array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 185

"الجامعة" أمام خيار اكتساب الثقة والاضطلاع بوظيفتها لتحقيق التكامل والأمن

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

تحميل    ملف الدراسة

أسست دول الخليج الست: مملكة البحرين، ودولة الكويت، وسلطنة عمان، ودولة قطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة في مايو عام 1981م، منظمة إقليمية تعرف بمجلس التعاون لدول الخليج العربية وتتمثل أهدافها في تعزيز التنسيق والتكامل والترابط بين أعضائها. كما أن جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي هم أيضًا أعضاء في جامعة الدول العربية، والتي نص ميثاقها على العمل على توثيق الصلات بين الدول الأعضاء وتنسيق خططها السياسية، تحقيقًا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها. وتهدف إلى تنسيق الخطط والسياسات بين الدول الأعضاء وتحقيق التعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية، وغيرها. وجاء تأسيس مجلس التعاون الخليجي إدراكًا بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية، ومتماشيًا مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى وتوجيهًا لجهودها إلى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والإسلامية لما فيه مصلحة دولها وشعوبها وبالتالي تحقيق المصلحة العليا في خدمة ودعم العمل العربي المشترك وقضاياه المشتركة.

وكان للثروة النفطية التي حظيت بها دول الخليج الدور الكبير والمساعد في تحقيق توجهات قياداتها في دعم عجلة التنمية في كل الدول العربية. حيث أن العمل العربي المشترك لم يرتق إلى الحد الأدنى اللازم لمواجهة التحديات المصيرية التي تواجه المنطقة، حيث مر العالم العربي في العقود الماضية في خضم ظروف صعبة شهدت الكثير من الأزمات والتشظي والهشاشة والحروب والفشل التنموي. ويمر الآن بمرحلة تاريخية مفصلية في كل متغيراتها، انعكست فيها الخلافات والصراعات العربية-العربية على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية وألقت سلبًا بظلالها على كل دول المنطقة. وتسعى دول مجلس التعاون بعد أن تجاوزت محنتها وانقسامها الداخلي إلى لملمة شملها وتماسكها وتفعيل نشاطها وحيويتها ليس بالدفع نحو تعاون أوثق على مستوى منظومتها وحسب ولكن أيضًا بدعم مسيرة العمل العربي المشترك الذي يمثل أحد أهم ركائز أهدافها إيمانًا منها بوحدة الهدف والمصير المشترك. 

ولا شك أن استمرار مجلس التعاون لدول الخليج العربية طيلة السنوات الاثنتين والأربعين الماضية يعد إنجازاً في حد ذاته. ولا ينسى أهمية الدور الذي يقوم به مجلس التعاون الخليجي في دعم التعاون بين أعضائه، كونه يُمثل إضافة للعمل العربي المشترك وركناً أصيلاً من أركان المنظومة العربية التي تحافظ على أمن واستقرار المنطقة. وبالرغم من المعوقات والتحديات العديدة التي مرت وتمر بها المنطقة العربية من خلافات وصراعات وحروب والتي أثرت بشكل سلبي ومباشر على مسيرة العمل العربي المشترك إلا أنه لا يمكن إغفال أن دول مجلس التعاون لم تتخل عن دورها المصيري وظلت مؤمنة بأهمية الوفاق العربي وداعمة لكل القضايا العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على شتى الأصعدة وعلى كل المستويات. فبجانب الدعم السياسي التي تقدمه دول مجلس التعاون الخليجي للقضايا العربية المشتركة مثل القضية الفلسطينية تقوم دول الخليج بدور أساسي في محاولة حل الخلافات العربية-العربية ودعمها لأمن واستقرار الدول العربية. 

