array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 185

مطلوبات بصدق النوايا والالتزام والتخطيط العلمي وآليات التنفيذ الملائمة

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

ظل العمل العربي المشترك يواجه تحديات عديدة تعيق تقدمه، وتبطئ محركات النهوض فيه؛ تتجلى في حِدَّة الصراعات الإقليمية، وعدم الاستقرار السياسي، واتساع التفاوتات الاقتصادية، وتَعَمُّق الاختلافات الأيديولوجية، وتزايد نفوذ القوى الخارجية، التي تُشكل مُجْتَمِعَةٌ بعض العقبات الرئيسة أمام التقارب والتعاون، وتُحبط تطلعات التكامل العربي. وعلاوة على ذلك، فإن انعدام الثقة، وضعف التواصل، واضطراب التنسيق، يقلل فعالية ما هو قائم من مؤسسات، بما فيها جامعة الدول العربية، ويخفض التوقعات في نجاعة قراراتها ومردودات نتائجها. ونعلم يقينًا أن العمل العربي المشترك يتطلب إرادة سياسية قوية، واحترامًا متبادلًا، وتواصلًا فعالًا، وتنسيقًا مُحْكَمًا، بين دوله الأعضاء للتغلب على هذه التحديات، والعمل نحو هدف مشترك يتمثل في تحقيق السلام والاستقرار والازدهار الإقليمي، والمساهمة فيما ينتظره منه العالم. فالعالم العربي منطقة متنوعة تضم مجموعة من الثقافات واللغات والأنظمة السياسية، غير أنه على الرغم من هذه الاختلافات، كانت هناك رغبة طويلة الأمد في تعاون أكبر بين الدول العربية. ومع ذلك، فقد ظل العمل العربي المشترك، أو التعاون والتنسيق والتكامل بين الدول العربية، موضوع نقاش منذ عقود، وثبت أن تحقيق هذا الهدف يمثل عقبة كؤود. إذ إنه، وعلى الرغم من الجهود والمبادرات العديدة، لا تزال التحديات، التي تواجه العمل العربي المشترك كبيرة ومعقدة.

لقد أكدنا، فيما سبق، أن من أهم معوقات العمل العربي المشترك الانقسامات السياسية والصراعات داخل المنطقة؛ فيما بين الدول العربية، وداخلها، ومع جيرانها، وتدخلات القوى الخارجية. والسبب في ذلك هو أن العالم العربي مُنْقَسِمٌ على ذاته لأنه يتميز بشبكة معقدة من التحالفات والتنافسات والخلافات السياسية؛ الداخلية والخارجية. وقد خلقت هذه الانقسامات بيئة من الريبة والشك وعدم الثقة أعاقت الجهود المبذولة نحو مزيد من التعاون والتكامل. على سبيل المثال، أحدث الصراع المستمر بين العرب وإسرائيل انقسامًا عميقًا داخل المنطقة، هذا الانقسام جعل من الصعب على الدول العربية العمل معًا برؤية موحدة في القضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصة ما يتعلق بتحالفاتها وعلاقاتها الخارجية، وفي قضايا ذات حساسية عالية؛ مثل، حرية العمل السياسي، وإزالة التفاوتات الاجتماعية بتعزيز التنمية الاقتصادية، أو حتى مكافحة الإرهاب. وكثيرًا ما أرجع الناس هذه التحديات إلى انعدام الوحدة بين الدول العربية، بل عَدُّوها التحدي الأكبر، الذي يواجه العمل العربي المشترك. وذلك على الرغم من أن هذه الدول تشترك في دينٍ ولغةٍ وتاريخٍ وثقافةٍ مشتركة، لكنها فشلت في الاتحاد والعمل معًا لتحقيق أهداف مشتركة. ويتجلى أثر الافتقار إلى الوحدة في الخلافات والصراعات العديدة بين الدول العربية، مثل ما وقع بين دول الخليج، وما بين الجزائر والمغرب، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي طال أمده. وزاد عدم الاستقرار السياسي والصراعات والتدخل الأجنبي في المنطقة من تعقيد جهود العمل العربي المشترك، إذ تعاني بعض الدول من عدم الاستقرار السياسي والصراعات على مدى عقود، بما في ذلك الحروب الأهلية في سوريا واليمن، والتوترات المستمرة في العراق وليبيا والسودان. وأدت هذه الصراعات إلى معاناة إنسانية كبيرة ونزوح، فضلاً عن دمار اقتصادي، مما يقوض جهود العمل العربي المشترك.

