array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 183

قطاع الطاقة الإيراني لن يشهد تحسنًا والنظام على "حافة" مواجهة ضخمة مع الخارج

الإثنين، 27 شباط/فبراير 2023

رغم بريق الأمل والتكهنات المتفائلة في عام 2022م، بشأن إمكانية إطلاق العنان للنفط والغاز الإيرانيين للعودة مرة أخرى إلى أسواق الطاقة العالمية التي صارعت من أجل تعويض الإمدادات الروسية، التي تقلصت في أعقاب اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير من العام الماضي، إلا أن حملة القمع العنيفة التي شنتها السلطات الإيرانية تجاه المتظاهرين السلميين في الاحتجاجات الشعبية، التي بدأت في 16 سبتمبر 2022م، من ناحية، وتعثر التوصل إلى تفاهم جديد لإنقاذ الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) بين طهران والقوى العالمية من ناحية أخرى، بدد هذا البريق ووضع قطاع الطاقة في إيران على حافة الانهيار والفوضى العارمة في المستقبل المنظور، خاصة مع إحجام غالبية شركات الطاقة العالمية عن المشاركة في عمليات إنتاج وتصدير النفط والغاز الإيرانيين نتيجة استمرار العقوبات الدولية، وهو الأمر الذي من شأنه حرمان طهران من الحصول على الاستثمارات المطلوبة والتقنية الغربية المتطورة لتطوير هذا القطاع المتهالك لديها.

 

الأزمة الأوكرانية وقطاع الطاقة الإيراني

 

خلال عام 2022م، وفي غمرة سعي روسيا لاستخدام "سلاح الطاقة، كورقة ضغط على الدول الأوروبية والعالم الرافض لعملياتها العسكرية في أوكرانيا، باتت إيران أقرب لعقد اتفاق جديد لإحياء الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عام 2015م. وفي هذا الصدد، توقع تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، إنه إذا تم "إحياء" الاتفاق النووي مع طهران، فقد يتم رفع العقوبات الاقتصادية على إيران، مما سيؤدي إلى دخول ما بين حوالي 500 ألف إلى مليون برميل إضافية من النفط يوميًا إلى الأسواق الدولية. ومن ناحية أخرى، أكد كثير من المراقبين على أن رفع العقوبات الدولية عن إيران، حال التوصل إلى اتفاق بشأن برامجها النووية والصاروخية المزعزعة للاستقرار، سوف يؤدي أيضًا إلى إطلاق ثرواتها الغازية بشكل يهدئ من "الارتفاع" التاريخي في أسعار الغاز العالمية. حيث تعد طهران ثالث أكبر منتج للغاز في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا. وتمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي غاز مؤكد في العالم، عند مستوى 98.33 تريليون متر مكعب. ووفقًا لإحصاءات شركة بريتيش بتروليوم، فقد أنتجت إيران في عام 2021م، أكثر من 256 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي بمعدل 701 مليون متر مكعب يوميًا، تُستهلك، معظمها، في القطاعات المنزلية والتجارية والصناعية.

وإلى جانب ذلك، كان للأزمة الأوكرانية تداعيات متفاوتة على قطاع النفط والغاز الإيرانيين. فمن ناحية، فاقمت هذه الأزمة من أزمات هذا القطاع، خاصة بعدما شددت كثير من الدول الغربية من عقوباتها (المتمثلة في تجميد الأصول ومنع السفر والحرمان من التمويل وغيرها) على عدد متزايد من الأفراد والكيانات الإيرانية رفيعة المستوى ذات العلاقة بهذا القطاع، نتيجة دعم طهران العسكري لموسكو في سياق الحرب الروسية على أوكرانيا، خاصة فيما يتعلق ببيع الطائرات المسيرة (الدرونز) والذخيرة وغيرها. حيث دعا البرلمان الأوروبي في يناير 2023م، على سبيل المثال، إلى إضافة الحرس الثوري الإسلامي، وهو لاعب مهم في قطاع الطاقة الإيراني، إلى قائمة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي.

