array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 185

وسائل الاتصال ركيزة مجتمعية لتوحيد الهمم وتحفيز الوجدان الوطني للتلاحم

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

يتردد استخدام مصطلح الرأي العام كثيرًا في المجالات السياسية والإعلامية وفي المناقشات والمؤتمرات العالمية والمحلية، وهو جوهر الاتصال الجماهيري، نظرًا لما يتمتع به من قوة وتأثير في حياتنا اليومية، إذ يتحكم السلوك البشري بمختلف الآراء والأفكار والتوجهات التي يبنيها على الرأي العام السائد، نظرًا لارتباطه في كثير من الأحيان بالعادات والتقاليد والأعراف التي يقوم عليها المجتمع، بل أصبح للرأي العام تأثيره الكبير الذي لا يمكن تجاهله في عالم اليوم، فقد ساهمت وسائل الاتصال المتعددة بمنحه قوة لا يستهان بها، لدرجة أن جيمس لازويل وصف ضغط الرأي العام وشبهه بالضغط الجوي، حيث إنه لا يرى لكنه ذو تأثير محسوس وخطير مالم يتم التعامل معه بحكمة بالغة.

وهذه الأهمية التي يكتسبها الرأي العام في الحياة اليومية للفرد والجماعة قد زادت من اهتمام الباحثين والمفكرين بهذه المسألة، وهو ما جعل الوقوف على تحديد مفهوم الرأي العام أمرًا صعبًا نظرًا للاختلافات الواضحة في شرح هذا المفهوم وتعدد التخصصات والمجالات التي اهتمت بهذه الظاهرة، على غرار علم الاجتماع، والسياسة، والإعلام، وعلم النفس الاجتماعي وغيرها، وهو ما تؤيده الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية، إذ تقول بأنه لا يوجد تعريف عام، رغم أن استخدام المصطلح يزداد يومًا بعد يوم.

 

وتمثل ظاهرة الرأي العام الحديثة امتداداً لما كان سائداً في الحضارات الإنسانية القديمة، والتي عرفتها شعوب تلك الحقبة الزمنية بما يمكن تسميته بالاتفاق العام، أو الاتجاه السائد، أو صوت الشعب، أو الرأي الجماهيري، كما كان يطلق عليه المفكرون والسياسيون في المدن الإغريقية القديمة، وكما كان لرأي الأغلبية الحكم النهائي أنداك أصبح اليوم أحد مظاهر التقدم الحضاري، ومظهرًا من مظاهر الأنظمة الديمقراطية في العالم، وقد تطورت هذه الظاهرة بطريقة تدريجية، حتى وصلت إلى ما هي عليه في العصر الحالي، حيث تزايدت أهميته وفعاليته في صناعة السياسات وتغييرها أو تعديلها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اليوم، تجاهل أهمية الرأي العام على اختلاف أنواعه، وقدرته على إحداث التغيير محلياً وإقليمياً ودولياً.

ويعد الرأي العام مؤشرًا مهماً لقياس مدى الرضا عن السياسات العامة للدولة من جهة، بالإضافة إلى دوره في تشكيل وتحديد توجهات المواقف الشعبية المختلفة نحو القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء من جهة أخرى، ومن ثم أصبحت عملية تكوين الرأي العام المؤيد، ومعرفة توجهاته ومدى قبوله أو رفضه لسياسة معينة تشغل صانعي القرار في مختلف دول العالم لما له من دور في تحقيق الشرعية والرضا عن النظام السياسي القائم ويقلل من حدة العنف تجاهه، والتوافق معه في برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، وغيرها.

   والحديث عن الرأي العام يدفعنا بالضرورة إلى الحديث عن وسائل الاتصال التي تعد حلقة الوصل بين الرأي العام وصانعي القرارات وعليها يقع عبء إيجاد التفاعل الطبيعي بين اهتمامات وقضايا الرأي العام وقرارات السلطة السياسية، الأمر الذي يضمن الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي من ناحية وإحداث التغييرات المجتمعية بطريقة سليمة من ناحية أخرى.

