array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

نجاح الشراكة مرهون باعتبارها نقلة نوعية في علاقات الجانبين وليس حلاً مؤقتاً

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

يعتبر اعتماد ورقة الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في يونيو 2022م، أول تطور حقيقي في جهود تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين منذ توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي عام 1988م. فنظرًا لتعثر مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة التي استمرت أكثر من عقدين من الزمن، فإن ورقة الشراكة الاستراتيجية التي تم اعتمادها تمثل بداية فصل جديد في العلاقات الاقتصادية، حيث شملت الوثيقة عددًا كبيرًا من مجالات التعاون الاقتصادي، والتجاري والاستثمار، والطاقة، والمناخ، وغيرها. وفي هذا الإطار أقدم تقييم لمستقبل الاستثمارات المشتركة بين دول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي ومدى إمكانية استفادة الجانبين من هذه الخطوة في تحسين بيئة الاستثمار وتحقيق التنمية الاقتصادية.

أهمية الشراكة الاستراتيجية الأوروبية-الخليجية

تأتي أهمية هذه الشراكة في إطار حرص الاتحاد الأوروبي على ضمان استمرار إمدادات الطاقة من النفط والغاز إلى الأسواق الأوروبية، خاصة بعد تدهور العلاقات الأوروبية-الروسية وتوقف إمدادات النفط والغاز الروسي إلى أوروبا نتيجة موقفها من الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022م. ففي إطار البحث عن مصادر جديدة وبديلة للنفط الروسي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز علاقاته بالدول المصدرة للنفط والغاز وفي مقدمتها دول الخليج العربي، كما يسعى إلى خلق توازنات جديدة في أسواق الطاقة من خلال الاستثمارات الأوروبية في استكشافات جديدة من النفط والغاز وفي مشاريع الطاقة المتجددة في منطقة الخليج وشمال إفريقيا.

تأتي أهمية هذه الشراكة أيضًا في تحسين العلاقات الاقتصادية وفتح آفاق جديدة للتعاون بين دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. فمنذ منتصف التسعىنات طور الاتحاد الأوروبي علاقاته الاقتصادية والتجارية مع دول شرق آسيا والأمريكيتين الشمالية والجنوبية، في حين فشل في التوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج وانحصرت العلاقة بشكل رئيسي على التعاون في مجالات الطاقة وأمن الخليج.

ونظرًا للظروف الصعبة والأزمات التي يمر بها الاقتصاد الأوروبي مثل أزمة الطاقة وأزمة الغذاء وأزمة التضخم فإن هناك حاجة ملحة لدى الأوروبيين لتحسين علاقاتهم الاقتصادية مع دول الخليج العربي، حيث شهدت هذه الدول تحسنًا كبيرًا في أوضاعها المالية والاقتصادية بعد ارتفاع أسعار النفط منذ بداية يناير 2022م.

لا شك أن دول الخليج العربي أيضًا تتطلع إلى هذه الشراكة الاستراتيجية من أجل دعم اقتصاداتها وإحداث نقلة نوعية في اقتصاداتها من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع.  فتسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق أهداف رؤيتها الطموحة لتكون مركزًا اقتصاديًا إقليميًا في منطقة الخليج، في حين تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى جذب الاستثمارات والتكنولوجيا الأوروبية المتطورة، وتهدف سلطنة عمان وقطر والبحرين والكويت إلى تطوير البنية التحتية وفتح قطاعات اقتصادية واعدة لجذب الاستثمارات الأوروبية.  وهنا تظهر عدة تساؤلات عن مدى جاذبية بيئة الأعمال في دول الخليج للاستثمارات الأوروبية؟ وما هي القطاعات الاقتصادية في دول الخليج الأكثر جاذبية للاستثمارات الأوروبية؟ وهل تتسع الأسواق الخليجية لاستيعاب كميات كبيرة من الاستثمارات الأوربية في القطاعات غير النفطية؟ وكيف يمكن لمجلس التعاون الخليجي أن يكون مركزًا إقليمياً لجذب الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والتصدير إلى الأسواق العالمية؟ 

