array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 185

السعودية مؤهلة لتنشيط العمل العربي المشترك والحقبة الحالية حقبة سعودية

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

يتزايد الحديث عن الحاجة لتفعيل العمل العربي المشترك للعديد من الأسباب، فهل هناك ضرورة لذلك؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ وهل تتوافر الظروف والمعطيات التي تسمح بذلك؟ وهل هناك دولة عربية مهيأة لتصدر المشهد ولديها القدرة على إحياء العمل العربي المشترك؟ وفي هذه الحال، هل يكون هناك قبول من باقي الأطراف العربية بهذا الدور؟ الأمر الذي ستحاول هذه الورقة الإجابة عليه وذلك على النحو التالي:

لم يشهد العمل العربي إجماعًا إلا في فترات قليلة وبخصوص قضايا معنية والتي شهدت توافقًا عربيًا جمعيًا، وذلك منذ إنشاء جامعة الدول العربية وحتى الآن، وعلى خلاف ذلك، فقد كانت هناك انقسامات عربية واضحة فيما يتعلق بقضايا وأزمات المنطقة بصفة عامة، ومن تجليات العمل العربي المشترك المساندة العربية لمصر في حرب 1956م، والتي تصاعدت بصورة غير مسبوقة في حرب 1973م، وسبقها تشكيل جبهة الصمود والتصدي التي أعقبت هزيمة 1967م.

وكانت القضية الفلسطينية ولا تزال العنوان الرئيسي والقضية المركزية التي تتعاطى معها كافة الدول العربية وتشهد نوعًا من التوافق العربي، إلا أن السنوات الأخيرة قد شهدت تباينات في مواقف أطراف عربية متعددة فيما يتعلق بثوابت هذه القضية ومسارات حلها، بالتزامن مع التداعيات السلبية للعلاقات الفلسطينية- الفلسطينية، والاختراقات سواء الإقليمية، أو الدولية للقضية ومحاولة إفراغها من مضمونها الرئيسي، وزيادة القبول الإسرائيلي من جانب الدول العربية، وتطبيع العلاقات معها، بما يعني أن القضية باتت أمام واقع جديد يتناقض مع موقعها في أجندة الدول العربية باعتبارها قضية مركزية، وإن كان الواقع يشير أنها لم تعد القضية التي تتصدر الأولوية العربية بصورة كبيرة.

بيئة إقليمية ودولية محفزة

إن الاهتمام بالأمن القومي العربي الذي هو الإطار الذي يحتوي الأمن القومي لكل دولة عربية على حدة يعتبر المقدمة الرئيسية للحديث عن العمل العربي المشترك وإذا ما كانت هناك ضرورة لتحقيقه أم لا؟ وقد أثيرت قضية الأمن القومي العربي في هذه الفترة بصورة رئيسية في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية التي يشهدها العالم والمنطقة والتي تؤثر بصورة كبيرة على مستقبل الأمن القومي العربي وعناصره وما يواجهه من تحديات، حيث يتجه العالم حاليًا-في تقدير عدد من الخبراء-لتفعيل النظم الإقليمية لتحقيق المصالح المشتركة وصيانة الأمن القومي.

ففي ظل الحراك الذي يشهده العالم والانتقال المحتمل في طبيعة النظام الدولي من نمط الأحادية القطبية إلى التعددية وتطور الدور الصيني على الساحة الدولية، وانتقالها من التركيز على الأبعاد الاقتصادية إلى الحديث على الأمن العالمي، وانخراطها في عدد من القضايا، بالإضافة لتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية والتي أدت لمتغيرات غير مسبوقة على المستوى الدولي، وانشغال القوى الكبرى بقضية مركزية، الأمر الذي أتاح ووفر مساحة حركة للقوى الإقليمية على مستوى العالم.

