ستعقد في منتصف نوفمبر، وهو ما طالبت به صحيفة (كيهان)، المقربة من المرشد، في عددها الصادر في 28 أغسطس 2022م، حكومة رئيسي، حيث كتبت تقول: " أجِّلوا التوصل لاتفاق لمدة شهرين فقط، كل شيء سيتغير لصالح إيران"؛ وأضافت الصحيفة المتشددة: " نحن لسنا الطرف الذي في عجلة من أمره؛ فإذا استمر الوضع نحو شهرين، شهرين فقط، سيتغير الوضع من الأرض إلى السماء".

    وصول المحادثات إلى طيق مسدود:

    في 23 سبتمبر، أعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية عن وصول المحادثات إلى طريق مسدود. وفي 12 أكتوبر، صرح المتحدث نفسه عن تغيير أولوية بلاده فيما يتعلق بإيران؛ مؤكدًا أن الاتفاق "ليس محور تركيزنا في الوقت الحالي"، وأن الإدارة الأمريكية تركز بدلَا من ذلك على دعم المحتجين في إيران.

    ثانيًا: توطيد العلاقات مع روسيا والصين

    وطدت إيران على مدى العام الفائت علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع كل من روسيا والصين؛ وقد رحبت الدولتان ــ وخصوصًا روسيا ــ بهذا التقارب الذي بدا وكأنه (تحالف) مواز للولايات المتحدة والغرب. وتجسد توصيد العلاقات مع البلدين في عدة مظاهر، منها:

  1. مظاهر توطيد العلاقات مع روسيا:
  • تعدد الزيارات بين رئيسي الدولتين، حيث زار الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) روسيا، في 19 يناير، لتعزيز العلاقات بين البلدين. فيما قام الرئيس الروسي (بوتين) بزيارة إيران في 20 يوليو.
  • تأييد إيران لروسيا في حربها على أوكرانيا، والذي جاء على لسان المرشد (علي خامنئي)، حين التقاه (بوتين) أثناء زيارته لإيران، حيث قال له المرشد: "...إذا لم تتول القيادة لكان الطرف الآخر قد فعل ذلك وبدأ الحرب".
  • تزويد روسيا بالطائرات المسيرة سرًا، واعترافها، في 5 نوفمبر، بأن التزويد قد تم بعدد محدود قبل شهور من حرب أوكرانيا، رغم إنكارها في بادئ الأمر.
  • زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث بلغ في الأشهر الستة الأولى (يناير ــ يونيو) من العام الفائت حوالي 2.7 مليار دولار بزيادة 42.5% عما كان عليه في الفترة نفسها من العام الماضي.
  • الإعلان، في 8 يوليو، عن عقد اتفاق بين البنكين المركزيين الإيراني والروسي لتطوير التعاون النقدي والمصرفي، لتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي والاستثمار بين البلدين.
  • توقع مذكرة تفاهم بين الشركة الوطنية الإيرانية للنفط وشركة "غازبروم" الروسية، في 19 يوليو، تنص على استثمارات بقيمة 40 مليار دولار في حقول النفط والغاز الطبيعي في إيران.
  • مساهمة إيران في كسر سياج العزلة المفروضة على موسكو، عبر تصريف السلع الروسية التي يتم حظرها تنفيذًا للعقوبات، وتوفير السلع التي تحتاجها روسيا من الأسواق الخارجية.
  • إعلان السفير الإيراني في روسيا (كاظم جلالي)، في 7 ديسمبر، أن طهران وموسكو ستوقعان اتفاقية تعاون طويلة الأمد "قريبًا".
  1. مظاهر توطيد العلاقات مع الصين:
  • تعزيز التعاون التجاري بين البلدين، حيث ارتفعت الصادرات الإيرانية إلى الصين في النصف الأول من العام الفائت إلى نحو 31%، لتصل إلى 4,1 مليار دولار، فيما ارتفعت نسبة الصادرات الصينية إلى إيران بنسبة 16%، لتصل إلى ما يقرب من 4,2 مليار دولار.
  • دعم الصين لإيران في الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية التي تعد الصين عضوًا رئيسًا فيها، فقد دعمت الصين إيران في الانضمام إلى منظمة شنغهاي، وتعمل حاليًا على دعمها للانضمام لمنظمة (البريكس).
  • تجاهل الصين لما تقوم به إيران من اعتداءات خارجية سواء على دول الجوار أو على السفن والناقلات العابرة للممرات المائية القريبة من إيران، فضلًا عن تجاهلها بما يقوم به النظام من انتهاكات داخلية لحقوق الإنسان، ما يعد تأييدًا مستترًا للنظام الإيراني في تجاوزاته.
  • تمييز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تلقت الصين خصمًا قدره 25% على النفط الإيراني، مقابل استثمار الصين 400 مليار دولار في مشاريع مختلفة في إيران. وتبلغ الاستثمارات الصينية الحالية في إيران الآن 16 مليار دولار، وهو تدفق مالي ضخم، قياسًا بالاستثمارات العالمية في إيران والتي لا تتجاوز 5 مليارات دولار.
  • تطوير التواصل بين البلدين عبر الخطوط البرية والبحرية، حيث تم انطلاق أول قطار شحن دولي (سككي ــ بحري) من الصين إلى إيران، في 30 يوليو. لتوفير نصف المدة الزمنية التي كان القطار الدولي السابق يقطعها بين البلدين، وتوفير 897 دولارًا أو 6000 يوان صيني لكل حاوية.

