array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

وثيقة الشراكة: 5 مجالات للتعاون و4 محفزات و4 تحديات وأوروبا تقدم نفسها كحليف للخليج

الأحد، 29 كانون2/يناير 2023

تحاول هذه الورقة استكشاف مساحات التعاون الأوروبي ـ الخليجي المشترك بالتركيز على الجانب السياسي والأمني، ومحاولة توضيح كيف يمكن أن تُسهم الاستراتيجية الجديدة في تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون في إطار العلاقات الأوروبية / الخليجية الأوسع، والتعرف على أبرز الفرص والتحديات التي تواجه تطبيقها.

تطورات إيجابية

كلَّل إصدار وثيقة "الشراكة الاستراتيجية" التطورات الإيجابية التي حدثت في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي منذ بداية عام 2022م، ففي 17 يناير من العام الماضي، قام الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور نايف الحجرف بزيارة رسمية إلى بروكسل، التقى خلالها الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، وعددًا من كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي لبحث أوجه التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

وأعقب هذه الزيارة، انعقاد الاجتماع الوزاري السادس والعشرين بين دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في 21 فبراير الماضي ببروكسل، بعد انقطاع دام ست سنوات، بما عكس الرغبة الأوروبية والخليجية المشتركة في تعزيز التعاون، في ضوء التطورات الدولية المصاحبة. لذلك شدد البيان الصادر عن الاجتماع على "أهمية مواصلة تعزيز العلاقات بين الجانبين في ظل التحديات الإقليمية، لتكون قاعدة قوية وفعالة للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي". ولهذا الغرض، أقرَّ الوزراء المشاركون برنامج التعاون المشترك للفترة 2022-2027م، لوضع خطوات تنفيذية محددة وواضحة لتعزيز هذا التعاون. كما تم الاتفاق أيضاً على عقد الاجتماع الوزاري القادم خلال عام 2023م، في منطقة الخليج.

في أعقاب هذه التطورات، صدرت وثيقة "الشراكة الاستراتيجية مع الخليج" في 18 مايو الماضي، لتُعيد ترتيب أولويات أوروبا تجاه منطقة الخليج، وتضع الأخيرة في مكانة استراتيجية هامة وضرورية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وذلك لأن الوثائق الاستراتيجية تعد إحدى الأولويات العليا بالنسبة للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كما إنها تمثل التعريف الأكثر شمولاً للمجالات التي يحرص الاتحاد الأوروبي خلالها على توسيع نطاق التعاون مع دول الخليج، فضلاً عن كونها تعكس المصالح الرئيسية للاتحاد الأوروبي، وتُقدِّم – على غير عادة الوثائق الاستراتيجية للاتحاد- بعض المقترحات والخطوات القابلة للتنفيذ إلى حد ما بشأن سبل تطوير التعاون في مختلف المجالات بين الطرفين.

ومن اللافت في ضوء هذه التطورات، أن إصدار هذه الوثيقة جاء في أعقاب اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، وما صاحبه من تصاعد للمخاوف الأوروبية بشأن إمدادات الطاقة، ما يعطي انطباعاً للوهلة الأولى بأنها أي الاستراتيجية بمثابة محاولة أوروبية لتأمين واردات الطاقة من دول الخليج كبديل لروسيا. لكن واقع الأمر أن الحرب الروسية في أوكرانيا لم تكن إلا أداة لتسريع إصدار وثيقة الشراكة وليست سبباً فيها، خاصةً أن المقترحات الواردة بها تمت صياغتها أثناء جلسات من المناقشات والمداولات التي دامت على مدار العامين الماضيين، أي قبل اندلاع الحرب الروسية أساساً، وهو ما يجعل الاستراتيجية نتاجاً للإدراك الأوروبي المتزايد بأهمية دول الخليج ودورها الإقليمي والعالمي المتصاعد، والحاجة إلى بناء نهج شامل وموَّحد لتعزيز العلاقات معها على مختلف المستويات.

