array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 181

يجري إعداد اتفاقية الاستثمارات العربية بما يتماشى مع اتفاقات الاستثمار الدولية

الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022

مع نهاية سنة ميلادية وبدء عام جديد ، فإنه من الأهمية بمكان استقراء ما مضى للوقوف على نقاط القوة والضعف واستيضاح الفرص والتحديات ، ووضع خطط التغلب عليها بالشكل الذي یمكن من إجراء التوقع لما یمكن أن تسير إليه مجريات الأمور في العام الجديد، والحديث هنا سوف يتركز بالأساس على مناخ الاستثمار في الدول العربية خلال العام المنصرم 2022م، والتوقعات للعام الجاري 2023م.

ومن الأهمية بمكان إدراك أهمية الاستثمار بشقيه الخاص والعام بوصفه ضرورة مطلقة في تحقيق الأهداف المنشودة منه والتي يأتي على رأسها تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، وفتح المزيد من فرص العمل وبالتالي إصلاحات كبيرة في الأداء الاقتصادي للدول، وفيما يخص الدول العربية فإنها نجحت خلال العقود الأخيرة في رفع معدلات الاستثمار لديها.

وفي ظل الأجواء التي أضحت تسيطر على أداء الاقتصاد العالمي والتي خلفتها الأزمات الاقتصادية في السنوات الثلاثة الأخيرة كأزمة وباء كورونا، والأزمة الروسيةــ الأوكرانية، أصبحت الدول العربية مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضى بمواجهة ملف التحديات المرتبطة بالاستثمار بهدف رفع مستويات المعيشة لمواطنيها، وبالتالي تحقيق أعلى معدلات تنمية اقتصادية وتحقيق معدلات نمو مرتفعة يقودها هذه المرة القطاع الخاص بوصفه شريك رئيسي للقطاع العام لا سيما لدى الدول العربية المستوردة للنفط بشكل أكبر من تلك المصدرة له.

وفي إطار ما سبق يكمن التحدي الرئيسي الذي سيواجه صانعي السياسات في الدول العربية والذي يقع على عاتقهم في وضع سياسات الاقتصاد الكلي بالطريقة السليمة التي تضمن تعزيز وتسريع الإصلاحات الهيكلية في تلك السياسات بالعمل على وضع قوانين استثمار مرنة وجاذبة تعزز دور الاستثمار الخاص بشكل أكبر وأكثر كفاءة عن طريق توفير المناخ الملائم له، وأسعار صرف حقيقة وعادلة وتشجيع الانفتاح التجاري حسب ظروف كل دولة وبما لا يتعارض مع صناعتها الوطنية، وتحسين الوصول إلى التمويل جنباً إلى جنب مع تحقيق أعلى معدلات من الاستقرار المالي، وتحسين بيئة الأعمال، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز التنويع الاقتصادي.

واقع وحجم وقيمة الاستثمارات العربية

بما أن الدول العربية في مجموعها ليست كياناً اقتصادياً واحداً فإنه من الطبيعي أن تتباين تلك الدول فيما تملكه من مقومات تمكنها من جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية، وهنا يمكننا الفصل بين مجموعتين من الدول العربية تمثل المجموعة الأولى الدول العربية المصدرة للنفط التي أتاحت لها هذه الصناعة فرصاً كبيرة وهائلة وجاذبة للمستثمرين الأجانب سواء أكان استثمارهم في هذا القطاع الحيوي أو الاستثمار في باقي القطاعات الأخرى بما توفره هذه الدول من مزايا نسبية كبيرة للمستثمرين كنتيجة لتوافر عناصر الإمكانات المالية الهائلة والاستقرار والأمن لديها، وجميع تلك المقومات تمثل عناصر جذب لأي مستثمر.