         ثالثًا: الحرص على الظهور بمظهر الدولة الإقليمية الكبرى؛

     حرصت إيران على مدى العام الفائت على بث رسائل لدول العالم، وخصوصًا دول الجوار، بأنها القوة الإقليمية العظمى في المنطقة، وقد تجسد ذلك في عدة مظاهر، منها:

  • الإيحاء بأنها حليف استراتيجي لكبرى القوى المناوئة للولايات المتحدة والغرب (الصين وروسيا)، وذلك من خلال تصريحات رئيس الأركان الإيراني اللواء (محمد باقري)، في 28 مارس، بزيادة التعاون بين إيران والصين لإيصال العلاقات العسكرية إلى أعلى مستوياتها، عبر المناورات العسكرية المشتركة، وتبادل الخبرات، والتعاون في التدريبات التعليمية، في إطار "حفظ الأمن بالمناطق التي تحكمها الدولتان".
  • إبراز القدرات الإيرانية في الصناعات العسكرية الحديثة، ليس داخل إيران فحسب، وإنما في الدول الصديقة لها، ففي 17 مايو، أعلنت إيران أنها افتتحت مصنعًا للمسيرات في دوشانبي بطاجيكستان؛ وهو أول مصنع إيراني للمسيرات خارج إيران. وفي 10 نوفمبر، أعلن قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني (أمير علي زاده)، أن بلاده تمكنت من صنع صاروخ باليستي تفوق سرعته خمسة أمثال سرعة الصواريخ الباليستية التقليدية، وأنه سيكون قادرًا على اختراق كل أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ.
  • التنويه إلى إمكانية تحول إيران إلى قوة نووية إقليمية، وهو ما صرح به رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (محمد إسلامي)، في الأول من أغسطس، بأن طهران "لديها القدرة التقنية على إنتاج قنبلة ذرية، ولكنها لا تخطط للقيام بذلك".
  • التأكيد، في 4 سبتمبر، على جاهزية إيران لمواجهة أية تهديدات بيولوجية وكيميائية، وأنها زودت (51) مدينة بمنشآت وتجهيزات ضرورية للدفاع السلبي ضد الهجمات البيولوجية والكيميائية.
  • القيام بعمليات عدوانية ضد السفن التي تمر في البحر الأحمر والخليج العربي، ففي الأول من سبتمبر، احتجزت المدمرة الإيرانية (جمران) زورقين مسيرين أمريكيين في البحر الأحمر؛ وقد أفرج عنهما بعد تحذير أمريكي وتحريك قوات لتحريرهما بعد فترة وجيزة.
  • الادعاء بأن القوات العسكرية الإيرانية منعت المدمرات الأمريكية من دخول الخليج، فقد صرح رئيس الأركان الإيراني (محمد باقري)، في 5 ديسمبر، بأن قوة إيران هي التي منعت دخول أي حاملة طائرات أمريكية إلى الخليج خلال العامين الماضيين، وأن السفن التي كانت في المنطقة غادرتها وهي الآن على بعد أكثر من ألف كيلو متر عن سواحل إيران.
  • الهجوم السيبراني على بعض الدول إبرازًا للقدرات الإيرانية في هذا المجال، ففي 7 سبتمبر، اتهمت ألبانيا إيران بشن هجوم الكتروني عليها، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية معها. وفي 9 سبتمبر، فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على وزارة المخابرات والأمن الإيرانية ووزيرها بناء على اتهامات بضلوعهم في هجوم إلكتروني على ألبانيا في شهر يوليو، كما تورطت في أنشطة اختراق إلكتروني عبر الإنترنت ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وفي 10 سبتمبر، تعرضت ألبانيا لهجوم سيبراني جديد واتهمت إيران بالضلوع فيه وحملتها مسؤوليته.
  • الاستمرار في تقديم الدعم المادي والعسكري للجماعات والميليشيات الإرهابية التابعة لها في دول الجوار لتواصل عمليتها التخريبية، ففي 23 فبراير، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شبكة دولية كبيرة يديرها فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني حولت عشرات الملايين من الدولارات إلى الحوثيين، وقد استخدمت الأموال لدعم هجمات الحوثيين، التي تمت خلال العام الفائت، حيث استهدف الحوثيون مدنيين ومنشآت اقتصادية ومدنية ومنشأة نفطية في مدينة جدة، في 20 مارس، بصواريخ وطائرات مسيرة؛ كما استهدفوا محطة توزيع للمنتجات البترولية بجدة وأخرى بجيزان، في 25 مارس، بقاذفات صاروخية.
  • استعراض القوة العسكرية عبر الاعتداء العسكري المعلن على دول الجوار، ففي 13 مارس، استهدفت إيران مدينة أربيل عاصمة كردستان بشمال العراق بـ (12) صاروخًا باليستيًا، ما جعل الحكومة العراقية تستدعي السفير الإيراني وتسلمه مذكرة احتجاج رسمية على الهجوم.

