array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 184

دول الخليج بعيدة عن المخاطر العالمية المباشرة وأمامها 4 سيناريوهات لتلافي تأثيرها

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

كلما قرأت تحليلًا حول ظاهرة معينة في الشأن الإنساني تذكرت شاعر العرب أبو الطيب المتنبي فقد كان ذا بصيرة، حيث قال (كلما أنبت الزمان قناة ركب الناس في القناة سنانا)

فهمي لذلك البيت من الشعر أن الناس ينظرون إلى الظواهر السياسية والاجتماعية ويفسرونها كما يرغبون، دافعهم قد يكون ذاتي، أو وطني أو مصلحي أو رغائبي، وقد لا يكون ذلك التفسير هو تعبير دقيق عن تلك الظواهر.

لذلك أمامنا اليوم عدد هائل من المعطيات الدولية في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية متشابكة من الحاجة إلى الموارد، إلى الحاجة إلى الأمن، وما بينهما من حاجات تتصارع عليها الشعوب، البعض يشير إلى الأزمة العالمية على أنها (أزمة متعددة الرؤوس).

تلك المعطيات المتعددة تتصف بثلاث صفات أساسية، أنها أولًا (معلومة) أي دولية، وثانيًا أنها خارجة عن رغبة أو قدرة دولة واحدة في العالم وحتى عدد من الدول للتأثير النهائي فيها، والثالثة أنها ليست إنسانية فقط ولكن طبيعية أيضًا. كلها تؤثر تأثيرًا مؤكدًا، وإن اختلفت درجته، على مجموع البشرية، سواء كانوا في أمريكا الشمالية أو أستراليا أو إفريقيا جنوب الصحراء أو حتى في آلاسكا.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تاق الإنسان إلى السلم والتنمية، فقد مرت البشرية في القرن العشرين بحربين مدمرتين، إلا أن ذلك التوق بقي على الورق، فقد قامت حروب صغيرة ومتوسطة منذ نهاية الحرب العظمى الثانية في عدد كبير من الدول، وتوالت الحروب بعضها تدخلت فيه قوى كبرى، وبعضها ساندت تلك القوى مجموعات محلية للتغلب على مناوئيها في الداخل، إلا أنها سفكت فيها الدماء وهدرت فيها الموارد

تلك الحروب ساهمت فيها دول كبرى ولكن قيل للعالم أنها (حروب تحرير) كما حدث في فيتنام وأفغانستان والعراق، وحروب أخرى هي حروب (توسع) أو محاولة لإحياء امبراطوريات سابقة كما يحدث في اليمن (من تدخل إيراني) أو في أوكرانيا من تدخل روسي.

  • التاريخ يمدنا في بعض الأوقات بالعجب العجاب، لقد قام السيد آدولوف هتلر بتغذية الأنا الألمانية آخذا بالثأر من هزيمة ألمانيا المذلة في الحرب العالمية الأولى، وهو يتعافى أرسل جيشًا من الألمان ( تجريبًا) لمساعدة دكتاتور في أسبانيا هو فرانكو، وعندما نجحت طلائع ذلك الجيش في هزيمة أعداء فرانكو عاد الجيش  إلى ألمانيا مزهوًا، بالضبط حدث ذلك مع روسيا الاتحادية والتي هزمت في شكلها ( السوفيتي) في أفغانستان،  أرادت أن تعود في شكل روسيا الاتحادية فأرسلت طلائع جيشها لمساندة دكتاتور آخر هو ( نظام الأسد) في سوريا، و أبلى ذلك الجيش بنصر نسبي ،إذ أبقى  النظام الدكتاتوري، لذلك أراد ( كما فعل هتلر بالضبط) أن يقضم الجوار فبدأ بقضم  جزء من جورجيا، ثم جزيرة القرم وأخيرًا ( اللقمة الكبرى) أوكرانيا، و التي تبين أنها لقمة صعبة البلع حتى الآن، لأن المجتمع الرأسمالي ( الديمقراطي) و جد أن شهية موسكو لا حدود لإشباعها، وقد تتمدد إلى شرق أوروبا؟

إذًا العالم أمام تداعيات كبرى جراء ما يفعله الإنسان في نفسه (إشعال الحروب) ويبدو أن القيادات السياسية عندما يمر عليها الوقت تنسى المآسي السابقة وتبدأ بمآسٍ جديدة، فقد كانت السنوات الثمانون تقريبًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قد بليت بأكثر من ثمانين حربًا صغيرة ومتوسطة إقليمية أو بينية، ولكنها اليوم تدخل في مأزق جديد، حرب بين دولة كبرى مسلحة نوويًا، فإن انهزمت سببت معضلة، وإن انتصرت سببت معضلة أخرى.