من ناحية أخرى، تعد وثيقة الشراكة بمثابة أول تحرك جماعي، مدعوم بإجماع دول الاتحاد الأوروبي الـ27، تجاه منطقة الخليج، بعد توقيع اتفاقية التعاون التأسيسية بين الجانبين عام 1988م، في إطار "المجموعة الأوروبية" (حيث لم يكن الاتحاد الأوروبي قد شُكِّل بعد). إذ أن السنوات الماضية شهدت تركيزاً على تعزيز التعاون الثنائي مع دول مجلس التعاون الخليجي على حدة، وهو ما تزايد عقب اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017م، مما صعَّب إمكانية إطلاق استراتيجية مشتركة للمنطقة ككل.

المنظور الأوروبي للتعاون المشترك

تعكس الوثيقة رؤية الاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج، ولطبيعة ومساحات التعاون المشترك التي يمكن أن يساهم فيها الاتحاد مع دول مجلس التعاون، لمواجهة التهديدات المختلفة، ودعم استقرار ورفاهية المنطقة. من هذا المنطلق، اعتبر الاتحاد الأوروبي – من خلال وثيقته الاستراتيجية – أن "الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في منطقة الخليج يُعدُّ أولوية رئيسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وأن عدم الاستقرار فيه يؤثر بشكل مباشر على المصالح الأمنية والاقتصادية للاتحاد". وتعكس هذه الرؤية إقراراً أوروبياً مباشراً بأهمية منطقة الخليج بالنسبة للمصالح الأوروبية ليس فقط من حيث ما تُقدِّمه من مزايا بل بما يطرحه عدم الاستقرار بها من تهديدات على أوروبا بشكل عام، وهو ما يتطلب "تعاوناً وثيقاً مع دول الخليج"، وفقاً للوثيقة.

وقد وضعت الوثيقة الاستراتيجية رؤية طموحة للتعاون السياسي والأمني بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، تهدف بالأساس إلى زيادة حضوره وانخراطه في دول الخليج، من خلال تقديم نفسه بصفته "شريك سلام" يدعم الأهداف الخليجية في ضمان أمن واستقرار وتطور المنطقة. ويمكن إبراز ملامح الرؤية الأوروبية للتعاون السياسي والأمني من خلال النقاط التالية:

أولاً- تكثيف الانخراط السياسي للاتحاد الأوروبي في منطقة الخليج: وذلك من خلال عدة مسارات هامة؛ كالتالي:

  • زيادة البعثات الدبلوماسية الخاصة بالاتحاد لدى دول الخليج، بما يزيد من كفاءة عمل الاتحاد. وبالفعل تم افتتاح بعثة دبلوماسية في الدوحة بقطر في 7 سبتمبر 2022م، ويبحث الاتحاد إمكانية فتح بعثة أخرى في سلطنة عُمان. وهذا بالإضافة إلى البعثات الموجودة أساساً في السعودية والكويت والإمارات.
  • اقتراح تعيين ممثل خاص / سفير للاتحاد الأوروبي لدى دول مجلس التعاون الخليجي بما يعكس تمثيلاً دائماً لدول الخليج في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعكس أهميتها الاستراتيجية، وفي الوقت ذاته، يكون هذا الممثل مسؤولاً عن تنسيق السياسات الأوروبية بشأن منطقة الخليج.
  • بدء وتعزيز الحوارات السياسية والمخصصة والتنسيق بشأن القضايا المتعلقة بالاستقرار والأمن الإقليميين والعالميين، بما في ذلك زيادة المرونة والاستجابة للتهديدات المختلطة.
  • تعزيز المشاركة المؤسسية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي من خلال عقد حوار سياسي سنوي بين الطرفين، ومشاورات سنوية حول القضايا متعددة الأطراف واجتماعات وزارية قطاعية مختلفة.

