array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

الشراكة تنطلق من (5) أهداف وتحقق فرصُا لدول الخليج في (4) مجالات رئيسية

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

بعد زيارة دامت أربعة أيام قام بها، جوزيب بوريل، المنسق الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، قادته إلى منطقة الخليج في نهاية سبتمبر 2021م، بهدف إيجاد أفضل السبل لبناء شراكة أكثر صلابة مع دول مجلس التعاون الخليجي، قدم نظرته لأهمية الزيارة للمنطقة بقوله:" إنها منطقة ديناميكية تعرف حاليًا تحولات عميقة، وهي فرصة تسمح لنا بإدخال أشكال جديدة من التعاون". وتكمن الديناميكية الخليجية حسب، جوزيب بوريل، في الإصلاحات الداخلية المعتبرة التي تقوم بها دول الخليج، حيث لكل دولة رؤيتها القائمة على اقتصاد متنوع وأكثر إيكولوجية بما يقلل من التبعية للمحروقات، كما تستند الحكومات على الرقمنة في التسيير وأضحى المجتمع الخليجي أكثر ارتباطًا بالعالم الرقمي. وعليه، فإن التنافس على صفقات الاستثمار يفرض رهانات على الأوروبيين في ظل التنافس الدولي، من جهة، وفي إطار الاعتماد المتبادل حيث تمتلك الصناديق السيادية الخليجية نصيبًا معتبرًا من الاقتصاد الأوروبي، يمكن أن تخلق فرص متبادلة أوروبية-خليجية.

أولاً: الرؤية الأوروبية لأهمية الشراكة مع دول الخليج: الفرص والمبادرات.

بعد انتهاء جوزيب بوريل، من زيارته لمنطقة الخليج طرح تصوره لطبيعة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي والأهداف الممكنة والمحتملة من أجل إرساء ما سماه بـ "الشراكة الصلبة"، ويقوم هذا التصور على المحفزات الأوروبية لدول الخليج من خلال تسويق مشاريع الشراكة التالية:

أولًا: تعد المنطقة الأوروبية سوقًا ضخمة للطاقات المتجددة الخليجية، بحيث تمتلك دول الخليج القدرة على إنتاج الطاقات المتجددة بما تملكه من الطاقة الشمسية وقوة الرياح وثروة مائية مخزنة معتبرة، يضاف إليها التمويل المناسب لمشاريع الطاقات المتجددة، وعليه، فإن أوروبا ستصبح سوقًا واعدة للمنتجات الخليجية، باستيرادها كمية كبيرة من الكهرباء والهيدروجين الأخضر، خصوصًا إذا نظرنا إلى تصاعد الأسعار المتعلقة بالكهرباء. ونشير هنا أن رؤية جوزيب بوريل قدمت قبل الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية.

ثانيًا: المساعدة الأوروبية في تأمين التموين المائي لدول الخليج، حيث تتأثر منطقة الخليج بالتحولات المناخية، حيث تتجاوز في بعض الأحيان درجة الحرارة 50 درجة، مما تؤثر على الموارد المائية. مما يجعل دول الاتحاد الأوروبي تعمل في شراكة مع دول الخليج في ميدان البحث عن الحلول الممكنة لمشكلة الأمن المائي الخليجي.

ثالثًا: استعداد دول الاتحاد الأوروبي لتزويد دول الخليج بالأمن الناعم، في المجالات المتعلقة بالأمن البحري بدرجة أساسية، من أجل تسهيل عبور الناقلات البحرية التجارية، بحيث يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقدم المزيد من الدعم التقني بهدف تنظيم وتسيير الممرات البحرية الأكثر استخدامًا لاسيما في مضيق هرمز. كما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقترح مساعدته لدول الخليج في ميدان الأمن النووي بالاعتماد على الخبرة الكبيرة للمجموعة الأوروبية للطاقة الذرية "الأوراتوم"، وسبق هذه التجربة، تواجد منصة كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويغطي هذا المركز منطقة الخليج بأكملها.

رابعًا: على مستوى المسؤولية العالمية، فإن الاتحاد الأوروبي يعد المجموعة الرائدة في الدعم الإنساني، ودعم التنمية وترقية حقوق الإنسان، وتدعم المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة في إيجاد الحلول المتعددة الأطراف، وهو ما يجعل دول مجلس التعاون الخليجي أكثر تعاونًا مع أوروبا في ممارسة المسؤولية العالمية في القضايا المشتركة التي تهم الطرفين.