من يحكم العالم اليوم؟

إذا كنت أنا من سوف يجيب على السؤال السابق فإني أجيب أن من يحكم العالم هو (البلهاء).  فتحيطنا أنظمة في هذا العالم تنقسم تقريبًا إلى قسمين، الأولى يمكن إطلاق مفهوم (الديمقراطية) الرأسمالية عليها مع الاختلاف في الدرجة، وأخرى يمكن إطلاق مفهوم (شمولية) مع الاختلاف في الدرجة.

في الجانب الذي يطلق عليه ( ديمقراطي)  رأسمالي نشاهد العجب من سياسييه، فإن أخذت كمثال رجل من مثل دونالد ترامب، فهذا الرجل كلما استمعت إليه أصاب المستمع العاقل الرعب من الأفكار التي يحملها، بالنسبة له ( السلطة ثم السلطة)ـ وقد عسف بديمقراطية قديمة كانت تفخر إلى وقت متأخر أنها ( قلعة الديمقراطيات في العالم) الحقيقة أنها لم تعد كذلك، فذلك رئيس رفض أن يعترف بنتيجة الانتخابات العامة، بل حشد بعضًا من أنصاره المهووسين باقتحام مكان كان ( مقدسًا) للشعب الأمريكي، ومحط الكثير من الحسد من مجتمعات أخرى، ليس هو الوحيد، فهناك تيار واسع في المشهد السياسي الأمريكي ينبئ عن تدهور في القيم الديمقراطية  وفي عدد من  الدول الأوروبية على سيبل المثال بريطانيا و التي قام سياسيوها الشعوبيين بتزيين ( الخروج من السوق الأوروبية ) ولكنهم وقعوا في أزمة اقتصادية و اجتماعية كلفت الكثير ، يسعى سياسيو ( الشعبوية) في أوروبا وغيرها  بصرف النظر عن المبادي أو حتى مصالح قطاعات واسعة من الشعوب الأخرى أو حتى شعوبهم.

وفي جانب آخر فإن ( النظام الرأسمالي) يمر بمرحلة ( مرض) مظهره هو ( التقشف و العسكرة و الحمائية) ويشير كثيرون من العرب إلى ضرورة ( الانعطاف) في الرأسمالية أي مرحلة (نقص النمو) Degrowth   حيث أن الأزمة المتعددة التي فجرتها الحرب الروسية ـ الأوكرانية تدفع تلك الأنظمة إلى تجاوز ما طالبت به في السنوات الأخيرة في موضوع ( مخاطر تغير المناخ) فكثير من دولها تسعى جادة للتحول إلى طاقة الفحم ( ملوث كبير للبيئة)  وتزداد البصمة البيئية سوءًا بدلاً من أن تقل، ذلك له تأثير على المياه و الزراعة والصحة للإنسان على مستوى الكوكب.

على مقلب آخر نجد أن (الأنظمة الشمولية) تمتاز بتحكم رجل واحد أو عدد قليل من الرجال متحكمين في كل القرارات الحياتية لبقية الشعب، فهم أو (هو) يقرر ما يجب أو لا يجب أن يفعله الشعب، هو الذي يقرر متى يأخذ بلاده بقضها وقضيضها إلى حروب شعواء.

هذا المرض الشعبوي في مكان والشمولي في مكان آخر هو الذي يخرب الأوطان ويشعل الحروب ويضطهد البشر، ويفقر الجموع ويخيف الجماهير وهو مرض العصر.

أوكرانيا، أوكرانيا:

مرت سنة كاملة على حرب شعواء، وطرفاها يرفضان أن يقولا للعالم كم من أبناء وطنهم قد سقط في المعارك، وحدها المقابر في المدن والبلدان، في كلتا الدولتين المتحاربتين، التي تشئ بنتائج ذلك الجحيم. حتى الآن فإن المبالغ التي قدمت لأوكرانيا من الغرب تبلغ في المجموع تقريبًا مائة مليار دولا (والحبل على الجرار) تصور كم من برامج التنمية مثل هذه الأرقام الفلكية يمكن أن تمول، ونحن نتحدث فقط عن جانب واحد من التمويل وسنة واحدة من الحرب. وليس أقل من ذلك المبلغ خسره الجانب الآخر من الحرب (روسيا الاتحادية) إن حسبنا العدة والعديد، وأيضًا الخسارة الاقتصادية، من جديد لسنة واحدة فقط.