ثانياً- تعزيز التعاون المشترك في مكافحة الإرهاب والتطرف: يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعميق المشاركة مع دول الخليج في مكافحة الإرهاب والتطرف عبر تكثيف دعمه لتبادل أفضل الممارسات لمكافحة الخطاب المتطرف، وتعزيز الاستخدام المُنتِج لوسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية. بالإضافة إلى زيادة الأنشطة المشتركة لزيادة الوعي بالأطر القانونية والمؤسسية لمكافحة تمويل الإرهاب ومكافحة غسل الأموال، مع إعطاء تركيز خاص على تعزيز الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية من الهجمات الإلكترونية الإرهابية.

ثالثاً- دعم التعاون في مجال الأمن البحري؛ وذلك على أساس القانون الدولي، بما يمكن أن يساعد في تعزيز النظام القائم على القواعد في البحر، وما يشمله ذلك من حرية الملاحة والتحليق، ودعم قنوات حل النزاعات، وتبادل المعلومات البحرية وغيره. في هذا الصدد، يدعو الاتحاد الأوروبي إلى الاستفادة من ثلاثة أمور لتطوير التعاون البحري؛ أولاً-الوجود الإقليمي للعملية البحرية "أتلانتا" التابعة للاتحاد الأوروبي، وثانياً-الحضور البحري المنسَّق "Coordinated Maritime Presences (CMP)" في شمال غرب المحيط الهندي، وإنشاء المنطقة البحرية ذات الأهمية للاتحاد الأوروبي، بما يتماشى مع استراتيجية الاتحاد الأوروبي للمحيطين الهندي والهادئ. وثالثاً- مهمة الأمن البحري التي تقودها أوروبا في مضيق هرمز، بهدف دعم بيئة ملاحية أكثر أمانًا.

رابعاً- تعزيز أمن واستقرار المنطقة: ينسِّق الاتحاد الأوروبي الجهود لضمان التنفيذ الكامل والفعَّال لخطة العمل المشتركة الشاملة بما يسهم في ضمان بقاء منطقة الخليج خالية من الأسلحة النووية، عبر إعادة الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي، والعمل مع دول الخليج وكذلك إيران والدول الرئيسية في المنطقة، على تطوير الترتيبات اللازمة لضمان أمن المنطقة. ويطرح الاتحاد تأسيس حوار سياسي عسكري مخصص مع دول مجلس التعاون الخليجي، لتسهيل تبادل المعلومات حول التدريبات العسكرية والسياسات والميزانيات، وغيرها بما يعبر عن مستوى أعلى من التعاون والتنسيق الأمني بين الطرفين.

خامساً- تطوير الدعم الفني الأوروبي في مجال الأمان النووي والتأهب للكوارث: بما يشمل العواقب الصحية العامة للتهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية المتعمدة أو غير المقصودة. وعلى وجه الخصوص، يمكن تعزيز السلامة النووية بدول الخليج عبر الاستفادة من الدعم الفني الأوروبي المخصص في المجالات الرئيسية مثل ثقافة السلامة النووية أو إدارة الحوادث، في حين يمكن معالجة الاستعداد للطوارئ النووية والاستجابة لها من خلال تعزيز تبادل المعلومات في حالات الطوارئ بين مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي ومركز إدارة الطوارئ في دول مجلس التعاون الخليجي. كما يمكن أيضاً أن يقترح الاتحاد الأوروبي تبادلاً فنياً، عند الضرورة، مع دول الخليج الأخرى وجامعة الدول العربية وآلية التنسيق العربية للحد من مخاطر الكوارث بما يساهم في بناء القدرات الإقليمية عبر الحدود.

