array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

ترحب أمريكا بالشراكة لتقليل اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية ومنافسة الصين

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

لم تكن وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي التي تمت المصادقة عليها العام الماضي الأولى، ولن تكون الأخيرة من اتفاقات الشراكة بين دول المنطقة والقوى العالمية، فقد سبقتها وتبعتها اتفاقات مع الولايات المتحدة والصين، التي وقعت عدة اتفاقات مع إيران والعراق ثم أتبعتها بأخرى مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون، كذلك الشأن بالنسبة لروسيا التي وقعت اتفاق شراكة استراتيجية مع إيران، بالإضافة إلى تنسيقها لسياستها النفطية مع دول المنطقة من خلال أوبك بلس.  هذه الاتفاقيات والتفاهمات، إن دلت على شيء فإنما تدل على الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج التي تشرف على أهم طرق وممرات التجارة العالمية البحرية والبرية والجوية، بالإضافة إلى امتلاكها لأكثر من نصف احتياطي العالم من النفط وحوالي 40% من الغاز الطبيعي، الأمر الذي جعل منها موضع اهتمام القوى العالمية طمعاً بما فيها من مصالح ورغبة في الاستئثار بها دون الخصوم.  بالطبع فإن لكل من هذه القوى رؤيتها الخاصة للمنطقة التي تنبع من طبيعة مصالحها واحتياجاتها. هذه الاختلافات تجعل الحديث عن دور المنطقة في السياسة العالمية يشبه وإلى حد كبير محاولة التصويب على أهداف تتحرك بصورة عشوائية.  ومما يزيد في صعوبة موضوع الشراكة الأوروبية-الخليجية وموقف الولايات المتحدة منها، فهو يتناول علاقة ثلاثية تمر جميع أطرافها بمتغيرات كبيرة في سياساتها العامة.  لكن صعوبة الحديث يجب ألا تمنعنا من محاولة استبيان النوايا والتوجهات واستشفاف المواقف وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع. سوف نحاول في هذه المقالة رصد أهم المتغيرات في دول الخليج والاتحاد الأوروبي والمصالح المشتركة التي دفعت بهما إلى الوصول إلى اتفاق الشراكة، وأهم المصالح الأمريكية مع طرفي العلاقة والموقف الأمريكي من هذه الاتفاقية، ونختم ببعض المقترحات حول طبيعة الاستجابة المطلوبة للاهتمام العالمي الجديد بالمنطقة.

 

التنافس بين القوى العالمية على منطقة الخليج

 

كانت النظرة الأمريكية خلال الأعوام التي تلت نهاية المعسكر الشيوعي وقيام نظام الأحادية العالمي، أنها ربحت الحرب الباردة وأن التأريخ انتهى إلى تلك النتيجة، ولذلك فلم يبق هناك من ينافسها على الريادة العالمية، وبالتالي فهي ليست مطالبة بأن تعمل شيئاً للمنطقة بل تتركها وشأنها لأن لديها اهتمامات وتحديات أكبر منها.  هذه النظرة لم تكن مبنية على حسابات دقيقة، بل أساسها نشوة الانتصار السريعة التي ما لبثت أن تلاشت، مخلفة وراءها صداع المشكلات التي تفاقمت نتيجة الإهمال وسوء التقدير.

 

لكي نكون أكثر وضوحاً في الحديث، نقول إن سياسة الانحياز نحو آسيا، التي نادت بها إدارة الرئيس أوباما، كان يفهم منها التقليل من شأن أوروبا ومنطقة الخليج على حساب زيادة الاهتمام بالمحيط الهادي.  لكن تلك الحسابات السطحية، في أحسن أحوالها، أغفلت جوانب مهمة في استراتيجية الصين القائمة على أهمية توفير الموارد الطبيعية اللازمة لعملية التنمية الصناعية وإيجاد الأسواق للمنتجات الصينية، وتأمين طرق الوصول إلى الموارد والأسواق، والنتيجة أن هذه الاستراتيجية المتمثلة بالحزام والطريق تمر من منطقة الخليج التي توفر للصين جزءاً مهماً من احتياجاتها للطاقة، كما وأنها البوابة لأهم الأسواق العالمية.  وإذا لم يكن ذلك كله كافياً لقلب الطاولة على الحسابات الأمريكية، جاء التقارب الصيني-الروسي ليهدد ميزان القوى الحساس في أوروبا ولينفجر بسرعة فائقة على شكل أول صراع عسكري بين دول القارة العجوز منذ الحرب العالمية الثاني، ويفتح الباب على مصراعيه أمام اشتعال جبهات جديدة.

