array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 181

ضرورة تأسيس العلاقات السعودية-الأمريكية على شراكة تخدم الطرفين

الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022

عام جديد يحل على العلاقات الأمريكية-السعودية وهي في أزمة تراوح فيها بين مد تدفعه المصالح الكبيرة التي تربط بين الطرفين، وبين جزر الإهمال بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية والتعامل بردود الأفعال. حدث هذا على الرغم من التحديات الجسيمة التي واجهتها، والفرص الكبيرة التي كان من الممكن تحقيقها، خصوصًا ونحن نتحدث عن منطقة تشرف على أهم طرق وممرات التجارة العالمية البحرية والبرية،

بالإضافة إلى امتلاكها لأكثر من نصف احتياطيات العالم من النفط وحوالي 40% من الغاز.  لقد كان من المفترض أن تشكل هذه الأهمية قوة دفع للوصول إلى تفاهم حول طبيعة العلاقة وإعادة بناءها على أسس المصالح المشتركة، لكن العام الماضي مر، مثل أعوام سبقته، دون تحقيق تقدم نحو تأسيس الشراكة المنشودة التي تساعد في إيجاد حلول للمشاكل العالقة في المنطقة.  الغاية من هذه المقالة هي التذكير بأهم العوامل التي تؤثر في العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة وتطوراتها المحتملة في العام القادم، مع التركيز على أثر القضايا الإقليمية، والعالمية مثل السياسة النفطية، وتداعيات الحرب في أوكرانيا والأزمة بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين على مستقبل العلاقات.

 

حصاد عام من التأرجح في العلاقات الخليجية الأمريكية

كان من المفترض أن تشكل زيارة الرئيس بايدن للرياض، ولقاؤه قادة دول الخليج والزعماء العرب فيها نقطة تحول نحو بناء شراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة، خصوصاً وأن بايدن سبق وقطع عهداً في حملته الانتخابية على ما أسماه إعادة توجيه تلك العلاقات، وهو الأمر الذي فهم منه آنذاك بأنه محاولة للتقليل من أهمية تلك العلاقات وتخفيف التعاون الأمني والعسكري مع المملكة.  لكن جاء الغزو الروسي لأوكرانيا الذي غير بوصلة السياسة الأمريكية نحو احتواء الصين وروسيا، ونتج عنها صعود القطاع النفطي ومكانة المنطقة في سلم اهتمامات الإدارة الأمريكية، ولذلك جاءت الزيارة للتدليل على أهمية المملكة والمنطقة، ولتدشين حقبة جديدة في العلاقات بناءً على المستجدات العالمية والمحلية.  هذه المتغيرات دفعت بالمراقبين إلى رفع سقف التوقعات والتبشير بدخول تلك العلاقات مرحلة جديدة، مع تزايد الآمال بقرب التوصل إلى تفاهمات حول العديد من القضايا الشائكة وفي مقدمتها المظلة الدفاعية لدول الخليج وإيجاد حل للأزمة في اليمن، وإعادة ترتيب الأوضاع في العراق وغيرها. ولكن جاء قرار أوبك بلس الذي نسف كل التوقعات وأعاد العلاقات إلى أدنى مستوياتها.

 

 كيف فهم قرار أوبك بلس في أمريكا؟

هناك مقولة كنت أرددها ايام ممارستي للدبلوماسية وهي "أن التعامل مع التصورات أصعب بكثير من الحقائق"، ذلك أن الحقائق تواجه بالحقائق، أما التصورات فهي أصعب لأنك لا تعرف ما يدور في خلد الآخرين.  والحقيقة هي أن قرار أوبك بلس والموقف الأمريكي منه مثال جيد على ذلك، لأن ردة الفعل الأمريكية على القرار كانت مبنية على اعتبارات غير الأسباب المعلنة وراءه، وكان من أهمها:

  1. تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا ومحاولة احتواء روسيا من خلال حرمانها من موارد النفط والغاز.
  2. الاقتصاد العالمي والأمريكي كانا على وشك التعافي من أزمة كوفيد-19، لكنهما كانا يعانيان من ارتفاع حاد في التضخم، أحد أسبابه الرئيسية الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة التي تعتبر من أقوى العوامل التي تحدد مستويات التضخم.
  3. لكن العامل الأكبر كان سياسياً ويمثل بالخشية من تأثير التضخم على نتائج الانتخابات النصفية التي جرى فيها انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ. وقد جرت العادة على أن الحزب الذي يشغل منصب الرئاسة، الحزب الديمقراطي الآن، يخسر العديد من المراكز في مجلسي النواب والشيوخ، هذا في العادة، فما بالك إذا أضفنا لذلك أزمة اقتصادية متمثلة بارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية منحت المعارضة الجمهورية قوة دفع إضافية، مما زاد من حمى التوقعات بحدوث سونامي سياسي في واشنطن يكتسح الحزب الديمقراطي من مجلسي الكونغرس، ويمنح المعارضة الجمهورية قوة سياسية تمكنها من التصدي لمبادرات إدارة بايدن الداخلية والخارجية.  وقد كان هذا ما عولت عليه العديد من القوى الداخلية والخارجية التي لم تكن راضية عن توجهات بايدن. للتصدي لذلك قامت الإدارة ببذل جهود لتهدئة أسواق النفط من خلال العمل على زيادة إنتاج النفط، فقام الرئيس بايدن بزيارة المملكة في محاولة لإقناعها بزيادة الإنتاج، على الرغم من معارضة العديد من قادة حزبه، وإتهام الجمهوريين له بالنفاق السياسي.

وهنا حصل ما لم يكن في حسبان الإدارة الأمريكية، جاء قرار أوبك بلس المفاجئ ليبعثر كل الجهود التي بذلتها، ولذلك برزت عدة تفسيرات للقرار، منها أنه جاء تأييداً لروسيا في موقفها العالمي، ومحاولة للتأثير في الانتخابات الأمريكية من خلال إسقاط الحزب الديمقراطي، تمهيداً لإسقاط بايدن بعد سنتين.  لذلك سارعت إدارة بايدن إلى العمل للتقليل من آثار القرار وذلك من خلال القيام بمبادرات سريعة كانت الغاية منها تطمين الأسواق النفطية العالمية، مثل التوصل إلى اتفاق تشكيل حكومة جديدة في العراق من قبل قوى الإطار التنسيقي المقربة من إيران بعد أن أعلن مرشح الإطار لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني عزمه على عدم الالتزام بقرار أوبك بلس وزيادة إنتاج النفط في العراق.  كذلك قامت بعض الأطراف في واشنطن بمحاولة إعادة بناء الجسور مع فنزويلا، التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم.

 

انعكاس الأوضاع الداخلية على العلاقات الأمريكية-السعودية

جاءت نتائج الانتخابات على غير التوقعات فقد استطاع الحزب الديمقراطي الخروج منها بأقل الخسائر في مجلس النواب واستطاع إضافة مقعد واحد في مجلس الشيوخ ليغير المعادلة من المناصفة إلى أغلبية 51-49.  أضف إلى ذلك أن النتائج عمقت الانقسام داخل الحزب الجمهوري المعارض، بين تيار الرئيس السابق دونالد ترامب، والتيار التقليدي في الحزب، الأمر الذي دفع بالمعلقين إلى الاعتقاد بأن الحزب الجمهوري في مأزق سياسي كبير، خلاصته أن أي مرشح جمهوري لابد أن يحصل على دعم ترامب ليفوز بالانتخابات التمهيدية داخل الحزب، وأن أي مرشح يحصل على دعم ترامب لن يتمكن من الفوز بالانتخابات على مستوى العديد من الولايات، أو عموم البلاد.  هذا الانقسام بين جناحي الحزب الجمهوري ربما ينعكس سلباً على أدئهم في مجلس النواب في العامين القادمين.

