array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 185

التدخل الإيراني يهدف لإبعاد العراق عن عمقه العربي واستعادة دوره التاريخي

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

     يعني العمل المشترك نشاطًا يقوم به عدة أطراف بإرادتهم من أجل إنجاز شيء أو عمل معين، وهذا العمل أو الفعل يتجاوز الفردية أي أنه لا يقوم على طرف واحد أو شخص واحد بقدر ما هو عمل متعدد الأطراف الذين يشتركون فيه بغية تحقيق وإنجاز أهدافه. ويأخذ العمل المشترك صفته من خلال الأطراف الذين اتفقوا على إنجازه، وفي الغالب يكون على شكل تنظيم يحتوي على الممكنات والآليات والوسائل والأهداف والبنى المؤسساتية التي تستخدم هذه الوسائل وتوفر الموارد لها سعياً لتحقيق آمالها وطموحاتها.

    ولا يخرج العمل العربي المشترك عن هذا الإطار وما يمثله من أداة تعبر عن الشعور القومي العربي الهادف إلى تحقيق التعاون بين الدول والمجتمعات العربية وصولاً إلى مرحلة التكامل وبناء الوحدة أو الاتحاد العربي. ويعود العمل العربي المشترك إلى عقود عديدة سابقة، فقد تأسست في إطاره أقدم التجارب والتنظيمات، التي تتمثل بتجربة جامعة الدول العربية.

نشأة العمل العربي المشترك وتطوره:

     يجد المتتبع لمسيرة العمل العربي المشترك ونشأته وتطوره أن هنالك آراء عديدة طرحت في مجال تحديد مرحلة انطلاقته، ففي مجال الأفكار والمشاريع والطروحات والتجارب والأشكال التي تبناها القوميون العرب والحركات القومية العربية فإنها تعود إلى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتم تجسيد هذه الأفكار واقعياً حينما نظم العرب أنفسهم في بداية القرن العشرين على شكل جمعيات وحركات تعمل بشكل سري أحياناً وبشكل علني أحياناً أخرى  ومنها جمعية الإخاء العربي، وتأسيس حزب الكتلة النيابية العربية للدفاع عن حقوق العرب في المناطق العربية التي تسيطر عليها الدولة العثمانية آنذاك، ثم تبعها تشكيل حركات وتنظيمات عربية أخرى، وعقد في باريس عام 1913م، المؤتمر العربي الأول، وتمثل هذه النشاطات بحسب بعض الآراء أنها أولى أشكال أو بدايات العمل العربي المشترك.

    ومن ضمن محاولات العمل العربي المشترك هي توجه عدد من الدول العربية من أجل إقامة وحدة بينها، ومنها: محاولة إقامة مملكة سوريا والعراق عام 1918م، والوحدة بين مصر وسوريا (1958-1961م)، وتجربة الوحدة العراقية / الأردنية في عام 1958م، ووحدة اليمن الشمالي والجنوبي عام 1990م، والعديد من الأفكار والمحاولات الوحدوية الأخرى التي طرحت من دون أن يتم تجسيدها على أرض الواقع وكل منها يمثل شكلاً من أشكال العمل العربي المشترك وإن لم يكن شاملاً لكل الدول العربية.

    أما الشكل الآخر للعمل العربي المشترك فقد تمثل بإقامة تنظيمات إقليمية منها تشمل كل الدول العربية، وأخرى تشمل عدداً منها وفقاً لمعياري الجغرافية والمجتمعية، إما الشاملة فتمثلها جامعة الدول العربية التي تأسست عام 1945م، عبر مبادرة قادة الدول العربية المستقلة حينها، وهي كل من: مصر والعراق والمملكة العربية السعودية وسوريا ولبنان وشرق الأردن واليمن، ثم تبعتها باقي الدول العربية جميعها في الانضمام إلى الجامعة حتى بلغت 21 دولة عربية وفلسطين التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية، وجامعة الدول العربية هي من أقدم التكتلات الإقليمية الدولية في العالم وتسبق الاتحاد الأوروبي من حيث تاريخ النشأة، ويسجل لها أنها لازالت مستمرة بالعمل على الرغم مما مرت به وأعضاؤها من أزمات ومشاكل وخلافات كادت أن تعصف بها. وتعد الآن من المنظمات الإقليمية التي لها شخصية واعتباراً دولياً، وتتكون جامعة الدول العربية من عدة مؤسسات ومجالس مثل: القمة العربية، والأمانة العامة، والمجالس الوزارية المختلفة، والوكالات والمنظمات المتخصصة، التي تعمل في إطار تحقيق أهداف ومجالات العمل العربي المشترك، ويسجل لها أنها حققت العديد من الإنجازات سواء على مستوى التجارة البينية والعلاقات الاقتصادية والانفتاح الإعلامي والتقارب السياسي ومحاولات الوساطة والمصالحة العربية في المشكلات والنزاعات الحدودية، حتى وإن لم تكن بمستوى كبير.