 

لعل من أقرب الأمثلة على احتمال نقل الصراع الدائر في أوروبا إلى المنطقة تأتي من خلال متابعة المقاربة الروسية للمنطقة التي جاءت على شكل اتفاق شراكة استراتيجية مع إيران.  هذا الاتفاق ركز على النواحي العسكرية، حيث تضمن تعهد إيران بتزويد روسيا بأكثر من 1700 طائرة مسيرة من نوع شاهد-186، وهناك قناعة لدى البعض باحتمال تطور الاتفاق ليصبح شراكة دفاعية  لذلك أعربت وكالة المخابرات الأمريكية عبر رئيسها وليم بيرنز عن بالغ قلقها من هذه التطورات لأنها سوف تؤدي إلى الإخلال بموازين القوى الإقليمية وتؤشر بوضوح إلى دخول إيران في الصراع الدائر في أوكرانيا الأمر الذي يجعلها في مواجهة شبه مباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في الساحة الأوروبية والذي قد يستخدم كمبرر للحملة الإسرائيلية الداعية إلى القيام بعمل عسكري ولو محدود ضد المنشآت النووية أو الصناعة العسكرية الإيرانية وهي عملية بدون شك سوف تدخل المنطقة في نفق مظلم.  البعض يفسر هذه التحركات الإيرانية على أنها وسيلة للضغط على أمريكا لدفعها إلى العودة إلى طاولة المفاوضات حول البرنامج النووي، لكن الحدود التي قد يصل لها التعاون العسكري بين روسيا وإيران قد تشكل نقطة اللاعودة بالنسبة للأمريكان والأوربيين.

 

أهم المتغيرات في الساحة الأوروبية

حدثان مهمان على الساحة الأوروبية أحدثا تغييراً كبيراً في طبيعة السياسة الأوروبية داخلياً وخارجياً وفي علاقتها بالمنطقة.  هذا الحدثان هما؛ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست), والغزو الروسي لأوكرانيا. ذلك أن خروج بريطانيا كان منعطفاً مهماً لأطراف العلاقة، فأوروبا كانت تعتمد وبشكل كبير على الخبرة البريطانية في العلاقات الدولية وخصوصاً في مناطق نفوذها السابقة المتناثرة في شتى بقاع العالم ومن أهمها منطقة الخليج.  كذلك فإن القوة العسكرية البريطانية، كانت بالإضافة إلى فرنسا، تشكل العمود الفقري للقوة العسكرية الأوروبية، أضف إلى ذلك الدور السياسي والأمني الذي تلعبه أوروبا من خلال امتلاكها مقعدين دائمين في مجلس الأمن.  لذلك جاء انسحاب بريطانيا من الاتحاد ليغير من قواعد اللعبة، ويدفع بأوروبا البحث عن مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية في معزل عن بريطانيا.  قضية أخرى سوف تفتقدها أوروبا بعد خروج بريطانيا، وهي أن الأخيرة كانت تلعب دور الوسيط بين أوروبا والولايات المتحدة وتسعى للتخفيف من بعض التوجهات المتشددة لدى الأوربيين تجاه السياسة الأمريكية.