          وخلاصة القول إن الرأي العام في مجتمع ما هو اتفاق آراء مجموعة من الناس، واهتمامهم بقضية أو موضوع أو ظاهرة من الظواهر الجدلية، ذات طابع وطني أو إقليمي أو دولي، يثور حولها الجدل، ويكون لهذا الإجماع قوة وتأثيراً في الموضوع أو القضية المعنية، وهناك مجموعة من الأسس والقواسم المشتركة التي تشكل الرأي العام، منها:

  • الرأي العام موقف اختياري يتخذه الشخص إزاء قضية مثيرة للجدل.
  • الرأي العام ظاهري، ومعبر عنه.
  • الرأي العام ديناميكي، واستجابته لمعطيات الحياة.
  • الرأي العام نتاج اجتماعي لعملية اتصال متبادل بين العديد من الجماعات والأفراد في المجتمع، ويشترط وجوده اتفاقًا موضوعيًا كما يفترض المناقشة العلنية لموضوع الرأي العام.
  • يستمد الرأي العام شكله من الإطار الاجتماعي الذي يتحرك بداخله.

عناصر تشكيل الرأي العام:

من خلال فهم فلسفة الرأي العام ونوعية التصورات التي ترتبط بهذا المفهوم يمكن استنتاج مجموعة من العناصر التي يتكون منها الرأي العام:

  • وجود مشكلة أو قضية عامة: شعور أفراد الجماعة بوجود قضية تشغلهم وترتبط بمسألة وجودهم أو علاقتهم بالبيئة التي يوجدون فيها.
  • طبيعة الجمهور: فهو أحد عناصر الرأي العام، وغالبًا ما يتسم جمهور الرأي العام بالاتفاق حول المشكلة وأهميتها رغم اختلافهم من حيث انتماءات أفرادهم ومستوياتهم التعليمية والثقافية.
  • أولويات وأهمية المشكلة لدى الجمهور: يـعكس الرأي العام رأي الجماعة ككل، ويعبر عن مدى حجم المشكلة ومحاولة حلها وتناولها وعرضها بصورة ملائمة في ضوء متطلباتهم واهتماماتهم الواقعية.
  • التعبير عن الرأي العام: غالبًا ما تطرح الأفكار حول موضوع أو مشكلة الرأي العام في صورة متباينة عند التعبير عنها، حيث يفرز هذا النوع من الاختلاف حول المشكلة نوع من الاتفاق حول الأهمية الجوهرية نحو هذا المضمون العام (الرأي العام).
  • حجم الجمهور: تبرز أهمية الرأي العام وتكوينه وتأثيره طبقًا لحجم الجماعة والجمهور الذي يشكل قوة ضغط سياسية واجتماعية وثقافية ودينية حول الموضوع المثار حوله الآراء وتتبلور لزيادة مستويات الفاعلية والتأثير للرأي العام.
  • تأثر الرأي العام: للرأي العام أدوار متعددة في سلوك الأفراد والجماعات والسياسات الحكومة لذا تسعي كل المؤسسات والمنظمات المرتبطة بتشكيل هذه السياسات أن تلبي حاجات الجماهير التي لم تنجح إلا من خلال وجود نوع من التوافق والانسجام مع الرأي العام ورأي الأغلبية من الجمهور.
  • الثقافة المجتمعية: الثقافة المجتمعية هي مجموعة من السنن والتقاليد والعادات والآداب والفنون والقيم والعائد والأفكار والخبرات وهي جميعًا تشكل منظومة الثقافة لكل مجتمع وهذه المنظومة بدورها سوف تستحضر حين تواجه جماعة معينة على صعيد محلي أو وطني أو إقليمي أو إعلامي قضية ما لكي تنجح وتعيد تشكيل رأي عام بصددها واستحضار الثقافة المجتمعية تجعل من تلك الثقافات عاملًا مؤثرًا ربما في وجود الرأي العام أو عدمه وفي تحديد مساراته واتجاهاته وفي مدى انتشاره وشدته، واستخدمت هذه المنظومة المملكة المتحدة في عهدها الاستعماري، وخلاصة القول أن الثقافة المجتمعية تشكل أهم العوامل المؤثرة في تكوين الرأي العام.
  • الزعماء في المجتمع: الزعماء في كل المجتمعات يؤدون دورًا مؤثرًا في تكوين الرأي العام وتوجيهه وانتشاره وشدته، كما إن الزعماء في أكثر الدول النامية مازالوا يشكلون إحدى العوامل الأساسية في تكوين الرأي العام.
  • طبيعة الأحداث: حيث تشكل الأحداث اليومية في مجملها، مصدرًا مهماً في تكوين وتشكيل الرأي العام، ولكنها تتفاوت من حيث القوة والتأثير بحسب طبيعة الأحداث، وأهميتها للجمهور، بالإضافة إلى جملة الأحوال المحيطة بالحدث.