محفِّزات التوجه الأوروبي

لا شك أن إطلاق استراتيجية الشراكة الأوروبية يُعدُّ تحولاً نوعياً هاماً في تطوير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون، ما يدفع للتساؤل حول دوافع أوروبا لتبني هذه الشراكة، ودلالات توقيتها. وهو ما يمكن تسليط الضوء عليه من خلال النقاط التالية:

أولاً- تصاعد أهمية دول الخليج كفاعلين استراتيجيين في النظام الدولي: منذ عام 2011، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي فاعلين حازمين بشكل متزايد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالتزامن مع تراجع الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وإعادة تشكيل النظام الإقليمي. فقد وسَّعت دول الخليج دورها في المنطقة؛ سياسياً عبر تعزيز المنافسة وتطوير تحالفات جديدة عبر شمال إفريقيا والشام، وعسكرياً عبر استخدام القوة العسكرية لمحاولة تحديد نتيجة الصراعات المستعصية في دول مثل ليبيا واليمن. وفي هذا الوقت، كافحت الدول الأوروبية، التي اعتادت العمل تحت مظلة الولايات المتحدة في المنطقة، للتكيف مع النظام الإقليمي الناشئ متعدد الأقطاب، وكانت بطيئة في الاعتراف بتأثير النفوذ المتنامي لدول الخليج على المستوى الإقليمي، وحصرت نظرتها لهذه الدول في الجانب الاقتصادي القوي بلا شك، دون فهم أبعاد هذه القوة التي عملت دول الخليج على توسيعها خلال السنوات الماضية. لذلك يعبِّر إطلاق استراتيجية الشراكة الشاملة مع الخليج عن تغير في النظرة الأوروبية لدول مجلس التعاون؛ من دول ذات اقتصاد قوي ومتماسك، إلى فاعلين استراتيجيين ذات ثقل ونفوذ إقليمي متزايد.

ثانياً- تعويض الخسائر الأوروبية من الحرب الروسية في أوكرانيا: إن تكلفة الصراع في أوكرانيا على أوروبا اقتصادياً أكبر بكثير من أي طرف آخر في النزاع. فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في معظم الدول الأوروبية إلى ما يصل إلى 10 أضعاف المستويات الأمريكية، مما وضع الصناعة الأوروبية في وضع تنافسي غير مواتٍ، خاصةً مع العلم بأن روسيا تزوِّد أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز. وبينما ساعدت الولايات المتحدة أوروبا على تعويض خسارة الغاز الروسي بصادرات الغاز الطبيعي المسال (LNG)، إلا إنه يتم بيعه بأسعار السوق المتضخمة حالياً، وهو ما أدى لزيادة الانتقادات الأوروبية للولايات المتحدة، فيما تسعى أوروبا للبحث عن بدائل مناسبة للغاز الروسي، وتجد مبتغاها في دول الخليج؛ إذ أعلنت قطر بالفعل زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا خلال العام الماضي.

رابعاً- استعادة النفوذ الأوروبي في منطقة الخليج: إذ يُقدم الاتحاد الأوروبي نفسه لدول الخليج من خلال هذه الشراكة بصفته حليف دولي يمكن الوثوق به، في ظل التراجع الأمريكي عن المنطقة، ومُزوِّد للأمن قادر على دعم استقرار دول الخليج وضامن لحرية الملاحة، استناداً إلى مهامه الأمنية الناجحة في البحر، فضلاً عن تقديمه للخبرة الفنية في مجالات سياسية وأمنية معينة مثل مكافحة الإرهاب والأمان النووي والاستجابة للكوارث وغيرها، وهو ما قد يساهم في تغيير النظرة الخليجية للاتحاد الأوروبي، ويساعد الأخير في استعادة بعضًا من نفوذه في المنطقة في ظل المنافسة العالمية على اكتساب النفوذ بها.