جاذبية الأسواق الخليجية للاستثمارات الأوروبية

في إطار التحولات الاقتصادية التي تشهدها دول الخليج العربي قامت حكومات هذه الدول بإصدار العديد من التشريعات والقوانين لتحسين بيئة الأعمال ودعم المستثمر المحلي وجذب المستثمر الأجنبي للمساهمة مع المؤسسات الحكومية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد ركزت هذه الدول أيضًا على إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية في مجالي التجارة والاستثمار لتوفير مناخ استثماري ملائم يوفر الحماية والضمانات للمشاريع الاستثمارية وتساعد على جذب الخبرات الأجنبية من تكنولوجيا ورؤوس أموال وخبرات فنية لتحقيق التنمية المستدامة.

على الجانب التشريعي، قامت الدول الخليجية بتحديث البنية التشريعية الخاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر. كانت الكويت سباقة في تحسين البيئة التشريعية فقامت بإصدار قانون هيئة تشجيع الاستثمار المباشر رقم 116 لسنة 2013م.  كما قامت الإمارات العربية المتحدة بإصدار مرسومًا بقانون اتحادي رقم 19 سنة 2018م، بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر، تليها سلطنة عمان بإصدار المرسوم السلطاني رقم 50 لسنة 2019م، بشأن استثمار رأس المال الأجنبي، ثم أصدرت دولة قطر قانون رقم 1 لسنة 2019م، بتنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي. كما أصدرت المملكة العربية السعودية استراتيجية الاستثمار في عام 2022م، وتعكف حاليًا على دراسة وإصدار تفاصيل نظام الاستثمار الأجنبي والقوانين الجديدة. تهدف هذه التشريعات إلى حماية المستثمر الأجنبي من المخاطر المتعلقة بنزع الملكية للمنفعة العامة مما زاد من ثقة المستثمرين الأجانب لبدء مشاريعهم في دول الخليج العربي. 

تشير الإحصائيات إلى تقدم الدول الخليجية في مؤشرات بيئة الأعمال وجذب الاستثمار مما جعلها مؤهلة لجذب الاستثمارات الأوروبية والأجنبية الأخرى. يوضح الجدول (1) مؤشرات جاذبية بيئة الاستثمار لدول مجلس التعاون الخليجي للعام 2020م، حسب البيانات الصادرة من صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فمن ناحية البنية التحتية، حققت دولة الإمارات نسبة 100% في نسبة الأفراد الذين يستخدمون الانترنت، تليها قطر والبحرين والكويت والسعودية وعمان، مما يدل على توافر وتغطية خدمات الانترنت في كافة أنحاء البلاد. وحققت قطر والإمارات وعمان العدد الأعلى من الأيام بواقع 85.2 و83.6 83.3 يوم لوقت الامتثال الحدودي للتصدير. وأما بالنسبة للوقت المطلوب للحصول على الطاقة الكهربائية فقد سعت الإمارات لتوفيرها في غضون 7 أيام فقط للمستثمرين مقارنة بنظيراتها من دول الخليج التي تستغرق أكثر من ثلاثين يومًا.

أما فيما يتعلق بالمؤسسات والحوكمة الرشيدة، فحققت دولة الإمارات مؤشرًا عاليًا في فعالية الحوكمة بمعدل 1.33 وهو المعدل الأعلى بين دول الخليج العربي. أما بالنسبة لسيادة القانون، فاحتلت دولة قطر المرتبة الأولى بمؤشر بلغ 1.00، تليها كلا من الإمارات وسلطنة عمان والبحرين على التوالي. وحققت دولة البحرين النسبة الأقل في الفساد الإداري بمؤشر بلغ -0.07 وهو أقل معدل من بين الدول الخليجية، تليها الكويت.

