array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 185

سيناريوهات الأزمة: أعلاها الحرب الأهلية لتأثير أطراف مستفيدة من تشظي السودان

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

كشفت الاشتباكات بين طرفي المكون العسكري التي اندلعت صبيحة منتصف إبريل الماضي عن عمق الأزمة السياسية السودانية ومدى تركيبها حيث لم تستطع السودان تدشين شرعية بديلة  لنظام البشير، تكون شرعية  مؤسسة على عملية انتخابية تطلع لها الجميع ولكن لم يستطع أحد أن يبلغ عتبة قريبة منها، من هنا استمرت الفترة الانتقالية ٤ سنوات بعد الثورة السودانية التي اندلعت عام ٢٠١٨م، وأسفرت عن صراع على السلطة وانقسامات سياسية عمودية ورأسية في كل الكيانات السياسية والعسكرية، وفي الأخير أسفرت عن صراع عسكري يشكل مهددًا وجوديًا للسودان، ويساهم في تصاعد التهديدات الأمنية لجواره المباشر والمتاخم.

طبقا لهذا الواقع نحاول استشراف السيناريوهات المحتملة لهذا الصراع طبقًا للمرئيات السياسية الراهنة على الصعيدين الداخلي والخارجي وكذلك طبقًا لأوضاع ميدانية تبدو ضبابية على المستوى العسكري.

أولًا: سيناريو حسم الصراع وتداعياته

تحمل غالبية التقديرات المبدئية مسؤولية الاشتباك المسلح بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة  للطرف الأول وذلك طبقًا لعدد من المؤشرات التي تبلورت قبيل اندلاع شرارة الصراع منها أولًا طبيعة الحشد العسكري الذي قامت به قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم قبل الاشتباكات بشهرين تقريبًا، ومنها تمترس حميدتي عند مطلب دمج قواته في الجيش على مدى عشر سنوات، وكذلك تبني طرحًا لا يجعله تابعًا للقائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية على الرغم من  أن المنظومة هي عسكرية وليست سياسية، وكذلك مهاجمة رئيس المجلس السيادي باعتباره طامعًا للسلطة في الوقت الذي كان حميدتي شريكًا للبرهان في إزاحة الحكومة المدنية بانقلاب في أكتوبر ٢٠٢١م .

 أما مؤشرات ما بعد اندلاع الصراع فتتمثل في جاهزية قوات حميدتي في التفاعل الإعلامي بكفاءة بعد ٤٨ ساعة من الاشتباكات عبر شبكة من مستشاريه الإعلامين، ومحتوى الخطاب السياسي الذي يتبناه فيما يتعلق بدعم مطلب الشعب السوداني في بناء الدولة المدنية.

وعلى الرغم من هذه المعطيات العسكرية والسياسية فيبدو أن سيناريو حسم الصراع لحساب طرف على طرف آخر يبدو صعبًا في هذه المرحلة خصوصًا بعد مرور هذه الفترة من بداية  اندلاع الصراع من جهة، وتبادل السيطرة العسكرية على المواقع العسكرية أكثر من مرة  من جهة أخرى  وكذلك التداخل الميداني  بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش في عدد من المناطق ربما أهمها حساسية مناطق مطار الخرطوم والقيادة العامة التي لم تحسم حتى الآن حيث من غير المعروف على وجه الدقة مثلًا هل الدعم السريع مازال في هيئة العمليات التابعة لمباني جهاز الأمن والمخابرات الوطني الذي استلمته قبل ذلك ويقع في الجزء الجنوبي الغربي من قيادة الجيش.

وعلى صعيد مواز فإن التداخل بين القوتين داخل الأحياء السكنية بمدينة الخرطوم يبدو مشهودًا من شهادات القادمين للقاهرة خلال الأيام الماضية بما يجعل المواجهات باهظة الثمن على الصعيد الإنساني.