وتمثل اقتصاديات دول الخليج سوقًا واعدة للتجارة البينية فيما بينها وللتبادل التجاري مع بقية الدول العربية. كما تعتبر دول الخليج مصدرًا أساسيًا لرأس المال والاستثمار في الدول العربية إلى جانب احتضانها نسبة عالية من العمالة العربية. وكونها دول غنية استمرت دول الخليج في توفير الطاقة والدعم المالي والاقتصادي للدول العربية خصوصًا تلك التي تمر بتحديات اقتصادية للحفاظ على أمنها واستقرارها. كما تقوم دول الخليج بتمويل مشاريع حيوية مشتركة مع بعض الدول العربية وربطها بشبكة مواصلات وكهرباء لدعم التكامل العربي.

وتشهد الفترة الحالية العديد من التوجهات الحثيثة من دول مجلس التعاون الخليجي لتلطيف الأجواء العربية من خلال سعيها لحل وتصفية الخلافات وتهيئة الأجواء للعمل البناء وتصفير الصراعات بين الدول العربية ولم شملها ودعم الجامعة العربية بكافة مؤسساتها وأجهزتها كونها تمثل البيت العربي الشامل. وتسعى دول الخليج إلى تفعيل دور الجامعة العربية من خلال المطالبة بإصلاح الجامعة العربية ومؤسساتها.

ويعتبر مجلس التعاون الخليجي مؤسسة مهمة وحيوية كونها تضم مجموعة من الدول ذات الأدوار البارزة في منظومة العمل العربي المشترك. وبالإضافة إلى ثقلها المتزايد على مستوى ثرواتها النفطية والمالية ومركزها في الاقتصاد العالمي ونموها الاقتصادي استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي أن ترسخ مكانتها كطرف فاعل في السياسة الإقليمية والدولية. ولم يكن لهذا أن يتحقق دون وجود إرادة قوية لدى قادة دول المجلس، وإيمانهم بأهمية التنمية والتضامن الخليجي باعتباره ضمانة أساسية لتحقيق المصالح العربية المشتركة. وتعدّ دول مجلس التعاون الخليجي ركيزة أساسية، وركناً أصيلاً من أركان المنظومة العربية التي تسعى للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، حيث يعتبر ذلك عنصرًا أساسيًا لتحقيق أمنها واستقرارها ويتماهى مع أهدافها في الدفع بالتضامن العربي لمواجهة الأخطار والتحديات التي تواجه المنطقة العربية في ظل ديناميكية المتغيرات الإقليمية والدولية.

تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية على العمل العربي المشترك

تتأثر المنطقة العربية بجملة من المتغيرات الإقليمية والدولية التي تلقي بظلالها على أمن واستقرار ومستقبل الدول العربية وتؤكد على أهمية تفعيل العمل العربي المشترك. فعلى المستوى الإقليمي فقد مرت المنطقة بعقود من التشنج والخلافات والصراعات والأزمات والحروب التي ساهمت في وهن الجسم العربي وأضعفت بنيته وسهلت مهمة اختراقه وأضرت بمستويات التعاون والتنمية.

ففي ظل حالة الوهن العربي تشكل دول الإقليم غير-العربية مثل إيران وتركيا وإسرائيل تحديًا كبيرًا للدول العربية حيث تسعى هذه القوى الإقليمية إلى تحقيق مصالحها في المنطقة من خلال الانخراط بشكل مباشر في التدخل وتحديد توجهات سياسة الدول العربية وفي التنافس فيما بينها على النفوذ والهيمنة في المنطقة العربية مما يشكل تحديًا للنظام العربي الذي يمر في أسوء حالاته. كما يُشكّل تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل تحوّلًا مهمًا في عملية حل الصراع العربي/الفلسطيني–الإسرائيلي ومسار مستقبل المنطقة مما سيكون له الأثر البالغ على التفكير الاستراتيجي العربي في المرحلة القادمة وتَغيير تعريف مصادر التهديد والمخاطر واتجاهات الصراعات وعلى موازين القوى والتوازنات القائمة والتحالفات المستقبلية بين الأطراف.