 

لسنا هنا بصدد الخوض في تفاصيل العملية السياسية في أمريكا، فهذه تطول، لكننا أردنا الوصول إلى نتيجة وهي أن الحزب الديمقراطي خرج من الانتخابات النصفية بزخم قوي، سوف ينعكس إيجابياً على أداء الإدارة داخلياً وخارجياً. هذه الأوضاع تفتح الفرصة لإعادة تقييم العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة من خلال حوار جاد أساسه بعث الروح في الشراكة بين الطرفين والوصول إلى تفاهمات حول القضايا الأساسية التي تهم الولايات المتحدة والمنطقة بناءً على معطيات الواقع الجديد الذي تفرضه الإحداث الدولية والإقليمية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن مفهوم الشراكة يتطلب عدة أمور من طرفي العلاقة، ومن ذلك ألا يتدخل الطرفان في الشؤون السياسية الداخلية لكليهما. إن واقع الممارسة السياسية في الولايات المتحدة يوفر الفرص الكبيرة أمام الأصدقاء والأعداء لمحاولة التأثير في مجرياتها سعياً لتحقيق مكاسب آنية، لكن الأصدقاء دائماً يحجمون عن ولوج هذا المدخل لأضراره الكبيرة على المدى البعيد، ولأنهم لا يرغبون لعلاقات بلدانهم أن تتأثر بمخرجات العملية الديمقراطية، كما وأن التدخل في الشؤون الداخلية هو سلاح ذو حدين ويعمل باتجاهين مختلفين.  وقبل كل شيء فإن الشراكة تحتاج أولاً وأخيراً على تقوية قنوات التواصل المباشرة وغير المباشرة لكيلا يعاد استنساخ التجارب السابقة.

 

النفط جبهة ساخنة في الصراع العالمي

يلعب النفط دوراً محوريًا في العلاقات الأمريكية-السعودية ولذلك فإن كل ما يؤثر في هذا القطاع الحيوي من عوامل اقتصادية وسياسية ينعكس سلباً وإيجاباً على العلاقات.  وقد اكتسبت الصناعة النفطية أهمية إضافية نتيجة الحرب في أوكرانيا، والتي ولدت عدة جبهات كانت جبهة النفط من أشدها ضراوة.  بدأت الحرب على هذه الجبهة عندما أعلنت مجموعة الدول الأوروبية فرض حصار على استيراد النفط والغاز من روسيا، وكان الرهان الروسي على فشل هذه المقاطعة لأن الدول الأوروبية لن تجد البدائل لمصادر الطاقة من روسيا على الأقل على المدى القصير، خصوصاً وأن الشتاء على الأبواب، لتأكيد هذه الرسالة، قامت القوات الروسية باستهداف مرافق الطاقة ومحطات توليد الكهرباء في أوكرانيا. الولايات المتحدة، من جانبها، سعت إلى الدفع لزيادة إنتاج الدول المصدرة لسد بعض النقص الحاصل في الأسواق ولحين توفير بدائل أخرى على المدى البعيد، لكن قرار أوبك بلس دفعها للبحث عن حل يضمن شيئين وهما توفير الطاقة لدول أوروبا وحرمان روسيا من الاستفادة من الموارد المالية لبناء قوتها العسكرية، وهي مشكلة سبق وأن واجهتها الولايات المتحدة والدول الغربية في العراق أثناء الحصار فكانت النتيجة مبادرة "النفط مقابل الغذاء" سيئة الصيت والتي دعمتها العديد من الدول، ومنها روسيا، دون النظر في تبعاتها البعيدة. يعيد الزمن دورته اليوم لتصبح روسيا هي الضحية من خلال إعلان مجموعة الدول السبع زائد استراليا وضع سقف لأسعار النفط الروسي عند 60 دولاراً للبرميل. وهو سعر في ظاهره معقول، لكن الشياطين دائماً تدخل في التفاصيل، كما يقول المثل الغربي، وهي هنا عديدة لكن نكتفي بذكر إثنين منها:

صحيح أن السقف الموضوع لسعر البرميل الروسي هو 60 دولار، لكن علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار أسعار الشحن التي ارتفعت بشكل كبير، وكذلك أسعار التأمين التي هي الأخرى تصاعدت نتيجة الصراع في أوكرانيا، حيث وصلت كلفة إيصال برميل النفط الروسي إلى الهند إلى 20 دولار، و25 دولار لإيصاله إلى الصين، الأمر الذي يعني أن دخل روسيا لن يزيد عن الأربعين دولاراً من البرميل.