وعلى الرغم من كونها غنية بالموارد الطبيعية، تواجه العديد من الدول العربية تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك ارتفاع مستويات البطالة والفقر وعدم المساواة. علاوة على ذلك، فإن التفاوتات الاجتماعية، بما في ذلك الاختلافات في التعليم والرعاية الصحية والمساواة بين الجنسين، تزيد من تعقيد الجهود المبذولة لتحقيق أهداف اقتصادية مشتركة. وقد أدت هذه التفاوتات إلى عدم وجود تماسك اجتماعي وشعور بالهوية المشتركة بين الدول العربية، وهو أمر ضروري للتعاون. كما أن التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية خلقت فجوة تنموية كبيرة بين الدول العربية ما يجعل من الصعب عليها العمل معًا لتحقيق التعاون والتقدم نحو الأهداف المشتركة. علاوة على ذلك، ينعكس انعدام الوحدة أيضًا في تفكك المنظمات والمبادرات العربية، مثل جامعة الدول العربية، التي تعرضت لانتقادات بسبب عدم قدرتها على معالجة القضايا والصراعات الإقليمية بشكل فعال. كما أدى عدم وجود موقف عربي موحد من القضايا الإقليمية والدولية الرئيسة إلى إضعاف التأثير السياسي للعالم العربي وقوة المساومة، مما أدى للتدخل الأجنبي في المنطقة، بما في ذلك التدخلات العسكرية من قبل القوى الأجنبية، التي فاقمت هذه الصراعات وقادت إلى إضعاف السيادة لعدد من الدول العربية. على سبيل المثال، جعل تأجج الصراع المستمر في سوريا من خلال مشاركة جهات أجنبية متعددة، بما في ذلك روسيا وإيران وتركيا، من الصعب على الدول العربية إيجاد حل موحد للأزمات المتعددة والمتجددة.

في المنهج:

سنتناول في هذا المقال، باقتضاب، بعض آثار بعض ما أوردناه عاليه من التحديات الرئيسة، التي تعرقل العمل العربي المشترك، بما في ذلك التشرذم والانقسامات، وعدم الاستقرار السياسي والصراعات، والتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، والضغوط والتدخلات الخارجية. ونحاول طرح رؤية لأولويات ومتطلبات معالجتها لاستئناف نهوض المشروع العربي، بعرض ما يمكن أن يدعم العمل العربي المشترك من إجراءات في المرحلة الحالية، واحتياجاته، وتوجهاته، وأدواته، وكيفية التنفيذ على ضوء التحديات القائمة والمحتملة، التي تواجه الدول العربية، سواء من داخل المنطقة العربية نفسها، أو من خارجها. وقراءة كل ذلك على ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية وتداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وما تبعها من استقطاب دولي محموم، يحاول إعادة تشكيل التحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، تؤشر على إرهاصات إعادة تشكيل النظام الدولي في صورته الجديدة. ومن ثم النظر في تأثير وحجم التحديات الأمنية والأيديولوجية والسياسية والمصالح الدولية والإقليمية، التي تتداخل، أو تتقاطع مع المشروع العربي لتعطيله، أو تشتيت جهد دوله للحيلولة دون قيام هذا التعاون المثمر والتكامل المفيد للمنطقة حتى تظل مساحات فضاء أمام المشروعات الإقليمية الأخرى، وكيف يمكن القفز على هذه التحديات والارتقاء بالمشروع النهضوي العربي، وتحقيق التكامل المنشود.