ويتوافق هذا مع الوقت الذي يشهد فيه العالم تحوّلات سياسية واقتصادية واضحة وتنافس ملموس بين الفاعلين الدوليين والقوى الكبرى-الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، روسيا، والصين – حيث تُظهر الصين وروسيا فعاليّة كبيرة في توسيع نفوذهما وتحدي النفوذ والهيمنة الأمريكية في العالم والشرق الأوسط. ودخلت المنطقة العربية مرحلة جديدة مع التأزم مع تعاطي إدارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) مع قضايا المنطقة في ظل منافسة شديدة مع الصين وروسيا، اللّتان دخلتا كأطراف فاعلة في المنافسة على النفوذ في المنطقة، وما يعنيه هذا من تأثير في سياسات المنطقة وديناميكيتها في المرحلة المقبلة. ويتزامن هذا مع سياسة إعادة التمركز والتركيز الأمريكي على الشرق الأقصى والمحيط الهادي مع بعض الإهمال الحميد للشرق الأوسط ومع التوجس من مخرجات السياسات الأمريكية تجاه إيران التي ربما تبحث عن خيارات أخرى في علاقاتها الإقليمية والدولية؛ لإصلاح الخلل الذي سينتج عن التخلِّي الأمريكي عن أمن الخليج العربي وتركيز اهتمامها على مواجهة صعود التنين الصيني.

وفاقمت حرب روسيا وأوكرانيا وتبعاتها من تعقيد الأوضاع، حيث تصاعدت التحديات التي تواجه الأمن الغذائي العالمي، وما يتصل بذلك من مخاطر بسبب تعطل سلاسل الإنتاج والتوريد وعدم استقرار إمدادات الطاقة -وإن أعطت لبعض الدول المنتجة للطاقة فرصاً لزيادة تأثيرها في الأسواق العالمية. وحين كان النّفط يشكّل ولا زال إحدى السّمات المميزة للشرق الأوسط إلَّا أنَّ متغيرات كثيرة حدثت مؤخرًا في قطاع الطاقة، بسبب دخول منتجين آخرين إلى أسواق النفط وبالأخص تحوّل الولايات المتحدة الأمريكية إلى طرفٍ منتج، مما أثر على التوجهات الأمريكية في المنطقة. هذا إلى جانب سياسات التغير المناخي والحد من الاحتباس الحراري والتحول الذي يحصل في نظام الطاقة العالمي نحو الطاقة النظيفة والمتجددة.

ومن المقدر أن تكون لهذه التغيرات الإقليمية والدولية تداعيات كبرى على المنطقة العربية التي شهدت على مدار العقد الأخير تحوّلات جيواستراتيجية في النظام الدولي وَضعتها في حالة من الانتقال وعدم اليقين وعدم الاستقرار، وباتت مرتبطة بالتفاعلات الدولية انعكست على الصراعات والتحالفات القائمة. جملة هذه التحولات الإقليمية والدولية تمثل فرصة سانحة للدول العربية لتفعيل العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات والمخاطر والاستفادة من ديناميكية هذه المتغيرات ومن خيراتها وموقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب لتعظيم الفائدة وكلُّ ذلك يستدعي ويتطلب اهتماماً عربيًا غير مسبوق، وتعاوناً مستمراً وترتيباً واضحاً للأولويات.

وتشهد المنطقة حاليًا مناخًا إيجابيًا لتخفيف الاحتقان وحل الخلافات والتصالح ومحاولة حل النزاعات الداخلية والبينية بين الدول العربية-على سبيل المثال في الخليج واليمن وسوريا وليبيا الخ. وبينها وبين جيرانها كما حصل في الاتفاق السعودي-الإيراني وما سبقه من إعادة العلاقات مع تركيا. يأتي هذا التوجه في الوقت الذي تسعى فيه دول للتركيز على التنوع الاقتصادي والتنمية المستدامة من خلال الخطط والرؤى المتعددة. ولتحقيق ذلك هناك مؤشرات عديدة على محاولات دول الخليج الجادة في تحقيق الاستقرار ودعم عملية السلام والتعافي وإعادة البناء والإعمار في الدول التـي تعاني من الصراعات الأهلية. هذا الجو الإيجابي يحفز على التعاون العربي-العربي لتعظيم الاستفادة ومواجهة التحديات وتقليل المخاطر.