وتأتي مجموعة الدول العربية المستوردة للنفط في المجموعة الثانية التي تحاول جاهدة جذب الاستثمارات الأجنبية لديها بما تملكه من مقومات أخرى تحاول استغلالها بالشكل الأمثل بحيث تقوم في النهاية بإيجاد العديد من الفرص الاستثمارية التي تمكنها من المنافسة في الحصول على حصة كبيرة من الاستثمارات الواردة للمنطقة العربية.

وفي سياق الدول العربية فإنه من الأهمية بمكان التفرقة بين الاستثمارات العربية البينية والاستثمار الأجنبي أو غير المحلي الوارد للمنطقة العربية على النحو التالي:

أولاً: الاستثمار العربي البيني

لا تزال حجم الاستثمارات العربية البينية لا ترقى إلى طموحات المواطن العربي، فبنظرة ثاقبة لحال الاستثمارات العربية البينية نجد أنها على عكس المأمول منها فهي آخذة في التراجع، إذ تشير تقديرات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان) في تقريرها الصادر مؤخراً عن مناخ الاستثمار في الدول العربية، إلى تراجع تلك الاستثمارات من نحو 63 مليار دولار عام 2008 إلى نحو 11.8 مليار دولار عام 2011م.

وظلت الاستثمارات العربية البينية تتأرجح فيما بعد العام 2011م، بين الصعود تارة والهبوط تارة أخرى حيث كانت في أفضل حالاتها خلال العام 2018م، والتي بلغت نحو 25.2 مليار دولار، فيما شهد العام 2020م، أدنى قيمة لها كنتيجة للتداعيات السلبية التي خلفتها جائحة وباء كورونا على الاقتصاد العالمي واستمر الحال كذلك خلال العام 2021 أيضاً ولكنها شهدت تحسناً واضحاً مقداره 55% مقارنة بالعام 2020م.

وتوقعت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان) استمرار النمو في الاستثمار العربي البيني خلال العام 2022م، ولاسيما بعد زيادة عدد مشاريع الاستثمار العربي البيني بمعدل 20% إلى 134 مشروعاً، والتكلفة بمعدل 55% إلى 6.6 مليارات دولار خلال العام 2021، وقد مثلت السعودية الوجهة الأولى بعدد 38 مشروعاً وبتكلفة 1.3 مليار دولار، فيما حل قطاع خدمات الأعمال في المقدمة بعدد 47 مشروعاً وقطاع العقارات في المقدمة من حيث التكلفة بنحو 1.7 مليارات دولار.

وفي سياق الحديث عن الاستثمار العربي البيني یمكن استنباط مجموع العناصر التالية وفق المعطيات السابق الإشارة إليها وهي على النحو التالي:

  • تشترك الدول العربية في مجموعها سواء منها الدول العربية المصدرة للنفط أو تلك المستوردة له في استقطاب الاستثمارات الخارجية الواردة لها وهو ما يعني عدم احتكار الاستثمارات لدول بعينها دون أخرى.
  • أهمية استمرار الدول العربية في مساعيها نحو تحقيق عناصر الأمن والاستقرار السياسي كي تستطيع جذب الاستثمار الأجنبي إليها ، فإن أي مستثمر يسعى للشعور بأن لديه استثمار آمن ولديه القدرة الكاملة في الحصول على حقوقه جنباً إلى جنب مع مراعاة واجباته والتزاماته تجاه الدولة المستضيفة للاستثمار.
  • إن التداعيات السلبية التي خلفتها الهزات الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد العالمي أجمع دونما تميز عانت منها كذلك الدول العربية ولكن بدرجات متفاوتة ما نجم عن ذلك خروج المستثمر المحلي من دولته التي بدأ اقتصادها يعاني جراء تلك الأزمات تجاه دول عربية أخرى ؛ خوفاً من تأثر استثماراته في الوطن الأم، وهو ما يفرض على تلك الدول السعي وراء اتباع سياسات استثمارية جاذبة لهم لبقائهم في وطنهم الأم بإتاحة العديد من الضمانات والمزايا النسبية لهم بالشكل الذي يشكل عنصر تحفيز لهم للاستمرار.