      رابعًا: تحسين العلاقات مع دول الخليج العربية:

    سعت إيران خلال العام الفائت إلى تحسين علاقاتها بالدول الخليجية، وخصوصًا السعودية، لإنهاء المقاطعة القائمة بينهما منذ عام 2016م، إثر اقتحام مواطنين إيرانيين للسفارة والقنصلية السعوديتين في إيران وتخريب محتوياتهما، وتباطؤ الأمن الإيراني في التدخل لردع المخربين؛ كما حرصت على توثيق علاقتها بدولتي قطر وعمان، وتطوير علاقتها بدولتي الكويت والإمارات؛ وأسفرت المساعي والجهود عن النتائج التالية:  

  1. السعي إلى إعادة العلاقات مع السعودية:

    بدأت محاولات إيران لإعادة العلاقات مع المملكة بواسطة العراق منذ أبريل 2021م، واستمرت المحاولات على مدى العام الفائت، عقب تصريح وزير الخارجية السعودي (فيصل بن فرحان)، في 19 فبراير، بأن المملكة مهتمة بأن تكون العلاقات مع إيران إيجابية، بما في ذلك العلاقات التي تحقق المصالح لكلا البلدين، ولا تتركز في الأمور السياسية؛ وأن التطور يجب أن يشمل المسائل المتعلقة بجيران المملكة؛ وأن الحل سيكون ممكنًا حينما ترى المملكة تغيرًا حقيقيًا في هذا الأمر.

    وتوقفت المحادثات، في شهر أبريل 2022م، بعد خمس جلسات، وحينها أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية (خطيب زاده)، في 4 أبريل، أن طهران مستعدة لاستئناف المحادثات مع السعودية، إذا أبدت المملكة رغبتها في حل القضايا العالقة بين البلدين. وفي 26 يونيو، زار رئيس وزراء العراق السابق (مصطفى الكاظمي) إيران قادمًا من جده في مسعى لاستئناف المحادثات بين البلدين.

    وفي 20 أغسطس، قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني (أبو الفضل عموئي): "مع أنّ إيران قد تنتقد مواقف السعودية في القضايا الإقليمية والدولية، إلا أن هذا لا ينفي وجود علاقة ثنائية لمتابعة القضايا وتبادل الآراء في مختلف القضايا".

    وفي 24 أكتوبر، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية (ناصر كنعاني) أن "الظروف مهيأة لإجراء مفاوضات جديدة" بين بلاده والسعودية. وفي 5 ديسمبر، صرَّح المتحدث نفسه، بأن تحسين العلاقات بين إيران والسعودية "يخدم مصالح الجانبين وكذلك مصالح المنطقة"، وأضاف أن موقف بلاده في هذا الصدد "واضح تماما".