ومن ناحية ثانية، يبدو أن الأزمة الأوكرانية، منذ اندلاعها في فبراير 2022م، ساهمت نسبيا في انتعاش الطلب على النفط والغاز الإيرانيين، وبالتالي ارتفاع الإيرادات المالية لطهران من تصدير النفط والغاز. ففي يوليو2022م، زعم وزير الاقتصاد الإيراني إحسان خاندوزي، أن دخل البلاد من صادرات النفط والمنتجات النفطية ارتفع بنسبة 580 في المائة، في الأشهر الأربعة الأولى من العام (من 21 مارس وحتى 21 يوليو 2022م)، مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي 2021م. وقدر العديد من المراقبين أن طهران تمكنت من تصدير نحو مليون برميل من النفط الخام يوميًا خلال عام 2022م، ذهب معظمها إلى الصين وروسيا وفنزويلا والإمارات العربية المتحدة (والتي يرسل منها، مرة أخرى، إلى عدد من الدول الآسيوية). ورجحت شركات الأبحاث "تانكرتراكيرز" و"كبلر" و"فورتيسكا" أن إيران صدرت ما بين حوالي 810 آلاف إلى 1.2 مليون برميل يوميًا من النفط الخام في الأشهر الأخيرة من عام 2022م، لكن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) قدرت أن صادرات طهران من النفط الخام بلغت نحو 600 ألف برميل يوميًا في العام الماضي، بالإضافة إلى حوالي 400 ألف برميل من المنتجات النفطية يوميًا. وبناء على ذلك، تشير التقديرات إلى أنه إذا تم اعتماد التقدير الأدنى من صادرات النفط الخام ومنتجاته، والبالغ 600 ألف برميل يوميًا، ومتوسط سعر 90 دولارًا للبرميل لعام 2022م، سيبلغ إجمالي الإيرادات الإيرانية من تصدير النفط ومنتجاته نحو 22 مليار دولار خلال عام 2022م، بينما في حال تقدير حجم الصادرات الإيرانية الأعلى (أي مليون برميل يوميًا) فسوف تكون الإيرادات السنوية لعام 2022 في طهران نحو 32 مليار دولار، وإذا كانت إيران تصدّر نحو 400 ألف برميل يوميًا من هذه المنتجات النفطية، فهذا يعني تحقيق نحو 13 مليار دولار أرباحًا إضافية في عام 2022م. ومن ثم، فإن إجمالي عائدات تصدير النفط الإيراني ومنتجاته في العام الماضي، سيتراوح بين 35-45 مليار دولار، اعتمادًا على حجم تصدير النفط الخام ومنتجاته. وتجدر الإشارة إلى أن هذه التقديرات تعتبر تقريبية، إذ لا تتوافر المعلومات الكافية عن مقدار الخصم الذي تقدّمه إيران لمشتريها الرئيس "الصين"، ومقدار العملة الصعبة التي تبيع بها هذه الصادرات. كما يعتقد العديد من الخبراء أيضًا أن طهران ربما تقايض بعض نفطها للحصول على الغذاء والضروريات الأخرى، فضلًا عن أن استعمال الوسطاء والأساليب غير المشروعة لإخفاء شحناتها وإعادة الأموال النقدية إلى إيران، وسط العقوبات المصرفية الأمريكية، يكلّف المزيد من المال.

ومن ناحية ثالثة، ساهمت الأزمة الأوكرانية، بشكل ملحوظ، في توسيع التعاون بين طهران وموسكو في قطاع الطاقة، مما جعل إيران "جسرًا واعدًا" لنقل منتجات النفط والغاز الروسية إلى دول أخرى، وبالتالي برزت أهمية طهران، باعتبارها "مركزًا إقليميًا واعدًا للغاز". ففي 19 يوليو2022م، وعلى هامش زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرسمية إلى إيران، وقعت شركة النفط الإيرانية مذكرة تفاهم مع شركة الطاقة الروسية العملاقة "غازبروم" للتعاون في صناعة النفط والغاز. ووصفت شركة النفط الإيرانية هذا التعاون مع غازبروم بأنه "أكبر صفقة في تاريخ صناعة النفط الإيرانية"، إذ يتضمن استثمارات بنحو 40 مليار دولار من أجل تطوير 6 حقول نفطية في إيران، أهمها كرنج وآذر وجنغولة وأب تيمور ومنصوري (بقيمة 15 مليار دولار)، وحقلي غاز (بقيمة 25 مليار دولار)، وكذلك دراسة التعاون بين البلدين في مشروعات الغاز الطبيعي المسال وخطوط الأنابيب.

