array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 183

الغرب والولايات المتحدة بصدد تقليم أظافر النظام الإيراني دون إسقاطه أو تغييره جذريًا

الإثنين، 27 شباط/فبراير 2023

إن تناول الأوضاع في إيران في ظل الأحداث والتطورات الجارية فيها، من الضروري جدًا أن يجري في ضوء وضع الحالة الإيرانية في خارطة تقاسم النفوذ الدولية بعد الحرب العالمية الثانية بعين الاعتبار والأهمية، وخطأ کبير مقايسة الاحتجاجات في إيران بنظيراتها التي جرت خلال العقد السابق في دول الربيع العربي، إذ أن إيران بحکم موقعها الاستراتيجي وبحکم ماتمتلکه من ثروات وقدرات هائلة وإمکانية أن لا تلعب دورًا مهمًا فحسب، وإنما فعالًا ومٶثرًا في العلاقات الدولية والإقليمية، يجعل من موضوع إجراء تغييرات سياسية نوعية عليها بمثابة مسألة بالغة الحساسية والتعقيد في نفس الوقت.

 

*احتجاجات إيران 2022 تغطية عالمية ومواقف لاتتعدى الأدبيات السياسية*  

 

الاحتجاجات التي تشهدها إيران حاليًا ليست طارئة، ولا هي بالحالة الشاذة بل إنها امتداد لاحتجاجات سابقة هدفها الأساسي تحسين الأوضاع المعيشية ورفع سقف الحريات بالحد من القوانين الصارمة المفروضة في البلاد منذ 43 عامًا من حکم النظام الحالي، لکن الذي يميز الاحتجاجات الحالية عن التي شهدتها إيران في الأعوام 2009 و2018 و2019م، أن الأجهزة الأمنية لم تتمکن من إخمادها والسيطرة عليها کما جرت مع الاحتجاجات التي أشرنا إليها، مع ملاحظة أن الشعارات المعادية للنظام والتي تمس خامنئي بحد ذاته ليست بتلك الشعارات الطارئة والمستجدة، بل طرحت في الانتفاضات السابقة، إلا أن الذي يجب أن ننتبه له مليًا ونأخذه بعين الاعتبار أکثر هو أن الاحتجاجات الحالية قد تم تسليط الأضواء عليها من جانب وسائل الإعلام العالمية أکثر من الانتفاضات السابقة، إلى جانب أنها تشهد تنفيذ أربعة أحکام إعدام بحق معتقلين على خلفية الاشتراك في الاحتجاجات ووجود مايقارب 100 آخرين يواجهون احتمال تنفيذ أحکام الإعدام بحقهم.

 

أکثر من عامل وسبب يجعل الأوساط الدولية المعنية بالملف الإيراني لاتتسرع في حسم مواقفها النهائية تجاه هذه الاحتجاجات، وبشکل خاص الولايات المتحدة الأمريکية، ولعل الحرب الروسية ـ الأوکرانية ودور الولايات المتحدة وحلف الناتو فيها وکذلك التجاذب والتنافس الأمريکي ـ الصيني وعلاقة وآثار وتداعيات کل منهما على إيران ولاسيما في ضوء التطور النوعي الذي شهدته وتشهده العلاقات الإيرانية ـ الروسيـة من جهة والإيرانية ـ الصينية من جهة أخرى، بالإضافة إلى نقطة مهمة جدًا وهي أن الاحتجاجات الإيرانية وإن أتخذت طابعًا سياسيًا لکنها لاتمتلك قيادة أو رأسًا قياديًا کما کان الحال في الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه، وهو مالا يصعب بل وحتى يعقد من نوع وحجم وشکل التدخل الغربي عمومًا والأمريکي خصوصًا فيما تشهده إيران من احتجاجات والتي هي لحد الآن لاتخرج من النطاق الإعلامي والسياسي الاستعراضي المنحصر في دائرة بيانات الإدانة والعقوبات التي يمکن القول أن إيران قد تعودت عليها، ولذلك يمکن القول بأن النظام في إيران لايشعر حاليًا بالقلق والخوف من الدور الأمريکي والغربي طالما لايزال في دائرة الأدبيات السياسية.