بقيت الإشارة ونحن بصدد الحديث عن الاستثمارات العربية البينة المشتركة إلى الجهود الدؤوبة التي تقوم بها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في سبيل النهوض بحجم تلك الاستثمارات والتي كان آخرها الانتهاء من إعداد المسودة الثانية من اتفاقية الاستثمار العربية الجديدة التي ستشكل فور الانتهاء منها وإقرارها من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة حجر الأساس في قاطرة الاستثمار العربي البيني حيث أن العمل يجري الآن على قدم وساق داخل أروقة الأمانة العامة في سبيل إعداد تلك الاتفاقية بالشكل الذي يتماشى والاتجاه الحديث في مجال اتفاقات الاستثمار الدولية.

ثانياً: الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد للدول العربية

تشير تقديرات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان) عن تحسن وضع الدول العربية في غالبية المؤشرات الدولية ذات الصلة بمناخ الاستثمار خلال العام 2021م، وهو ما انعكس بالإيجاب على مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى المنطقة خلال العام 2021م، والتي ارتفع عددها بمعدل 37% وتكلفتها الاستثمارية بمعدل 1% لتصل إلى 32.8 مليار دولار عام 2021، وقيمتها التراكمية الإجمالية خلال الفترة ما بين عامي 2003 و2021 إلى 14443 مشروعًا بتكلفة استثمارية تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار وفرت ما يقرب من مليوني فرصة عمل تركزت في الإمارات بحصة 41% من عدد المشاريع وفي مصر بحصة 19% من التكلفة الاستثمارية.

وتوقعت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان) استمرار النمو في عام 2022م، لاسيما بعد ارتفاع عدد المشاريع الأجنبية الواردة للمنطقة بمعدل 15% والتكلفة بمعدل 86% لتبلغ 21 مليار دولار خلال الثلث الأول من العام 2022م، مقارنة بنفس الفترة من العام 2021م، وخصوصًا إذا ما انحسرت التداعيات السلبية للحرب الروسية – الأوكرانية والمستجدات المصاحبة لها على دول المنطقة.

ووفق قاعدة بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم التابعة لمؤسسة "فايننشال تايمز"، حلت أوروبا الغربية في مقدمة أهم المستثمرين في المنطقة لعام 2021م، من حيث التكلفة الاستثمارية للمشاريع، بقيادة المملكة المتحدة التي ساهمت بـ 7.5% من التكلفة، و 12.6% من عدد المشاريع، في المقابل كانت السعودية أهم وجهة للمشاريع الأجنبية في المنطقة من حيث التكلفة الاستثمارية بقيمة 9.3 مليارات دولار، كما حلت الإمارات في مقدمة الدول المستقبلة من حيث عدد المشاريع بنحو 455 مشروعًا، أما قطاعيًا فقد حلت قطاعات خدمات الأعمال والبرمجيات والخدمات المالية في المراكز الثلاثة الأولى على التوالي بحصة مجموعها 51.6% من حيث عدد المشاريع، فيما حلت قطاعات الصناعات الكيميائية وخدمات الأعمال والعقارات في المراكز الثلاثة الأولى على التوالي بحصة مجموعها 44% من حيث التكلفة الاستثمارية.

ويأتي في المركز الثاني بعد أوروبا الغربية كأهم مستثمر في المنطقة العربية منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 20.9%، وبإجمالي تكاليف قدرها 7.5 مليارات دولار، ثم تأتي منطقة أمريكا الشمالية في المركز الثالث بنسبة عدد مشروعات تقدر بنحو 18.8%، وتكلفة استثمارية تتجاوز 5 مليارات دولار، وفي المركز الرابع تصدر المشهد منطقة الشرق الأوسط بنسبة 15.4%، وتكلفة استثمارية تقدر بنحو 6.3 مليارات دولار، وهو ما جعل منطقة الشرق الأوسط في صدارة المناطق الجغرافية في متوسط التكلفة الاستثمارية للمشروع الواحد في المنطقة العربية، والذي بلغ نحو 47.1 مليون دولار.