وفي هذا السياق، أشارت بيانات بورصة الطاقة الإيرانية إلى أن طهران تستطيع استيراد نحو 3 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي سنويًا، عبر خطوط الأنابيب الممتدة في كل من تركمانستان وأذربيجان. كما قلت وكالة "فارس" عن بيان صادر عن إدارة العلاقات العامة في وزارة النفط الإيرانية، في شهر سبتمبر 2022م، أنه من المقرر استيراد 9.6 مليون متر مكعب يوميًا من روسيا، على أن تتم مقايضة ما يعادل 6 ملايين متر مكعب يوميًا من الغاز الروسي لتصديره من جنوب إيران. وفي هذا السياق، قال مساعد وزير الخارجية لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية في إيران، مهدي صفري: "قريبًا، سيجري إنشاء مشروع مشترك بين إيران وروسيا لبناء خط أنابيب غاز إلى البلدان الواقعة على طول الخليج العربي وبحر عمان". وتابع صفري، في إشارة إلى فرصة لتحويل إيران إلى مركز إقليمي للغاز: "إن سيناريو إيران لتجارة الغاز مع روسيا يتمثل في شراء الغاز من هذا البلد ثم تصدير الغاز إلى الدول المجاورة، مثل باكستان ودول الخليج العربي".

ويؤكد المراقبون على أن التعاون في مجال الطاقة بين طهران وموسكو يمكن أن يحقق الكثير من المنافع والمكاسب المتبادلة للجانبين، خاصة وأنهما من كبار منتجي الغاز في العالم، ويمثل التعاون بينهما دعمًا لكليهما في مواجهة العقوبات الغربية. كما تمتلك روسيا فائضًا كبيرًا من الغاز، وقت كتابة هذه السطور، بسبب ميلها إلى استخدام "سلاح الطاقة" في مواجهة العقوبات الغربية عليها، عقب عملياتها العسكرية في أوكرانيا. ومن ناحيتها، تجد طهران في مبادلة الغاز الروسي أحد الخيارات التي يمكن الارتكاز عليها لجذب استثمارات جديدة، وسط خطط لتحويل إيران إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز. وبالإضافة إلى ذلك، يمثل استيراد الغاز من روسيا أحد خيارات وزارة النفط الإيرانية لتلبية تنامي الاحتياجات المحلية، بالنظر إلى أن طهران تواجه، منذ فترة طويلة، نقصًا كبيرًا في إمدادات الغاز الطبيعي. كذلك، فإن التعاون مع موسكو يمكن أن يساعد إيران على رفع طاقتها الإنتاجية من النفط إلى 4 ملايين برميل يوميًا بحلول نهاية العام المالي الجاري (الذي ينتهي في 20 مارس 2023م، حسب التقويم الفارسي).

 

تحديات صعبة أمام قطاع الطاقة الإيراني

رغم الآمال بأن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى انتعاش قطاع الطاقة الإيراني في المستقبل القريب إلا أن هذا القطاع سوف يواجه، على الأرجح، تحديات كثيرة في الفترة القادمة. فمن ناحية، سوف يواجه هذا القطاع "عاصفة شديدة" من عدم الاستقرار والفوضى نتيجة استمرار الاحتجاجات الشعبية في الداخل، وهو الأمر الذي من المرجح أن يؤثر على استمرارية الأعمال الروتينية اليومية لهذا القطاع الحيوي، بما قد يفاقم من حدة أزمة "نقص الغاز في البلاد"، في ظل تفاقم استهلاكه وتدهور الإنتاج على المستوى الوطني. ففي أكتوبر2022م، أفاد تقرير للجنة الطاقة في البرلمان الإيراني بأنه بسبب الإهمال المستمر في التصدي لمشكلة نقص الغاز في البلاد فإن هذه الأزمة ستؤدي إلى تراجع إنتاج الكهرباء في البلاد بنسبة لا تقل عن 70 في المائة. وأشار التقرير أيضًا إلى أن استمرار هذه الأزمة قد يقود إلى توقف صناعات ثقيلة مثل الصلب والألومنيوم والصناعات المعدنية والبتروكيماوية الأخرى، وتعليق الخدمات الأساسية مثل المخابز ومراكز الخدمة العامة الأخرى، وتعطيل التدفئة للأشخاص في المراكز الحضرية والريفية إلى حد لا يقل عن 95 في المائة. ويشار أيضًا إلى أن أزمة نقص الغاز تتسبب أيضًا في توقف الإنتاج والخدمات في شبكات تنقية المياه وتوزيعها، وتعطل المؤسسات المالية والبنوك والانتقالات، ما سيؤدي إلى استياء شعبي ومظاهرات جديدة، وبالتالي تداعيات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة، حسبما يؤكد كثير من المتابعين للشأن الإيراني.