متطلبات تفعيل العمل العربي المشترك

تحمل الجامعة العربية، كونها المنظمة الرسمية العربية، وزر الركود الذي أصاب العمل العربي المشترك، ورغم صحة ذلك، إلا أن ضعف الجامعة العربية وفشلها في تحقيق أهدافها، يعود إلى عدد من الأسباب، في مقدمتها: تعدد وازدياد التنافس والصراعات والخلافات وعدم التوافق وفقدان الثقة بين أعضائها و ضعف الإرادة السياسية للدول العربية ووجود مصالح مشتركة بين بعض الدول الأعضاء والقوى الإقليمية والعالمية وعدم وجود ما يلزم الأعضاء على الالتزام بالقرارات، فضلاً عن سوء التخطيط وسوء الإدارة وضعف التمويل....إلخ.
ولا شك أن فعالية الجامعة العربية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمدى فعالية وتوافق أعضائها وفي حين أن تطوير الجامعة العربية أصبح أمرًا ملحًا ولا مفر منه، إن أرادت أن تبقى الجامعة قائمة وأن تضطلع بدور فاعل ومؤثر، لكن هذا لن يتحقق إلا إذا تم الاقتناع بضرورة حل الخلافات العربية-العربية والاقتناع والإيمان بضرورة وأهمية العمل العربي المشترك وتطوير جامعة الدول العربية وآلياتها وإحيائها من جديد. وإذا ما كانت جامعة الدول العربية تمثل خيار الحد الأدنى للعمل العربي المشترك فإنها أضحت أمام خيار وحيد هو خيار التطوير واكتساب الثقة والفعالية اللازمة على القيام بالوظائف المنوطة بها والقدرة على مواجهة التحديات. ويأتي في مقدمة أولوياتها التركيز على وظيفتها التكاملية، أي قيادة مسعى تحقيق التعاون والاندماج بين الدول العربية، والوظيفة التنموية، أي قيادة خطط التنمية الشاملة (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية والتعليمية)، والوظيفة الأمنية، والعمل على صيانة الأمن القومي العربي ضمن مشروع للأمن الجماعي العربي يعي حقيقة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه أعضائها.   

ويتطلب ذلك ضرورة خلق قيادة فعالة للنظام العربي قادرة على تحمل مسؤوليات النهوض بالعمل العربي المشترك بهدف تحقيق الأهداف يكون في مقدورها لم الشمل وتفعيل القدرات العربية واستنهاض الطاقات والعمل مجدداً في اتجاه إعادة التوحيد بعد مواجهة موجات التشظي والانفراط. كما يتطلب التوافق العربي على أجندة عمل عربية ذات أولويات محددة، تشمل أجندة عمل للإنقاذ وإعادة الإعمار يأتي على رأس أولوياتها تحقيق الأمن والاستقرار والدفاع عن وحدة وتماسك الدولة الوطنية العربية والحيلولة دون انفراطها، إضافة إلى طرح مشروع لنظام عربي يؤسس لـ "اتحاد عربي" يضع نصب أعينه "عصرنة" العمل العربي المشترك في تحقيق هدف التعاون والتكامل والاندماج العربي الاقتصادي والسياسي والعسكري.

ونظرًا لأهمية العامل الاقتصادي في تحقيق التنمية والاستقرار وفي دفع وتحفيز عملية التكامل فهناك حاجة ماسة لتطوير مسيرة العمل الاقتصادي العربي المشترك بين الدول العربية وتفعيل ما تم التوصل إليه من قرارات والبناء عليها. خصوصًا تلك القرارات التي تلامس عددًا من القضايا التي تمس المواطن العربي؛ أبرزها القضايا المتعلقة برفع مستوى المعيشة ومعالجة ظاهرة الفقر والأمية، وحماية البيئة، والأمن الغذائي، وشؤون التجارة والاقتصاد، وحقوق الإنسان. وتوفير فرص العمل والرعاية الصحية في العالم العربي، ودعم دور المرأة وتمكين الشباب ذلك نظراً لما يمثله الشباب من دور محوري في العمل، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ودوره المهم في دفع عملية النمو. ووضع استراتيجية عربية شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية قصد ترسيخ مفاهيم الحكم الرشيد.