 

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دفع بفرنسا إلى تصدر واجهة الدبلوماسية الأوروبية خصوصاً فيما يتعلق بدول المنطقة وإفريقيا، لأنها مثل بريطانيا تمتلك خبرة طويلة، لأنها كانت الشريكة في اتفاقية سايكس-بيكو، سيئة الصيت، التي تم فيها تقاسم المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا.  لذلك تحاول الأخيرة استثمار علاقاتها بالمنطقة لكي تلعب دوراً أكثر فعالية من السابق، مثل محاولة التوسط في الأزمة اللبنانية والصراع في ليبيا وكذلك محاولتها ترميم العلاقات مع الجزائر وتونس، بالإضافة إلى عودة تواجدها العسكري في بلدان الساحل الغربي الإفريقي تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

 

أما بالنسبة للحرب في أوكرانيا فقد قلبت توجهات السياسة الأوروبية، التي كانت تسعى إلى إحداث تغييرات جذرية في الساحة الأوروبية من خلال تقوية العلاقة الاقتصادية مع روسيا وزيادة اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية، واستخدام التقارب الاقتصادي مع روسيا لجلبها إلى الحاضنة الأوروبية. هذه السياسة التي قادتها ألمانيا، كانت تسعى للتخفيف من حدة الصراع على الساحة الأوروبية بغرض تقليل الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية.  ولكن جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليقلب أولويات السياسة الأوروبية رأساً على عقب ويؤدي إلى حدوث فعلين في ظاهرهما متعارضين، وهما؛ زيادة اعتماد أوروبا على العلاقة الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة من خلال تقوية وتوسيع حلف الأطلسي، وكذلك زيادة اعتماد الدول الأوروبية على تطوير قدراتها العسكرية الدفاعية والهجومي، ومن أهمها التغيير المحوري في السياسة الألمانية بتطوير قدراتها العسكرية الهجومية ونفض غبار القيود التي كانت مفروضة على التسليح الألماني منذ الحرب العالمية الثانية. هذا بالإضافة إلى محاولة التقليل من اعتماد دول المجموعة على مصادر الطاقة القادمة من روسيا، وهو الأمر الذي زاد من اندفاعها نحو المنطقة.

 

الأسباب والدوافع وراء اتفاق الشراكة الخليجية-الأوروبية

 

تعود العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والمجموعة الأوروبية إلى السنوات الأولى لقيام المجلس وبالتحديد إلى عام 1985م، حيث تم التوقيع على بيان الاجتماع الوزاري المشترك بين دول المجلس والمجموعة الأوروبية (قبل إعلان قيام الاتحاد الأوروبي عام 1993م) تبع ذلك توقيع اتفاق حرية التجارة بين المجموعتين.  لكن الاتفاق الجديد يأتي أيضاً استجابة لاحتياجات الاتحاد الأوروبي ومصالحه التي من أهمها:

  1. العلاقة في قطاع الطاقة: منطقة الشرق الأوسط وروسيا تشكلان المصدر الرئيس للنفط والغاز لأوروبا. ولذلك فإن أهمية المنطقة في مجال الطاقة لها أبعاد متعددة، وهي:

أـ على المدى القصير تمثل المنطقة البديل للنفط والغاز الروسي وتمنح الدول الأوروبية حرية المناورة مع روسيا التي تستعمل النفط والغاز كوسيلة للضغط عليها للحصول على مكاسب جيوسياسية، ولذلك فدول الخليج وشمال إفريقيا توفران البديل المطلوب لتقليل الاعتماد على النفط والغاز من روسيا.

ب ـ على المدى المتوسط تطمح أوروبا إلى تقليل انبعاث الغازات المسببة الاحتباس الحراري من خلال تقليل استخدام الفحم والنفط والتحول نحو الغاز الطبيعي الذي تمتلك المنطقة 40% من الاحتياطيات العالمية.

ج ـ على المدى البعيد سوف تسعى الدول الأوروبية إلى التحول باتجاه استخدام الطاقة الشمسية والرياح وتقليل الاعتماد على الفحم والنفط والغاز، وهنا يبرز دور المنطقة أيضاً بما تمتلكه من مساحات شاسعة في المناطق الصحراوية التي يمكن أن توفر مصدراً كبيراً للطاقة الشمسية والرياح، ولذلك فدول المنطقة مثل المملكة العربية السعودية والعراق وليبيا ومصر والجزائر وباقي دول الإقليم تعتبر مصادر مهمة للطاقة البديلة، وتشكل شريكاً طبيعياً لأوروبا في هذه المجال.   