إن المعطى في السياسة العربية أن كل تحديات العمل العربي المشترك يُدرِكها الجميع، لكن تنقص هذا الجميع نية البدء في مجابهة هذه التحديات والاستمرار الجاد في تحيين ما فيها من فرص، ومعالجة ما يعيقها من معضلات، أو كما في قول وزير الخارجية المصري سامح شكري، وجوب أن يرتقي العرب إلى مستوى التحديات، التي تواجههم. فقد أكد، في كلمة ألقاها، يوم الأربعاء 8 مارس 2023م، أمام الدورة العادية 159 لمجلس وزراء الخارجية العرب بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، حرص مصر على تعزيز العمل العربي المشترك للارتقاء إلى مستوى المطالب والتحديات، التي تواجه الشعوب العربية. ودعا إلى تطوير رؤية مشتركة للتعامل بشكل أفضل مع التحديات، التي تواجه العرب على المستوى العالمي، مستشهداً بالأزمة الأوكرانية والتسلح النووي والتغير المناخي. وقال شكري إن تطوير مثل هذه الرؤية يتطلب أولاً وجود رؤية عربية مشتركة للأمن القومي العربي الجماعي. وقال إن من صميم الأمن القومي العربي الجماعي الحفاظ على الدولة الوطنية والرفض التام لأي تدخل في شؤونها الداخلية، أو المساس بسيادتها. وبحسب شكري، فإن مواجهة الإرهاب والقوى، التي تسعى إلى نشر الفوضى أثناء النزاعات، وكذلك إظهار الحزم في مواجهة الانقسامات الطائفية والعرقية أمر حاسم أيضًا للأمن القومي العربي الجماعي. وفي أقوال شكري هذه كل ما يعنينا مناقشته في هذا المقال من تحديات، ولا شك عندي أن كل رصفائه العرب يشاطرونه ذات الهم والاهتمام، ومدرِكون لذات التحديات، وسبق أن قالوا بها، مما يدعونا، في هذه المرحلة، أن نناشدهم الإفصاح عن النية، التي هي من الطبيعي سابقة للتوكل على بدء العمل.

اتفاق الحد الأدنى:

لقد أقررنا؛ نحن والمسؤولون العرب، أن العمل العربي المشترك يحدث عندما تكون هناك نية، يعقبها نوع من الفعل، بحيث يتحد في المنطق السياسي المقدمات والنتيجة، لتَصِحُّ الممارسة السياسية بمجملها؛ في حَدِّها الأدنى على الأقل. نعم، على الأقل حتى تكون في حالة استمرار. وبهذا يبدو أن مناشدة النية ستأخذنا إلى أبعد من الفكرتين الأوليين؛ التنسيق والآثار، اللتين أشرنا إليها، وهما يعادلان المقدمات والنتيجة في إحْكَام أحكام المنطق. لكن، لا شيء من هذا القبيل يُبشِّر بمقدمات حقيقية للنهوض، الذي طال انتظاره، والذي هو سمة ينبغي أن تكون من أخَصّ سمات العمل العربي المشترك. فقد ظل هذا العمل يترجَّل بخطوه الأبطأ في واقعنا العربي، أو يتبدأ بحده الأدنى فيما تواضع عليه العرب من مؤسسات تعاون وتكامل؛ قُدِّر لها أن تدفع به إلى الأمام. ولكن، ليس من المرجح أن يكون لأي منهما نوايا حقيقية بشأن ما إذا كانت ستتعدى ما رُسِمَ لها من أشراط وظيفية. لذا، فقد حددنا بالفعل هذه التحديات، وما يميز الأداء من عثرات، رغم محاولات الكثيرين لتوفير المكون المفقود في توصيف العمل المشترك، الذي يجب أن يتضمن إدخال أنواع جديدة من الرؤى والأفكار، أو أنماط العمل، وأنواع جديدة من الآليات، وأنواع جديدة من المؤسسات. ونظل نقترح تضمين النوايا الصادقة، وغير قليل من الالتزام، أو إنشاء هياكل متداخلة خاصة للعمل الخاص والعام، أو الرسمي والشعبي، تُرفدُ بالكثير من المعرفة العامة بأهمية العمل العربي المشترك. وربما تكون بعض، أو كل هذه المقترحات مفيدة بطريقة ما، لكن: هل نحن حقًا بحاجة فقط لفهم كيف تختلف الإجراءات المشتركة عن الفعل المشترك، الذي ينطوي على نوايا ومؤسسات متعددة بالتداخل وبالتوازي؟