الفرص والتحديات

تطرح الشراكة الاستراتيجية الأوروبية مجموعة من الفرص لدول الخليج، وكذلك تواجه بعض التحديات في تطبيقها. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

أولاً- الفرص المتاحة:

1- توظيف الحاجة الأوروبية للتعاون مع الخليج لتعظيم استفادة دول مجلس التعاون في المجالات المختلفة؛ والتي يتميز فيها الاتحاد الأوروبي بخبرته الواسعة وقدرته على نقل المعرفة، خاصةً في المجالات المتعلقة بالسلامة النووية والحد من الكوارث، وغيرها. ناهيك عن تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي في مجالات مثل مكافحة الإرهاب والتطرف ومواجهة خطابات الكراهية.

2- تنويع الشراكات السياسية والأمنية؛ فعلى الرغم من أنه لا يمكن لدول الخليج استبدال المظلة الأمنية الأمريكية (خاصةً أن الولايات المتحدة مازال لديها أكثر من 13 ألف جندي وقواعد عسكرية كبيرة في الخليج) إلا أن التوجه الأمريكي نحو منطقة الإندوباسيفيك، وانسحاب واشنطن من أفغانستان أثار تساؤلات حول التزامات واشنطن الأمنية تجاه شركائها، وهو ما يعطي مساحة أكبر لدول الخليج لتنويع شراكاتها السياسية والأمنية، ويدفع نحو تطوير قدراتها العسكرية الداخلية لتولي مهامها الأمنية الخاصة، وهو ما يمكن أن يقدِّمه الاتحاد الأوروبي من خلال استراتيجية الشراكة.

3-ضمان شريك دولي داعم للخليج في القضايا الدولية والإقليمية؛ وإن كان هذا الأمر غير ثابت دائما، إلا أن إدراك الاتحاد الأوروبي بأهمية ونفوذ دول مجلس التعاون الخليجي دفعه لتطوير علاقات أعمق مع الخليج، ومن ثم سيحاول الحفاظ على نمو هذه العلاقات عبر تنسيق المواقف السياسية في القضايا الدولية والإقليمية مع دول مجلس التعاون، ومن غير المرجح أن يجعل التباين في بعض المواقف السياسية سبباً في تحجيم العلاقات خاصةً في ظل الاحتياج الأوروبي للخليج في المرحلة الحالية.

4-تثبيت النفوذ الخليجي إقليمياً ودولياً؛ إذ يطرح التقارب الأوروبي ـ الخليجي فرصة لدول مجلس التعاون لتثبيت نفوذها المتصاعد على المستوى الإقليمي والدولي، عبر تطويع هذه الشراكات لخدمة أهدافها السياسية والأمنية، وتعزيز صورتها الإقليمية والدولية بصفتها فاعل استراتيجي ذا ثقل ونفوذ كبيرين، بما يدفع جميع القوى الكبرى إلى وضع مصالح دول الخليج في الاعتبار دوماً عند تبني استراتيجيات سياسية وأمنية في المنطقة.

ثانياً- التحديات المحتملة:

1-التقدم البطيء في تنفيذ نقاط العمل المقترحة في الاستراتيجية؛ وذلك لكونه قد يؤدي إلى إحباط أو تعليق مساعي التطور في المشروعات المختلفة، ناهيك عن كون الوثيقة في حد ذاتها إطار عام غير ملزم بالضرورة للدول الأعضاء بالاتحاد. بالإضافة إلى أن تصورات عدم اليقين بشأن سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب عقبات الوصول لاتفاقية نووية أمريكية مع إيران، والافتقار إلى نفوذ القوة الصارمة للاتحاد الأوروبي، قد يؤدي إلى إحراز تقدم بطيء في القضايا الأمنية الحساسة في المنطقة.

2-محدودية الثقة في قدرات الاتحاد الأوروبي كشريك أمني فاعل؛ وهو ما يرتبط بعجز دول الاتحاد نفسها عن تشكيل قوة أمنية وعسكرية مشتركة يمكن توظيفها خارجياً بمعزل عن الولايات المتحدة، وذلك في ظل تباين السياسات والمصالح الأوروبية وحدود الدعم الأمريكي للفكرة. وعلى الرغم من أنه يمكن للخليج الاستفادة من دور أمني أكبر للاتحاد الأوروبي في المنطقة، إلا أن ذلك أيضاً سيتعارض مع صورة "الفاعل السلمي" التي يُقدِّمها الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط عبر حفظ السلام والوساطة والدبلوماسية، بما قد يؤدي إلى تضارب في السياسات الأوروبية تجاه المنطقة، ومن ثم إعاقة تعزيز الشراكة الاستراتيجية.