 

العوامل والوسائل المؤثرة بالرأي العام في الدول النامية:

من العوامل والوسائل في الوقت نفسه المؤثرة في تكوين الرأي العام وتشكيله فـي الدول النامية:

  • طبيعة الكونفورميا الاجتماعية السائدة في مجتمع معين، وطبيعة هـذه الكونفورميـا (الأعراف والتقاليد والفنون والقيم والعقائد والأفكار والخبرات وهي من النوع الجامـد أو المرن)، وتبعًا لذلك يمكن أن يكون عامل تكوين وتشكيل أو عرقلـة للـرأي العـام لإنضاج رأي عام في القضايا المطروحة على الساحة في دول العالم الثالث (النامية) مما يتوجب أن تكون هذه الكونفورميا الاجتماعية ماثلة أمام مـن يطـرح أي قـضية للحصول على دعم أو رفض الرأي العام لها، حيث تتناسب ردود الفعل تناسبًا طرديًا مع قرب أو بعد القضية من القيم والعقائد والأعراف والتقاليد السائدة في مجتمع الدول النامية.
  • وجود الشخصية القيادية (القيادة الكاريزمية) إن للزعماء والقادة دورًا فاعلًا في التفاف الجمهور حول قضية معينة، وفي المجال المطلوب كالزعيم الفكري والروحي والزعيم الإداري والزعامات الرمزية، ومنهم على سـبيل ذلـك الـرئيس الهنـدي غانـدي ونيلسون مانديلا، ويتوقف دور وتأثير الزعيم أو القائد بقدر ما يمتلكه من العبقرية والقدرة والكفاءة والخبرة الدراية في القضية التي يدعمها ويناضل مـن أجـل كسب الرأي العام لصالحها، كما أن لهذا العامل من أثر خصوصًا في البلدان النامية أو حديثة العهد بالممارسات الديمقراطية والذي قادت في أحيـان كثيـرة إلـى تعظيم الشخصية وصناعة الديكتاتورية.
  • وسائل الاتصال والتواصل: لهذه الوسائل دور فاعل فـي التـأثير على مزاج وقناعات الأفراد والجماعات، خصوصاً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتخطيها حواجز الأمية، وسهولة استخدامها، وتبادل مضامينها؛ وقدرة الطرف الآخر على صناعة رأي عام من خلالها، خصوصاً إن كان يتمتع بعدد كبير من المتابعين، والذين لديهم عدد أخر يستطيعون جذبهم والتأثير عليهم.
  • طبيعة الحدث أو القضية المطروحة على الرأي العام: ينظر للرأي العام بأنه نتاج للتفاعل بين مكونات المجتمع، والمجتمعات النامية لديها أولويات تسعى لتلبتها، والمطالبة بها، فهي تشكل الهاجس الأكبر من حياتهم اليومية كالعمل والسكن والتعليم والـصحة والغذاء، بالإضافة إلى قضايا كبرى متعلقة بأمن وسلامة الأوطان، وسن بعض القوانين التي تسهل على الناس حياتهم.
  • التجارب السياسية: فالمواقف تتكون بصورة طبيعية بناء على تجارب مرت بها الدولة في الماضي سوء أكانت تجارب داخلية أم خارجية ومن ذلك تجارب الحرب والـسلام.