وفقًا لما تقدم، أن كل عمل مشترك ينطوي على نية مشتركة، ووجود نية مشتركة يجب أن تنطوي على التزامنا المشترك لتحويل التحديات إلى فرص، ومجابهة ما يستعصي منها بما يستحقه من إعداد القوة. لذلك، من أجل إنشاء مؤسسات تؤمن بهذا الالتزام المشترك الضروري، يجب على كل منها إبداء الاستعداد للمشاركة في إنفاذ مطلوبات هذا الالتزام. علاوة على ذلك، يجب أن يكون من المعروف للجميع؛ شعوبًا وحكومات، أن كل منهما يعبر عن مثل هذا الاستعداد، ويجب على كل منهما أن يعرف أن الآخر جاهز لتشكيل التزام مشترك لإحقاق هدف النهوض العربي. فالهدف المُوَجِّه للعمل المشترك يتطلب صِحَّة المقدمات، التي تتقَصَّد كمال النتيجة، والتي يتم توجيهها إلى تعظيم المصالح الجماعية. وحالة الهدف هي حالة المؤسسات، التي تحدد هذه النتيجة، والتي تكون، أو يمكن أن تكون، متعلقة بإجراءات العمل المشترك، وبطريقة يتم فيها توجيه هذه الإجراءات إلى النتيجة الممثلة لحصاد جميع الخطط الموضوعة. ولا يعني ذلك أن هذه المؤسسات يمكن أن يكون لديها أي نوازع تردد على الإطلاق إذا كان من الممكن، كما نجادل، فهم الغرض من هذه الإجراءات بأنها مُفضية إلى تحقيق أهداف الحد الأدنى للعمل العربي المشترك. وقطعًا، يمكن أن تمكننا إخلاص النوايا، ومناشدة الشروط الممهدة لسلامة التنسيق، من التمييز والنهوض في نهاية المطاف. فقط علينا إحسان الفعل، والتشبث بشكل أكثر التزامًا بالإجراءات المشتركة، واستدعاء الأهداف الجماعية للعمل العربي المشترك.

إجراءات مشتركة:

إذا جاز لنا التساؤل: ما هي الميزة، أو السمات، التي تجعل الإجراءات المشتركة مُعَبِّرَة عن الأهداف الجماعية، التي تنطوي على آليات متعددة تعمل بهياكل متداخلة أو بالتوازي؟ فقد نكون قدمنا في هذا المقال ملامح للإجابة على هذا السؤال، فيما وصفناه بـ"نهج الحد الأدنى"، وهو واحد من درجات الاتفاق، التي تتضمن أبسط نقطة انطلاق ممكنة، وما على الحكومات ومنظمات المجتمع ومؤسسات العمل العربي المشترك إلا إضافة المكونات والمزيد من التصورات والآليات، التي يتطلبها العمل المشترك للحصول على قدرات إضافية لتلك المطلوبة بالفعل. إن هذا التوصيف هو مجرد خطوة إلى الأمام، لكنها ليست كافية لتمييز جميع الإجراءات المشتركة، التي تقوم عليها مؤسسات متعددة تتصرف بالتشارك بالتوازي، وتستهدف نقطة التقاء واحدة. ويدفعنا اليقين إلى أن الإجراءات المشتركة المطلوبة للمرحلة، هي التي يشارك فيها أهم، أو أكبر عدد من الدول العربية؛ إن لم نقل جميعها، التي تستطيع الوفاء بالتزاماتها السياسية والمادية، والتي يمكنها أن تُؤدي ابتدار قرارات ذات طبيعة استراتيجية مترابطة من أجل تحقيق بعض الأهداف المشتركة. ويجب، في خضم توصيف ووضع هذه الإجراءات، تمييز العمل المشترك عن العمل القُطْرِي من ناحية، وعن "أفعال" الهيئات الاعتبارية من ناحية أخرى. وبالتالي، فإن الدولة، التي تسير في الطريق، أو تُطلق مبادرة لتحقيق هدف جماعي معين ينبغي أن تتحرر من رغبة احتكارها، كأن تكون دائمًا مُشْرَعة الأبواب لاستيعاب الآخرين، وإعطائهم الحق في الشعور بامتلاكها. إن الدولة، التي تقدم المبادرة تنعقد لها القيادة الأخلاقية للعمل المشترك، من دون التغول على تحديد توجهاته، أو السيطرة على تقرير مصائره؛ كدور أبو ظبي في وحدة الإمارات، أو فاعلية السعودية في التمكين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومن قبلهما سبق مصر في احتضان جامعة الدول العربية.