ومن جهة أخرى، سيؤدي استمرار الإدانات الدولية للتعامل الوحشي من جانب النظام الحاكم في طهران مع المحتجين والمتظاهرين، في الغالب، إلى استمرار عزلة طهران دوليًا وسياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وهذه العزلة ستمنع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى هذا القطاع المتداعي.

كما من المتوقع أيضًا أن "تكتوي" صادرات إيران النفطية بفعل العقوبات الغربية على روسيا. حيث يشير عدد من المراقبين إلى أن هذه الصادرات ستتراجع، على الأرجح، إلى الأسواق الآسيوية، وخاصة في الصين والهند، بعد توجه موسكو لبيع نفطها في هذه الأسواق، التي تعد اسواقًا تقليدية للنفط الإيراني. فضلًا عن أن تحديد الجانب الأوروبي سقفًا لأسعار النفط الروسي سينعكس سلبًا على صادرات النفط الإيراني، وذلك لأن تحديد سقف للنفط الروسي، في الغالب، سوف ينعكس سلبًا على أسعاره التي تراجعت إلى حوالي 53 دولارًا للبرميل خلال الشهور الأخيرة، وبالتالي ستدفع الخطوة الأوروبية روسيا إلى بيع كميات أخرى بأسعار متدنية؛ مما سيضيق الخناق على النفط الإيراني في الأسواق الآسيوية. حيث ستصبح طهران مجبرة على تخفيض سعر خامها بدرجة أعلى، حتى تستطيع المنافسة مع روسيا، في الأسواق القليلة المتبقية أمامها، بعدما تقلص زبائنها بشكل كبير بسبب العقوبات الأمريكية المرتبطة ببرنامجها النووي. وتشير التقديرات إلى أنه يتم، وقت كتابة هذه السطور، تسعير النفط الإيراني بخصم يبلغ نحو 10 دولارات للبرميل عن العقود الآجلة لخام برنت، بما يجعله على قدم المساواة مع شحنات الأورال الروسية. ويقارن ذلك بخصم يتراوح بين 4 دولارات و5 دولارات قبل بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وإلى جانب ذلك، من المنتظر في المستقبل القريب أن تستمر معاناة قطاع الطاقة الإيراني أيضًا من أزمات هيكلية مهمة، وعلى رأسها عدم جاهزية البنية التحتية الضرورية لتصدير الغاز الطبيعي إلى دول الجوار. فعلى سبيل المثال، تحتاج طهران إلى خطوط أنابيب غاز جديدة لزيادة تصدير الغاز إلى الخارج، حيث أن سعة خطوط الأنابيب الحالية إلى تركيا والعراق محدودة للغاية، وهو ما ينظر إليه باعتباره "عنق الزجاجة الأساسي" لإيران. كذلك، لا تمتلك طهران القدرة، في الوقت الحالي، على إنتاج الغاز الطبيعي المسال.