وفي ظل هذه المتغيرات ومع تركيز القوى الكبرى على المواجهات فيما بينها وما يمكن تسميته بحرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين بدرجة رئيسية، وبدأ الحديث عن تحركات إقليمية، حيث عاد حلف الناتو للتماسك مرة أخرى بعدما اقترب من التفكك، وارتفع الانفاق العسكري والمخصصات الدفاعية للدول الأوروبية ودول الحلف، ما يعني أن العالم يتجه لحراك إقليمي قادته وبدأته دول كبرى كما هو الحال بشأن اتفاق أوكوس في منطقة الاندو- باسيفك والتركيز على الحصار الأمريكي والأوروبي للصين، والتحالفات الصينية المضادة لذلك، خاصة علاقاتها الوثيقة مع إيران وروسيا، وعليه المتغيرات الدولية قد تركت مساحة أوسع لحراك إقليمي استثمرته عدد من القوى الإقليمية.

وفيما يتعلق بالمنطقة العربية والأمن القومي العربي، فهناك ملامح للتحولات والتغيرات الإقليمية التي تترك تأثيرها بصورة واضحة على الأمن القومي العربي أهمها، الحراك الذي نشأ في ظل الانسحاب الأمريكي من المنطقة بصورة مفاجئة قبل العودة مرة أخرى، والانخراط الصيني في قضايا المنطقة، الأمر الذي دفع دول الإقليم الساعية للعب دور وفرض نفوذها وامتلاك أوراق تأثير إلى مزيد من التفاعل مع قضايا المنطقة ودولها.

وفي هذا السياق، يمكننا الإشارة للموقف الإيراني بصورة كبيرة، حيث نجحت في أن تنخرط في الأزمات العربية، وأن تكون طرفًا فاعلًا وتملك أوراق تأثير فيما يتعلق بأية مسارات محتملة لتسويتها، ونحدد هنا الموقف في العراق، وسوريا، ولبنان واليمن، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل في إطار مساعيها لأن تصبح قوة إقليمية عظمى فهي تسعى لامتلاك السلاح النووي، ولا تزال المماطلة الجارية بينها وبين الغرب فيما يتعلق بالعودة للاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015م، والتي نجحت خلالها بسبب سعى الإدارة الأمريكية الحالية على اعتبار أن العودة للاتفاق النووي ستكون إنجازًا يمكن أن يستثمره الرئيس الأمريكي في الانتخابات القادمة، ورغم المماطلة نجحت في إقناع الإدارة الأمريكية بأن يتوصلا لحل مؤقت فيما يتعلق بالبرنامج النووي، يتم خلاله إيقاف الإجراءات الإيرانية الخاصة بزيادة التخصيب وإضافة أجهزة الطرد المركزي، وتغيير الواقع النووي بصورة كبيرة تجميد هذا الوضع مقابل رفع العقوبات، ما يعد في نظر الكثيرين انتصارًا لإيران.

ولم يكتف التمدد الإيراني بالمنطقة العربية ولكن تمدد في الجوار سواء عبر البحر الأحمر أو المحيط الهندي إلى جانب الخليج، فضلًا عن انتقالها للبحر المتوسط من خلال علاقاتها العسكرية مع سوريا، فضلًا عن تمددها في شرق إفريقيا وبعض المناطق الإفريقية الأخرى.

وقد نجحت تركيا كذلك، في الاستفادة من المتغيرات الدولية والإقليمية لتحقيق مزيد من النفوذ والهيمنة، وإن كانت تركيا في الفترة الأخيرة قد أحدثت نوعًا من الاستدارة الكاملة في علاقاتها بدول المنطقة وتغيرت الخلافات والمواجهات التي كانت تشوب علاقاتها بالدول العربية الفاعلة إلى علاقات تصالحية، ما تبلور في تقاربها مع مصر والسعودية والإمارات، في متغير جديد تسعي من خلاله تركيا لتصفير المشاكل ونسج علاقات قوية وترتب لها حضورًا ونفوذًا كبيرًا، وعلى هذا الأساس أعادة علاقاتها مع إسرائيل.

وفيما يتعلق بإسرائيل، فإن الاتفاقات الإبراهيمية وما صاحبها من سعي أمريكي وإسرائيلي لإنشاء تحالف إقليمي تكون إسرائيل محورًا للارتكاز فيه وتحديد إيران كعدو رئيسي، إلا أن نجاح السعودية في استيعاب الموقف الإيراني والوساطة الصينية بينهما قد غير استراتيجيًا من التحركات الإسرائيلية والواقع الإقليمي بصفة عامة.