  • تأثير العوامل الاجتماعية: إن المركز الاجتماعي الذي يشغله الفرد مـن الممكـن أن يكون له تأثير بالمواقف التي يتخذها وهذه العوامل الاجتماعية هي على النحو التالي: انتماء الفرد إلى جماعه معينة وهذا النمط السائد في الدول النامية بشكل أكبر؛ كالأسرة والطبقة أو الطائفة الدينية أو القبلية، المصالح الاجتماعية والاقتصادية كالدخل والمهنة ومحل الإقامة، التنظيم الاجتماعي للجماعات والمصالح في البيئة التي يعيش فيها أو الجماعة، تأثير خصائص الشخصية الفردية والقيادية.
  • وسائل الإعلام: ترتبط وسائل الإعلام في الدول النامية بشكل أو بأخر بالسلطة الحاكمة، التي تسعى للسيطرة عليها وتوظيفها مع سائر الأنظمة الاجتماعية في التنشئة السياسية لجميع أفراد المجتمع، فنظام الحكم يريد من خلال وسائل الإعلام أن يوثر ويغير مواقف المواطنين وآرائهـم على نحو يتوخى منه تحقيق أهداف الخط السياسي.
  • العقيدة: تعد العقيدة بمفهومها الواسع أداة مهمة في غرس المفاهيم والاتجاهات والقيم، وتنعكس على سلوك الإنسان، ونظرته للكون والحياة، والرأي العام في المجتمع المسلم يصدر من رؤية تحررت من الهوى والعصبية، والأعراف والتقاليد المتعارضة مع تعاليم الإسلام السماوية، ولذا يتشكل الرأي العالم في هذا المجتمع متأثرًا بعقيدة صافية من التلوث الفكري والأهواء البشرية والدنيوية.
  • الأعراف والتقاليد: تمثل الأعراف والتقاليد محددات عامة للسلوك لا يسمح بتجاوزها، فهي كالقوانين المنظمة لحياة الإنسان، فالجماعة المرجعية يستمدّ منها الفرد معتقداته وقيمه ويضبط من خلالها مواقفه وسلوكه ويشعر بنوع من التوحّد معها، وهي تنشأ عادة بين أشخاص تجمع بينهم أهداف وقيم واتجاهات أو ميول مشتركة يسعون إلى تحقيقها. ومن ينتمي إليها يصبح بفكره وسلوكه جزءاً منهاً، ويجتهد في الانسجام معها عبر مقارنة نفسه بسائر أفرادها؛ وإذا ما تحقّق اندماجه فيها وتناغمه مع قيمها واتجاهاتها كان من النادر إتيانه ما يتعارض معها، ومن هنا تأتي قوّة تأثير الجماعة المرجعيّة في أعضائها، فهي تؤثر بشكل كبير في تكوين الرأي العام.
  • الأسرة: هي المحضن الأول الذي يتلقى فيه الفرد معارفه الأولى وهي التي تغرس في الطفل كثيرًا مـن أنمـاط السلوك والمحبة والانتماء والولاء والتسامح والسلام، فهذه القيم التي يكتسبها الإنسان في بداية حياته تشكل اتجاهاته وآرائه تجاه جميع ما سيقابله من أحداث وقضايا مختلفة، بل إن هذا الغرس التربوي والثقافي سيصبح بمثابة الموجه تجاه إما الاعتدال أو الغلو والتطرف والعنف والإرهاب أو تساعد على ذلك.