خامسًا: يمكن تسويق صورة الاتحاد الأوروبي كنموذج للسلم والاندماج الإقليمي، لاسيما فيما يتعلق بتجربة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي التي يمكن محاكاتها في دول مجلس التعاون الخليجي. فالتجربة التاريخية للاندماج الأوروبي التي ركزت على المسارات الاقتصادية في بدايتها تعمقت تدريجيًا لتصل للاندماج السياسي والأمني.

تجسدت هذه الرؤية التي تبناها جوزيف بوريل في اتفاقية الشراكة الأوروبية-الخليجية الموقع عليها من قبل مجلس الوزراء الأوروبي في يونيو 2022م، التي تبدو أكثر براغماتية وعملية من حيث الكم الهائل من المشاريع والمبادرات المطروحة في القضايا التنموية والأمنية التي تهم الطرفين، انطلاقًا من الرؤية الواقعية الأوروبية التي حددتها في عنصري المصلحة الوطنية وبناء القوة الجيو-اقتصادية. فمن حيث المصلحة الوطنية، تنظر أوروبا لمنطقة الخليج العربي على أنها منطقة ديناميكية ومجاورة لأوروبا ومفترق طرق بين القارات الثلاث آسيا، أوروبا وإفريقيا. كما أن الشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي توثق المصالح المتبادلة في القضايا التي تهم الطرفين من حيث زيادة الاستثمارات، مكافحة تغير المناخ، الأمن الصحي، الأمن الطاقوي والانتقال الأخضر، فضلاً عن بناء السلم والاستقرار في المحيط الجيوسياسي لمنطقة الخليج.

أما من حيث البعد الجيو-اقتصادي، فإن الحسابات الأوروبية تقوم على المعطيات التالية: "تمثل الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي نسبة 20 بالمائة من الاقتصاد العالمي، و17.5 بالمائة من التجارة العالمية، وتغطي أكثر من نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم". وعليه، فإنه من الضروري أن تتعمق هذه الشراكة من خلال المبادرات العملية التي هندستها المجموعة الأوروبية والتي تهم بدرجة أساسية المشاريع التنموية والأمنية المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك تكيفًا مع التنافس الصيني-الأمريكي وتحضيرًا لما بعد الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية. والملاحظ هنا، أن الاتحاد الأوروبي ضيع فرصة تاريخية للشراكة مع مجلس التعاون الخليجي منذ التوقيع على اتفاقية التعاون بين الطرفين في سنة 1989م، بعد فشل المفاوضات المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة التي توقفت سنة 2008م، بسبب التناقض في الرؤى فيما يخص الإلغاء التدريجي لرسوم التصدير والإجراءات الخاصة بالتجارة والاستثمارات، وإبقاء الصورة النمطية للعلاقات الاقتصادية التقليدية بين الدول الصناعية والدول المنتجة للنفط، حيث تسهر الدول الصناعية على تقسيم العمل وإبقاء الدول النفطية في تبعية للتكنولوجيا للغرب بفرض المزيد من الحمائية على أسواقها بحجة المنافسة غير الشريفة لفرض المزيد من الحقوق الجمركية على الصادرات الخليجية لاسيما في المنتجات البتروكيماوية. وهو ما يجعلنا نتساءل من جديد عن الفرص التي يمكن أن يقدمها الاتحاد الأوروبي في الشراكة الجديدة مع دول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بتجربة التعاون التي تجاوزت الأربعة عقود، لأن اتفاقية التعاون لسنة 1989م، لا تزال تشكل إطارًا للتعاون بين الطرفين في المجالات الاقتصادية، السياسية والأمنية، حيث حددت بنودها تحسين العلاقات التجارية والاستقرار وشكلت آليات للتعاون تمثلت في المجلس المشترك ولجنة التعاون المشتركة، قصد تذليل العقبات فيما يخص القضايا التجارية والاستثمارات المتبادلة فضلاً عن التعاون الإقليمي في القضايا الجيوسياسية المحيطة بمنطقة الخليج. كما حدث في مايو 2017م، حيث فتح الحوار من جديد بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حول قضايا التجارة والاستثمار بمشاركة القطاع الخاص، بغرض إيجاد الحلول المتعلقة للقيود المفروضة على السلع الخليجية للوصول للسوق الأوروبية، وتحسين البيئة التنظيمية المشجعة للتجارة المتبادلة وتدفق الاستثمارات، بحيث لم يستفد الاتحاد الأوروبي من الاقتصاديات الخليجية العالية الدخل واعترفت بأنها لم تسهل لها الوصول التفضيلي للسوق الأوروبية بموجب مخطط التفضيلات المعمم للاتحاد الأوروبي.