تحديات قائمة

الحراك العربي والإقليمي السابق، والسياسات الدولية المعنية بالمنطقة فرضت تأثيراتها وتداعياتها على العمل العربي المشترك بصورة كبيرة، كما دفعت للحديث مرة أخرى عن ضرورة تفعيله للبحث عن صيغ تكفل حماية الأمن القومي العربي ومواجهة التحركات والتحديات التي تواجهه، والحديث عن العمل العربي المشترك، يطرح سؤالًا حول الدولة أو القوى العربية المؤهلة لقيادة العمل العربي المشترك، حيث أن الصيغة الجماعية من خلال جامعة الدول العربية رغم إنجازاتها في قطاعات اقتصادية واجتماعية، إلا أنها فشلت في تحقيق نوع من الإجماع فيما يتعلق بقيادة العمل العربي المشترك تجاه القضايا، والدليل على ذلك الأزمة الليبية والتي لا تعتبر الجامعة طرفًا فيها، مقابل انخراط عدد من القوى الإقليمية ومنظمات إقليمية مختلفة، كما أنها لا تنخرط في الأزمة السورية، ولا تلعب دورًا فيما يتعلق بتطوراتها، كذلك الحال بالنسبة للأزمة اللبنانية واليمنية.

ولعل الأزمة السودانية دليلًا على العقبات التي تواجه العمل العربي المشترك من خلال الجامعة العربية، والتي تلاحظ خلالها دورًا متصاعدًا للاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد ووساطات منفردة مع بيانات من الجامعة العربية لا تقدم ولا تأخر، إذن فالحديث هنا عن صيغة يمكن أن تنشط العمل العربي المشترك، هذه الصيغة تحتاج لرؤية جديدة، وربما عبر تحالف لدول تؤمن بالفكرة وضرورة تفعيلها ودولة تتصدر هذا العمل العربي المشترك وتسعى لإنجازه، ولكن هنا يمكن الإشارة لعدد من الملاحظات الرئيسية من بينها أن القوى الشاملة للدول والتي كانت تحدد قدراتها وتسمح لها بدور قيادي، قد اختلفت بصورة واضحة عما كانت عليه، فلم تعد قاصرة على عدد السكان أو قدراتها العسكرية أو ما تمتلكه من نفوذ وعلاقات، بل أضيف إليها قدرات أخرى، لعل أهمها يتمثل في البناء الداخل القوي، وقدرتها على تقديم مساعدات والانخراط في أزمات بصورة فاعلة، والتقدم على المستوى التقني والتقدم الصناعي.

إن العمل العربي المشترك يواجه تحديات كبيرة بالنظر إلى أن بعض دول المنطقة لم تعد تثق كثيرًا في العمل الجماعي العربي، وأصبحت تقدم وتعطي أولوية لتحالفاتها مع دول إقليمية أخرى. ولعل بعض الدول أصبحت تركز على علاقتها مع إسرائيل أو تركيا كبديل للعمل العربي المشترك، وهو ما يثير مخاوف وخلافات مع بعض دول الجوار لتلك الدولة أو غيرها، الأمر الذي يعني أن التحديات الذي يواجهها العمل العربي المشترك لم تعد قاصرة على من يقود العمل العربي المشترك وهل هناك قبول لمن يقود هذا العمل وهل هناك أوراق تمتلكها القوى القادرة على قيادة هذا العمل لمواصلة مساعيها لتحقيق الأمن.

وسيتعين على جميع الدول العربية أن تدرك أن أي تهديد للأمن القومي العربي هو تهديد للأمن القومي لكل دولة على حدة، وأن تدرك أن المساحات المتاحة للقوى الإقليمية الأخرى لتحقيق مصالحها سيأتي بالضرورة على حساب مصالح تلك الدول وعلى المصالح العربية الكاملة بصورة كبيرة.