    ويلي الجامعة تجربة أخرى في ميدان العمل العربي المشترك -وإن لم تكن شاملة لكل الدول العربية- تتمثل بــــ "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" وهو تنظيم إقليمي عربي تم الإعلان عن تأسيسه رسمياً في مؤتمر القمة الخليجي في الإمارات العربية المتحدة في 25 مايو 1981م، ويرتكز المجلس في تأسيسه على الرابط الجغرافي والمجتمعي، إذ تشكل دوله منطقة جغرافية واحدة مهمة استراتيجياً وذات امتداد اجتماعي وثقافي واحد ومصالح مشتركة سياسياً واقتصادياً وأمنياً وقيمياً وثقافياً، فضلاً عن التشابه والتجانس في الأنظمة السياسية والفلسفة الاقتصادية والقضايا الخارجية، وأعضائه كل من: المملكة العربية السعودية والكويت وقطر وسلطنة عمان والإمارات والبحرين. وللمجلس العديد من الأهداف منها: تحقيق التواصل والتنسيق في العديد من المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية وغيرها، وكلها تصب في إطار العمل العربي المشترك.

    وتأتي تجربة "اتحاد المغرب العربي" أيضاً ضمن تجارب العمل العربي المشترك الفرعية وتأسس عام 1989م، بين كل من : المغرب والجزائر وتونس وليبيا، على الرغم من أن فكرة تأسيسه تعود إلى عام 1964م، إلا أن الظروف لم تصب في صالح إعلانه إلا عام 1989م، عندما تم تبني "اتفاقية مراكش" التي جرى على أثرها إعلان الاتفاق على نص معاهده الاتحاد، التي أقرت العمل على السير وبشكل تدريجي صوب تحقيق اندماج أكثر شمولية بين الدول المغاربية، ويهدف الاتحاد إلى العمل على إقامة منطقة حرة بين الأعضاء وإنشاء اتحاد جمركي وسوق مشتركة، بيد أن الاتحاد لم يكن فاعلاً أو بالمستوى الذي يلبي طموحات شعوب الدول التي أسسته.

     يضاف إلى ذلك تجربة أخرى لم يكتب لها الاستمرار طويلاً تتمثل بتجربة "مجلس التعاون العربي" الذي أسسته أربع دول عربية، هي: العراق، والأردن، ومصر، واليمن، في 16 فبراير 1989م، خلال قمة شهدتها العاصمة العراقية بغداد، ويتكون هذا المجلس من "الهيئة العليا" التي تمثل أعلى سلطة في المجلس وتتكون من رؤساء وقادة الدول الأربع، و "الهيئة الوزارية" التي تتشكل من رؤساء حكومات الدول الأعضاء أو ممثليهم، وانتهت التجربة جرّاء أزمة الخليج عام 1990.م.

     أما أشكال وأنواع العمل العربي المشترك فقد تمثلت في العمل السياسي العربي الذي يمثله توحيد المواقف إزاء العديد من القضايا العربية وعقد الاتفاقيات ومؤتمرات القمة العربية وغيرها. والعمل الاقتصادي العربي المشترك فقد مثله مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وغيرها، علاوة على عقد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الثنائية والمتعددة بين الدول العربية. ثم يأتي العمل الأمني العربي المشترك من خلال الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، واتفاقية الدفاع المشترك. أما العمل الثقافي العربي فتمثله المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ناهيك عن التعاون العربي في مجالات الإعلام والاتصالات وغيرها.