ثانيًا: الشراكة الأوروبية-الخليجية الجديدة على إيقاع الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية

إذا كانت العلاقات الأوروبية- الخليجية تضبطها اتفاقية التعاون بين كتلتين حيويتين تعود إلى نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، التي دفعت بديناميكية أوروبية للبحث عن مكانتها في ظل التنافس الدولي في إطار لعبة دولية فرضت قواعدها من خلال المدخل الجيو- اقتصادي، الذي يعني توسيع الاندماج  الأوروبي اقتصاديًا وماليًا مع توسيع مشاريع الشراكات والتعاون مع الفاعلين في أوراسيا، فإن الشراكة الجديدة المصادق عليها في منتصف سنة 2022م، تفرضها البيئة الدولية المضطربة في أوراسيا التي تتميز بعدم اليقينية في اتجاهاتها المستقبلية، في إطار لعبة جيوسياسية تقليدية- جديدة قواعدها التوسع الأطلسي لحصار الدب الروسي في اليابسة وما يقابلها اللجوء لخيار الحرب من قبل روسيا بالشعار التقليدي "عليَ وعلى أعدائي" من أجل المنافذ البحرية في المياه الدافئة. وبما أن أوروبا تقع في قلب اللعبة الجيوسياسية الأوراسية، فإنها اختارت استراتيجية العداء للسياسة التوسعية الروسية في أوكرانيا باستخدام كل الخيارات من ضمنها إضعاف الورقة الاستراتيجية الطاقوية لروسيا، وهو ما تبينه كل القرارات المتخذة منذ بداية الحرب في فبراير 2022م. وضمن هذا الإطار، فإن الاتحاد الأوروبي وضع استراتيجية تهدف إلى إنهاء التبعية الطاقوية لروسيا قبل نهاية 2030م، فمن خلال مخطط  "ريباور أي يو" REPowerEU،الذي صادق عليه المجلس الأوروبي في مارس 2022م، سطرت له أهداف محددة من بينها، إنهاء التبعية للطاقة الروسية التي استخدمتها كورقة اقتصادية وسياسية في الحرب الأوكرانية تكلف دافع الضريبة الأوروبية 100 مليار يورو سنوياً. وفي المقابل، فإن المخطط المذكور يندرج ضمن الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة أزمة المناخ. وقد شجع هذا القرار في البداية رغبة الأوروبيين بنسبة 85 بالمائة بضرورة تقليص التبعية للغاز والنفط الروسيين من أجل دعم أوكرانيا. ولتحقيق هذه الرغبة الأوروبية الرسمية والشعبية، فإن مخطط "ريباور أي يو" اقترح خطة عملية ترتكز على تنويع تموين الطاقة خارج روسيا مع الإسراع في استخدام الطاقات المتجددة لاستبدالها مكان الطاقات الأحفورية في المنازل، المصانع والإنتاج الكهربائي. ومن أجل إنجاز الأهداف المسطرة في مخطط "ريباور أي يو" خصص غلاف مالي قدره 225 مليار يورو، مع تقديرات إضافية بزيادة 210 مليار يورو في آفاق 2027م، بحيث ستسمح سياسة تخفيض استيراد النفط والغاز من روسيا بادخار 100 مليار يورو. ولم يخف القادة الأوروبيون رغبتهم في الاستقلالية التامة تجاه الفحم، النفط والغاز الروسي:" بكل بساطة، لا يمكن أن نبقى في تبعية لممون يهددنا علانية، يجب أن نواجه ارتفاع أسعار الطاقة، وتنويع الممونين من الغاز للشتاء القادم مع الإسراع للانتقال نحو الطاقة النظيفة"، هكذا صرحت رئيسة اللجنة الأوروبية، أورزولا فون دار ليين. وساندها في هذا الاتجاه، زميلها فرانس تيمرمانس، نائب الرئيس التنفيذي المكلف بالميثاق الأخضر لأوروبا بقوله:" الحرب التي يقودها بوتين في أوكرانيا تبين الضرورة الأوروبية للانتقال للطاقة النظيفة وبسرعة قصوى، التي تحتم علينا الاستقلالية في خياراتنا الطاقوية"، وقد عزز هذا القلق من الانكشاف الأوروبي الطاقوي وتبعيتها لروسيا والانعكاسات المباشرة على أمنها الطاقوي بما عبر عنه قادري سيمسون، محافظ الطاقة الأوروبي بقوله:" الغزو الروسي لأوكرانيا ضاعف من حالة الخطر في الأمن التمويني وأدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة". وعليه، فإن الاستراتيجية الأوروبية في ظل الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية بحاجة إلى أمن طاقوي تقوم دعائمه على إيجاد ممونين خارج روسيا ومواجهة ارتفاع الأسعار في أقرب الآجال، مع الانتقال بأسرع وقت إلى الطاقات البديلة والنظيفة خدمة للأجندة البيئية التي تم تسطيرها على المديين المتوسط والبعيد.