المسارات المقترحة

وفي ظل غياب نظام الأمن الجماعي العربي وعدم فاعلية نظام الأمم المتحدة وبداية حرب باردة جديدة فإن هناك ضرورة قصوى لأن يتم البحث عن الصيغة المناسبة، وهو ما يقتضي نوعًا من الحوار الاستراتيجي بين الأطراف العربية الأخرى، يتم الاتفاق خلاله على المشتركات وتجنب قضايا الخلاف والتباين في المرحلة الأولى، وأن يكون هناك هدفًا رئيسيًا أولًا وهو كيفية حل الأزمات العربية القائمة، والوصول إلى حلول تكفل التهدئة وعودة الحياة الطبيعية إلى تلك الأزمات.

هكذا نرى أن تحديد مسار وخطوات إيجابية فيما يتعلق بالعمل العربي المشترك يتطلب إدراكًا وتفهمًا لطبيعة المتغيرات والتحولات التي يشهدها العالم، فنحن أمام ما يمكن تسميته بالإقليمية الجديدة والتي تفرض في بعض جوانبها نوعًا من الاتفاق بين أطرافها على مصادر التهديد وأن يكون هناك توافقًا بينهم على أولويات المواجهة والمسار المطلوب.

والنجاح في تحقيق تلك الصيغة يمكن أن يسمح بتفعيل واضح للعمل العربي المشترك والذي لا يستهدف فقط مواجهة التحديات الأمنية، ولكن أيضًا مواجهة التحديات الاقتصادية والاستراتيجية التي تعاني منها تلك الدول، ويمكن أن يكون هناك تفعيل لعمل اقتصادي مشترك، والعودة إلى استثمارات عربية مفتوحة تستهدف الدول العربية التي تعاني من أزمات والدول العربية التي تسعى إلى مواجهة واقع اقتصادي صعب على اتساع العالم العربي، واستيعاب الخلافات القائمة بين الدول على هذا المستوى.

إلا أن ذلك يجب أن يستند إلى نوع من المؤسسية يرتب نوعًا من التنافس؛ فهناك متغيرات على الواقع العربي كثيرة، أهمها انشغال عدد من الدول العربية بقضايا بعيدة عن القضايا العربية وتوجهات أخرى، وإدراك أن هناك قوى إقليمية تسعى إلى تفتيت الموقف العربي وعدم حدوث تماسك بداخله، فهناك دول جوار لها استراتيجيات مختلفة، على سبيل المثال إثيوبيا التي تسعى إلى أن يكون لها دور ليس فقط فيما يتعلق بالقرن الإفريقي ولكن على مستوى المنطقة، وهناك قوى دولية تساندها، مثل انخراطها في الأزمة السودانية والبحث عن وساطات.

إن نجاح أي وساطات أو أدوار إقليمية لتهدئة الوضع في السودان وتسكين الوضع العسكري الذي يتوقع أن يستمر لفترة طويلة بعد المواجهات العسكرية بين طرفي المؤسسة العسكرية لا يتصور أن يتم التوصل إلى تسوية بينهما، فقد سعى كل منهما إلى استئصال الطرف الآخر من داخل المؤسسة العسكرية، بما يصعب من إمكانية التفاهم بينهما في المرحلة القادمة، وبما يعني أن السودان سيكون أزمة مستفحلة ومتصاعدة ويمكن أن يفتح الباب لدخول عناصر من تنظيمي القاعدة وداعش التي تعتبر تمركزها الرئيسي في منطقة الساحل والصحراء الممتدة من موريتانيا إلى السودان، بما ينذر بخلق قضية أخرى تهدد  الأمن القومي العربي، وتضع على أعتاق القوى الساعية إلى صياغة موقف عربي وعمل عربي مشترك أزمات جديدة وتحديات جديدة، وهذا متغير جديد يجعل من تفعيل العمل العربي المشترك ضرورة حتمية.