  1. التعاون في المجال الأمني: منطقة الشرق الأوسط تعتبر جزءاً من الحزام الأمني للاتحاد الأوروبي، لأن ما يحصل فيها يؤثر وبصورة مباشرة على الأمن الأوروبي. لذلك يسعى الاتحاد إلى التعاون مع دول المنطقة في بعض القضايا الأمنية الملحة وفي مقدمتها ضمان أمن طرق التجارة العالمية التي تمر من المنطقة وحرب القرصنة ومكافحة الإرهاب والحرب على المخدرات.  كذلك يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف حدة الصراعات المسلحة في المنطقة لما لها من آثار سلبية على الأوضاع الداخلية في أوروبا.
  2. العلاقات التجارية: ترتبط دول الاتحاد بعلاقات اقتصادية قوية مع دول الخليج تتعدى النفط والغاز وفي مقدمتها الاستثمارات الخليجية في الدول الأوروبية والصادرات الأوروبية لدول المجلس بالإضافة إلى السياحة.
  3. المنطقة تشكل حاجزاً بين أوروبا والهجرة غير الشرعية التي تشكل أحد أكبر الهواجس الأوروبية ولذلك فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتبر الحاجز الأول للتصدي لموجات المهاجرين إلى أوروبا. التعاون بين الدول الأوروبية ودول مجلس التعاون في سبيل إحداث عملية تنموية في المنطقة من شأنه أن يخدم اقتصاديات الأطراف المشاركة ويقلل من موجات الهجرة إلى أوروبا.
  4. المنطقة تمثل حلقة الوصل بين أوروبا وآسيا وإفريقيا: عملية الوصول إلى أواسط آسيا وإفريقيا من أهم المصالح الاستراتيجية لدول الاتحاد الأوروبي، وتعتبر المنطقة الجسر الذي يربط بين أوروبا وتلك المناطق بحراً وبراً وجواً، وقد برز هذا الدور بصورة أوضح في اندفاع الصين بالاتجاه المعاكس من خلال إعادة بناء طريق الحرير الذي يمر من المنطقة. أوروبا تريد أن تصل إلى موارد وأسواق آسيا وإفريقيا من خلال المنطقة.

 

دور المجموعة الأوروبية في القضية الإيرانية

اهتمام الاتحاد الأوروبي بالمنطقة ليس جديداً، فقد تجلى في لعب دور مهم في العديد من القضايا ومنها المساهمة في الحرب في كل من أفغانستان والعراق، والحرب على الإرهاب وعمليات حفظ السلام، بالإضافة إلى الدور المحوري في المفاوضات مع إيران حول وضع حدود لمشروعها النووي. كذلك تنظر أوروبا إلى إيران على أنها ساحة تنافس بينها وبين روسيا التي كانت ومنذ زمن بعيد ولاتزال، تريد الوصول من خلال إيران إلى المياه الدافئة.

 

الغزو الروسي لأوكرانيا وفرض الحصار على النفط والغاز الروسي زاد من الحاجة إلى النفط والغاز الإيراني لتعويض بعض النقص الحاصل في أوروبا.  لكن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران تحول بين أوروبا وموارد الطاقة في إيران وهي لن ترفع إلا بالتوقيع على الاتفاق.  لذلك قام مسؤول العلاقات الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل بزيارة عاجلة إلى طهران العام الماضي في سبيل إعادة الحياة في ملف المفاوضات وحصل على موافقة الجانب الإيراني على العودة إلى المفاوضات على أساس اقتصارها على الولايات المتحدة وإيران لأن الخلاف محصور بينهما وقد بدأت سلسلة من جولات المفاوضات غير المباشرة التي بدأت في الدوحة لكنها لم تصل إلى نتيجة بسبب تباعد الهوة بين الطرفين ودخول عوامل إضافية منها إصرار إيران على رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، وإصرار الولايات المتحدة على فض الخلاف بين إيران ووكالة الطاقة النووية الدولية، بالإضافة إلى دخول التعاون العسكري بين إيران وروسيا في الحرب الأوكرانية والشراكة الإيرانية-الصينية على خط المفاوضات.