محفزات العمل العربي المشترك:

يأتي العمل العربي المشترك قائماً ومدفوعاً بعدد من المحفزات والمقومات التي ارتكز عليها:

  • توفر عوامل مشتركة مثل اللغة والعرق والتاريخ والدين والثقافة التي تمثل أكثر عامل يربط شعوب المنطقة العربية، فهذه العوامل تجمع غالبية الشعوب العربية، وحتى المكونات الأخرى الموجودة في عدد من دول المنطقة العربية ترتبط بروابط إما الدين أو اللغة أو التاريخ أو الثقافة مع المكون العربي والمكونات الأخرى في هذه الدول.
  • وحدة الهوية العربية، وتمثل هوية غالبة على مختلف دول المنطقة العربية.
  • العامل الجغرافي، ويتمثل بوجود الدول العربية في منطقة جغرافية واحدة تقريباً، وتتصل هذه الدول مع بعضها البعض من دون وجود دول مغايرة تفصل بينها أو تعيق تواصلها مع بعضها البعض.
  • أهمية الموقع الاستراتيجي للمنطقة العربية، إذ تطل المنطقة على عدة بحار مهمة وعلى مختلف محيطات العالم، وتقع في الجزء الرابط بين قارات العالم القديم آسيا وأوروبا وإفريقيا، وبمساحة كلية تقدر بـــــ 19.2 مليون كم2، وفرت هذه المساحة تنوعاً مناخياً وأرضياً يمنح دول المنطقة في حالة التكامل تنوعاً زراعياً واقتصادياً وصناعياً وسياحياً مهماً يلبي متطلبات شعوب هذه الدول واحتياجاتها، ناهيك عن أهمية المنطقة الاستراتيجية في السياسات الدولية.
  • امتلاك الموارد الطبيعية وتنوعها، إذ تمتلك دول المنطقة العربية موارد اقتصادية وثروات طبيعية هائلة ومتنوعة ابتداءً من امتلاكها لمصادر الطاقة الرئيسة مثل النفط والغاز الطبيعي الذي تعتمد أغلب دول العالم عليها في سد حاجتها من مصادر الطاقة هذه، فضلاً عن المواد المعدنية والمحاصيل الزراعية ومصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والحرارة والمياه.
  • هنالك رغبة لدى الشعوب والدول العربية بالتكامل والعمل العربي المشترك، وإيمان بأنها من غير الصحيح أن تبقى متشتتة، فإذا أريد لها حل قضاياها ومعالجة مشاكلها لا بد من تعزيز العمل العربي المشترك وتطويره بشكل مؤسسي ومنظم.
  • الحاجة إلى مواجهة التحديات الراهنة، تواجه شعوب ودول المنطقة العربية العديد من التحديات والأزمات، منها: داخلية مثل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ومنها عابرة للحدود ودولية مثل الإرهاب، وانتشار الأوبئة والجوائح، وظاهرة الهجرة غير الشرعية، والتحديات المناخية وغيرها، وكلها تتطلب مواجهتها جهودًا تشاركية مثل جهود العمل العربي المشترك.
  • منذ عدة عقود والعالم ودوله تتجه صوب تأسيس التكتلات الإقليمية والدولية وفقاً لروابط مشتركة معينة، ولعل جامعة الدول العربية تسبق العديد من التكتلات الإقليمية من حيث نشأتها، ولكنها لم تصل إلى مستوى من القوة أسوةً بتلك التكتلات.