لا يبدو لهذه الحرب من نهاية، لكن ما هو مؤكد أنها تركت ولا زالت في معظم دول العالم فقرًا ومجاعة وبطالة وتضخمًا على المستوى العالمي، كما أن صيرورتها يمكن أن تتوسع وقد تشمل العالم كما يحتمل استخدام (أسلحة غير تقليدية) في تصور لحسمها وهو تصور قد يطيح بما حققته الإنسانية منذ فجر التاريخ.

العالم شبه منقسم حيال هذه الحرب، ربما أغلبية شاجبة وأقلية مؤيدة، يتراوح الشجب والتأييد من دول المتحاربين، المؤيد (الصامت) من الدول عن الإدانة ينظر إلى مصالحه وبعضه يبقى على السياج ينتظر تطور الأمور، وآخرون مصرون على إدانه (العدوان) غير المبرر وعدم جواز (تغيير الحدود بالقوة) وكل الكليشيهات تختم ملفات الأمم المتحدة والمفردات التي تستخدمها.

الغرب يقول للعالم إنه (يدافع عن الحريات) والشرق يقول للعالم إنه (يدافع عن أمن بلاده) ومع سقوط أو اختفاء (الحرب الأيدولوجية) والتي كانت تبرر ذلك الانقسام الدولي بين المعسكر الرأس مالي والمعسكر الاشتراكي، إلا أن الحروب استمرت والصراعات تفاقمت، هذه المرة من جديد بين من يقول للعالم إنه يدافع عن الحريات ومن يقول إنه يدافع عن الأوطان.

صلب الاختلاف ذاك هو (من يسيطر على العالم) ومن يتحكم في الموارد ومن يستطيع أن يغني شعبه على حساب شعوب أخرى. يبدو للمراقب أن العالم تحول إلى غابة فيها حيوانات شرسة تحمل جينات أكثر كثيرًا مما تحمله الحيوانات، فالأخيرة لا تتقاتل حتى الفناء، أما السياسيون الذي يتحكمون في العالم اليوم فلا بأس عندهم أن يكون القتال (حتى الفناء)!

ساذج من يعتقد أن العالم تحكمه بعض الحكمة، في الحقيقة العالم تحكمه مجموعة من الحمقى والمغامرين، الذين لا يحترمون حتى ما اتفقوا عليه في المؤسسات الدولية كمثل مجلس الأمن، وهناك ملايين من البشر يسيرون عميانًا وراء أولئك الحمقى والمغامرين، ويرددون شعارات تحكمها العصبية واللاعقلانية وبالتأكيد اللاإنسانية.

 

المخاطر على الدول الصغيرة والمتوسطة

 

المخاطر العشر العالمية كما جاءت في تقرير منتدى دافوس قد لا تنطبق كلها على دول الخليج ولكن هناك مخاطر إما نابعة منها أو متفرعة يحسن التحوط لها.

-فكرة الضم: في عالم يتصف بما سبق فإن المخاطر على الدول الصغيرة و المتوسطة (عظيمة) إذ أن حرب أوكرانيا قد أسقطت أحد أهم أعمدة القانون الدولي وهو ( عدم ضم أراضي دولة معترف بها في الأمم المتحدة إلى دولة أخرى بالقوة ) هذا المبدأ يبدو أنه سيكون في التاريخ إذا تحقق للروس ضم أراضي أوكرانية، صحيح أن المجتمع الدولي قد تغاضى في فترة سابقة عن بعض ذلك ( ربما إرضاء و ربما إشباعًا لشهية توسعية) إلا أن الحرب في أوكرانيا التي امتدت حتى اليوم  لأكثر من سنة، قد يغير ذلك الموقف، لذلك فإن الدول الصغيرة و المتوسطة، كمثل دول الخليج،  يتوجب عليها الوقوف بقوة مع مبدأ عدم الضم، حيث أن هناك قوى في الإقليم قد فتحت شهيتها القومية للتوسع .