 

الموقف الأمريكي من اتفاق الشراكة

ليس هناك موقف أمريكي محدد من اتفاق الشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي ربما بسبب انشغال الولايات المتحدة بالحرائق الكبيرة على الساحتين الأوروبية وجنوب شرق آسيا، لكن يمكن أن نحدد خطوطاً عامة تحكم السياسة الأمريكية في هذه القضية:

  • ترغب الولايات المتحدة ألا يقوم شركاؤها الأوربيون بمبادرات سياسية كبيرة بدون التنسيق المسبق معها وقد كان هذا هو الدور الذي قامت به بريطانيا عندما كانت في الاتحاد بالتأكد من انسجام المواقف الأوروبية مع توجهات الحليف الأكبر أما وأن بريطانيا قد طارت خارج السرب الأوروبي فمن المتوقع أن تحدث بعض المشكلات هنا وهناك لكنها لن تخرج عن حدود السيطرة خصوصاً مع وجود العديد من الدول الأوروبية التي هي القريبة إلى توجهات الولايات المتحدة والتي سوف تسعى لتنسيق المواقف معها.
  • سوف ترحب الولايات المتحدة بتنمية العلاقات الاقتصادية بين مجلس التعاون والاتحاد الاوروبي خصوصاً في مجال الطاقة لأن ذلك يقلل من اعتماد أوروبا على موارد الطاقة الروسية ويساعد الولايات المتحدة في إحكام الطوق المفروض لاحتواء روسيا وتحجيم طموحاتها الجيوسياسية.
  • كذلك ربما تنظر الولايات المتحدة بعين الرضا على تنمية العلاقات التجارية بين الطرفين لأنها تريد من شركائها بصورة عامة منافسة الصين في هذا المجال والمساعدة في تقليل اعتماد المنطقة على التجارة مع الصين وخصوصاً في بعض القطاعات الاستراتيجية مثل التكنولوجيا والطاقة النووية والاتصالات والتعليم.
  • الجانب الأهم بالنسبة للولايات المتحدة هو الجانب الأمني لأنها لا ترغب بابتعاد دول الخليج عنها في هذا الجانب حتى لو كان مع الحلفاء الأوربيين باستثناء بعض المبادرات المهمة التي تدعمها الولايات المتحدة مثل مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه وجهود مكافحة القرصنة وعمليات حفظ السلام. هذا الحديث يجعلنا نستذكر مثالاً مهماً للتدليل على هذه القضية وهو قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بإفشال صفقة شراء استراليا للغواصات الفرنسية وإبدالها بغواصات نووية من بريطانيا والولايات المتحدة وهي العملية التي أغضبت الحليف الفرنسي. في المقابل سوف تشجع الولايات المتحدة بتنمية التعاون الأمني والعسكري بين دول المجلس وبريطانيا وإسرائيل لأن ذلك يخفف من الأعباء العسكرية ويمنحها المرونة في التصدي للغريم الأول في جنوب شرق آسيا.