المجالات القابلة لاستيعاب الاستثمارات العربية

إجمالاً يمكن القول إن العام الماضي 2022م، شهد العديد من الأحداث الاقتصادية التي كان لها تأثيرات كبيرة على أداء اقتصادات الدول وترتب عليها اتخاذ العديد من الخطوات الاقتصادية للحد من تلك التداعيات، ولاشك أيضاً أنه مع بداية العام 2023م، فإن أي مستثمر يترقب بشدة ماهية أفضل القطاعات الواعدة التي يمكن أن تحويها محفظته الاستثمارية للعام الجديد، وفي هذا الإطار يمكننا التنبؤ من حيث المبدأ بأن المجالات الجاذبة للاستثمار مع مطلع العام الجديد ينبغي أن تكون مرتكزة بالأساس على الاستثمارات المقاومة للتضخم والركود الاقتصادي.

ولا شك أن الأرقام السابقة تؤكد على أن الدول العربية في معظمها أضحت واحدة من أهم الوجهات الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر لا سيما بعد أن ضرب الركود الاقتصادي دول أمريكا وأوروبا وبقاعًا شتى من العالم، أضف إلى ذلك كله قيام الفيدرالي الأمريكي أكثر من مرة خلال العام 2022م، برفع أسعار الفائدة مرارًا وتكرارًا في محاولة منه لكبح جماح التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته وما نجم عن ذلك من رفع أسعار الفائدة في الكثير من الدول العربية ناهيك عن دول مجلس التعاون الخليجي التي تقوم بربط عملتها بالدولار الأمريكي باستثناء دولة الكويت التي تربط الدينار الكويتي بسلة عملات.

وبالتالي فإنه أضحى من الأهمية بمكان تحديد القطاعات الاستثمارية التي يمكن أن تشهدها الدول العربية لا سيما بعد الأزمة الروسية الأوكرانية وما خلفته من تداعيات سلبية على الاقتصادات الكبرى إذ قد يدفع ذلك المستثمرين للتوجه نحو قطاعات استثمارية أقل خطورة من ذي قبل لتفادي أي هزة اقتصادية قد تعصف باستثماراتهم، وهنا ينبغي تحديد الأولوية من قبل المستثمرين بالنسبة للقطاعات التي توفر لهم الضمان اللازم لاستثماراتهم من عقارات وأسواق المال والأسهم والصحة والصناعة والزراعة والطاقة والسياحة.

ويمكننا في هذه المقالة التنبؤ بأن قطاع الصناعة يعد من القطاعات الأبرز والتي يمكن أن تحظى بنصيب الأسد فيما يخص الاستثمارات الموجهة للدول العربية وخاصة فيما يتعلق بصناعات الطاقة في ظل ما بات يشهده ملف الطاقة من أزمة كبيرة على خلفية التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم والتي لا يتوقع أن تنتهي في الأمد القريب لا سيما وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن العديد من شركات الطاقة في دول أوروبية عدة قد بدأت بالفعل في التخطيط لنقل أعمالها للدول العربية التي تحظى بمزايا نسبية متعددة في صناعات الطاقة من أبرزها انخفاض تكلفة الإنتاج بها عن الدول الأوروبية وتوافر عناصر الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي، وبالتالي يمكن القول إن الجزء الأكبر من الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى الدول العربية والمتوقعة للعام 2023م، ستكون لقطاع الصناعة بسبب الارتفاعات الكبيرة التي ضربت أسواق النفط العالمية.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أضحوا اليوم من أهم الوجهات الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر فيما يتعلق بالطاقة، فمن ناحية نجد أن السعودية أطلقت مبادرات كثيرة مثل "الإقامة الذهبية" لتسهيل جذب المستثمرين في المجالات التي تحتاجها المملكة كالعلوم والابتكار والفضاء وغيرها ناهيك عن ما تقدمه الهيئة العامة للاستثمار السعودية من تسهيلات وفرص استثمارية جاذبة للمستثمرين الأجانب، ومن ناحية أخرى فإن دولة الإمارات قامت بتدشين العديد من المشروعات الكبرى في العديد من المجالات الجاذبة للاستثمار الأجنبي.