وقد تشكل القدرات العسكرية التي حشدها الدعم السريع خلال الشهرين الماضيين في العاصمة الخرطوم خير معين عسكري له حاليًا وربما تغنيه لفترة من الوقت عن استجلاب دعم خارجي من دارفور خصوصًا بعد أن دخلت قوات للدعم السريع من الفقشة على الحدود الإثيوبية للخرطوم في الأيام الأولى للقتال، ولكن إذا استمر القتال لفترة ربما يسعى إلى مدد من دارفور وهو ما يعقد خريطة المشهد في الإقليم ويفتحه على سيناريو صراعي بدوره وعلى نطاق غير محدود وذلك خصوصًا بعد أن ألغى الفريق البرهان تبعية قوات حرس الحدود لقوات الدعم السريع بعد يومين من الاشتباكات وهي التي تمكنت من ترسيخ سيطرتها على الحدود الغربية والشمالية، المليئة بالثغرات في السودان، ما سمح لها بالاستفادة من تهريب الأسلحة والمخدرات والمهاجرين بما شكل مواردًا للدعم السريع وتقلصًا لنفوذ الجيش. . 

وعليه من المهم الإقرار هنا بنقاط قوة الجيش في هذا الصراع، ولكنها تبدو غير فعالة في حالة حرب المدن هذه ذلك أن القدرة على استعمال سلاح الطيران داخل العاصمة تكون محدودة، وكذلك التكتيكات القتالية المنتمية لجيش نظامي يتفوق عليها التكتيك الميليشاوي المعتمد على الضرب والهرب.

أما على الصعيد السياسي فإن الجيش يتفوق على الدعم السريع من حيث توافر حاضنة اجتماعية داعمة  إلى حد كبير للقوات المسلحة السودانية على اعتبار أنها حاصلة على الشرعية السياسية والأخلاقية، وهو وضع لا تتمتع به قوات الدعم السريع، ولكنه في المقابل ويعمد حميدتي للعب على التوتر والتناقضات الإقليمية السودانية، محاولاً تقديم نفسه كممثل  اثني لإقليم دارفور بغرب السودان، فرغم تورطه في الحرب الأهلية بالإقليم بين القبائل العربية والإفريقية، ولكنه تصالح معهم خصوصًا مع ناظر قبيلة الرزيقات التي أدخلها ناظرها في خضم الصراع السياسي حين قال قبل ستة أشهر أن حميدتي خط أحمر.

في هذا السياق يقدم حميدتي نفسه كممثل للغرب السوداني برمته المهمش تاريخياً والذي يقال إن وزنه السكاني قد زاد، مقابل ما يصفه بسيطرة الوسط السوداني، وأحياناً يرسل إشارات لإعادة إنتاج الصراع التاريخي بين أولاد البحر (النيل في وسط السودان) والغرب.

وطبقًا للمعطيات سالفة الذكر السياسية والعسكرية فإن هذا الاشتباك العسكري الذي وصفه الفريق البرهان بالعبثي مؤخرًا سيستمر لفترة غير قصيرة، وستكون تداعياته الأساسية هي خسارة البنية التحتية السودانية على ضعفها، وانعدام كل شروط الأمن الإنساني للبشر بعد خروج المستشفيات من الخدمة، وانتشار عصابات النهب المسلح التي تمهد لها الطريق قوات الدعم السريع مثل ما جرى لمصنع المشرف في منطقة شمبات، وذلك طبقًا لشهود عيان وهي حالة نوردها على سبيل المثال لا الحصر. وكمحصلة نهائية يكون مشهد النزوح السكاني من العاصمة الذي شهدناه على الشاشات متوقعًا في أكثر من اتجاه داخلي وخارجي بما يشكله ذلك من ضغوط ديمغرافية واقتصادية على دول الجوار المباشر حيث تتحمل هذا العبء أولًا مصر ثم تشاد وتجيء في المرتبتين الثالثة والرابعة كل من جنوب السودان وإثيوبيا.