 فيما يخص تنويع التموين بالغاز عن طريق واردات الغاز الطبيعي المسال أو عبر أنابيب الغاز فإن دول مجلس التعاون الخليجي تشكل شريكًا موثوقًا به بالنسبة لأوروبا في هذا المجال، كما تمثل مصدرًا أساسيًا للطاقات البديلة والنظيفة مثل البيوميثان والهيدروجين. فطبقًا للتوقعات والأهداف الأوروبية المسطرة سيتم تخفيض الاستهلاك السنوي من الوقود الأحفوري بنسبة 30 بالمائة أي ما يعادل 100 مليار متر مكعب إلى غاية 2030م، ويمكن حسب مخطط "ريباور أي يو" أن يقلص إلى 155 مليار متر مكعب سنوياً، وهي الكمية التي تم استيرادها من روسيا في سنة 2021م، وإجمالا، فإن الشراكة الأوروبية-الخليجية الجديدة في جوهرها لا تخرج عن هاجس الأمن الطاقوي الأوروبي الذي يستورد 90 بالمائة من استهلاكه للغاز، من بينها 45 بالمائة من روسيا بمستويات متفاوتة بين الدول الأوروبية ذاتها. كما تمثل روسيا 25 بالمائة من واردات أوروبا من النفط و45 بالمائة من الفحم. وفي هذا الصدد، نطرح التساؤل التالي: في ظل الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية والخيارات الأوروبية المتخذة، ما هي الفرص والفوائد المتبادلة التي تطرحها الشراكة الأوروبية-الخليجية الجديدة؟     

ثالثًا: الشراكة الأوروبية-الخليجية...الفرص والمنافع المتبادلة

إن تحليل وثيقة الشراكة الاستراتيجية الأوروبية-الخليجية الجديدة تعطينا الانطباع بأن أوروبا متمسكة بالشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي، انطلاقًا من الدوافع الأمنية الشاملة والمتعددة، الأمن الطاقوي، الأمن البيئي، الأمن الصحي والأمن النووي. وهذه الرؤية الأمنية الشاملة تتجسد في حرص صانعي القرار في الاتحاد الأوروبي على إدماج دول الخليج وبسرعة في المشاريع الأوروبية القائمة وعلى وجه الخصوص، الميثاق الأخضر الأوروبي، استراتيجية الالتزام الأوروبي الخارجي للطاقة واستراتيجية مبادرة البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي Global Gateway. يبرز هذا الاهتمام بما ورد في البند الثاني من وثيقة نتائج المجلس الأوروبي حول الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج (20يونيو 2022م):" إن التعاون الواسع والفعال ما بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي يعد أساسيًا لتحقيق الأهداف الأساسية للاتحاد الأوروبي، لاسيما في تحقيق السلم والرفاه في منطقة الخليج والشرق الأوسط، والعودة الاقتصادية القوية، وتموين طاقوي دائم ومعقول ومضمون للمستهلك الأوروبي، مع تعاون أوسع في ميدان الانتقال البيئي للمساهمة في التحييد المناخي في آفاق 2050م". ومن الفرص التي يمكن أن تعود بالمنفعة المتبادلة على الطرفين، نركز على ما يلي:

أولاً: استفادة دول الخليج من السوق الأوروبية لتصدير الغاز الطبيعي المسال والنفط في الآجال القريبة، ويمكن أن تكون الشريك الموثوق به في مجال الطاقات البديلة والتحول الأخضر بما يخدم أهداف التنمية المستدامة الأممية لآفاق 2030م، واتفاقية باريس للمناخ واتفاقية التنوع البيولوجي. أما على المديين المتوسط والبعيد فمن مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من المشاريع الأوروبية المتعلقة بالاستثمارات في الطاقات المتجددة والسلع الخضراء من أجل الانتقال الطاقوي القائم على الوقود الأحفوري إلى الغاز الحيوي والميثان الحيوي، الهيدروجين المتجدد والمنخفض الكربون. وإذا اعتمدنا على الأهداف المسطرة في وثيقة الاستراتيجية الطاقوية الخارجية للاتحاد الأوروبي في العالم المتحول الصادرة في 18 مايو 2022م، فإنه تم تغيير الآجال المعتمدة في الوصول إلى الطاقة الخضراء بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية، بإبقاء الاستثمارات في الغاز الطبيعي والهيدروجين الأخضر لتغطية المقاطعة الروسية مع ضرورة تنويع الشركاء في هذا المجال. مع الأخذ بعين الاعتبار هنا، أن الرؤية الأوروبية المشتركة قائمة على العمل الجماعي فيما يخص البحث عن التموين بالغاز الطبيعي المسال بعدما أنشأت أرضية طاقوية لخلق القوة التفاوضية مع الممونين، وهو ما تبعته بالقرار الجماعي الخاص بميكانيزم لتسقيف شراء أسعار الغاز بــ 180 يورو للميغاواط في الساعة في نهاية ديسمبر 2022م. وهو ما يستوجب في النهاية، أن تتكيف دول مجلس التعاون الخليجي كدول منتجة ومصدرة للطاقة التقليدية مع الاستراتيجية الجماعية للاتحاد الأوروبي عن طريق رؤية مشتركة تخدم المصالح المتبادلة للطرفين. لأن تجربة النفط كورقة استراتيجية خليجية- عربية في حرب أكتوبر 1973م، قدمت سياسة أوروبية-غربية متكيفة بإنشاء الوكالة الدولية للطاقة سمحت لها في عز الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية بتحرير 120 مليون برميل نفط من الاحتياطي الاستراتيجي، الذي يعد أكبر مخزون يتم تسويقه في تاريخ الوكالة، من أجل مواجهة النقص في الإمدادات وارتفاع الأسعار، وتبدو اللعبة الاستراتيجية الطاقوية هنا جديرة بالاهتمام بين إرادتين متناقضتين إرادة أوروبية غربية تبحث عن أمنها الطاقوي وفق الإمدادات المستدامة والأسعار التي تحددها وأوبيك بلس التي فرضت إرادتها حماية للاستثمارات وضمان استمرارية الإنتاج حيث لعبت فيه دول الخليج الفاعلة طاقوياً دورًا في التوازن الطاقوي العالمي.

ثانيًا: من الفرص العملية التي تفيد دول الخليج في شراكتها الجديدة مع الاتحاد الأوروبي الانخراط في استراتيجية مبادرة البوابة العالمية التي تهتم بتنمية الذكاء الاصطناعي والرقمنة، الطاقة والنقل وتعزيز أنظمة الصحة والتربية، وفق أجندة الأمم المتحدة لآفاق 2030م، واتفاق باريس للمناخ. وهي مشاريع تدمج في إطار الانتقال نحو الطاقة الخضراء ويتم تمويلها من قبل المؤسسات المالية الأوروبية، مثل البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، المساهمة في تعبئة 300 مليار يورو لاستثمارها في هذه الميادين خلال الفترة 2021-2027م، ويحسب للاتحاد الأوروبي أنه من المساهمين العالمين الكبار في مكافحة التغير المناخي بتقديم 100 مليار دولار سنويًا، حيث تخصص 30 بالمائة من ميزانية الاتحاد الأوروبي المخصصة للمساعدة التنموية لمكافحة التغير المناخي لاسيما في قطاع الطاقة الأحفورية. وعليه، فهي بحاجة لشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي لتقاسم الخبرات في ميدان الانتقال الطاقوي والمساهمة في إنجاز الأجندات الأممية والدولية من أجل بيئة مستدامة، وهو ما تم توضيحه في بنود الشراكة الجديدة الأوروبية-الخليجية.