 كما أن استكمال إنجاز منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإقامة اتحاد جمركي عربي يساهم في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي. وهناك حاجة لوضع استراتيجية اقتصادية عربية شاملة تستهدف الجوانب الاستثمارية والتجارية البينية، وبالأخص تأهيل اقتصاديات الدول العربية الأقل نموًا، وتطوير منظومتها التنموية والاقتصادية والبشرية. ومواصلة عملية الإصلاحات الاقتصادية للارتقاء بمستوى معيشة الشعوب العربية ورفع معدلات النمو الاقتصادي وتفعيل دور القطاع الخاص الذي يعقد عليه الأمل في الدور الذي يمكن أن يقوم به في التعاون مع الحكومات لدفع عمليات الاستثمار والتجارة البينية بين الدول العربية وزيادة مساهمته في التكامل الاقتصادي العربي وتوفير الإمكانات المالية والبرامج الداعمة لنشاطه لدى مؤسسات التمويل العربية. كذلك دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتسريع وتيرة النمو واعتماد دعم التعاون العربي المشترك في مجال علوم الفضاء واستخداماته لمصلحة تقدم الدول العربية، وتخريج كوادر عربية مؤهلة لقيادة ذلك القطاع الحيوي وانتقال الدول العربية إلى الاقتصاد الرقمي، تماشياً مع المتغيرات العالمية كأداة تنموية في مواجهة التحديات الاقتصادية الوطنية والإقليمية والعالمية.

ويتطلب ذلك العمل على تطوير آلية اتخاذ القرار واعتماد البرامج المشتركة والتنسيق فيما بينها في إطار استراتيجية للعمل الاقتصادي العربي المشترك، وتطوير عمل وآليات المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإدماج مؤسسات المجتمع المدني في العمل الاقتصادي العربي المشترك ومشاركته في بلورة القرارات. وتفعيل وثيقة العهد والوفاق والتضامن التي سبق وقدمتها المملكة السعودية والتي تضمنت عددًا من المحاور الرئيسية لتطوير العمل الاقتصادي العربي المشترك وتفعيل آلياته، وإنشاء الآليات اللازمة لها والتي كان من بينها إدخال التعديلات اللازمة على ميثاق جامعة الدول العربية وتطوير مؤسساتها وأجهزتها وعلى برامج وخطط عملها لضمان فعاليتها.

 بالإضافة إلى وجوب تعظيم الجوانب والمصالح المشتركة ضمن رؤية واضحة، وتبني برامج واقعية على أسس فنية واقتصادية تكون قابلة للتطبيق والبناء عليها لخلق تشابك في المصالح الاقتصادية بين الدول العربية. كما يتطلب البحث عن حلول للمشاكل والمعوقات وإيجاد حلول سريعة وعملية لتجاوزها ويتطلب هذا وضع آلية تنفيذ ومتابعة.  كما يجب دراسة قابلية القرارات التي يتم تبنيها من قبل مؤسسات العمل الاقتصادي المشترك للتنفيذ، وأن تكون مصحوبة ببرامج تنفيذية تتضمن، وبشكل واضح، آلية التنفيذ والمتابعة والتمويل والالتزامات المالية المترتبة على الدول المشاركة، ومصادر التمويل، والمكاسب المالية والاقتصادية المحتملة للدول العربية المشاركة فيها.  