تأتي بيئة الأعمال كرافد مهم لجذب المستثمرين خاصة عند البدء بمشاريعهم، حيث جاءت دولة الإمارات في مقدمة الدول الخليجية بمؤشر 94.8 لبدء نشاط تجاري، تلتها سلطنة عمان بمؤشر 93.5، والمملكة العربية السعودية بمؤشر 93.1، وهي مؤشرات عالية منافسة دوليًا. وبالنسبة لحماية المستثمرين فقد حققت الدول الخليجية تباينًا واضحًا في العام 2020م. فجاءت السعودية في المقدمة بمعدل 86 تليها الإمارات بمعدل 80 نقطة، وتساوت البحرين والكويت عند 66 نقطة. وأما بالنسبة لدفع الضرائب فقد حققت البحرين أعلى معدل بمؤشر 100 نقطة، تلتها قطر بمؤشر 99.4، والكويت بمؤشر 92.5، وسلطنة عمان بمؤشر 90.2، مما يدل على التطور الكبير الذي تحقق في بيئة الاستثمار الخليجية.

 

جدول (1): مؤشرات جاذبية بيئة الاستثمار لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2020م

المؤشر

الإمارات العربية المتحدة

البحرين

المملكة العربية السعودية

سلطنة عمان

قطر

الكويت

البنية التحتية

الأفراد الذين يستخدمون الأنترنت (% من السكان)

100.0

99.5

97.9

95.2

99.7

98.6

وقت الامتثال الحدودي للتصدير السلعي (الأيام)

83.6

56.2

77.4

83.3

85.2

40.3

اشتراكات الهاتف الخلوي (لكل 100 شخص)

185.8

102.8

124.1

133.8

131.4

158.5

الوقت المطلوب للحصول على الطاقة الكهربائية (الأيام)

7.0

69.0

35.0

30.0

44.0

49.0

المؤسسات والحوكمة الرشيدة

فعالية الحوكمة (مؤشر من -2.5 إلى 2.5)

1.33

0.43

0.15

0.14

0.91

-0.16

سيادة القانون (مؤشر من -2.5 إلى 2.5)

0.92

0.49

0.24

0.62

1.00

0.33

الفساد الإداري (مؤشر من -2.5 إلى 2.5)

1.11

-0.07

0.27

0.23

0.78

-0.06

قطاع بيئة الأعمال

بدء النشاط التجاري (مؤشر من 0 إلى 100)

94.8

89.6

93.1

93.5

86.1

88.4

تسجيل الملكية (مؤشر من 0 إلى 100)

90.1

86.2

84.5

73.0

96.2

75.1

حماية المستثمرين (مؤشر من 0 إلى 100)

80.0

66.0

86.0

56.0

28.0

66.0

دفع الضرائب (مؤشر من 0 إلى 100)

85.3

100.0

80.5

90.2

99.4

92.5

المصدر: استبانة التقرير الاقتصادي العربي الموحد (صندوق النقد العربي)، قاعدة بيانات آفاق الاقتصاد العالمي (صندوق النقد الدولي)، قاعدة بيانات مؤشرات التنمية العالمية (البنك الدولي).

القطاعات الاقتصادية الخليجية الأكثر جاذبية الاستثمارات الأجنبية المباشرة

تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي العديد من المزايا النسبية التي تجعل اقتصاداتها أكثر جاذبية من غيرها للاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة الاستثمار في الموارد الطبيعية، والطاقة الأحفورية، ومصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، بالإضافة إلى تفوقها الهائل في الصناعات الثقيلة مثل البتروكيماويات والكيماويات والأسمدة والألومنيوم والغاز المسال. وهناك مساعٍ جيدة لتبني مبادرات واستراتيجيات اقتصادية لتعزيز النمو الاقتصادي في المجالات المتعلقة بالتطور التكنولوجي والقطاعات غير النفطية مثل قطاع الخدمات والسياحة والتعليم والاتصالات وتقنية المعلومات من خلال ضخ استثمارات محلية وأجنبية.