معوقات وتحديات:

    تعرض العمل العربي المشترك خلال مسار تطوره إلى عدة معوقات تعترض تحقيق أهدافه واستمرار تجاربه وأشكاله، وتتمثل بـــــ:

  • الخلافات البينية التي تحدث بين الدول العربية وتنعكس على طبيعة العمل العربي المشترك ومدى فاعليته، بحيث شكلت أزمات بينية عديدة تحديات كبيرة أمام مؤسسات العمل العربي المشترك ومنها جامعة الدول العربية ومجلس التعاون العربي، إذ كانت أزمة الخليج عام 1990م، ذات أثر سلبي على جامعة الدول العربية والسبب الأساس في انتهاء وإفشال مجلس التعاون العربي، وكذلك الأزمة الخليجية عام 2017م، كان لها أثراً سلبياً حينها على مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكذلك استمرار الخلافات الجزائرية المغربية تنعكس سلباً على أداء جامعة الدول العربية وتطور العمل العربي المشترك.
  • تباين الرأي والتوجهات لدى الدول العربية حول شكل وطبيعة العمل العربي المشترك وتنظيماته المختلفة، فهناك اتجاهات تهدف إلى إقامة اتحاد بين الدول العربية تندمج فيه هذه الدول، واتجاهات أخرى تسعى إلى الحفاظ على استقلالية دولهم في إطار جامعة الدول العربية.
  • تعاني عدة دول عربية من أزمات وصراعات داخلية مختلفة تنعكس سلباً على دورها العربي والتزاماتها تجاه مؤسسات العمل العربي المشترك، ومنها: سوريا واليمن ولبنان وليبيا والصومال.
  • ضعف الإرادة السياسية، فهذه الإرادة السياسية لها دورها في إنجاح أي عمل عربي مشترك، وأن ضعفها ينعكس بشكل سلبي على أي شكل من أشكال العمل أو التعاون بين دول العالم العربي.
  • اختلال وضعف البنى السياسية والاقتصادية للدول العربية، إذ يعتري الضعف البنى والهياكل الاقتصادية والسياسية سواء على مستوى المنظمات العربية أو على مستوى الأنظمة السياسية، وتباين هذه البنى والمؤسسات من دولة إلى أخرى، وبعضها يصل إلى حد التناقص في داخل الدولة نفسها.
  • التمسك بالسيادة القطرية، تتمسك بعض الدول بسيادتها القطرية الأمر الذي انعكس على الإرادة السياسية العربية وأضعفها، وهذا الحال يساهم في تغليب الولاءات القطرية على حساب تطلعات العمل العربي المشترك.
  • يشكل التفاوت في حجم الإمكانيات المادية والموارد الاقتصادية والمصالح الخاصة بين الدول العربية عائقاً أمام العمل العربي المشترك، بحيث تشكل خشية الدول العربية الصغيرة من أن يتسبب العمل العربي المشترك بضياع كيانها الخاص واحتوائه من قبل الدول الكبيرة، كما تخشى الدول الغنية من إنفاق مواردها لمصلحة الدول الفقيرة، فضلاً عن التخوف من انعكاسات عدم الاستقرار السياسي لدى بعض الدول على الدول الأخرى المستقرة
  • التدخلات الإقليمية ولاسيما من قبل كل من إيران وتركيا وإثيوبيا وإسرائيل، وما لهذه الدول من آليات للتدخل وحلفاء من غير الدول يتم استخدامهم بهدف زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي في الدول العربية، والتدخل في شؤونها والضغط عليها كلما تعارضت المصالح معها، ولكل ذلك تداعياته على العمل العربي المشترك.
  • طرح المشاريع الإقليمية المنافسة، التي تتمثل بــــ: المشروع الشرق أوسطي في تسعينات القرن الماضي، ومشروع الشرق الأوسط الجديد، ومشروع الشرق الأوسط الكبير، والمشروع الأورو-متوسطي، وتهدف هذه المشاريع إلى طمس الهوية العربية وإدماجها في الهوية الشرق أوسطية، والسعي إلى عدم تحقيق العرب لأي من مشاريع التكامل العربي.
  • ناهيك عما تتعرض له مؤسسات العمل العربي المشترك والدول العربية من ضغوطات خارجية تتجلى في سياسات عدد من القوى الدولية، والمؤسسات الاقتصادية العالمية، التي ترى في تجربة العمل العربي المشترك وسيلة للتخلص من التبعية الاقتصادية لها، وإن تحققت سيكون لها تأثيرها على استثماراتها في المنطقة العربية وهيمنتها على بعض الاقتصاديات العربية.