وبالنظر إلى الفرضية القائلة بأن مثل هذه المبادرات تلعب دورًا ما في شرح كيفية فهم العرب لمقدمات وحدتهم المنشودة، فماذا يمكن أن يكون العمل العربي المشترك كهدف متقدم لهذه الوحدة؟ وهنا، قد تذهب بنا الإجابة مذاهب شتى، ولكنها مهما اشتطت فإنها لا محالة ستؤكد على أن الانخراط في العمل المشترك ينطوي على إبداء النوايا، تبادل الثقة، ومن ثم العمل على تغيير نوازع التنافس والتشرذم، الذي يتطلب تعديل اتجاهاته الكثير من المنطق والفهم السمو فوق طموحات الذات، التي من المفترض أن يتم تفسير تطورها من خلال اللجوء إلى العمل المشترك. لذلك نقدم في هذه المساهمة وصفًا لنوع مختلف من العمل المشترك، حسابًا متوافقًا مع فرضية التنمية. الحساب الجديد ليس بديلاً عن الحساب الرائد؛ بل إن الحسابات تميز نوعين من العمل المشترك. عندما يتضمن نوع العمل، الذي يتميز به الحساب الرائد نوايا مشتركة، فإن الحساب الجديد يميز نوعًا من العمل المشترك، الذي يتضمن أهدافًا مشتركة.

إن هذا في تقديري منحىً مفيد يجب متابعته بشيء من الصبر والمصابرة، لأن العمل المشترك في أصل حقيقته يُثير تشابكًا إشكاليًا في أسئلة علمية وفلسفية تتعلق بالتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكل حركة النهوض العربي والغايات المستهدفة. ولكن نريد أن يشترك جميع الفاعلين في تعريف الآليات، التي تجعل ذلك ممكنًا. فنحن من الناحية التنموية نريد أن نعرف متى تظهر نتيجة العمل المشترك؟ وما الذي يفترضه؟ وما إذا كان ذلك قد يسهل بطريقة ما التنمية الاجتماعية المعرفية والبراغماتية والرمزية؟ فمن الناحية الظاهرية، نريد أن نميز ماذا إذا العمل العربي المشترك خاص بتجارب العمل والفاعلية عندما تكون جماعية. ونحن نريد معرفة أنواع المؤسسات والكيانات والهياكل، التي ينطوي عليها وجود العمل المشترك؛ ومعياريًا نريد أن نعرف: ما هي أنواع الالتزامات، التي يتضمنها العمل المشترك؟ وكيف تنشأ هذه الالتزامات؟ وهل يمكن أن يكون التنسيق هو السمة المميزة؟ وللتحقيق في أيٍ من هذه الأسئلة سيكون من المفيد فهم الميزة، أو الميزات، التي تستهدفها الإجراءات المشتركة، التي تنطوي على مبادرات دولٍ متعددة، أو مجرد مؤسسات عربية تعمل بالتوازي مع هذه المبادرات.