 وفي إطار تحقيق التحول الاقتصادي وفقًا للرؤى الوطنية الخليجية، فقد حددت كل دولة خليجية القطاعات الاقتصادية الواعدة للاستثمار والتوظيف. ففي سلطنة عمان، حددت خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2026م) قطاعات التصنيع، والزراعة والثروة السمكية، والسياحة، التعدين، اللوجستيات، والتعليم كقطاعات ذات أولوية للاستثمار والتنمية ووجهت الدولة ميزانية محددة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية لتشجيع القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر للمساهمة في تنفيذ المشاريع التنموية. وفي إطار تحقيق الرؤية الاقتصادية 2030م، حددت البحرين مجموعة من المشاريع الاستراتيجية بقيمة تتجاوز 30 مليار دولار أمريكي، كما تعد لإنشاء خمس مدن جديدة، وحددت قائمة مكونة من أكثر من 20 مشروعًا في قطاعات البنية التحتية والاتصالات والسياحة والصناعة والصحة والإسكان، كل هذه الفرص الاستثمارية تساعد البحرين على جذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز مكانتها الاقتصادية وتنافسيتها في الأسواق العالمية.

أما المملكة العربية السعودية فقد حددت قطاعات التشييد والبناء، والتصنيع، السياحة، والطاقة، والطاقة الجديدة والمتجددة، والتكنولوجيا، والتقنية، والتعليم كقطاعات ذات أولوية في التنمية، كما حددت عددًا كبيرًا من المشاريع الضخمة مثل إنشاء مدينة نيوم على ساحل البحر الأحمر، ومدنية العلا كجهة سياحية وترفيهية، بالإضافة إلى إعلان المملكة في فبراير 2022م،عن عزمها لجذب استثمار أجنبي بقيمة 6,4 مليار في مجال تكنولوجيا المستقبل بهدف دعم التقنيات المستقبلية وريادة الأعمال المستقبلية، كما أعلنت شركة الاتصالات السعودية عن عزمها على استثمار مليار دولار لإنشاء مركز إقليمي للخدمات السحابية والرقمية. أما الإمارات العربية المتحدة فتركز حاليًا على قطاعات رائدة مثل قطاع الفضاء والتكنولوجيا عالية التقنية المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة.

وفي الإطار الإقليمي، تسعى دول الخليج لجذب الاستثمار الأجنبي في قطاع الخدمات الموجه إلى السوق المحلي مثل الخدمات التجارية والمقاولات والقطاعات كثيفة الاستخدام للموارد وللعمالة الأجنبية. وتشير الاحصائيات إلى استحواذ قطاعي المقاولات والخدمات التجارية على النصيب الأكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر، الأمر الذي يلزم إعادة النظر في هذه الأنشطة والقيمة المضافة التي تقدمها من خلال مساهمتها في الناتج المحلي والتوظيف. كما يجب إعادة النظر في كيفية تحسين قدرة قطاع التصنيع على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والعمل على تذليل الصعوبات التي تواجهه من أجل زيادة نسبة مساهمته التي لا تزيد عن 10% في الناتج المحلي الإجمالي، وما يمثله هذا القطاع الحيوي في تنويع الصادرات، واستقطاب الأيدي العاملة الوطنية، وخلق المنافسة على الصادرات، وتنويع القاعدة الإنتاجية.

لا شك أن تحديد القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية الوطنية للاستثمار والتنمية انعكس في عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي الجديدة بدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2020م، حيث يوضح جدول (2) أن عدد المشاريع الأجنبية وصل 487 مشروعًا بقيمة إجمالية بلغت قرابة 27.7 مليار دولار، ساهمت في توفير 28,963 وظيفة جديدة. حصلت الإمارات على 71.3% من إجمالي مشاريع الاستثمار الأجنبي الجديدة وحصة 50.8% من إجمالي عدد الوظائف الجديدة لهذه المشاريع في دول المجلس التعاون الخليجي. وتصدرت السعودية دول المجلس كأكبر مستقبل للمشاريع من حيث التكلفة الرأسمالية بقيمة 10.2 مليار دولار شكلت ما نسبته 37.6 % من إجمالي المشاريع في منطقة الخليج العربي، تليها الإمارات بتكلفة رأسمالية قدرها 9.1 مليار دولار وبحصة 33% من إجمالي قيمة الاستثمارات الأجنبية في 2020م. 