ويمكن القول أن الأزمة الروسية الأوكرانية عكست أهمية تحقيق الأمن الغذائي بوصفه واحداً من الخطوات الضرورية التي يتعين على الدول العربية على وجه العموم ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص البدء في إنشاء إدارات للأزمات والإنذار المبكر والرصد تكون مهمتها الأساسية العمل على تأسيس شبكة أزمات عربية تهتم بموضوعات تحقيق الأمن الغذائي العربي بوصفه خطوة هامة في مسار عملية التكامل الاقتصادي العربي على اعتبار أن من يملك قوته يملك قراره، وبالتالي فإن تحقيق الأمن الغذائي العربي أضحى الآن وأكثر من أي وقت مضى مسألة أمن قومي عربي في المقام الأول، ويقودنا هذا الحديث إلى القول بأن قطاع الاستثمار الزراعي بات يشكل واحداً من المجالات الاستثمارية التي يتعين على المستثمرين إعطائه الأولوية في العام الحالي على أن يتم الاستثمار في هذا المجال باستخدام الطرق الحديثة والمبتكرة وهو الأمر الذي يفرض على الدول العربية الاهتمام الكبير بالتقنيات الزراعية الحديثة المتطورة وإعطاء الموضوع أهمية قصوى، وبالتالي فإن الاستثمار في هذا القطاع الحيوي سيمثل ميزة نسبية كبيرة للمستثمرين.

وبما أن الأسواق الناشئة مضطرة لرفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم وأيضًا كإجراء مباشر ناجم عن رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة فمما لا شك فيه أن الاستثمار في الودائع الثابتة وأسواق السندات وأذون الخزانة سيمثل واحداً من أكثر القطاعات جذباً للاستثمارات الأجنبية في الدول العربية مع الأخذ في الاعتبار الطبيعة المؤقتة لهذا القطاع الاستثماري التي فرضتها الظروف الاقتصادية الراهنة، ويتعين الإشارة إلى أنه يوجد ارتباط وثيق بين الاستثمار في هذا القطاع وأسعار الفائدة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وما قد ينحم عن ذلك من مخاطر استثمارية كبيرة تتعلق بهروب الأموال الساخنة من هذا القطاع، وما قد تتكبده اقتصادات الدول جراء الخروج المفاجئ للمستثمرين من هذا القطاع، وبالتالي يمكن التنبؤ بأن سوق الودائع الثابتة والسندات سيمثل أفضل سيناريو بالنسبة للمستثمرين في عام 2023م،  بسبب التخوفات التي لديهم والمتعلقة بمصير الاقتصاد العالمي واحتمالية دخوله في ركود أو أن تعصف به أي أزمة جديدة خاصة وأن العديد من المؤشرات تبرهن على دخول العالم في ركود اقتصادي.      