طبيعة المرحلة القادمة من مسيرة العمل العربي المشترك

المرحلة الحالية الحساسة والدقيقة التي تمر بها الدول العربية بالغة الخطورة والأهمية وتتطلب من الجميع التكاتف وتكثيف الجهود الجادة والمخلصة من أجل التغلب على التحديات التي تواجهها، والسعي نحو تعزيز العمل العربي المشترك. ولا يمكن أن يتأتى هذا في ظل حالة تكريس الانقسام والتشظي العربي. فهناك حاجة ماسة وملحة لتنقية الأجواء وحلحلة الخلافات وتجاوز الصراعات ونزع فتيل الحروب والأزمات التي عانت منها المنطقة العربية على مدى العقود الماضية. والتوصل إلى توقيع عقد أو ميثاق عربي يدعو لاحترام سيادة كل دولة وإلى حل الخلافات عن طريق الحوار وإيجاد آلية فعالة لتسهيل ذلك من خلال المنظمات الإقليمية القائمة التي هي الأخرى بأشد الحاجة للتطوير والإصلاح لنظامها الأساسي ومؤسساتها وأجهزتها ومنظماتها المتخصصة. كما يجب أن تحجم الخلافات بحيث لا تقف عائقًا أمام المصلحة العامة وتعيق بالتالي العمل العربي المشترك وأن تحترم التعاقدات، والمواثيق، والقوانين الدولية والإقليمية.

ولو أن طبيعة المرحلة القادمة لا زالت ضبابية فيما يتعلق بمسيرة العمل العربي المشترك ولازالت تبعات الماضي تلقي بظلالها على الحاضر وربما المستقبل إلا أنه يمكن ملامسة بعض التوجهات الإيجابية التي تتمثل بالجو التصالحي وتخفيف الاحتقان. وهناك أمثلة عديدة مثل "اتفاق العُلا" للمصالحة الخليجية، الاتفاقية السعودية-الإيرانية وعودة العلاقات الدبلوماسية، والمحادثات بين السعودية وحركة أنصار الله التي تُنعش الآمال بهدنة طويلة الأمد ربما تؤدي إلى وقف حرب وتحقيق السلام في اليمن، وجولات من المفاوضات بين العراق والسعودية لعودة العراق للمحيط العربي، وعودة العلاقات مع تركيا وقرب انتهاء عزلة سوريا وربما دعوتها لحضور اجتماعات الجامعة العربية. وإن كانت هذه بوادر إيجابية مبشرة بعودة العلاقات العربية-العربية والعربية-الإقليمية إلا أن العمل في سبيل تخفيف الاحتقانات وحل الأزمات يتطلب المزيد من الجهد الجماعي الحثيث والمتواصل. فالحرب في السودان وكذلك سياسة حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة في تأجيج الأزمات في الأراضي العربية المحتلة تذكر بهشاشة وحساسية الوضع في المنطقة العربية.

ومن المنتظر أن تعقد القمة العربية الثانية والثلاثون بالمملكة العربية السعودية في 19 مايو المقبل والتي ستناقش هذه التحديات ومن المتوقع أن تكون أزمة السودان وكذلك القضية الفلسطينية في صدارة القضايا المطروحة على أجندة القمة، باعتبارها قضية العرب المركزية، إضافة إلى ما تواجهه الأراضي المحتلة حالياً من أوضاع غير اعتيادية نتيجة الانتهاكات التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية الراهنة منذ وصولها إلى السلطة. وتركز كذلك اقتصادياً على القضايا التنموية الملحة التي تواجه الدول العربية وكيفية مساعدة الأقاليم العربية المحتاجة والتي سيكون لدول الخليج الدور الرئيسي في ذلك. ومن المنتظر أن يشهد العام الحالي، انعقاد قمة عربية تنموية في موريتانيا، وأيضاً القمة العربية -الإفريقية في المملكة العربية السعودية مما يدل على أهمية الدور السعودي في هذا الصدد وحرص المملكة ومعها دول الخليج على ديمومة التعاون القائم والدفع بالأمام بالعمل العربي المشترك.

مقالات لنفس الكاتب