 

جدول (2): مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة موزعة على دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2020م

الدولة المستقبلة

عدد المشاريع

التكلفة الرأسمالية بالمليون

الوظائف الجديدة

عدد الشركات

الإمارات

347

9,139

14,729

336

السعودية

73

10,411

8,780

64

عمان

23

6,119

2,396

22

قطر

20

915

1,000

19

البحرين

15

883

1,547

15

الكويت

9

200

511

9

المجموع

487

27,667

28,963

465

المصدر: المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية، 2021م.

دور الاستثمارات الأوروبية في توطين الصناعات الحديثة في دول الخليج

مع استمرار جهود الدول الخليجية في تحسين بيئة الاستثمار يمكن للشراكة الاستراتيجية أن تلعب دورًا هامًا في جذب الاستثمارات الأوروبية واستخدام الخبرة والتكنولوجيا والمعرفة الأوروبية في توطين الصناعات في هذه الدول. فمن أهم مميزات الاستثمارات الأوروبية هي امتلاك قدرات مالية وتكنولوجيا ومعرفية وثقافية عالية يمكن أن تساهم بشكل مباشر في دعم الاستراتيجيات الوطنية المرتبطة بتكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة والمساهمة في تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية التي تدمج التقنيات المادية والرقمية والحيوية.

ويعتبر قطاع الصناعات الفضائية والعسكرية من أهم القطاعات التي يمكن أن تستفيد من الخبرات الأوروبية، حيث تملك الإمارات أكبر قطاع فضائي حافلاً بالفرص الاستثمارية في منطقة الخليج، خصوصاً مع الدعم الرسمي والحكومي ووجود الأسس التشريعية والقانونية التي تنظم عمل قطاع الفضاء محلياً، إلى جانب توافر البنية التحتية المتطورة ومراكز التطوير مثل مركز محمد بن راشد للفضاء والأبحاث العلمية ذات الصلة. هناك أيضًا فرص للتعاون المشترك في مجال الفضاء تسمح للمساهمة الأوروبية في مشاريع مهمة مثل مشروع مسبار الأمل لاستكشاف المريخ ومشروع الإمارات لاستكشاف القمر. كما يمكن لدول الخليج تعزيز التعاون في تطوير الصناعات العسكرية مستفيدة من الخبرات الأوروبية في فتح المصانع العسكرية التي تقوم بإنتاج الأدوات اللازمة للحماية والأمان وهي تعتبر من المشروعات الاستراتيجية ذات الأهمية العالية لدول الخليج.

تأتي أيضًا صناعة السيارات في مقدمة الصناعات المراد توطينها حيث تعتبر دول الخليج من أهم الأسواق في استيراد السيارات بكافة أنواعها. لذا تسعى دول الخليج إلى زيادة عدد المصانع التي تعمل في مجال صناعة السيارات والصناعات المغذية والمساعدة لها والتي وصل عددها في دول مجلس التعاون إلى أكثر من 300 مصنع باستثمارات تقدر بحوالي 1.1 مليار دولار ويعمل فيها نحو 26 ألف عامل.  تأتي أهمية الخبرة الأوروبية في التحول من صناعة تجميعية لبعض مكونات الشاحنات كالهياكل والمقطورات والصهاريج وقلابات نقل النفايات والمركبات المبردة إلى التصنيع الكامل والتصدير إلى الأسواق المجاورة.