   ولخصت المملكة موقفها من تلك التصريحات، في 9 ديسمبر، بتصرَّيح وزير الخارجية السعودي، (الأمير فيصل بن فرحان)، بأن إيران "جزء من المنطقة وجارة، وسنستمر في مد اليد، سعيًا إلى علاقة إيجابية تخدم استقرار المنطقة ورفاهية شعوبنا"؛ ما يعني أن عودة العلاقات مرهون بوقف الفوضى التي تنشرها إيران في المنطقة عبر دعمها للميليشيات الإرهابية.

  1. توثيق العلاقات مع قطر:

    استمرت العلاقات الإيرانية ـــ القطرية خلال العام الفائت على ما كانت علية من وفاق وتعاون، ففي 20 فبراير، عقد البلدان اتفاقًا ببناء نفق بحري يمتد من ميناء (دير) بمدينة (بوشهر) الإيرانية إلى السواحل القطرية.  وتوثيقًا للعلاقات بين البلدين، زار أمير قطر (الشيخ تميم بن حمد) طهران رسميًا، في 12 مايو، تلبية لدعوة الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي).

  1. إعادة العلاقات مع الإمارات والكويت:

أعلنت الكويت، في 14 أغسطس، تعيين سفير لها في إيران، بعد سحبها له وتخفيفها لبعثتها الدبلوماسية عام 2016م، تضامنًا مع السعودية، التي قطعت علاقتها مع إيران. كما قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، في 21 أغسطس، بالإعلان عن إعادة سفيرها لإيران بعد سحبه منها للأسباب المشار إليها.

    خامسًا: نفور الشعب من النظام والعمل على إسقاطه

    شهد العام الفائت ترديًا كبيرًا في الداخل الإيراني بسبب زيادة معدلات الفقر والبطالة وتضخم الأسعار وانتشار الفساد الحكومي وتجاوز السلطات الأمنية، ما أدى إلى نقمة الشعب على النظام والنفور منه، وتحديه، والعمل على إسقاطه؛ وقد عبر عن ذلك بعدة أساليب، منها:

    إهانة المرشد العام والاستخفاف برجال الدين وانتقادهم:

    تعددت مظاهر إهانة الشعب الإيراني للمرشد العام وسلفة، ومنها: الهتاف بموت المرشد (علي خامنئي)؛ وحرق صوره وصور سلفه (الخميني) في الاحتجاجات؛ ولصق صورهما في أرضيات فصول المدارس ليطأها الطلاب بأحذيتهم. كما شهد ظاهرة الاستخفاف بالمعممين من رجال الدين، باعتبارهم رموزًا للنظام، بإسقاط العمائم من على رؤوسهم وتمزيق ملابسهم، وسبهم واتهامهم بأنهم السبب فيما تعيشه البلاد من تخلف وتراجع وظلم وقهر لتأييدهم المطلق للنظام المستبد.

   أما أبرز مظاهر الانتقاد فتمثل في رسالة نشرتها شقيقة المرشد على خامنئي (بدرية حسيني خامنئي)، عبر نجلها (محمود مرادخاني)، على تويتر، في 7 ديسمبر، قالت فيها:" أعتقد أنه من المناسب الآن أن أعلن أنني أعارض أفعال أخي وأعبر عن تعاطفي مع جميع الأمهات اللائي يشعرن بالحزن على جرائم نظام الجمهورية الإسلامية، من عهد الخميني إلى العصر الحالي للخلافة الاستبدادية لعلي خامنئي". وتابعت قائلة إن النظام الإيراني: "لم يجلب سوى المعاناة والقمع لإيران والإيرانيين"، مضيفة أنها تأمل أن ترى "انتصار الشعب وإسقاط هذا الاستبداد الذي يحكم إيران قريبًا". ودعت الحرس الثوري الإيراني إلى إلقاء أسلحته في أسرع وقت ممكن والانضمام إلى الشعب "قبل فوات الأوان".