أيضاً قطاع التكنولوجيا قد يكون من أبرز القطاعات الواعدة في مطلع العام 2023م، من ناحية جذب الاستثمارات الأجنبية بالنسبة للدول العربية الساعية نحو جذب الشركات الرائدة في هذا القطاع المهم، وتجدر الإشارة إلى أن شركات صينية كبيرة في مجال الاتصالات أعلنت عن تأسيس مصانع لها في مصر، وبوصف الصين واحدة من الدول الرائدة التي تملك تكنولوجيا متطورة في قطاع الاتصالات فإن لديها الكثير الذي يمكن أن تقدمه للدول العربية في الاستثمار في تطوير التكنولوجيا للدول العربية.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن دبي استطاعت أن تحقق نجاحات رائدة في المجال التكنولوجي وانتقلت العديد من الشركات للعمل من هناك مستغلة في ذلك العديد من العناصر الجاذبة للاستثمار التي عملت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على إتاحتها لضمان جذب الاستثمارات الأجنبية إليها كالتأشيرات الذهبية وغيرها من المبادرات الجاذبة للموهوبين من شتى بقاع العالم في مختلف القطاعات الواعدة وهو ما أتاح لها استضافة مؤتمر الأطراف الخاص بالمناخ في دورته القادمة رقم (28).

أيضاً يمكننا التنبؤ بأن العام الحالي سيمثل فرصة كبيرة للاستثمار في مجالات البنية التحية في الدول العربية التي تشهد في معظمها طفرات هائلة في هذا المجال كما هو الحال في العديد من الدول العربية هذه الأيام خاصة في مشروعات السكك الحديدية والطرق السريعة والجسور وغيرها من مشروعات البنية التحتية الجاذبة للمستثمرين.

ومما لا شك فيه أن توفر الثقة الكبيرة لدى المستثمرين فيما يتعلق بالمشروعات التنموية التي أضحت تشهدها اليوم دولاً عربية عدة قد تساهم في تحول انتباه المستثمرين لهذه الدول خاصة بعد حالة الكساد التي باتت تعاني منها دول أوروبية ما قد يسهم في جعل المنطقة العربية أكثر جذباً للاستثمارات بالرغم من حالة الكساد في مناطق عدة بالعالم كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار النفط وحالة التباطؤ الاقتصادي التي خلفتها الأزمات الاقتصادية الأخيرة والتي عصفت باقتصادات دول العالم.

بقيت الإشارة إلى أن الاستثمار في العملات المشفرة ومنصات التواصل الاجتماعي يظلان الأكثر خطورة بالنسبة للمستثمرين خلال العام الجاري خاصة بعد الانهيارات الكبيرة التي ضربت هذين القطاعين خلال العام المنصرم 2022م، وهو ما يدلل على أنهما الآن من المجالات الغير آمنة للاستثمار لا سيما مع ارتفاع أسعار الفائدة على الأموال المودعة التي قد تشكل عنصر جذب للمستثمرين من ناحية استثمار أموالهم في أصول حقيقة ملموسة عوضاً عن أصول متغيرة قد تكون عرضة للانهيار في أي وقت وقد تكون الفائدة المرجوة منها لا تحقق النتائج المرجوة منها على المدى الطويل.

وفي إطار ما سبق فإنه يمكن القول إنه من غير المستحب بالنسبة للدول العربية أن تقوم بفرض أي ضرائب كبيرة على الشركات أو أن يتم تأجيل هذه الخطوة على أقصى تقدير حتى تتحسن الأوضاع الاقتصادية ويخرج العالم من حالة الركود الاقتصادي المتوقعة التي بدأت ملامحها تلوح في الأفق مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية وذلك باعتبار أن الشركات صغيرة كانت أو كبيرة تساهم بشكل إيجابي في اقتصادات الدول ومن المهم جداً ضمان استمراريتها ونجاحها.

وخلاصة القول إنه من الأهمية بمكان قيام الدول العربية بالإسراع في تنفيذ خطط متكاملة لتحسين مناخ الاستثمار بمختلف مكوناته السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والمؤسسية، لاسيما مع تزايد حدة المنافسة بين دول العالم على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاعاتها المختلفة خصوصًا بعد تفاقم المخاوف من حدوث ركود تضخمي إثر التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية والزيادات الحالية والمتوقعة لأسعار الفائدة العالمية.

مقالات لنفس الكاتب