ويوجد بالفعل خطوات هامة نحو توطين صناعة السيارات في سلطنة عمان من خلال تدشين شركة ميس للسيارات، أحد استثمارات الصندوق العماني للتكنولوجيا والنموذج الأول لسيارتها الكهربائية التي تعد من الابتكارات العمانية الصاعدة لتكون بداية جديدة لقطاع السيارات الكهربائية في السلطنة. ويعد مصنع كروة لإنتاج الحافلات بالدقم استثمارًا استراتيجيًا بين السلطنة ودولة قطر والذي بدأ الإنتاج عام 2021م، بطاقة إنتاجية 500 حافلة سنويًا.

وقطاع التعدين أيضًا في حاجة إلى الخبرة ورأس المال الأوروبي، حيث تسعى المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان لتعظيم الاستفادة من ثرواتها المعدنية وتحسين دور القطاع التعديني في التنمية وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. ففي المملكة العربية السعودية يوجد عدد هائل من الفرص الاستثمارية في مجال التعدين وصلت إلى 5,300 موقع، تقدر قيمتها بنحو 5 تريليونات ريال سعودي، من بينها الفضة، والذهب، والنحاس، والزنك، والفوسفات، والجرانيت. أما سلطنة عمان فتولي اهتمامًا كبيرًا لتطوير قطاع التعدين الذي وصل إجمالي إنتاجه ما يزيد عن 60 مليون طن بقيمة اقتصادية قدرها 230 مليون ريال عماني (600 مليون دولار) عام 2021م. وتسعى الحكومة العمانية إلى تطوير وزيادة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية وتوسيع دائرة العقود لتشمل عقود الخدمة، والإدارة، والتأجير، والامتياز، والمشاريع المشتركة بين المستثمرين المحليين والأجانب.

أهمية الأسواق الخليجية للاستثمارات الأوروبية

تتميز الأسواق الخليجية بالقدرة الشرائية العالية والمعدلات الكبيرة في الاستهلاك، حيث وصل عدد سكان دول الخليج حوالي 57,349,619 مليون نسمة في عام 2022م.  يوضح جدول (3) حصة الفرد من الناتج المحلي وعدد السكان في دول الخليج. ووفقًا للبيانات الصادرة من صندوق النقد الدولي، تصدرت قطر عربيًا قائمة الدول ذات النصيب الأعلى من الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بمتوسط بلغ حجمه 61.7 ألف دولار أمريكي لعام 2021م. وجاءت الإمارات في المرتبة الثانية بمتوسط بلغ 43.5 ألف دولار، لتتبعها الكويت في المرتبة الثالثة بمتوسط بلغ حجمه 27.9 ألف دولار. وجاءت البحرين في المرتبة الرابعة بمتوسط بلغ 26.9 ألف دولار، لتليها السعودية بمتوسط 23.6 ألف دولار، ثم سلطنة عمان بمعدل 17.6 ألف دولار.

جدول (3): نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وعدد سكان دول الخليج، 2021-2022م

الدولة

نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالدولار الأمريكي (2021)

عدد السكان (2022)

السعودية

23.6 ألف دولار

33.34 مليون نسمة

الإمارات العربية المتحدة

43.5 ألف دولار

7.06 مليون نسمة

الكويت

27.9 ألف دولار

5.20 مليون نسمة

سلطنة عمان

7.6 ألف دولار

3.53 مليون نسمة

قطر

61.7 ألف دولار

2.82 مليون نسمة

البحرين

26.9 ألف دولار

1.66 مليون نسمة

المصدر: صندوق النقد الدولي (2021) والمركز الإحصائي الخليجي (2022).