والحق يقال إن هذه الإجراءات المشتركة المقترحة هي ما ظل ينادي به القادة العرب في كل منتدياتهم ومؤتمراتهم. فقد أعرب الرؤساء والمسؤولون العرب، خلال قمة جامعة الدول العربية، التي عقدت في الجزائر، في الأول من نوفمبر الماضي، عن أهمية تعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات والأزمات الراهنة، وأكدوا رفضهم التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. فقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الأمن القومي العربي لا يتجزأ، مشيرًا إلى أن التحديات الحالية تتطلب اعتماد "نهج شامل ومشترك" يساهم في الحفاظ على الاستقرار والأمن وترسيخ دعائم الحكم الرشيد. وأضاف السيسي من المهم أيضًا "القضاء على التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة وإحباط أي محاولات ... من قبل القوى الدولية والإقليمية لإقامة مناطق نفوذ في العالم العربي". وقال إن التهديدات ضد الدول العربية ترجع بشكل أساسي إلى تدخلات "قوى إقليمية أجنبية" أثارت الصراعات وذهبت إلى حد شن "هجمات عسكرية مباشرة" على بعض الدول العربية. ومثلما قال سامح شكري، حذر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، من أن الصراعات الجيوسياسية تهدد بتقويض قدرة العالم على مواجهة التحديات، مضيفًا أنه من المهم توحيد المواقف لتحقيق أهداف العمل العربي المشترك. ويبقى السؤال هنا حول ضرورة التكيف ومواكبة التطورات الهائلة، بالإضافة إلى الاتفاق على إجراءات مشتركة لمواجهة التحديات المتغيرة؛ في ظل المعطيات السابقة. إذ إن كل التحديات على الساحة الإقليمية والعالمية تتطلب إجراءات عملية وعاجلة لتفعيل العمل العربي المشترك، انطلاقًا من استراتيجية جديدة تحاكي لغة الحاضر، مع ضرورة التسلح بكل أشراط القوة والوحدة.

أسئلة بلا إجابات:

لقد اتضح لنا أن الإجراءات، التي تؤسس للعمل العربي المشترك بشكل مناسب مع نوايا كل دولة على حِدة، ومعاً مع بقية الدول؛ وتتطلب كل نية لتحقيقها أن تتجه جميع الإجراءات نحو هدف جماعي، يتعلق بتحقيق مقاصد هذه الجماعية. ولكل محاولة توصيف للعمل المشترك، ما هي الأمثلة المضادة لمدى كفايتها، وما هي المكونات الإضافية اللازمة لإعادة تفعيلها؟ ويتطلب الأمر تقديم المزيد من خصائص الالتزام بشكل من أشكال التعددية حول العمل المشترك. لكن، هل هي تعددية بما فيه الكفاية؟ وقد لا تفي محاولات الإجابة على هذه الأسئلة مقصود طرحها، إذ تفترض كل التوصيفات أن هناك فرقًا واحدًا بينها وبين مقاصد الإجراءات المشتركة، التي تفعل، وتلك، التي لا تفعل، وتنطوي أساسًا على مجرد النية. لذلك، هناك حاجة إلى مزيد من إيضاحات الفروق الضرورية لتبيان طبيعة كلٍ منهما؛ على سبيل المثال، هل هناك أنواع متعددة من تفاصيل العمل، التي تنطوي أساسًا على مجرد النية؟ وحتى بدون إجابات على هذه الأسئلة الأساسية، فإن أسلوب الحد الأدنى من العمل العربي المشترك هو مفيد بطريقتين مترابطتين على الأقل. أولا، الحد الأدنى نهج ينتج مكونات مثل فكرة الهدف الجماعي، الذي يمكن أن تستخدم في تحديد محتويات النوايا والالتزام للدول الأخرى. فالبعض يفترض ضمنيًا أن توصيف نوع، أو أنواع الفعل، الذي ينطوي أساسًا على النية هو أمر ممكن دون التأثير على أنواع العمل المشترك، التي لا تنطوي أساسًا على النية، أو الالتزام. على سبيل المثال، يمكن الاعتماد حصريًا على الأنشطة، التي يكون متفقٌ عليها فيما يتعلق بالقصد المشترك في إنشاء مؤسسات عمل مشترك، الذي ينطوي على النية، وحوافز الالتزام، وآليات التنفيذ. وفئة الأنشطة المتفق عليها عربيًا، فيما يتعلق بالقصد المشترك واسعة للغاية، وتتضمن كلها الإجراءات، ولا تنقصها توصيفات آليات التنفيذ، وإنما فقط الإرادة، التي تؤكد على جدوى الالتزام بأهداف جماعية. فقد تكون جميع الإجراءات المشتركة تتضمن بشكل أساس النوايا لفعل الأشياء معًا، ولكن، كما رأينا فيما مضى، أن الالتزام بالقصد المشترك يكون عادة أقل إلحاحًا، والإجراءات المشتركة أبطأ في نزولها إلى أرض الواقع، فيتعطل بالتالي تَحَقُّق الأهداف الجماعية.