 

* إيران مابعد احتجاجات سبتمبر ليست كما قبلها*

 

يسعى الغرب في الوقت الحاضر للاستفادة تکتيکيًا من الأوضاع الراهنة في إيران التي تشهد احتجاجات شعبية، لکن الغرب کان له موقف شائن من انتفاضة عام 2009م، والتي کان بمقدورها قلب الأوضاع في إيران رأسًا على عقب، لکن الإدارة الأمريکية صرفت النظر عن دعم وتأييد هذه الانتفاضة في ذلك الوقت وأدارت ظهر المجن لها وبصورة ملفتة للنظر، وهو الأمر الذي ساهم في إسکات الشارع الشعبي الإيراني لحد أواخر عام 2017م، إذ أن التزام الصمت والتجاهل الواضح لإدارة أوباما والاتحاد الأوروبي وقتها عن دعم وتأييد الانتفاضة، دفع بالنظام حينها بالإيحاء للشعب الإيراني أن الغرب لن ينفعه وأنه أصبح أمرًا واقعًا وأن الانتفاضة أو الثورة ضده لن تلقى أي صدى وتجاوب دولي، وهو الموقف الذي أشارإليه العديد من الکتاب والمراقبين السياسيين في خضم الاحتجاجات الحالية، وهو السبب کما يبدو الذي دفع بالغرب للتلويح بإدراج الحرس الثوري ضمن قائمة الإرهاب، ومع ملاحظة أن الحرس الثوري کان ولازال هو المتخصص بقمع الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية وبشکل خاص الانتفاضة الحالية، فإن التلويح الجدي بوضعه ضمن قائمة الإرهاب يعني دعم وتأييد غربي واضح للانتفاضة، لکنه مع ذلك دعم محدود وحذر وهو أشبه مايکون برسالة جدية واضحة لإيران تطالبها بالرضوخ للمطالب الغربية المطروحة من جهة، وبتحقيق قدر من التغيير في الأوضاع السائدة وتحسينها من جهة أخرى.

 

الملفت للنظر هنا، هو أن هذه الاحتجاجات وفي ظل الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية السائدة حاليًا، تبدو بمثابة فرصة ثمينة ونادرة للغرب من السذاجة التفريط بها من دون استخدامها من أجل تحقيق أهدافه، وهذه الأهداف تأخذ بعين الاعتبار أن هذه الاحتجاجات التي تتميز بعدم وجود رأس وقيادة محددة وأن هناك انقسامًا وتشرذمًا وتجاذبًا بين الأطراف المختلفة للمعارضة الإيرانية، يدفع الغرب للحذر في التعامل مع الاحتجاجات وعدم الذهاب بعيدًا في الاعتماد والتعويل عليها، خصوصًا وأن التجارب المرة لليبيا والعراق وسوريا مازالت ماثلة أمامهم، رغم أننا نميل إلى أن الغرب لايتعامل مع الأوضاع في إيران کما تعامل مع الأوضاع في بلدان ماتسمى بالربيع العربي، ذلك أن إيران وبسبب المزايا المتباينة التي أشرنا إليها، تجعل منها حالة خاصة جدًا بالنسبة للغرب، حيث يسعى وبکل جدية وانتباه وحتى ببطئ بالغ في التعامل معها وعدم التسرع ولاسيما وأن التهديدين الروسي والصيني لايزالان يشکلان الهم الأکبر للغرب والولايات المتحدة الأمريکية بشکل خاص، وإن کسب روسيا والصين لإيران من شأنه أن يحدث خللًا کبيرًا في المعادلة السياسية الدولية القائمة من حيث وضع إيران ومحسوبيتها على هذه الأطراف المتنافسة، کما أن إسرائيل من جانبها تتخوف أيضًا من انفراط إيران کدولة أو حتى حدوث فوضى خلاقة فيها بحيث تنعکس سلبًا عليها، ومن هنا فإن أغلب الظن وبموجب ماقد أسردنا ذکره فإن الغرب والولايات المتحدة في صدد عملية تقليم أظافرالنظام في إيران من دون إسقاطه وتغييره جذريًا، وإيران لاتجد مناصًا في النتيجة النهائية من الاتفاق مع الغرب والامتثال لمطالبه بصورة أوأخرى لأنها وبعد 43 عامًا، متعبة تمامًا ومثقلة بالمشاکل والأزمات وغير قادرة أساسًا على دخول مواجهة حاسمة مع الغرب بل إن الخيار الوحيد لدخولها المواجهة هو أن تتبع أسلوب شمشون المعروف"علي وعلى أعدائي "، ولايمکن لإيران أن تغامر بدخول مواجهة خاسرة سلفًا، والمطالب الغربية محددة بحسم الاتفاق النووي وتحديد التدخلات في بلدان المنطقة والابتعاد عن الفلکين الروسي والصيني، وإلى جانب ذلك وکما ذکرنا توفير قدر من المکاسب للشعب الإيراني تجعله يتنفس الصعداء ولو قليلًا، والملاحظة الأخيرة التي نود لفت النظر إليها، هي أن إيران مابعد هذه الاحتجاجات لن تکون أبدًا کإيران التي قبلها، ذلك أن طبيعة وشکل ومضمون هذه الاحتجاجات قد ولدت ثمة قناعة داخل أوساط النظام وبين الشخصيات المتنفذة فيها بضرورة إجراء تغييرات في النظام وهذه التغييرات هي ذاتها التي دعا إليها الرئيسان السابقان محمد خاتمي وحسن روحاني.

مقالات لنفس الكاتب