ثانيًا: سيناريو التدخلات الخارجية

يشكل حلفاء طرفي الصراع الحاليين والمحتملين عوامل مهمة لاستشراف مستقبل الصراع حيث يوجد هناك نوعين من الدعم من المطلوب أن نمايز بينهما الأول هو الدعم السياسي والثاني هو دعم الإمداد والتدريب ،وبينما  تتمتع القوات المسلحة السودانية بدعم سياسي من مصر وبدرجة ما من قطر كما يتوزع الدعم الروسي على طرفي الصراع حيث يحظى حميدتي بدعم  أساسي من دول الخليج مؤسس على دوره في حرب اليمن وكذلك امتلاكه لمورد الذهب المطلوب من جهتين هما دول الخليج وشركة فاغنر الروسية بينما يتمتع الجيش بغزل من الحكومة الروسية التي تتطلع لقاعدة بحرية على شواطئ البحر الأحمر السودانية.

على صعيد الإمداد والتدريب يتفوق حميدتي على الجيش السوداني الذي يملك علاقات بشركة فاغنر الروسية التي  توفر له تدريبًا عسكريًا بينما يكون المقابل هو الذهب من مناطق التعدين التابعة له، وقد تسببت مفردات هذه العلاقة في تضخم حميدتي وقواته الدعم السريع الاقتصادي والسياسي إلى حد تهديد النفوذ الفرنسي في  تشاد وهو ما يجعل رأس حميدتي مطلوبة ربما فرنسيًا، كما يجعل الرجل غير مقبولًا أمريكيًا على خلفية علاقته بالروس، من هنا لم تفعل الولايات المتحدة الأمريكية قانون دعم التحول الديمقراطي الذي تم إقراره بالكونجرس الأمريكي مع نهاية ٢٠٢٠م، تحسبًا لإضعاف الجيش بدرجة مهددة للدولة، في وقت ينقسم فيه المكون المدني بمعطيات إما عضوية، أو إقليمية، أو الإثنين معًا، كما تنشط الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا في مبادرات التهدئة ووقف إطلاق النار بين الأطراف المتسارعة بينما لم يصدر عنها اتجاهًا في اجتماع مجلس الأمن بشأن السودان  لاستعمال البند السابع في ميثاق الأمم المتحدة ضد طرفي الصراع، وذلك على الرغم من تبني قوى سياسية سودانية هذا المطلب الذي عبر عنه مؤخرًا بيان صادر عن طيف واسع من المثقفين ومنظمات المجتمع المدني السودانية   . 

أما أصحاب المصالح في الحصول على مورد الذهب فقد تتبلور مواقفهم عند حدود برجماتية بمعنى أن استمرار الصراع العسكري لا يعنيهم قدر ما يعنيهم الحصول على الذهب الذي قد لا يحصلون عليه في حالة وجود سلطة متماسكة وجيش سوداني قوي وهي حالة مثيلة لحالة الكونغو التي بها صراع ممتد بسبب الماس أصبح لا يعني أحدًا لا على المستوى الإقليمي ولا الدولي.

ثالثًا: سيناريو توازن الضعف:

 قد يكون التهديد الأكبر في التفاعلات السودانية الراهنة هو سيناريو توازن الضعف بمعنى استمرار الاشتباكات والمعارك العسكرية مع اتساعها دون قدرة على حسمها بمعطى رئيس أن هناك قوى ومصالح تستفيد من استمرار هذا الصراع وهو ما يعني تحول الصراع الراهن إلى  أحد أنماط الحروب الأهلية التي تتنوع فيها الفواعل بين ما هو سياسي وما هو قبلي وذلك تحت التهديد الذي شكلته الثورة السودانية لقوى سياسية بعينها خصوصًا لقوى الإسلام السياسي في السودان التي امتلكت مفاصل الدولة الاقتصادية على عهد البشير وماتزال ومارست قبل عمليات ممنهجة في الفساد السياسي والمالي كشفتها بعض العناصر المنتمية لها قبيل الثورة وتسببت في رفع مستويات الاحتقان السياسي المؤسس على فشل اقتصادي وتنموي في السودان وكذلك عمليات إفقار لغالبية السكان خصوصًا في أطراف الدولة.