 

الاستجابة المطلوبة

تتعدد مشاريع الشراكة مع الأطراف العالمية ومنها الاتحاد الأوروبي وهي قضية جيدة إذا أحسن استغلالها لأنها توفر لدول المنطقة فرصة مد جسور التعاون مع مختلف الأطراف بناء على المصالح المشتركة وبعيداً عن الإملاءات والأوامر لكن عملية تفعيل الشراكات وتحقيق الفائدة المرجوة منها تتطلب ثلاثة متطلبات أساسية وهي:

أولاً- تفكيك الأزمات: لابد من التذكير هنا بأن الاهتمام العالمي بالمنطقة يأتي في زمان يقف فيه العالم على أعتاب حرب باردة أشد ضراوة وأكثر حدة من الحرب الباردة مع المعسكر الشيوعي في القرن الماضي والتي قد تظهر على شكل حروب وصراعات مسلحة في الأطراف ولذلك فإن المصلحة الأولى لدول الإقليم هي الحيلولة بين المنطقة وبين أن تتحول إلى ساحة صراع بالوكالة بين القوى العالمية التي قد تحتمي وراء القوى والمشاريع الإقليمية الأمر الذي يتطلب التركيز على تفكيك الأزمات وحل الصراعات قبل أن تتفاقم وتخرج عن السيطرة بدفع من المصالح العالمية المتنازعة.

ثانيًا-توحيد الرؤية لدى دول المجلس: عملية التنمية في منطقة الخليج تتطلب وجود رؤية موحدة لدول مجلس التعاون لمستقبل المنطقة، تكون مكملة ومبنية على الرؤى الموجودة في دول المجلس مثل رؤية 2030م، في المملكة العربية السعودية.  هذه الرؤية التنموية هي التي يجب أن تشكل أساس الحوار الجماعي مع الشركاء الحاليين والمستقبليين وتحدد أدوار كل منهم بناء على ما لدى الشركاء من إمكانيات ومواءمة ذلك مع احتياجات المنطقة لأن غياب الرؤية الموحدة يزيل الشراكة من اتفاقات الشراكة ويجعلها تسير باتجاه واحد. 

ثالثاً-توسيع القاعدة الاقتصادية: الربع الأخير من القرن الماضي شهد تحولات كبيرة شملت مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسبب الزيادة الكبيرة في قوة التواصل والتنقل بين البشر.  هذه المتغيرات أدت إلى ظهور قوى اقتصادية جديدة في مقدمتها الصين والهند أساس قوتها وفرة اليد العاملة وحجم السوق المحلي. هذا الأمر يتطلب تغييراً في توجهات التنمية في الإقليم باتجاه بناء قاعدة اقتصادية كبيرة من خلال توسيع مجلس التعاون بإضافة العراق واليمن وضمان التنوع الاقتصادي لكي يضمن وصول اقتصاد الإقليم إلى الكتلة الاقتصادية الحرجة التي تكون أساساً متيناً لعملية تنموية تتعاون فيها دول الإقليم مع الشركاء في سبيل بناء اقتصاد ما بعد النفط. لكن العقبة كانت وماتزال هي عدم رغبة دول المنطقة بالتنازل عن السيادة خصوصاً في مجالات الأمن والدفاع ولكن يجب أن نتذكر أن بعض الدول الأوروبية كانت ضمن الاقتصاديات العشر العالمية (ألمانيا فرنسا وإيطاليا) قبل التوحيد لكنها آثرت الدخول في الاتحاد لقناعتها التامة بأن الحصول على حصة محدودة في كيان كبير أفضل بكثير من البقاء في كيان صغير يسبح في بحر متلاطم من المتغيرات الاقتصادية خصوصاً إذا ما علمنا أن الفجوة بين الاقتصاديات المحلية والكيانات العالمية كبيرة جداً كما هو موضح في الرسم البياني أدناه.

 

 

رسم بياني يمثل إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي و GCC+ الذي يشمل دول مجلس التعاون والعراق واليمن بالإضافة إلى الناتج المحلي للسعودية ودولة الإمارات (البنك الدولي)

 

خلاصة القول: إن الاهتمام الدولي المتزايد بالمنطقة سلاح ذو حدين فهو إما أن يحول المنطقة إلى ساحة تصفية حسابات بين القوى العالمية، أو أن يتم استثماره في عملية تنموية شاملة لبناء اقتصاد ما بعد النفط، هذا الخيار يتطلب إرادة قوية وتغييرات جذرية في مقاربة دول الإقليم.

مقالات لنفس الكاتب