إن العديد من الأشياء، التي تقوم بها الدول العربية منفردةً، تتضاعف قيمتها إذا تعاونت في فعلها مع الآخرين، مثلما أن الكثير من الأنشطة ليست مجرد مجموعات من الإجراءات المنفردة، التي يتم تنسيقها بشكل متبادل ما يجعل حالات الفعل المشترك، والتي تنطوي على حركة جماعية متميزة عن الأفعال الفردية المترابطة. وتعد ظاهرة العمل العربي المشترك الممنهج موضوعًا مهمًا للتفكير والتنظير لعدة أسباب: أولاً، كانت القدرة على توحيد القوى والعمل الجماعي قوة قوية في التطور السياسي والثقافي، وكذلك في التقارب الاجتماعي المعرفي للشعوب؛ أفرادًا وجماعات. وإذا أن نفهم ما هي هذه القوة: ثانيًا، علينا السعي لإدراك أفضل للعمل الجماعي بشكل عام. وهنا، يمكن القول إن نظرية العمل التحليلي قد تخضع للتحيز الفردي، ولكن من خلال التركيز على العمل المشترك، قد نكتسب رؤى جديدة حول الوضع الراهن وإمكانية النهوض. وثالثًا، يجادل العديد من السياسيين والأكاديميين بأن إسهامات مؤسسات العمل العربي المشترك المرصودة هي الأساس للمسؤولية العربية الجماعية. ولفهم الظروف، التي يكون فيها من المناسب تحميل هذه المؤسسات المسؤولية عن الإجراءات والنتائج، نحتاج أولاً إلى فهم أفضل للعمل المشترك المقصود، وما إذا كان التخطيط والإعداد له صحيحًا أم لا، لأنه بذلك سيكون فهم العمل المشترك المقصود ذا أهمية عملية كبيرة، مع إمكانية قياس الممارسات الأخلاقية والقانونية المرتبطة به. أخيرًا، يدعي بعض المراقبين أن جرد حساب مفصل للعمل العربي المشترك المقصود مطلوب لفهم طبيعة الحقائق المؤسسية، والواقع السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي.

 لسوء الحظ، فإن الكثيرين من هؤلاء، الذين يكتبون عن العمل العربي المشترك ليسوا دائمًا واضحين بشأن مصدر اهتمامهم بهذه المسألة ذات الطبيعة الاستراتيجية. وهذا يجعل من الصعب مقارنة نقاط القوة والضعف في القراءات المختلفة للعمل المشترك المقصود، أو المتفق عليه. في الواقع، نادرًا ما يكون من الواضح ما إذا كان هناك روايتان متنافستان في الواقع لقراءة واحدة ومقارنتها ومقاربتها لقراءة أخرى، أو مجرد سرد لأنواع مختلفة من هذه القراءات. ومع ذلك، فإن الافتراض الشائع في فهم العمل العربي المشترك، والأوضاع السياسية والاجتماعية، هو أنه يمكن التمييز بوضوح بين الإجراءات المشتركة، وبين مجموعات الأعمال المترابطة. بينما تثار المخاوف في وسائل الإعلام؛ من حين لآخر، من أنه ربما لا توجد ظاهرة واحدة للعمل العربي المشترك المتعمد، ولكن هذه المخاوف عادة ما يتم تجاهلها بسرعة. وذلك كلما اقترب فهم هذه الوسائل الإعلامية من جهود التنسيق العربي نحو هدف مشترك، والمسؤولية الجماعية، ومعرفة طبيع هذا الهدف في سياقات العمل المشترك، أو ما قد نسميه "المعرفة المشركة". فيما إذا كان الفعل المشترك المتعمد هو ظاهرة واحدة، أو مجموعة من الظواهر، أو ما إذا كان ينبغي أن نكون تعدديين ونتخذ إجراء مشتركًا مقصودًا ليكون علامة تجسد مجموعة من الظواهر، التي ترتبط فقط بأوجه تشابه سياسية واجتماعية مختلفة.