ومن ناحية أخرى، من المتوقع ألا تمتلك إيران "فائضًا للتصدير" في المدى المنظور. ومما يؤكد هذا التقدير أن التقارير المعلنة تشير إلى تراجع صادرات الغاز الإيراني في عام 2022م، نتيجة زيادة الاستهلاك المحلي وصعوبة زيادة الإنتاج في ظل العقوبات الدولية المفروضة على طهران. وفي هذا الإطار، انخفضت إيرادات صادرات الغاز الإيراني بنسبة 72 في المائة خلال الأشهر الـ 8 الأولى من العام الفارسي (الذي يبدأ في 21 مارس 2022م)، مقارنة بالمدة نفسها من عام 2021م، وأظهر تقرير وزارة الصناعة والمعادن والتجارة في طهران أن صادرات إيران من الغاز الطبيعي هبطت بمقدار 2.6 مليار دولار خلال المدة من 21 مارس حتى 20 نوفمبر 2022م، مشيرا إلى أن صادرات الغاز الإيراني إلى تركيا والعراق هبطت بمقدار 15 مليون طن في الـ 8 أشهر الأولى من العام المالي الحالي، وبنسبة تراجع 82 في المائة مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي. وكان وزير النفط الإيراني جواد أوجي توقع، في وقت سابق من العام، أن تشهد بلاده نقصًا يقدر بنحو 230 إلى 250 مليون متر مكعب من الغاز في ذروة الاستهلاك خلال فصل شتاء 2023م، محذرًا من تحول بلاده إلى مستورد للمنتجات النفطية والغازية في حال عدم استقطابها 240 مليار دولار خلال الأعوام الـ 8 المقبلة للاستثمار في قطاعي النفط والغاز. وفي هذا الإطار، نشرت لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، مطلع أكتوبر 2022م، تقريرًا أقرت فيه باختلال التوازن في إنتاج الغاز الطبيعي واستهلاكه في إيران، خاصة مع زيادة الاستهلاك المحلي من قبل الأسر والشركات، وهي الزيادة التي وصفها وزير النفط الإيراني جواد أوجي بانها "غير مسبوقة" مشيرًا إلى أنها وصلت 60 مليون متر مكعب يوميًا في العام الماضي مقارنة بعام 2021م، بينما لم يزد الإنتاج الغازي في إيران عن 25 مليون مترًا مكعبًا يوميًا فقط.

كما من المتوقع أن تزداد الأمور تعقيدًا أمام "انفراج" أوضاع قطاع الطاقة الإيراني في المستقبل القريب في ضوء حقيقة أن سوق الطاقة الإيرانية يتسم بسيطرة حكومية "شبه مطلقة"، مع عدم السماح للقطاع الخاص بلعب دور أساسي في مشروعات الطاقة المهمة، وهو الأمر الذي من شأنه تعثر إمكانية أن تصبح إيران مركزًا إقليميًا لتجارة الغاز الطبيعي، بالتعاون مع روسيا.

ومن جهة ثانية، من المنتظر في المدى القريب أيضًا أن يواجه التعاون الإيراني / الروسي في قطاع الطاقة أسئلة عديدة تتمحور حول كيفية تنفيذ مذكرة التفاهم الأخيرة الموقعة بين طهران وموسكو في ظل العقوبات الدولية المفروضة على موسكو، ومن أيّ مصدر سيُحصَل على الموارد المالية اللازمة؟ وهل تكنولوجيا غازبروم قادرة على تلبية جميع احتياجات صناعة الطاقة الإيرانية؟ كذلك يتخوف عدد من دوائر صنع القرار الإيراني من إمكانية أن يؤدي توسيع التعاون مع موسكو في قطاع الطاقة إلى "انتهاك السيادة الإيرانية" من جانب "الدب الروسي"، الذي يسعى دومًا إلى تحقيق مصالحه الاقتصادية والجيوسياسية فقط، الأمر الذي قد يضع إيران في المستقبل المنظور في مواجهة تحديات خطيرة للغاية ليس فقط فيما يتعلق بأمن الطاقة وإنما أيضًا فيما يرتبط بأمنها القومي وسياساتها الخارجية.

على أية حال، وبناء على كل هذه التقديرات، يمكن القول إن قطاع الطاقة الإيراني لن يشهد، في الغالب، في الشهور المقبلة، تحسنًا كبيرًا عما كان عليه الحال طوال أكثر من أربعة عقود ماضية، نتيجة استمرار العزلة المفروضة على طهران بفعل تحديها للمجتمع الدولي بشأن استمرار تطوير برامجها النووية والصاروخية فضلًا عن أنشطتها المزعزعة للاستقرار والأمن في أجزاء متعددة من منطقتنا العربية. وهو الأمر الذي سيزيد، في الغالب، من معاناة الشعب الإيراني، بشكل قد يدفعه إلى مزيد من الاحتجاجات والمظاهرات بهدف الإطاحة بالنظام الحاكم في طهران، والذي يبدو أنه قد أصبح على "حافة" مواجهة ضخمة مع الخارج في الفترة القادمة.


 

 

إنتاج النفط الخام في إيران منذ عام 2019 حتى يوليو 2022:

تطور إنتاج الغاز الطبيعي في إيران منذ عام 1970 حتى عام 2020:

 

مقالات لنفس الكاتب