 

الاستثمارات الخليجية في دول الاتحاد الأوروبي

من المتوقع أن تسهم الشراكة الاستراتيجية في زيادة الاستثمارات الخليجية في الاقتصادات الأوروبية في ضوء الاهتمام السياسي الذي توليه القيادات الخليجية والأوروبية لتعزيز العلاقات بين الجانبين. فنظرًا لأزمات الطاقة والغذاء والتضخم التي يمر بها الاقتصاد الأوروبي فسوف تعمل الدول الأوروبية على جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة والزراعة والمنتجات الغذائية، ومن المحتمل أن تتوجه رؤوس الأموال الخليجية إلى دول أوروبا الشرقية، وإيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، هذا بالإضافة إلى الاستثمارات التي تضخ حاليًا في القطاع المالي والبنكي، وصناعة السيارات، والنوادي الرياضية، والقطاع العقاري في معظم الدول الأوروبية.

من الممكن أيضًا أن تشجع هذه الشراكة على تحويل كميات كبيرة من الاستثمارات الخليجية من الأسواق الآسيوية مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة إلى الأسواق الأوروبية التي كانت حتى وقت قصير الجهة الرئيسية لرؤوس الأموال الخليجية. ففي عام 2014م، بلغ مجموع أرصدة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لدول مجلس التعاون الخليجي في الاتحاد الأوروبي حوالي 60.8 مليار يورو، أي 77.7% من إجمالي أرصدة الاستثمارات بالخارج. بلغت أرصدة الاستثمارات الإماراتية منها 28.4 مليار يورو، أي 36.3% من إجمالي أرصدة الاستثمارات العربية المباشرة في الاتحاد الأوروبي، ومن قطر 14.8 مليار يورو (18.9% من الإجمالي)، ومن السعودية 13.6 مليار يورو (17.4% من الإجمالي).

 

شكل (1): نسبة الاستثمارات الخارجية من دول الخليج من الناتج المحلي الإجمالي (%) في السنوات (2016-2020)

المصدر: البنك الدولي (2022)

 

ويمكن لدول الاتحاد الأوروبي أن تعظم الاستفادة من مساهمة الاستثمارات الخليجية الكبيرة في تنمية اقتصاداتها. تشير البيانات الصادرة من البنك الدولي (2022م) أن دولة الإمارات احتلت المرتبة الأولى من بين دول الخليج في نسبة الاستثمارات الخارجة لدول العالم بنسبة 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020م، تلتها الكويت بنسبة 3%، ومن ثم قطر بنسبة 1.9%، ثم سلطنة عمان والسعودية بنسبة 0.7%، ثم البحرين، كما هو موضح في شكل (1). تدل هذه النسب أيضًا على المصلحة المشتركة وسعي دول الخليج لتنويع مصادر الدخل القومي وتقليل اعتمادها على النفط والغاز الطبيعي.

وفي الختام، يجب التنويه إلى أن تحسين بيئة الأعمال في الدول الخليجية وتعافي الاقتصاد الأوروبي من ركوده شرطان أساسيان لزيادة الاستثمارات بين الدول الخليجية ودول الاتحاد الأوروبي. بالرغم من أن الدول الخليجية طبقت العديد من الإصلاحات الاقتصادية خاصة في مجالات تأسيس الشركات، والحصول على الائتمان المصرفي، والتجارة عبر الحدود، وحماية المستثمرين، إلا أنه لا تزال هناك معوقات كثيرة، أبرزها تطوير البنى التحتية، وضبط السياسات الاقتصادية الداخلية، وتنويع الاقتصاد، وتشجيع القطاع الخاص ومنحه الدعم والتمويل اللازمين، وتحسين الأداء الخارجي خصوصاً الميزان التجاري وميزان المدفوعات. أما على الجانب الأوروبي، يعتمد نجاح الشراكة الاستراتيجية في زيادة الاستثمارات المشتركة على قدرة الاقتصاد الأوروبي على التعافي من تأثيرات الأزمة الروسية-الأوكرانية، والسيطرة على التضخم، والنظر إلى هذه الشراكة على أنها نقلة نوعية في العلاقات الخليجية-الأوروبية وليست حلًا مؤقتًا للأزمات الحالية التي يمر بها الاتحاد الأوروبي.

مقالات لنفس الكاتب