     كراهية رموز الحرس الثوري واستهداف قادته:

    ففي 6 يناير، أضرم أحد المواطنين المجهولين النار في تمثال لـ (قاسم سليماني) تم تنصيبه في جنوب غربي إيران، تزامنًا مع الذكرى السنوية الثانية لمقتله. وفي 23 أبريل، استهدف هجوم مسلح العميد (حسين الماسي) قائد الحرس الثوري في إقليمي (سيستان وبلوخستان)، تزامنًا مع الذكرى السنوية للاحتفال بتأسيس الحرس الثوري. وفي 23 مايو، اغتيل ضابط بالحرس الثوري برتبة عقيد، يدعى (صياد حدائي)، بإطلاق النار عليه قرب منزله بطهران. وفي 3 يونيو، توفي عقيد بفيلق القدس بالحرس الثوري، ونفت الحكومة أنه قد تم اغتياله، وأن وفاته تمت بسبب سقوطه من أعلى منزله. وفي 4 يونيو، توفي عالم إيراني في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة يدعى (أيوب انتظاري) نتيجة تسمم.

    كثرة الاحتجاجات الشعبية، وتعدد أسبابها وانتشارها:

    شهدت المدن الإيرانية خلال العام الفائت احتجاجات عدة؛ ففي 15 مايو، اندلعت الاحتجاجات في مدينة رشت الشمالية وبلدة فارسان بوسط البلاد ومدينة نيسابور الشمالية الشرقية، بسبب ارتفاع الأسعار. وفي 31 مايو، اندلعت احتجاجات في عدة مدن إيرانية، بسبب انهيار مبنى سكني وتجاري من عشرة طوابق يوم 23 مايو في منطقة خوزستان الغنية بالنفط جنوب غربي البلاد، ما أدى إلى وفاة 34 شخصًا وإصابة 37، وأشارت التحقيقات إلى أن سبب الانهيار هو الفساد الفردي والإهمال في إجراءات السلامة، ما جعل المحتجين يتهمون الحكومة بالإهمال والفساد المستشري في البلاد، ويرددون هتاف: (الموت لخامنئي).

   وفي 16 سبتمبر، اندلع أبرز الاحتجاجات وأهمها، والذي عرف إعلاميًا بـ (احتجاج أو ثورة الحجاب)، حيث كان السبب في اندلاعه هو مقتل مواطنة إيرانية، كردية الأصل، تدعى (مهسا أميني) على يد شرطة الأخلاق، لعدم ارتدائها الحجاب بطريقة سليمة. وبدأت الاحتجاجات في مدينة (سقز) مسقط رأس القتيلة، وامتدت مع توالي الأيام لتعم جميع المدن، وتتصاعد حدتها، وتتضاعف أعداد المشاركين فيها حتى الآن. 

    وفي 17 ديسمبر انطلقت احتجاجات جديدة لأسباب اجتماعية واقتصادية يقودها عمال النفط للمطالبة بحقوقهم حيث ذكرت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أن مجموعة من عمال النفط نظموا احتجاجًا في جنوب إيران للمطالبة بزيادة الأجور ومزايا التقاعد.

    استشرافات العام الجديد:

بعد أن طوفنا على أبرز الأحداث التي شهدتها إيران على مدى العام الفائت، يحسن بنا الوقوف عند أبرز الأحداث المتوقعة في العام الحالي، وهي:

  • استمرار إيران في المناورة بالملف النووي لأطول فترة ممكنة، إلى أن تتمكن من حيازة السلاح النووي، أو الحصول على دورة كاملة للوقود النووي، حتى ولو لم تصنِّع سلاحًا نوويًا، فذلك سيمنحها حصانة ضد أي حظر أو اعتداء محتمل، وسيردع الدول الكبرى، فضلًا عن دول المنطقة، عن الوقوف في وجه طموحاتها التوسعية ومحاولاتها للهيمنة الإقليمية، التي يعتقد ملالي إيران أنهم أحق بها عقديًا (وفقًا لولاية الفقيه)، وتاريخيًا وجغرافيًا وقوميًا باعتبارهم ورثة الامبراطورية الفارسية!

ويدعم هذا التوقع ما صرح به رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (محمد إسلامي)، في الأول من أغسطس، بأن طهران "لديها القدرة التقنية على إنتاج قنبلة ذرية، ولكنها لا تخطط للقيام بذلك"؛ وما أعلنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 22 نوفمبر، أن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60٪، وهي النسبة القريبة من الدرجة اللازمة لصنع أسلحة، في مفاعلها النووي في "فوردو" بالقرب من مدينة قم.