وقد نجحت قوى النظام القديم وجلها من تيار الإسلام السياسي  ضمن عوامل أخرى في عرقلة صيغ التوافق السياسي ومنها الاتفاق الإطاري، حيث يعتبرون أن هذا الاتفاق يعني تفكيك قدراتهم الاقتصادية، تحت مظلة مقولات إزالة التمكين لنظام البشير خصوصًا  وأن أداء لجنة إزالة التمكين الأولى التي كونتها الحكومة المدنية الثانية أنتجت توترات سياسية واجتماعية عميقة، ولعل ذلك ما يفسر عدة أمور الأول  حقيقة البلورة التنظيمية التي أعلنتها قوى الإسلام السياسي مؤخرًا في قاعة الصداقة بالخرطوم تحت عنوان حركة المستقبل للإصلاح والتنمية، وتقع أهمية هذا المؤتمر وخطورته في أنه نتاج مؤتمرات واجتماعات تنظيمية بما يعني وجود آليات عمل كفؤة للنظام القديم .

حقيقة وجود ميليشيات مناطقية، برزت في الآونة الأخيرة حيث برزت ظاهرة التجييش الجهوي والقبلي بإعلان قيام "دروع مناطقية" تحمل أسماء إقليمية متعددة، مثل قوات "درع الوطن"، و"أحفاد السلطنة الزرقاء".

وفي سياق مواز برز التهديد ذو الطابع القبلي وذلك بتكوين قوة عسكرية بواسطة مجلس البجا في شرق السودان ثم توالت الإعلانات بإعلان ضابط سابق بالجيش في مؤتمر صحافي ميلاد ما سمي جيش "درع قوات كيان الوطن" التي زعم أنها قوات تضم مقاتلين من ولايات الشمال والوسط (الخرطوم، الشمالية، نهر النيل، النيل الأبيض، كردفان الكبرى، الجزيرة وسنار).

كما تم رصد أشخاصًا يدعون لتكوين قوات ذات طابع قبلي عشائري من داخل المساجد، طبقًا لبيانات لجان المقاومة الشبابية مشيرة إلى أن المطالبين بتكوين جيش قبلي بالولاية يتذرعون بحاجتهم إلى ما أسموه جيش "درع الشمال"، لحماية المنطقة في ظل وجود جيوش وحركات مسلحة متعددة في البلاد.

على نحو متصل، حذر ما يسمى كيان "منبر البطانة الحر" الأهلي، من وجود مجموعة تطلق على نفسها "درع السودان"، وتقوم بعمليات تجنيد وعسكرة في مناطق بوسط السودان.

إجمالَا يبدو وطبقًا للسيناريوهات الثلاثة سالفة الذكر فإن احتمالات الاتجاه لحرب أهلية في السودان تبدو أعلى من السيناريوهات المغايرة، نظرًا لوجود أطراف داخلية وإقليمية مستفيدة من سيناريو تشظي السودان وهو الأمر  الذي يلقي بمسؤولية كبيرة على الأطراف الدولية والإقليمية المتأثرة مصالحها بانهيار الدولة السودانية وذلك في توقيت حساس بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يشكل عدم الاضطلاع بهذه المسؤولية أو التراخي فيها نتائج سلبية على الأمن الإقليمي والدولي وذلك  نظرًا لطبيعة وحساسية موقع السودان الجوسياسي فهو من ناحية تربط بين إقليمين كبيرين بالغي الهشاشة والسيولة السياسية هما شرق وغرب إفريقيا .

ومع انهيار السودان فإن ذلك يعني أن منطقة من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلنطي تتحول إلى حالة فوضى شاملة بسبب تصاعد المهددات الأمنية المترتبة على استفحال قدرات التنظيمات المتطرفة فيما يتعلق بممارسة الإرهاب ضد الدول والجماعات السكانية معًا. كما أن سقوط السودان في براثن الفوضى يضع أعباءً إضافية على صعيد استراتيجي على حالة الأمن في البحر الأحمر الذي هو ممر ملاحي هام للتبادل التجاري العالمي وكذلك الموارد النفطية الخليجية.

مقالات لنفس الكاتب