ويقتضي كل ذلك التوافق واستيعاب التباين؛ حيث أن هناك مواقف عربية متباينة فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة السودانية، وفيما يتعلق بالأزمة السورية، فإذا كانت المملكة العربية السعودية قد حققت نوعًا من التهدئة والقبول بالتعامل مع الحكومة السورية، وحددت منهجًا من خلال اللقاءات التي تمت لتسوية سياسية تكفل حضورًا للحكومة السورية وقبولًا إقليميًا ودوليًا لها. إلا أن هناك أطرافًا عربية أخرى رغم عدم امتلاكها قدرة على التأثير أو قيادة العمل العربي المشترك تعارض أي توجه للتعامل مع الحكومة السورية. هذه كلها عقبات تحد من التوجه لتنشيط وفاعلية العمل العربي المشترك.

إن الدولة التي تسعى إلى امتلاك التأثير وقيادة العمل المشترك والريادة الإقليمية يتعين أن يكون هناك قبول من الأطراف الرئيسية في الإقليم بدورها هذا، وهو ما يتعين على تلك الدولة أن تكون هناك علاقات متميزة لها بالدول الكبرى الأحرى التي يمكن أن تكون مجالًا لدعم نفوذها، كما أن الدولة القائدة التي تسعى لقيادة العمل المشترك في المنطقة عليها أن تدرك أن الأمر لم يعد الآن قاصرًا على دولة واحدة تستطيع قيادة العمل العربي المشترك بل تحتاج إلى مساندة من دول أخرى كبيرة وهو الواقع الجديد.

وفي التقدير أن المملكة العربية السعودية تعتبر مؤهلة لتولي مهمة تنشيط العمل العربي المشترك. ولعل التعبير القائل بأن الحقبة الحالية هي الحقبة السعودية في التاريخ العربي المعاصر يعتبر تعبيرًا صحيحًا، فنحن أمام متغير جديد فيما يتعلق بالتعامل مع المملكة العربية السعودية، فعلى مدى سنوات ست كان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد يقود تحولات غير مسبوقة في المملكة تحت عنوان الرؤية الجديدة، وهذه الرؤية لا تقتصر على البناء الاقتصادي، وإنما بناء الدولة السعودية على مختلف المجالات، وهي ليست فقط اقتصادية ولكن سياسية واجتماعية وثقافية وعلمية، وجعل السعودية نموذجًا لدولة الاستقرار وتحقيق الرفاهية للشعب والانفتاح الاجتماعي والثقافي غير المسبوق بحيث يمكن أن تعتبر نموذجًا للدول الأخرى ويسمح لها بقيادة العمل العربي المشترك في الوقت الراهن. والإنجازات التي تحققت حتى الآن تكشف عن أننا أمام حضور سعودي كبير ليس على مستوى الإقليم ولكن على مستوى العالم.

ولعل تراجع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في تعاملها مع المملكة والتغيير مما يتعلق بمقاطعتها إلى طلب ودها وزيارة بايدن إلى المنطقة واهتمامها بالموقف السعودي بصفة أساسية أحد المؤشرات على ذلك. وكان الموقف السعودي داخل أوبك وتقدير المصلحة السعودية أولًا وعدم الخضوع للابتزاز الأمريكي مؤشرًا ثانيًا على ذلك.

وفي التقدير أن أهم إنجاز حققته المملكة في تعاطيها مع الولايات المتحدة والقوى الدولية هو إسقاط النظرية التي كانت تتبناها الولايات المتحدة وهي توفير الحماية مقابل البترول، واتجه الأمير محمد بن سلمان ليقول في ممارساته للعمل الخارجي إن الأمن ستحققه الدولة السعودية بذاتها ولا تحتاج إلى أمن خارجي. وقد كان الهجوم بالطائرات المسيرة على بعض المنشآت النفطية السعودية نقطة الانطلاق التي أدت إلى أن الولايات المتحدة لم تعد توفر الحماية لأحد، وأن السعودية عليها أن تسعى إلى تأمين دودها ومصالحها بنفسها.

ومن هنا إن نجاح السعودية في استيعاب الموقف الإيراني وإعلان الاتفاق السعودي / الإيراني الذي أعاد الموقف الإيراني إلى حدوده وانتزع عناصر التوتر القائمة في علاقات البلدين وأحدث انفراجة فيما يتعلق بأزمات المنطقة التي كانت تستعصي على الحل والتي عجزت دول المنطقة خلال السنوات السابقة عن الانخراط فيها والبحث عن حل لها، وتصدر ذلك الأزمة اليمنية والأزمة السورية وما يجري في الأزمة اللبنانية.