  • الأمر الثاني، وهو الأهم، ويمثل قيام الدول المستهلكة بتحديد أسعار سلعة من السلع الاستراتيجية دون النظر إلى اعتبارات السوق، وهي التي تتباكى دائماً على أهمية الالتزام بأسعار السوق وعدم فرض قيود على أسعار النفط لأسباب سياسية أو اقتصادية. هذه السابقة خطيرة جداً، كما وأن فرضها على روسيا اليوم سوف يعني أنها قد تستخدم في المستقبل ضد أي بلد آخر تحت ذرائع أخرى.

  

مستقبل العلاقات السعودية-الأمريكية

العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة ليست من العلاقات التقليدية التي تشكلها المصالح الثنائية فقط، لأن هذه العلاقات تحكمها عوامل متعددة منها ما هو دولي ومنها ما هو إقليمي بالإضافة إلى المصالح المشتركة، ولعل من أهم العوامل التي سوف تؤثر في هذه العلاقات على المدى المنظور ما يلي:

  1. تطور الأوضاع في الحرب الروسية-الأوكرانية: كان الغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة الزلزال الذي هد أركان النظام العالمي، لذلك فإنه يشكل الأولوية الأولى للولايات المتحدة وحلفائها. وهناك خشية من أن يتحول الاهتمام الزائد من الولايات المتحدة بالصراع في أوكرانيا ومتطلباته إلى حصول ثغرات أمنية وجيوسياسية في مناطق أخرى من العالم، فعلى سبيل المثال، أشارت تقارير صحيفة إلى أن الولايات المتحدة سوف تقوم بتحويل منظومة الدفاع الصاروخي من منطقة الخليج إلى أوكرانيا على مدى الأشهر القليلة القادمة.  هذا القرار، إن صح، فقد تكون له آثار سلبية على أمن المنطقة لأنه يرسل الرسالة الخاطئة خصوصاً مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية على إيران، وعودة نشاط داعش في العراق وسوريا، وعدم التوصل إلى حل دائم للصراع في اليمن.
  2. العلاقات مع الصين وأثرها على المنطقة: غيرت الحرب في أوكرانيا وهزالة أداء الجيش الروسي من أولويات الاستراتيجية الأمريكية العسكرية لتصعد الصين إلى المرتبة الأولى بدلاً من روسيا. وقد أعلن ذلك وزير الدفاع الأمريكي مراراً، حيث صرح بأن الحزب الشيوعي الصيني "هو أكبر تهديد مستقبلي" للولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة سوف تبذل ما في وسعها للحيلولة بين الصين وفرض هيمنتها على المحيطين الهندي والهادي وفرض قيمها على العالم، على حسب قوله. هذه الخلفية كانت السبب وراء الزيادة الكبيرة التي أقرها الكونغرس لميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2023م، التي بلغت 858 مليار دولار (مقارنة مع 230 مليار دولار للصين)، والتي تضمنت 10 مليارات دولار مساعدات عسكرية لتايوان، حيث نص القانون على أنها سوف "تعزز شراكة الولايات المتحدة الدفاعية مع تايوان".