        وحدوث هذا التوقع سيدخل المنطقة في حالة من التوتر الشديد، إذ إن دول المنطقة لن تقبل بالتهديد النووي الإيراني لأمانها جراء ما قد ينشأ من تلوث نووي بيئي نتيجة اختلال معايير الأمن والسلامة المتبعة وفي المنشآت النووية الإيرانية التي تقادمت التقنيات التي اعتمدت في بنائها، والتي قد تتسبب في تسرب نووي يضر بالبيئة والسكان؛ كما أنها لن تقبل التهديد لأمنها الوطني من قبل دولة نووية ذات أهدف توسعة ومساعٍ للهيمنة الإقليمية.

        كما أكد البيان الختامي للقمة الخليجية (43) لدول مجلس التعاون التي عقدت في الرياض، في 9 ديسمبر 2022م، استنكارها لرفع إيران نسب تخصيب اليورانيوم، داعية طهران إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

  • استمرار إسرائيل في تهديداتها بضرب المنشآت النووية الإيرانية، ليس إذا أقدمت إيران على تصنيع قنبلتها النووية فحسب، بل وفي حال العودة للاتفاق مع إيران حول المشروع النووي؛ وستستند في هذا التهديد إلى التعهد الذي وقعته مع الولايات المتحدة، في 14 يوليو، بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية؛ والذي يسمح لإسرائيل باستخدام القوة ضد إيران كملاذ أخير؛ فقد حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق (نفتالي بنت) من أن "تل أبيب ليست ملتزمة بأي من القيود الناشئة عن الاتفاق، وستستخدم جميع الأدوات المتاحة لمنع البرنامج النووي الإيراني من التقدم"؛ كما صرح وزير الشؤون الاستيطانية الإسرائيلي (تساحي هنغبي) عن إحياء الاتفاق، بالقول: " لن أستبعد أن يقودنا إلى صدام حربي مباشر بيننا وبين إيران".

والمتوقع أن يبقى الأمر عند حدود التهديد بالقول، حيث إن تنفيذه على أرض الواقع قد يضع إسرائيل أمام ردة فعل انتقامية غير محسوبة العواقب، سواء من إيران أو من القوات التابعة لها في سوريا ولبنان؛ فضلًا عن أنه قد يدخل المنطقة بأسرها في نفق طويل من الاضطرابات وعدم الاستقرار الذي سيضر بالمصالح العالمية، نظرًا لما تمثله المنطقة من أهمية عالمية كمصدر رئيس من مصادر الإمداد بالطاقة.

  • مواصلة إيران تقديم الدعم للميليشيات الإرهابية المنتشرة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وطوابيرها الخامسة المدسوسة في بعض الدول الخليجية، لنشر الاضطراب والفوضى، وتقويض الأمن والاستقرار، وتعويق خطط التنمية، لتظل هذه الدول مرتعًا لفيالق الحرس الثوري الإرهابية، التي تمثل الذراع العسكري للهيمنة الإيرانية. فقد كشف تقرير أممي، في 9 يناير، عن أن تهريب السلاح إلى الحوثيين باليمن يتم عبر مرفأ (جاسك) في مدينة جاسك جنوب شرقي إيران، عبر قوارب خشبية صغيرة ووسائل نقل بري على طول الطريق المؤدية إلى اليمن؛ وأن ما يتم تهريبه من أسلحة مصنوع في الصين وروسيا وبلاروسيا وإيران.

      وفي 15 نوفمبر، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية عن اعتراض شحنة من المتفجرات كانت قد أرسلتها إيران إلى اليمن عبر خليج عُمان. وفي 3 ديسمبر، أعلن الأسطول الخامس الأمريكي، اعتراضه "ثاني أكبر شحنة أسلحة غير مشروعة" في غضون شهر، كانت على متن سفينة صيد "على طول طريق بحري من إيران إلى اليمن".