الأمر على هذا النحو أن المملكة العربية السعودية تنتهج سياسة خارجية جديدة تبلورت خلال الفترة الأخيرة وسمحت لها بالدخول في ملفات كان يتعذر الدخول إليها، وانتهجت نهجًا جديدًا يسمح بحل الأزمات والبحث عن أطر تتيح البحث عن حلول وسط تكفل تحقيق المأمول وانتزاع عناصر التوتر داخلها، والعودة إلى الإطار العربي الشامل الذي يحول دون الامتدادات الخارجية ويقف أمامها.

إن نجاح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من خلال رؤيته التي تبناها ويقتنع بها ووضعها بنفسه قد نجحت بصورة كبيرة في أن تعيد تموضع السعودية لموقعها المتميز على الخريطة السياسية الإقليمية واعتبارها لاعبًا أساسيًا ورئيسيًا في الشرق الأوسط، وهدفًا رئيسيًا من جانب القوى الدولية والإقليمية الساعية إلى الانتشار في المنطقة والتي لها مصالح داخلها، ولعل نجاحها في الفترة الأخيرة في تحريك مياه راكدة فيما يتعلق بالأزمات يوفر لها أوراق تأثير سوف تستمر خلال الفترة القادمة.

الخلاصة

إن العمل العربي المشترك كان ولا يزال هدفًا على مر التاريخ العربي لصياغة كتلة عربية متماسكة، ولكن ما تعرضت له المنطقة العربية من انقسامات وتحديات وكان أبرزها حرب الكويت التي أدت إلى انقسام كبير فيما يتعلق بمواقف بعض الدول العربية فيما يتعلق بعملية الاحتلال العراقي للكويت، ثم الحرب على العراق وما تبعته من تداعيات، ثم الحرب على الإرهاب والتي شملت كل دول المنطقة وشغلتها بقضاياها، ثم الأزمات الاقتصادية المتصاعدة خاصة خلال السنوات الأخيرة والتي أدت إلى انشغال قوى كبرة عن دورها الإقليمي وخاصة مصر؛ كل هذا فتح الباب أمام تمدد كبير لقوى إقليمية.

الواقع الراهن يقول إن العمل العربي المشترك يواجه صعوبة كبيرة، وأن مؤسسات العمل العربي المشترك عاجزة عن أن تقود هذا العمل العربي المشترك وأن تعيده، ولا تزال الجامعة العربية تعبر عن مواقف الدول العربية بصورة كبيرة، والخلافات القائمة بين بعض الدول تنعكس على عملها وتجعلها عاجزة عن اتخاذ موقف شأنها شأن المنظمات الإقليمية المجاورة والتي تتفاعل مع أحداث الدول الأعضاء.

ويقول الواقع الراهن كذلك إن علينا أن نبحث عن صياغة تسمح بعمل عربي مشترك يستند إلى قبول وتوافق من الدول الرئيسية التي تدخل في مثل هذا التحالف وستسمح بقيادته على هذا النحو، وهو ما يقتضي تشاور واضح بين الأطراف، وعدم تجاوز دول أخرى، والاهتمام بوجهات النظر المختلفة، وأن يكون هذا التحالف صيغة تكفل الانخراط والتعامل والتعاطي مع الأزمات العربية، وتتفق بداية على ما هي الأطراف الإقليمية والدولية التي تهدد المصالح العربية والأمن القومي العربي بصفة عامة، وأن يتم تفعيل المؤسسات والعمل على زيادة فاعليتها على مختلف المجالات ليست السياسية فقط، بما يمكن أن يدفع إلى أن التحرك خطوة إيجابية في العمل العربي المشترك. والتقدم في هذا المستوى لا يكفل فقط تأمين الأمن القومي العربي وإنما يكفل أيضًا حماية الأمن القومي لكل دولة على حدة، ويوفر مساندة سواء ثنائية أو جماعية من الدول المنخرطة فيه لتبادل وجهات النظر والدعم لكل دولة منها على حدة.

مقالات لنفس الكاتب