كما لا يمكن إغفال دور وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت رافداً أساسياً في بناء منظومة الإنسان الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية والفكرية، حيث أسهمت في تسهيل إمكانية التواصل الإنساني والحضاري، من خلال شبكة "الإنترنت" التي أفضت إلى ظهور ما يعرف بـ " المجتمع الافتراضي" الذي أصبح له وجوده المؤثر على تفاعلات المجتمع الواقعي الذي يحياه الرأي العام بقطاعاته المختلفة، حيث صار بإمكان الفرد أن يتواصل و يناقش مع فرد أو أفراد آخرين -دون سابق معرفة بينهم- قضايا اجتماعية، وسياسية ،واقتصادية، ودينية وغيرها، ويتبادل معهم الأخبار، والصور، وأفلام الفيديو، مما ساعد على تكوين  رأي عام افتراضي؛ أمكن صناعته، وتوجيهه، واستخدامه دون وعي من أعضاء هذ المجتمع، وتكمن خطورة هذا الأمر عندما يتم توجيه الرأي العام الافتراضي للمساس بالهوية الوطنية لأي مجتمع.

 حيث تؤدي الهوية دوراً رئيسياً على مواقع الشبكات الاجتماعية إذ أنها الخطوة الأولى التي تمكِّن المستخدمين من معرفة الأشخاص الذين يتواصلون معهم، وبالتالي فهم وتقييم هذا التفاعل، وتعتبر الهوية من بين أهم القضايا التي يطرحها استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية ذلك أنها تعتبر غامضة نوعًا ما اذا ما عدنا إلى محددات الهوية التي اعتدنا عليها في العالم الفيزيائي وتعتبر الصفحات الشخصية وشبكات الأصدقاء التي يقوم بها المستخدم بإنشائها جوهر مواقع الشبكات الاجتماعية فبعد التسجيل عبر الانترنت يكون المستخدم مطالباً بإعداد صفحته الشخصية التي تحدد هويته، والتي تتنوع حسب طبيعة الموقع لذا فإن الهوية في المجتمع الافتراضي ليست موثوقة دائماً،  حيث يمكن تزييف اسم الحساب وتسجيل معلومات هوية كاذبة وبالتالي الملامح الاجتماعية قد تكون مضللة.

وقد أكدت العديد من الدراسات والأُطروحات النظرية الرصينة أن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ووسائل الإعلام الحديثة، يسرت بدرجة كبيرة  صناعة الرأي العام والتأثير عليه من خلال تزويده بالمعلومات عن الشؤون والقضايا السياسية، وتركيز إدراكه لأهمية هذه القضايا وفقًا لما تقدم من مضامين في تفسير وتحليل لأحداث وترتيب أولوياتها وحكمهم على السلوكيات المقبولة من المجتمع، ومساعدتهم في ربط الأحداث والمواقف السياسية ببعضها البعض، حيث تؤثر في آراء وأحكام الرأي العام نحو القضايا المختلفة، كما تعد انعكاسًا للرأي العام السائد والتغيرات التي تطرأ عليه نحو هذه القضايا، في ضوء المتغيرات والعوامل المصاحبة للعولمة الإعلامية، والتي أنتجت رأياً عاما افتراضياً صنعته وسائل التواصل الرقمية وساهم في تشكيل وتدعيم الوعى العام.

 

هذا التأثير لشبكات التواصل الاجتماعي لم يتصوره بعض المحللون وخبراء الإعلام والاتصال، بل أنها تفوقت على العديد من وسائل الإعلام (التقليدية) في تكوين وتوجيه الرأي العام، لتصنع حراكًا اجتماعيًا واقعيًا، وتركيبة متداخلة بين أفراد وجماعات مختلفة ومتجانسة، وذلك هو الذي أحدث صراعًا تنافسيًا بين المواقع الإلكترونية العالمية مثل "جوجل ومايكروسوفت" سعيًا لامتلاك تلك الشبكات التفاعلية للسيطرة على الرأي العام الإلكتروني، وتشكيله وقيادته إلى حيث تريد.

 

     وثمة مكوِّنات رئيسية لتشكيل الرأي العام تتمثل بدورها في تقييم الرأي العام للقضية أو القضايا المعينة بوصفها قضيةً مهمةً وبارزة؛ وفي هذا الصدد تبدو أهمية وسائل الإعلام سواءً التقليدية أم الجديدة في إمداد الرأي العام بالمعارف الرصينة التي تُفضي إلى الرشادة في النقاش العام وصولًا إلى تشكيل اتجاهات بعينها نحو تلك القضية أو القضايا إما بالإيجاب أو السلب، ويتوقف النقاش أو الجدل العام؛ حول القضايا المصيرية  على خصائص الرأي العام من حيث مستوى التعليم، والثقافة، والدراية بجوانب تلك القضايا، والتنوع في المصادر التي يستقي منها الأفراد المعلومات حو تلك القضايا، فضلًا عن مستوى وحجم النقاش فيما بينهم حول تلك القضايا عبر مدى زمني ممتد نسبيًا، كما تؤثر الثقافة المجتمعية السائدة في تشكيل الرأي العام حول القضايا المصيرية؛ ويؤكد الباحثون والخبراء في مجال الرأي العام على أن طبيعية القضايا ومستوى أهميتها؛ يؤثر بدوره في تشكيل الرأي العام ؛ ومن ثمّ فإن بعض القضايا السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية وما تنطوي عليه من مكوّنات معقدة ترتبط بالعلاقة ما بين الفرد والمجتمع من جهة، وما بين الفرد والمجتمع والحكومة من جهة أخرى.