-الوضع الاقتصادي: على الرغم مما قيل في السنوات الأخيرة من خطورة تغير المناخ و هبوب الأعاصير و احتمال شح المياه، إلا أن الأوضاع الاقتصادية اليوم تضرب بقوة مجتمعات هشة أو شبه هشة، حتى الدول الكبرى لم تنجو من (غصة)  تراجع الاقتصاد، سواء كانت بريطانيا أو ألمانيا أو حتى الولايات المتحدة، فهذه الدول خصصت الكثير من مواردها للحرب في أوكرانيا على أنها الخطر الأكبر، وفاجأها الخطر الآخر بنقص في الموارد وخاصة الطاقوية، أما الدول الهشة فإن عشرات الآلاف من الناس يموتون جوعًا في القارة الإفريقية، كما يهاجر عدد كبير من البشر من إفريقيا السوداء و من أفغانستان و إيران و باكستان إلى الغرب، ويموت منهم الآلاف في البحر أو في طرقات المدن الكبرى الغربية .  

-الحروب الأهلية: تفرز تلك الأزمات الاقتصادية حروبا أهلية في العديد من الدول، كما تفرز محاولات مستميتة لتدبير مصادر دخل أخرى غير تقليدية أو مضرة بالبيئة، وعلى رأس تلك المصادر (تهريب المخدرات) والتي أصبح لها اليوم عصابات منظمة على المستوى الدولي، صاحبة إغراءات ضخمة لضعاف النفوس في دول مختلفة، وتضج الأخبار في دول الخليج بالقبض على مجموعات متنوعة من الرجال والنساء متهمين بتهرب تلك السموم طلبًا للمال الحرام، وهي سموم تفتك بالمجتمعات وتحطم الأسر وتفسد النشء. كما تتحول تلك الدول إلى الاعتماد على الفحم كمصدر للطاقة رغم المعرفة الأكيدة بضرره على البيئة.

-الحمائية: تتجه الولايات المتحدة و بعض الدول الصناعية إلى سياسة (الحمائية) لاقتصادها  مما يعتبر استدارة عن الفلسفة الرأسمالية (إن السوق يصحح أخطاءه) فتسن الولايات المتحدة تشريعات لتوطين الصناعات و تقديم المعونات المالية و الفرص الضريبية، و كما تقوم ألمانيا بعملية ملازمة وهي (التقشف و العسكرة) و تتبعها اليابان و بعض الدول الصناعية الأخرى، مما يؤثر على التجارة العالمية و يرفع الأسعار للسلع المتاحة دولية في محاولة أصبحت معروفة ب تنقيص النمو Degrowth .

 

لذلك أمام دول الخليج في مجلس التعاون مجموعة من(المخاطر) والتي يتوجب الانتباه إليها ووضعها على طاولة التفكير الجاد.

  • عليها أن تقرر بوضوح موقفها من (الاستقطاب الدولي) فآجلًا أم عاجلًا الحرب في أوكرانيا سوف تجبر الدول طوعًا أو غير ذلك أن تتخذ موقفًا واضحًا مما يحدث، الجلوس على السياج بانتظار ما سوف يأتي ربما يعني خسارة الأطراف جميعًا، ذلك الموقف يتوجب أن يبني أولاً على المصالح الخليجية المشتركة ويكون جماعيًا أو قريبًا إلى الإجماع كما يلامس نصوص وروح القانون الدولي.
  • في بعض دول الخليج (الإصلاحات الداخلية) أصبحت ضرورة وتتطلب السرعة في اتخاذ خطوات لإصلاح المنظومات التعليمية والصحية والخدمية والسياسية.
  • العالم يشتكي من تناقص القدرة الشرائية للمواطن، وأمام ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والرأسمالية فإن السوق الخليجي سوف يشعر، واعتقد أنه قد شعر في بعض دوله، بصعوبة التوفيق بين دخله وبين قدرته على الإنفاق، لذلك فإن السياسة الاقتصادية السائدة في دول الخليج (وهي سياسة قادمة من السوق الرأسمالي) يتوجب إعادة الزيارة إليها.
  • التنبه للمخاطر (الأنا) في السياسة الخارجية الخليجية، فالأعداء وإن تلونوا هم أمة واحدة، ولن ينجو أحد إلا من خلال أن ينجوا الجميع.
مقالات لنفس الكاتب