العراق والعمل العربي المشترك:

     يُعد العراق أحد الدول الأعضاء المؤسسيين لجامعة الدول العربية التي تمثل المؤسسة والتنظيم الأبرز ضمن أشكال وتجارب العمل العربي المشترك، وبقي العراق طرفاً فاعلاً فيها وفي المؤسسات المختلفة التابعة لها، كما أن العراق هو الدولة الفاعلة والمؤثرة في تأسيس مجلس التعاون العربي عام 1989م، وعلى الرغم من فاعلية العراق بالتعاون في مجالات العمل العربي المشترك السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها، بيد أن هذه الفاعلية أصبحت عامل هدم موجه صوب العمل العربي المشترك بعد أن اجتاحت القوات العراقية الكويت في 2 أغسطس 1990م، بحادثة تُعد خرقاً لكل قوانين وأسس العمل العربي المشترك.

     كما أن هذا الحدث وضع جامعة الدول العربية على المحك في مسألة معالجة هذه الأزمة من عدمها، مثلما تسبب في أزمة أخرى بين الدول العربية المؤيدة للكويت التي وقفت ضد العراق والدول الأخرى التي التزمت جانب عدم تأييد استخدام القوة لإخراج القوات العراقية من الكويت، والأمر تكرر عام 2003م، عندما عزمت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على استخدام القوة العسكرية ضد العراق بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، فانقسمت الدول العربية في مواقفها بين مؤيد ورافض وبين من وقف مكتوف الأيدي لا يستطيع أن يقدم أو يؤخر في موقفه من حرب على أبواب دولة عربية يؤدي احتلالها إلى تداعيات كبيرة على النظام العربي ويُخل في التوازن الإقليمي الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

    وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن العراق في السنوات الأخيرة تبنى عددًا من السياسات إزاء حاضنته العربية والخليجية بشكل خاص، مثلما هنالك توجه لتفعيل دور العراق في الجامعة العربية، اذ ترأس العراق أعمال الدورة 125 العادية لمجلس الجامعة العربية عام 2019م، واستضاف مؤتمري قمة ضما عدداً من قادة ومسؤولي الدول العربية لتفعيل العمل والتعاون العربي، كما استضاف العراق القمة 34 للاتحاد البرلماني العربي في فبراير 2023م، التي تمثل "الدعم العربي لتعزيز استقرار العراق وسيادته". لكن هذه العودة لم تكن من دون عقبات فالعراق لم يتخلص بعد من الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تشكل تحديات أمام فاعلية دوره العربي، ناهيك عن تحدي آخر قد يكون أكثر تأثيرًا يتمثل بالتدخل الإقليمي في العراق وبخاصة التدخل والتأثير الإيراني الذي يهدف بشكل كبير إلى إبعاد العراق عن عمقه العربي واستعادة دوره التاريخي والفاعل في مضمار العمل العربي المشترك ومؤسساته المختلفة.

    ختاماً، يمكن القول إن العمل العربي المشترك يعود في نشأته ومساره إلى بداية القرن العشرين، وتُعد تجربة جامعة الدول العربية من أقدم تجارب التكتلات السياسية والاقتصادية في العالم، ويقوم العمل العربي المشترك وفقاً لعدد من المحفزات التي كانت دافعاً لقيامه وتطوره، فالدول العربية تجمعها القومية والدين والتاريخ واللغة والثقافة والجغرافيا المشتركة، وفي المقابل واجه العمل العربي المشترك العديد من العقبات جعلته يمر بلحظات ضعف كبيرة، منها أدت إلى انتهاء احدى تجاربه، وبالرغم من ذلك إلا أن ما يمكن أن يطور العمل العربي ومؤسساته وفي مقدمتها جامعة الدول العربية لا يزال أكثر مما يواجهه من تحديات، فالموارد الطبيعية والاقتصادية التي تكفل نجاحه متوفرة في الدول العربية أكثر من غيرها، ورغبة الشعوب العربية كبيرة في ذلك، وكل ما ينقصها هو الإرادة السياسية وتجاوز الخلافات بين الدول العربية، وستكون تجربة جامعة الدول العربية من أنجح تجارب التكتلات في العالم، والتي من الممكن أن تصل إلى مرحلة الاتحاد العربي وليس ذلك ببعيد.

مقالات لنفس الكاتب