3- التباين بين الأنظمة السياسية وآلية صنع القرار بين الكتلتين؛ فلا يزال كلا الجانبان يجدان صعوبة في فهم طبيعة الأنظمة السياسية وعملية صنع القرار لدى كل منهما. إذ يلتقي نهج الاتحاد الأوروبي المؤسسي للغاية والبيروقراطي والتصاعدي مع نظام صنع القرار الأكثر تراتبية القائم على النتائج والذي يقدِّر السرعة والتأثير على الضوابط والتوازنات، في الخليج، وهو ما قد يؤدي إلى سوء الفهم ويُعقِّد إمكانية التوافق، خاصة حينما يرتبط الأمر بملفات مثل حقوق الإنسان والتي ورد ذكرها في نهاية الاستراتيجية والتي قد توظِّفها جماعات الضغط الأوروبية لإعاقة تقدم العلاقات المشتركة.

برغم ذلك، تُظهر المؤشرات من الجانب الأوروبي أن التركيز على هذه القضية سيتم عبر إبراز الجهود ودعم الاستفادة من أوروبا لتطبيق أفضل الممارسات، والتعاون مع الحكومات الخليجية لدعم هذا التطور، وهو ما قد يتطلب من دول الخليج دعمه والترويج للجهود المبذولة، على غرار ما فعلته المملكة السعودية التي عقدت أول حوار يتعلق بحقوق الإنسان مع الاتحاد الأوروبي في بروكسل في سبتمبر 2021م، مما أتاح الفرصة لنقاشات مفصلة حول مختلف المواضيع، وتوضيح الرؤى بين الجانبين، مما يُفوِّت الفرصة على الجماعات الحقوقية في إفساد تقدم العلاقات.

4- مخاوف صعود التيارات الشعبوية في أوروبا؛ وذلك بعد تحقيقها نجاحات ملموسة في العديد من الدول الأوروبية؛ في إيطاليا وفرنسا والنمسا والسويد والمجر وبولندا وحتى ألمانيا. وترتكز المخاوف هنا حول أمرين أساسيين؛ أولهما حالة الانغلاق القومي التي تدعو لها بعض هذه التيارات اليمينية ورفضها لليبرالية والعولمة والكيانات الاتحادية، بما قد يؤدي إلى احتمال تأميم السياسات الاقتصادية، وما لذلك من تداعيات على الاستثمارات الخليجية في أوروبا والمشاريع المشتركة. أما الأمر الثاني فيرتبط بمعاداة هذه التيارات للمسلمين والمهاجرين؛ بما قد يُضعف، بطبيعة الحال، الروابط مع الدول الإسلامية وفي مقدمتها دول الخليج، ويؤثر على طبيعة العلاقات بين الطرفين.

ختاماً يمكن القول إنه من الطبيعي أن تواجه استراتيجية الشراكة الأوروبية مع الخليج تحديات وعقبات أمام تنفيذها، لكن هذا لا ينفي أن الاستراتيجية نفسها تعد خطوة في الاتجاه الصحيح نحو علاقات أوثق مع الخليج. مع ذلك، يظل النجاح في تحقيق هذا الهدف مرهوناً بقدرة الطرفين على تجاوز العقبات المحتملة، وتحقيق إنجازات ملموسة والترويج لها بشكل إيجابي، بما يُظهر مكتسبات الشراكة الجديدة ويشجِّع على تنفيذ جميع محاورها بفعَّالية.

مقالات لنفس الكاتب