 

أدى قيام الولايات المتحدة ببناء شراكات مع مختلف دول العالم لاحتواء الصين، مثل أوكوس، والتحالف الرباعي والمبادرة الاقتصادية للمحيطين الهندي والهادي، بالصين لمحاولة إيجاد موطئ قدم لكسر تلك الأطواق المضروبة حولها ومن أهمها منطقة الخليج.  وهنا تأتي زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة واجتماعه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده ورئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، كذلك لقاءه قادة دول مجلس التعاون والقادة العرب، وهي زيارة على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تعكس الدور المحوري الذي تلعبه المملكة والمنطقة في استراتيجية الصين المتمثلة بإعادة بناء طريق الحرير البري والبحري بالإضافة إلى العالم الافتراضي. وقد وقع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع الرئيس الصيني، كما شملت الزيارة التوقيع على مذكرات تفاهم عديدة من أهمها مع شركة هواوي للتكنولوجيا في مجال الحوسبة السحابية وبناء مجمعات عالية التقنية في مدن سعودية، على الرغم من مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها بشأن مخاطر أمنية محتملة في استخدام تكنولوجيا الشركة الصينية.

إن ترتيب العلاقات الاقتصادية مع الصين، بوصفها الشريك الاقتصادي الأول للمنطقة على درجة كبيرة من الأهمية، ولكن وعلى الرغم من تزايد القدرات العسكرية الصينية، إلا أن تأمين منطقة الخليج ضد الأخطار يبقى هدفاً بعيد المنال بالنسبة للصين على المدى المنظور.  لذلك فإن الدخول في أية ترتيبات أمنية مع الصين، من شأنه أن يزيد من حدة الصراع حول المنطقة وينذر بارتفاع في حدة الصراعات وزيادة في عدم الاستقرار. وقد أشار المستشار الاستراتيجي للبيت الأبيض جون كربي إلى الزيارة بقوله: "لم نطلب أبدًا من أي دولة الاختيار بين الولايات المتحدة والصين. لذا، إذا أراد أصدقاؤنا وشركاؤنا في الشرق الأوسط مقابلة الرئيس شي جين بينغ والتحدث معه حول مجموعة من القضايا، فمن المؤكد أن هذا حقهم ونحن نحترم ذلك". وفي إشارة إلى أهمية الجانب الأمني، ذكر بأن ما تركز عليه الولايات المتحدة هو "علاقاتها ومصالحها الأمنية في الشرق الأوسط، على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف".  في المقابل فقد أشارت صحيفة الرياض إلى أن المملكة أرادت من خلال استضافتها للقاءات القمة "الثلاثة السعودية والخليجية والعربية (إرسال) عدة رسائل استراتيجية، للقوى العالمية، والرسالة الأولى مفادها، أن المملكة دولة مستقلة بقرارها، وسيادتها وقيمها النبيلة، والرسالة الثانية هي أن دول الخليج موحدة، وعلى مسافة واحدة مع بعضها البعض، وحريصة على مد جسور الشراكة مع الصين كشريك وثيق نزيه...أما الرسالة الثالثة فهي أن هناك واقع عربي جديد نهضوي، حريص على التعامل مع شريك وحليف موثوق فيه لمصلحة تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بلا تمييز وتفضيل ووفق قواعد المرجعيات الدولية." هذه الرسائل على درجة كبيرة من الأهمية، لكن الأهم هو الإدراك بأن العالم يقف على أعتاب حرب باردة جديدة، شبيهة وربما أشد ضراوة من الحرب الباردة مع المعسكر الشيوعي، ولذلك فإن المصلحة الأولى لدول الإقليم هو تجنب تحول المنطقة إلى ساحة صراع بالوكالة بين أقطاب الصراع العالمي والقوى الإقليمية.

 

  1. مستقبل العلاقات الأمريكية-الإيرانية: كان العام المنصرم عام الإقرار بالنسبة للعلاقات الإيرانية-الأمريكية حيث وصلت المفاوضات، التي وصفناها في مقال سابق، بأنها أصبحت مفاوضات لأجل التفاوض، إلى طريق مسدود. وقد لعبت عدة عوامل في إيصالها إلى النقطة التي وصلت إليها، وكان من أهمها:

 