ثالثًا: ضرورة تكيف دول مجلس التعاون الخليجي مع تكنولوجيات الطاقات المتجددة وديناميكية تحول النظام الطاقوي العالمي، لاسيما في مجال الطاقات الشمسية والرياح، حيث يتوقع حسب المصادر الأوروبية الرسمية أن تشكل الطاقات المتجددة نسبة 90 بالمائة من الإنتاج العالمي للطاقة في آفاق 2050م، وتقدر الأسواق العالمية ما قيمته 24 ألف مليار يورو في الطاقات المتجددة و33 ألف مليار يورو للفعالية الطاقية إلى غاية 2050م، وفي هذا الإطار، تطرح أوروبا نفسها كشريك مستقبلي لدول مجلس التعاون الخليجي في استخدام الطاقات المتجددة لتقوية العلاقات التجارية في هذا المجال باعتبارها رائدة في الصناعات الخضراء، وتكتسب التكنولوجيات المبتكرة والمعارف الضروريتين للانتقال الطاقوي. والملاحظ هنا، أنه رغم ما تمتلكه دول مجلس التعاون الخليجي من مصادر الطاقة المتجددة لاسيما الشمسية منها، إلا أن الطاقة المتجددة لا تمثل إلا نسبة 1 بالمائة من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية في منطقة الخليج، وهو ما بينته دراسة علمية تم نشرها في المجلة المتخصصة " الطاقات"، توصلت فيها الدكتورة نورة منصوري من مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية بالرياض والدكتورة عائشة صاريحي من جامعة سنغافورة الوطنية، إلى أن نشر تقنيات الطاقة المتجددة باعتبارها فرصة لدول مجلس التعاون الخليجي للتكيف مع التحديات المرتبطة بالأمن الطاقوي، تساهم في خفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري، وتحسين نوعية الهواء، كما تساهم في تنويع الاقتصاد خارج قطاع الطاقة الأحفورية. كما تشير دراسات علمية أخرى إلى أن تطوير الانتقال الطاقوي بنسبة 100 بالمائة يعود بفوائد اجتماعية، بيئية واقتصادية على مجلس التعاون الخليجي، من بينها إيجاد ما بين 50 إلى 500 ألف منصب جديد في آفاق 2050م، مع تأمين الطاقة بتقليص الطلب عليها بنسبة 60 بالمائة.

رابعًا: تشكل المجالات الجيوسياسية والمتعلقة بالأمن في منطقة الخليج والتهديدات الإيرانية لدول مجلس التعاون الخليجي من المجالات المطروحة في الشراكة الأوروبية-الخليجية. حيث يطرح الاتحاد الأوروبي مبادرته في التنسيق والخبرة في مجال النقل البحري عبر البحر المتوسط لتربطها بالممرات القادمة من آسيا الوسطى نحو إفريقيا. ومن جهة أخرى، فإن أوروبا يمكن أن تقوم بالدور المطلوب لبعث المفاوضات المسدودة في إطار الاتفاق النووي الإيراني الشامل باعتبارها قناة دبلوماسية مفتوحة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث تقوم بوظيفة العصا والجزرة مع إيران من أجل وقف برنامجها النووي وتمددها في دول الجوار، كما يمكنها القيام بإجراءات بناء الثقة في المنطقة في المواضيع الأمنية المعقدة مثل، التهديدات البيولوجية، الإشعاعية النووية والتهديدات السيبرانية، مع القدرة على الوساطة في مجال الأمن البحري و ضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز وبحر العرب الذي يشكل العصب الحيوي لدول مجلس التعاون الخليجي.

مقالات لنفس الكاتب