استنتاج:

لقد اتضح أن هناك حاجة مؤكدة إلى المزيد من العمل العربي المشترك، ومن المؤكد أن التحديات، التي تواجه المزيد من التطوير لهذا العمل المشترك، ما تزال كثيرة ومتزايدة. لذلك ركزنا في هذه المقالة على نهج الحد الأدنى، كبديل للمحاولات السائدة حاليًا، التي تفترش أبسطة ممتدة من التفاؤل، والتي تغل ضرورات التدرج، الذي يبدأ بالتعبير عن النوايا، والتأكيد على الالتزام، والتخطيط للاستئناف من خلال الهياكل المتداخلة، أو المؤسسات المتوازية، وإدراج كل جهود المكونات الجديدة من الناحية المفاهيمية، وآلياتها المُعِينة على جماعية التنفيذ. وبالنظر إلى الفرضية القائلة بأن العمل العربي المشترك يلعب دورًا ما في شرح كيفية فهم الناس لطبيعته، فمن حق الناس التساؤل عن: ماذا يمكن أن يكون هذا العمل المشترك؟ فليس ما يقوله أحد الإعلاميين، أو المراقبين، يمكن أن يكون دليلًا قاطعًا على صحته، وإنما الانخراط في العمل العربي المشترك هو، الذي ينطوي على مشاركة النوايا والقصد، والذي يتطلب تقاسم الكثير من فهم الإجراءات، التي من المفترض أن يتم تفسير تطورها من خلال الدعوة إلى هذا العمل المشترك. لذلك، نزعم أننا قدمنا في هذا المقال وصفًا لنوع مختلف من العمل العربي المشترك، وعرضنا تصورًا متوافقًا مع فرضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تجتهد المؤسسات الرسمية العربية في تأكيد جماعية الفهم المشترك لطبيعتها وضرورة تفعيلها. وهذا الطرح ليس بديلاً عن الآراء الرائدة في هذا المجال؛ ولكنه فقط محاولة تمييز بين نوعين من التصورات حول العمل العربي المشترك؛ ما ألف الناس الحديث عنه، وهذه المحاولة المتواضعة. فعندما تتضمن تلك الآراء الرائدة حساب النوايا المشتركة، فإننا نُميِّز هنا نوعًا من العمل المشترك، الذي يتضمن أهدافًا واقعية مشتركة.

ومع كل ما تقدم، أجد نفسي، في الختام، متفقًا مع العديد من الباحثين على أن جميع الأعمال المشتركة تتطلب مقدمات؛ تتمثل في نية مشتركة، من أجل سلامة القصد وتأكيد الالتزام، والتواضع على إجراءات مشتركة، وتَخَيُّر ما يناسبها من آليات، وإحسان التنفيذ، حتى تَصِحّ النتيجة. لذلك، فإن المشكلة المركزية في معوقات وتحديات العمل العربي المشترك، ليست محصورة في تقديم جرد حساب لما أنجز عبره، وإنما هي حول كيفية القيام بذلك على الوجه الأكمل. ولكن بما أن استصحاب وجهات النظر الأخرى يمكننا من تمييز العديد من الحالات النموذجية للعمل المشترك، التي تنطوي على المؤسسات والهياكل المختلفة. فمن الواضح أن تحديات العمل العربي المشترك كبيرة ومتعددة الأوجه، يفاقم من تأثيراتها انعدام الوحدة بين الدول العربية، وعدم الاستقرار السياسي والصراعات، والتدخل الأجنبي، والتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، التي تساهم جميعها في الصعوبات، التي تواجه العمل العربي المشترك. وتتطلب معالجة هذه التحديات تضافر جهود كل الدول العربية للعمل معًا من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، والتغلب على خلافاتها وانقساماتها. وبذلك فقط يمكن للعالم العربي أن يحقق الاستفادة من إمكاناته الكاملة، ويلعب دورًا رائدًا على الساحة الإقليمية والدولية.

مقالات لنفس الكاتب