ويُعد التباين في أنماط التعبير عن الرأي العام من المتغيرات الرئيسة في عملية تشكيل الرأي العام، وتخلق هذا الأنماط من الاختلاف حول المشكلة قدرًا من التباين في اتجاهات الرأي العام بيدّ أنه مع النقاش الممتد يتم تكريس ظاهرة الرأي العام، والاستناد إلى رأي الأغلبية في مواجهة القضايا أو التحديات المصيرية التي يواجهها المجتمع؛ وهنا استشهد بقضيتين مازلت فصولهما لم تكتمل حتى كتابة هذا المقال، القضية الأولى وهي المصالحة اليمنية يمنية، والأخرى هي السعي لإدماج سوريا في الجامعة العربية، ظروف القضيتان متشابهتان في عدة جوانب، أبرزها الإنساني والأمني، ونظرياً يفترض أن تجد هاتين الخطوتين ترحيباً عربياً منقطع النظير، إلا أن الراصد لوسائل الاتصال بشكل عام، يجد تباين في الآراء وحشد رأي عام متعارض بل ومتصادم، تبعاً للوسيلة الإعلامية والإيديولوجيا التي تعمل بها، وما يقال عن الوسائل الإعلامية الأصيلة ينسحب على وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها، تبعاً لتوجهات القائم بالاتصال، ولو عدنا قليلاً لبداية هذا المقال لوجدنا أثر قادة الرأي و الكونفورميا الاجتماعية  والقضية المطروحة في بناء الرأي العام، فهذه العناصر تمتلك التأثير على الرأي العام، وصناعة ميوله وتوجهاته، يبقى أمر في غاية الأهمية وهي إن وسائل الإعلام الرسمية كان ينبغي عليها تهيئة الرأي العام العربي لمشروع السلام قبل إعلانه، و السعي لحشده ومطالبته بالإيمان بمضامينها ورسائلها المتكررة.

 

فالسياسات العامة للحكومات تسعى لعلاج أزمات اجتماعية أو اقتصادية، أو إقرار تشريعات جديدة، أو تعديل تشريعات سابقة، أو ترتبط هذه السياسات بعلاقات الدولة الخارجية، ولأن هذه السياسات ترتبط مباشرة بالمصالحة العامة للمجتمع، أدركت الحكومات على اختلاف أنظمتها السياسية واتجاهاته الفكرية أهمية دعم الراي العام، وموافقته لخططها وبرامجها،  ولأن أصبح من غير الحكمة تجاهل رأي الشعوب، لجأت الحكومات إلى جس نبض الجمهور بطرق متعددة، والسعي للتعرف على موقفه، لذا أضحى من الضروري تهيئته لإنجاح  تقبل عملية التغيير، فهو القوة المساندة لها، لذا تستند الحكومات في عملية تعبئة الرأي العام على البرامج التليفزيونية المختلفة، والمقالات الصحفية، وصناعة المحتوى المناسب لوسائل السوشيال ميديا، والندوات، ووسائل الإعلان المختلفة، كل هذه المسائل وغيرها تصنع وعياً معرفياً وقبولاً اجتماعياً لبرامج ومشروعات الحكومة.

 

وفى ظل هذا السياق نجد أن سؤالاً يطرح نفسه حول ما الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الاتصال لحشد الرأي العام وكسب تأييده؟، هناك حقيقة لا يمكن إغفالها وهي أن هذه الوسائل تمتلك قوة لا يستهان بها في بناء وتفعيل الرأي العام للمشاركة بكل ما لديهم في برامج التنمية، فوسائل الاتصال تمثل ركيزة مجتمعية لتوحيد الهمم وتحفيز الوجدان الوطني للتلاحم حول المشروعات الوطنية عبر صيغة إعلامية فاعلة من خلال:

1-تحفيز المواطنين على المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

  1. بث الشعور بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية لدى الرأي العام.
  2. نشر الوعي في أهمية التغيير الإيجابي في المجتمع وتحديدًا وسط الشباب.
  3. المساهمة في تغيير الاتجاهات والمواقف السلبية.
مقالات لنفس الكاتب