  • توثيق العلاقة مع روسيا ومواصلة دعمها بالمسيرات والصواريخ وغيرها من الأسلحة حتى نهاية الحرب بالوصول إلى حل سلمي، وهو الأكثر احتمالًا وحدوثًا، أو انتصار روسيا، وهو أمر مستبعد، أو هزيمة روسيا وهو أمر غير بعيد. وفي كل الأحول ستصبح إيران أكثر استهدافًا من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بعد ثبوت تورطها في المشاركة في الحرب عبر تزويدها روسيا بالأسلحة.
  • تحسين العلاقات مع الصين، والعمل على اجتياز الأزمة الدبلوماسية الحالية، التي سببها البيان الختامي الصادر عن القمة الخليجية ــ الصينية، في 9 ديسمبر، والذي ، دعا إيران " للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتزامها بالطابع السلمي لبرنامجها النووي"؛ وأكد على ضرورة قيام العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران على "اتباع مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام استقلال الدول وسيادتها"؛ وشدد على "أهمية الحوار الشامل بمشاركة دول المنطقة لمعالجة الملف النووي الإيراني، والأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار". وهو ما احتجت عليه إيران، واعتبرته "تكرارًا لسياسة التخويف من إيران (إيرانوفوبيا) الفاشلة"، وفقًا لما صرح به، في 11 ديسمبر، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية (ناصر كنعاني).
  • توتر العلاقات مع الدول الأوروبية جراء المماطلة والتعنت الإيراني في محادثات إحياء الاتفاق النووي،لاسيما بعد ثبوت دعم إيران لروسيا عسكريًا. وسيؤدي الموقف الأوروبي إلى تبرير وشرعنة تفعيل (آلية الزناد) (سناب باك) ضد إيران في الاتفاقية النووية، أي العودة التلقائية للحظر الدولي، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وإحياء قرارات مجلس الأمن، وفي هذه الحالة لن تتمكن روسيا والصين من استخدام حق النقض لإنقاذ إيران، لو أرادا ذلك.
  • زيادة الاضطرابات الداخلية جراء استمرار الاحتجاجات المطالبة بسقوط النظام، الذي يوجهها بقمع المحتجين، سواء بالقتل المباشر على أيدي الحرس الثوري والباسيج، أو القتل عبر تقديم من يتم اعتقالهم للمحاكمات السرية، التي تقضي على البعض منهم بالإعدام العلني (شنقًا على الرافعة)، حيث حكمت محكمة بمدينة مشهد على مواطن يدعى (مجيد رضا رهناورد) بالإعدام، بزعم قتله اثنين من عناصر قوة الباسيج شبه العسكرية وإصابة أربعة آخرين؛ ونفذ الحكم في 13 ديسمبر؛ في محاولة يائسة لترهيب المحتجين وقمعهم وإشاعة الخوف بينهم، على أمل توقف الاحتجاجات التي تجتاح البلاد منذرة بسقوط النظام. ومع تنفيذ المزيد من الإعدامات ستتضاعف مقاومة الشعب للنظام، وستتعمق بين فئاته.
  • تقديم النظام للمزيد من التنازلات في محاولة لتهدئة الأوضاع، فيما لو فشلت محاولات الإرهاب والتخوف في توقف الاحتجاجات؛ ويدعم هذا التوقع إعلان النظام، في الأول من ديسمبر، أن البرلمان الإيراني والقضاء يراجعان قانون الحجاب الإجباري في البلاد، رغم ما يمثله القانون من سيادة وسيطرة الملالي على كل ما يتصل بالشعب من ثقافة وسلوك وشأن اجتماعي. وقيامه، في 3 ديسمبر، بإلغاء شرطة الأخلاق ــ المعروفة باسم: (دوريات الإرشاد) ــ التي أنشئت وبدأ عمل دورياتها في عام 2006م، وكانت الآلية التي ينفذ بها الملالي سيطرتهم على المجتمع. وحدوث هذا التوقع، سوف يؤدي بالتدريج إلى الخلاص من (ولاية الفقيه) التي تستند إليها شرعية النظام في الحكم، وهو ما يطمح إليه كثير من الإيرانيين ويحتجون من أجل تحقيقه.
  • اقتتال منظومة الملالي المتعطشين إلى السلطة، محافظين كانوا أو إصلاحيين؛ عند غياب المرشد الحالي عن المشهد السياسي بموته أو عجزه عن أداء مهامه بسبب المرض، مثلما حدث في شهر أغسطس من العام الفائت، حينما تأخر ظهور المرشد على خامنئي على وسائل الإعلام فترة طويلة وأشيع نبأ وفاته، وتوارد الحديث على من يخلفه من العلماء الحاليين المؤهلين دينيًا وثوريًا لشغل المنصب.
مقالات لنفس الكاتب