  • الحسابات السياسية الداخلية الأمريكية تجعل من الصعب على الإدارة القيام بمبادرات جريئة قد تصبح أوراقاً رابحة بيد المعارضة، وهذا ما حصل على الرغم من الرغبة الشديدة عند الرئيس بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي، التي عبر عنها أثناء حملته الانتخابية وبعدها، لكنه لم يفعل ذلك بسبب تلك الحسابات.
  • المتغيرات الدولية وانحياز إيران نحو روسيا والصين: لقد أصبحت عملية احتواء روسيا والصين أولوية السياسة الخارجية الأمريكية خصوصاً بعد غزو أوكرانيا. هذه المتغيرات ألقت بظلالها على العلاقة مع إيران خصوصاً بعد ما أصبح جلياً حجم التعاون العسكري الروسي-الإيراني الذي جاء على شكل تزويد إيران لروسيا بالطائرات المسيرة التي تستخدمها بكثافة في الحرب الأوكرانية، ولذلك فلا يمكن للولايات المتحدة أن توقع اتفاقاً مع إيران من دون تقديم إيران لتنازلات تضمن بها وقوفها على الحياد.  
  • الوضع الداخلي الإيراني: تعاني الحكومة الإيرانية من أوضاع صعبة بسبب تصاعد حدة التظاهرات ضد سياستها القمعية وكذلك تدني الأوضاع الاقتصادية بالنسبة للمواطن وارتفاع وتيرة التضخم، لذلك فلن تقدم الإدارة الأمريكية على رمي طوق النجاة للحكومة الإيرانية الآن إلا بعد الحصول على تنازلات كبيرة، كذلك فإن الأوضاع الداخلية الإيرانية لا تسمح للحكومة بتقديم التنازلات التي تطلبها واشنطن للوصول إلى اتفاق، وكذلك رغبتها في إلقاء اللوم على "الشيطان الأكبر" واتهامه بالوقوف وراء التظاهرات الشعبية.
  • متغيرات الوضع السياسي في إسرائيل: فاز تحالف الأحزاب اليمنية بأغلبية مريحة في انتخابات الكنيست، حيث تم تكليف بنجامين نتنياهو لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، وهو لن يوافق على التوقيع على اتفاق مع إيران، لأنه يريد تأزيم العلاقة معها لحسابات سياسية داخلية وإقليمية لا علاقة لها بالاتفاق على الرغم من أن الاتفاق يصب في صالح إسرائيل.

 

العوامل التي فصلنا فيها سوف تجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق بين الطرفين لذلك نتوقع أن تلجأ إيران إلى الضغط من خلال التصعيد في جبهات عديدة منها رفع مستويات تخصيب اليورانيوم، والاقتراب من مستويات إنتاج السلاح النووي، وهو وضع لن تقف المملكة ودول الخليج مكتوفة تجاهه، ومن شأنه أن يدخل المنطقة في سباق تسلح غير مسبوق. كذلك قد يكون التصعيد في ساحات خارجية مثل اليمن والعراق ولبنان، وممارسة لعبة حافة الهاوية، وهي خطيرة جداً لأن أي من الأطراف لا يعرف الخطوط الحمراء لدى الطرف الآخر ومتي يتم تجاوزها، لذلك نعتقد بأن تطورات العلاقة مع إيران سوف تكون من أهم العوامل التي تهدد الأوضاع في المنطقة.

 

خلاصة القول، العلاقات الخليجية، وخاصة السعودية، مع الولايات المتحدة تمر بأزمة كبيرة نتيجة غياب الفعل الاستراتيجي والعمل بردود الأفعال من طرفي العلاقة، هذا الوضع قد يدخل المنطقة في المجهول، خصوصاً مع وجود حالة الاحتقان في العديد من القضايا الساخنة، وفي مقدمتها العلاقة مع إيران ووصول اليمين المتشدد إلى الحكم في إسرائيل، وتأزم العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.  هذه القضايا يجب أن تشكل الدافع نحو إعادة تأسيس للعلاقات السعودية-الأمريكية على أساس شراكة حقيقة تخدم طرفي العلاقة قبل عبور نقطة اللاعودة.

مقالات لنفس الكاتب